كلمة إلى الجيل الناشيء
" 1اسمعُوا أيها الْبَنُونَ تَأْدِيبَ الأَبِ وَاصْغُوا لأجل مَعْرِفَةِ الْفَهْمِ 2لأَنِّي أُعْطِيكُمْ تَعْلِيماً صَالِحاً فَلاَ تَتْرُكُوا شَرِيعَتِي. 3فَإِنِّي كُنْتُ ابناً لأَبِي غَضّاً وَوَحِيداً عِنْدَ أُمِّي 4وَكَانَ يُرِينِي وَيَقُولُ لِي : «لِيَضْبِطْ قَلْبُكَ كَلاَمِي. احْفَظْ وَصَايَايَ فَتَحْيَا. 5اِقْتَنِ الْحِكْمَةَ. اقْتَنِ الْفَهْمَ. لاَ تَنْسَ وَلاَ تُعْرِضْ عَنْ كَلِمَاتِ فَمِي. 6لاَ تَتْرُكْهَا فَتَحْفَظَكَ. أَحْبِبْهَا فَتَصُونَكَ. 7الْحِكْمَةُ هِيَ الرَّأْسُ فَاقْتَنِ الْحِكْمَةَ وَبِكُلِّ مُقْتَنَاكَ اقْتَنِ الْفَهْمَ. 8ارْفَعْهَا فَتُعَلِّيَكَ. تُمَجِّدُكَ إذا اعْتَنَقْتَهَا. 9تُعْطِي رَأْسَكَ إِكْلِيلَ نِعْمَةٍ. تَاجَ جَمَالٍ تَمْنَحُكَ». 10اسمعْ يا ابني وَاقْبَلْ أَقْوَالِي فَتَكْثُرَ سِنُوحَيَاتِكَ. 11أَرَيْتُكَ طَرِيقَ الْحِكْمَةِ. هَدَيْتُكَ سُبُلَ الاِسْتِقَامَةِ. 12إذا سِرْتَ فَلاَ تَضِيقُ خَطَوَاتُكَ وَإذا سَعَيْتَ فَلاَ تَعْثُرُ. 13تَمَسَّكْ بِالأَدَبِ. لاَ تَرْخِهِ. احْفَظْهُ فإنه هو حَيَاتُكَ. 14لاَ تَدْخُلْ فِي سَبِيلِ الأَشْرَارِ وَلاَ تَسِرْ فِي طَرِيقِ الأَثَمَةِ. 15تَنَكَّبْ عَنْهُ. لاَ تَمُرَّ بِهِ. حِدْ عَنْهُ وَاعْبُرْ 16لأَنَّهُمْ لاَ يَنَامُونَ أن لَمْ يَفْعَلُوا سُوءاً وَيُنـزعُ نَوْمُهُمْ أن لَمْ يُسْقِطُوا أَحَداً. 17لأَنَّهُمْ يَطْعَمُونَ خُبْزَ الشَّرِّ وَيَشْرَبُونَ خَمْرَ الظُّلْمِ. 18أَمَّا سَبِيلُ الصِّدِّيقِينَ فَكَنُورٍ مُشْرِقٍ يَتَزَايَدُ وَيُنِيرُ إلى النَّهَارِ الْكَامِلِ. 19أَمَّا طَرِيقُ الأَشْرَارِ فَكَالظَّلاَمِ. لاَ يَعْلَمُونَ مَا يَعْثُرُونَ بِهِ. 20يا ابني أَصْغِ إلى كَلاَمِي. أَمِلْ إذنَكَ إلى أَقْوَالِي. 21لاَ تَبْرَحْ عَنْ عَيْنَيْكَ. احْفَظْهَا فِي وَسَطِ قَلْبِكَ. 22لأَنَّهَا هِيَ حَيَاةٌ لِلَّذِينَ يَجِدُونَهَا وَدَوَاءٌ لِكُلِّ الْجَسَدِ. 23فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ. 24انـزعْ عَنْكَ الْتِوَاءَ الْفَمِ وَأَبْعِدْ عَنْكَ انْحِرَافَ الشَّفَتَيْنِ. 25لِتَنْظُرْ عَيْنَاكَ إلى قُدَّامِكَ وَأَجْفَانُكَ إلى أَمَامِكَ مُسْتَقِيماً. 26مَهِّدْ سَبِيلَ رِجْلِكَ فَتَثْبُتَ كُلُّ طُرُقِكَ. 27لاَ تَمِلْ يَمْنَةً وَلاَ يَسْرَةً. بَاعِدْ رِجْلَكَ عَنِ الشَّرِّ "
سفر الأمثال 4 : 1-27
عالمنا اليوم هو مكتظ بالسكان. وخبراء علم السكان يقولون لنا أن عدد الناس في العالم في العام ألفين سيكون ضعف ما هو عليه الآن. هذا موضوع يهم إذن كل شخص وكل بلاد لأننا ما أن نتأمل في موضوعنا هذا حتى تبرز مشاكل فرعية تتطلب حلا سريعا. فهناك موضوع الغذاء الذي ستحتاجه البشرية لإطعام الملايين من السكان لأن معدل ازدياد الناس هو أكبر الآن من ازدياد الطاقات الزراعية في العالم.
