بعض أصنام القرن العشرين
عندما نتكلم عن الأصنام لابد أننا نذكر قبل كل شيء الأصنام التي عبدها الناس في الأيام القديمة والتي كانت تمثل الآلهة التي اعتقد بها عابدوها. ولا تزال هكذا أصنام موجودة في بعض أنحاء العالم حيث تسيطر الوثنية.
ولكنه يجدر بنا ألا نظن أن ذكر الصنمية يعني دوما الصنمية حسب مظاهرها القديمة. في كثير من الأحيان توجد الصنمية حيث لا أصنام مادية معينة. وسوف نتأمل الآن في صنم مهم جدا آثر على عقول العديدين من الناس في أيامنا ألا وهو صنم الحرية المطلقة الذي هو عنصر هام في الفلسفة الوجودية الإلحادية.
قبل كل شيء نحن لا نود أن نظهر مطلقا وكأننا نعادى الحرية حسب مفهومها الاعتيادى، هذه الحرية ليست بصنم، كلا وألف كلا! الحرية المعرفة بمقتضى النواميس الإلهية والتي نأتي إلى معرفتها بواسطة الوحي الإلهي – هذه الحرية هي لأمر حيوى جدا في حياة الإنسان، أن كان ذلك على الصعيد الفردى أو الاجتماعي أو الدولي. الحرية هي لأمر عظيم جدا بالنسبة لجميعنا نحن ابناء الشرق! كم تعدبنا وكم شقينا في سبيل تحرير بلادنا وأوطاننا وكم كان طعم الحرية لذيذا عندما أصبحنا أسيادا في بلادنا وجلا عنا آخر جندى أجنبي!
ماذا نعني إذن عندما نقول بأن أحد أصنام القرن العشرين هو الحرية المطلقة؟ ما هي هذه الحرية المطلقة وما هو المفهوم المتزن للحرية التي هي عنصر اساسي من الحياة وكيف نميز الحرية الحقيقية من الحرية المزيفة؟
الحرية التي أصبحت صنما في أيامنا هذه والتي دعوناها بالحرية المطلقة ولتمييزها عن الحرية الحقيقية، الحرية المطلقة هي جزء لا يتجزأ من الفلسفة الوجودية الإلحادية المعاصرة. وماذا تعلمنا هذه الفلسفة؟ تقول لنا : أولاً : لا اله – ليس هناك اله سرمدي خالق الكون ومبدع الإنسان ومسيطر على جميع مقدرات التاريخ. وبكلمة مختصرة تقول لنا : الله غير موجود!
ثانيا : تقول لنا هذه الفلسفة انه ليس هناك من قوانين ونواميس وشرائع سارية المفعول في كل مكان وزمان وغير قابلة للتغيير! وهذا النفي الثاني ينبثق عن النفي الأول : فان كان الله غير موجود فمن العبث الكلام عن شرائع ونواميس غير متقلبة أو متغيرة، لأنه حيث لا مشرع لا شريعة!
ثالثاً : تعلمنا هذه الفسفة بأن الإنسان كائن وحيد وهو يبرز وجوده أو يظهر وجوده عندما يعمل بمقتضى رغباته وارادته الشخصية المتحررة من كل إيمان بما فوق الطبيعة! حسب تعليم هذه الصنمية المعاصرة يصبح الإنسان بالحقيقة إنسانا عندما يختار بكل حرية أو بحرية مطلقة أن يعيش كما يشاء. الإنسان هو سيد حياته المطلق وليس من شيء أو من كائن يقول له افعل هذا أو ذاك. حرية الإنسان هي حرية مطلقة غير خاضعة لنظام يأتي من فوق أو من أعلى! وان لم يثبت الإنسان وجوده بهكذا اختيار وبهكذا حرية غير مقيدة فان الإنسان لا يكون بالحقيقة.
