الفصلُ السابِع سفر مراثي إرميا "اللهُ يُحبِّكَ مهما كانت حالتُك" - أسلوب المراثي الأدبي
أسلوب المراثي الأدبي
من وُجهَةِ نظر أدبيَّة، يُعتَبَرُ سفرُ المراثِي تُحفةً فنِّيَّةً في الشِّعر، وهو يحتَوي على خمسةِ أشعار أو قصائد، في إصحاحاتِهِ الخمسة. فكُلُّ إصحاحٍ مُؤلَّفٌ من قصيدةِ رِثاءٍ مُستقِلَّة، وأربعةٌ من هذه القصائد هي أشعارٌ بحَسبِ التسلسُلِ الأبجدي، أي يبدأُ كُلُّ سطرٍ أو عددٍ منها بحرفِ أبجدي بالتتالي من الألِفِ إلى الياء. ومهما كان شكلُ سفرِ المراثِي جميلاً أدبيَّاً، إلا أنَّ رسالتَهُ الروحيَّة كانت هي السببُ في وضعِهِ ضمنَ أسفارِ الوحي.
فرسالةُ السفرِ المُوحَى بها من الله تتركَّزُ حولَ المأساة الرديئة التي نتَجَت عن السبيِ البابِلي. هذه الرِّسالة مُعبَّرٌ عنها بعاطفة جيَّاشَة: "بِماذا أُنذِرُكِ بماذا أُحذِّرُكِ؟ بماذا أُشبِّهُكِ يا ابنةَ أورشليم؟ بماذا أُقايِسُكِ فأُعزِّيكِ أيَّتُها العذراءُ بِنتُ صِهيون. لأنَّ سحقَكِ عظيمٌ كالبحرِ. من يشفيكِ؟" (مراثي 2: 13). إن وصفَ إرميا الحيويّ لأُورشليم بعدَ الإجتياح البابِلي، يُظهِرُ هولَ حالةِ المدينة المهزُومة من قِبَلِ أمبراطُوريَّةٍ مثل الأمبراطُوريَّةِ البابِلية.
عندما نظُنُّ أنَّ هذا السفر مملووءٌ بالحُزنِ واليأس، يُفاجِئُنا إرميا برسالةٍ نبويَّةٍ مسياويَّةٍ جميلة مُفعَمة بالرجاء. لربَّما تتذكَّرونَ أنَّ أيُّوب عمِلَ الشيءَ نفسَهُ في قمَّةِ ألمهِ (أيوب 19: 25، 26). في الإصحاحِ الثالِث من سفرِ المراثي، وفي عُمقِ يأسِهِ، أخذَ إرميا إعلاناً نبويَّاً مُدهِشاً: "إنَّهُ من إحساناتِ الربِّ أنَّنا لم نفنَ. لأنَّ مَرَاحِمَهُ لا تَزُول. هي جديدةٌ في كُلِّ صَباح. كَثِيرةٌ أمانتُكَ. نَصيبي هو الربُّ قالت نفسي. من أجلِ ذلكَ أرجُوه. طَيِّبٌ هو الربُّ للَّذينَ يترجُّونَهُ للنَّفسِ التي تطلُبُهُ. جيِّدٌ أن ينتَظِرَ الإنسانُ ويتوقَّعَ بِسُكُوتٍ خلاصَ الربّ." (مراثي 3: 22-26).
إن رسالةَ الرَّجاء التي أُعلِنَت لإرميا كانت التالية: اللهُ لا يَكِفُّ عن مَحبَّتِنا! عندما نُخطِئ، يُحبِّنا اللهُ مهما كانت حالُنا. فرجاؤُنا هو في محبَّةِ الله. فعندما كانَ أولئكَ المَسبِيين على وشكِ أن يُقادُوا بالأغلالِ، قالَ لهُم إرميا، "لا تفتَخِروا بِغناكُم ولا بقوَّتِكُم ولا بِحِكمَتِكُم ولا بِثقافَتِكُم. بل افتَخِروا بالله. عليكُم أن تأتُوا لمَعرِفَة الله لكي تجدُوا مِلئكُم فيه. يُمكِنُكُم أن تعرِفُوا اللهَ من خِلالِ محبَّتِهِ غير المشروطة والتي لا تسقُطُ أبداً." وهكذا جعلَ اللهُ إرميا يعرِف أنَّهُ ليسَ بإمكانِنا أن نربحَ محبَّتَهُ بإنجازاتِنا الإيجابِيَّة، ولا يُمكِنُنا أن نخسَرَ محبَّتَهُ بإنجازاتِنا السلبيَّة. فاللهُ لن يكُفَّ عن محبَّتنا أبداً بتاتاً.
- عدد الزيارات: 9374