وعلاوة على مشكلة الطعام هناك موضوع الاسكان. أين سيعيش الناس في السنين التالية أن كان عددهم سيتضاعف في مدة تقارب من ثلاثين سنة؟ هل توجد أماكن كافية لهم وهل سيكون الدخل السنوى جيدا لدرجة يسهل فيها بناء وحدات سكنية جديدة؟ وهناك أيضاً موضوع الثقافة والتربية في عالم الغد. هل سيتمكن كل ولد من الذهاب إلى مدرسة ليتلقن العلوم وللحصول على المعارف اللازمة للعيش في حضارة القرن العشرين التقنية؟ علينا ألا نتمادى في طرح هكذا أسئلة لأنها مع أهميتها خارجة عن نطاق عملنا وقد ألمحنا اليها لكي نقف على حقيقة هامة تهم جميع بني البشر في يومنا هذا ألا وهي بروز مشاكل عديدة ذات الأبعاد العالمية.
غايتنا هي الكلام عن التربية غير الرسمية أي التربية البيتية أو العائلية وأهميتها في أيامنا هذه. وما أن نأتي على ذكر هذا الموضوع حتى نفكر حالا بأنه هناك أزمة واقعية حقيقية ظهرت في أيامنا وهي أزمة العلاقة بين الوالدين والجيل الجديد. نلاحظ وجود جو عدم ثقة بين الأولاًد وآبائهم وأمهاتهم. الأولاًد لا يثقون بوالديهم ولا يميلون إلى اطاعتهم والآباء والأمهات لا يفهمون أولاًدهم ولا القوى الخفية التي تدفعهم إلى الانتفاض على سلطة الوالدين. ولابد لنا من أن نقول بأن الوالدين ليسوا دائما بلا لو م لأنهم كثيراً ما يهملون أولاًدهم أو يعاملونهم معاملة قاسية وخالية من المحبة والمنطق السليم. الا أن اعترافنا بهذا الأمر لا يعني أنه يجوز للأولاًد أن يثوروا على والديهم. اطاعة الآباء والأمهمات واحترامهم هو من صلب نظام الخليقة الذي أو جده الله تعالى ومن لم يتعلم الاحترام والطاعة ضمن حياة العائلة لا يعرف معنى الطاعة في بقية نواحي الحياة.
في جو عالمي كالذي نعيش فيه اليوم جو مليء بالتغييرات وبالآراء الحديثة والمستحدثة يجدر بنا أن ننصت بكل خشوع إلى تعاليم الكلمة الإلهية. فقد شاء الله وأعطانا كتابا من الكتب المقدسة يبحث في موضوع الحكمة وهذا هو سفر أمثال سليمان الحكيم. وها اننا نتطرق الآن للبحث في موضوع ندعوه : كلمة إلى الجيل الناشىء.
1. موقف احترام وثقة : يوجه سليمان كلماته إلى الشبان قائلاً " " 1اسمعُوا أيها الْبَنُونَ تَأْدِيبَ الأَبِ... لِيَضْبِطْ قَلْبُكَ كَلاَمِي. احْفَظْ وَصَايَايَ فَتَحْيَا " نقول في أنفسنا (وذلك فيما إذا كنا بعد في أوائل سنينا). لماذا كل هذه الوصايا والنصائح؟ لما التشديد على الطاعة ولماذا يطلب منا بأن ننشد الحكمة؟ هل ينتظر منا أن نعيش وكأننا مسنين؟ هل تجهل اننا ابناء القرن العشرين عصر الانطلاق والتحرر والاكتشاف والابداع؟ هذه الكلمات تظهر وكأنها آتية من الماضي السحيق!
مهلا أيها الشبان والشابات، مهلا لا تتسرعوا في انتقاداتكم! أن وصايا ونصائح الوالدين هي لمنفعتكم ولخيركم لأن الله انما يظهر سلطته في حياتكم بواسطة سلطة الآباء والأمهات. احذروا وتحفظوا لأنكم أن احتقرتم الوالدين فأنكم تكونون محتقرين لسلطة الله تمجد اسمه. انكم بحاجة ماسة إلى اتخإذ موقف احترام وثقة. نعم عليكم أن تحترموا الوالدين وتثقوا بهم.