لقد ذكرنا مسبقا بأننا لا نعادى الحرية، أي الحرية حسب معناها الحقيقي. ولكننا لا نستطيع أن نقبل الحرية المتحررة من كل ناموس وشريعة. نحن لا نستطيع أن نقبل الحرية التي تقول : لا لله تعالى والتي تسخر به وتعامله كصنم! نحن لا نستطيع أن نقبل هكذا حرية لأنها ليست بحرية، انها عبودية غاشمة طلت نفسها باسم الحرية، انها صنمية وان كانت لم تبن بعد معابد ولم تقم أصناما مادية.
كيف يقبل الناس في هذه الأيام، تعاليم ومبادىء الصنمية المؤلهة للحرية المطلقة؟ إنسان اليوم هو إنسان قلق ومضطرب وهو لا يعلم كيف يسيطر على حياته المهددة من قبل العدم والفناء واللا معنى. وإذ يرى في الأسواق الفكرية العالمية إذ يلاحظ فلسفة جدية تعمل جهدها لتفسير معنى الوجود وتقول بأنها مع الإنسان ومن أجله وله وضد سائر القوى التي تعسف بحياته، نرى إنسان القرن العشرين يقبل بدون فحص أو تمحيص مبادىء الوجودية الإلحادية وينظر اليها كلمحرر والمنقذ والفادى. لكن دواء هذه الفلسفة هو غير شاف وتحليلها للوضع الإنساني أو للواقع الإنساني هو تحليل غير سليم.
من ينكر أهمية الحرية؟ الحرية مهمة ومهمة جدا وكم استشهد من أجلها الناس! ولكن الحرية لا يمكن أن توجد في الفراغ. وليست الحرية عبارة عن مفهوم يعيش به الإنسان في عالم بدون الله. الحرية الحقيقية هي الحرية التي تعترف بالمسؤولية والمسؤولية توجد حيثما يعترف الإنسان بوجود شريعة فوق بشرية. الحرية ليست بإباحية ونهاية هذه الموت بينما نهاية الحرية هي الحياة.
أهذه حرية أن كنت تقود سيارة على طريق جبلي فصممت فجأة أن تحيد عن الطريق وان تنطلق بسرعة نحو الوادى؟ أهذه هي الحرية التي لا تعترف بأية مسؤولية؟ هل هناك حرية حقيقية أن أنكرنا الله ووحيه ووصاياه وشرائعه ورسله وأنبيائه؟
واندفاع الناس في هذه الأيام نحو الصنميات المتعددة لدليل قوى على وجود ميل هائل نحو الشر وللابتعاد عن الله وعن طرقه المستقيمة. والناس منذ فجر التاريخ كانوا يقعون في خطية عبادة الأوثان وليست هذه الخطية الا عبادة احد أبعاد أو مظاهر الخليقة اهمال الخالق تعالى اسمه. وهكذا أن أخذ أحدهم الحرية وجردها عن المسؤولية وعن الاطار الإلهي المنبثق عن الشريعة الإلهية ووضعها ضمن اطار الحادى وأطلق عليها صفة المطلق فإنه يكون بذلك قد جاء بصنم جديد يعبده هو وسائر الذين يسيرون في ركابه.
ولكن الله – تعالى اسمه – لا يود منا نحن مخلوقاته العاقلة أن نسقط في خطية عبادة الأصنام مهما كانت هذه ومهما تعددت في أشكالها والوانها. نهاية كل صنمية هي الموت أن كانت من الصنميات القديمة أو الحديثة. ولقد أرسل الله منقذا حقيقيا ومحررا جبارا ألا وهو السيد المسيح. فقد جاء المسيح إلى دنيانا هذه ومات عنا على الصليب وقام منتصرا في اليوم الثالث.
أتريد أن تتقوى حياتك الروحية والنفسية والعقلية وأن تكتسب مناعة ضد الصنميات المعاصرة؟ آمن بالمسيح المخلص وعش معه في حياة ملؤها الرجاء والإيمان والمحبة. ثم إذهب إلى معترك الحياة المليئة بالآلام والعذابات واشهد عما قام به الله في حياتك وكيف أنقذك من وهدة الصنمية المعاصرة.
- عدد الزيارات: 3982