وهذه كانت كلمات والد محب لابنه الحبيب " 5اِقْتَنِ الْحِكْمَةَ. اقْتَنِ الْفَهْمَ. لاَ تَنْسَ وَلاَ تُعْرِضْ عَنْ كَلِمَاتِ فَمِي. 6لاَ تَتْرُكْهَا فَتَحْفَظَكَ. أَحْبِبْهَا فَتَصُونَكَ. 7الْحِكْمَةُ هِيَ الرَّأْسُ فَاقْتَنِ الْحِكْمَةَ وَبِكُلِّ مُقْتَنَاكَ اقْتَنِ الْفَهْمَ. 8ارْفَعْهَا فَتُعَلِّيَكَ. تُمَجِّدُكَ إذا اعْتَنَقْتَهَا. 9تُعْطِي رَأْسَكَ إِكْلِيلَ نِعْمَةٍ. تَاجَ جَمَالٍ تَمْنَحُكَ " ما أعظم وأنفس هذه النصائح! هل منطقها غير صحيح؟ هل تجعل من أفق حياتك أفقا ضيقة؟ أن الذي ينشد الحكمة الحقيقية لا يقوم بذلك فقط من أجل إنماء قواه الفكرية أو العقلية. من يسعى وراء الحكمة يكون ساعيا وراء منافع عديدة هي عبارة عن ثمار الحكمة ضمن الحياة اليومية التي يحياها الإنسان – أن كان عائشا في أيام سليمان أو في يومنا هذا.
" 10اسمعْ يا ابني وَاقْبَلْ أَقْوَالِي فَتَكْثُرَ سِنُوحَيَاتِكَ. 11أَرَيْتُكَ طَرِيقَ الْحِكْمَةِ. هَدَيْتُكَ سُبُلَ الاِسْتِقَامَةِ... 14لاَ تَدْخُلْ فِي سَبِيلِ الأَشْرَارِ وَلاَ تَسِرْ فِي طَرِيقِ الأَثَمَةِ " هل هناك كلمات أكثر واقعية أو عملية من هذه الكلمات؟ ألسنا جميعا ولا سيما أولئك الذين لا يزالون في ربيع الحياة، ألسنا جميعا بحاجة إلى تحذير من مغبة السير على طريق الأشرار؟ لننبذ عنا إذن ذلك الموقف غير الحميد موقف عدم الثقة بالوالدين ولنبدأ بأن نحترمهم أكثر من أي وقت مضى وأن نقبل كل نصيحة ووصية تعكس فيها الحكمة الإلهية.
ولم يكتف الحكيم بالكلام عن وجوب الإصغاء إلى الوالدين والنتائج الجيدة التي تتأتى عن ذلك بل انه ذهب إلى لب المضوع عندما ناشد ابنه قائلاً " فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاة "
ماذا تعني هذه الكلمات " فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ " ؟ من المعلوم أن القلب اللحمي الكائن في جسد الإنسان هو عضوذوأهمية عظمى وبدون القلب السليم ليست هناك حياة جسدية سليمة أو هنيئة. وعلاوة عن القلب اللحمي أو الجسدى الكائن في كل واحد منا هناك قلب معنوى أو نفسي حسب تعاليم الكتاب وهذا هو القلب الذي أتي الحكيم على ذكره عندما قال احفظ قلبك لأن منه منابع الحياة. ينظر الكتاب إلى مركز سائر القوى والطاقات الفكرية والحياتية في الإنسان كمركز ذى أهمية قصوى ويدعوه أيضاً باسم القلب. فكما أن حياتنا الجسدية تدور على محور القلب هكذا أيضاً حياتنا النفسية والعقلية، حياتنا التي تميزنا عن سائر المخلوقات الأخرى حياتنا كبشر حياة متمركزة في مركز حيوى هام هو القلب المعنوى.
احفظ قلبك لأن منه منابع الحياة! ماذا تعني هذه الكلمات؟ احفظ قلبك! كلمات الحكيم انما تعني بأنه من واجبنا كبشر وخاصة نحن الذين نعد أنفسنا من الجيل الطالع أو الناشيء أن نكون ذوى هدف سليم واحد وهذا هو تمجيد الله في جميع وشتى وسائر مناطق حياتنا. قلبنا أن كان قلبا سليما وموحدا هو الذي يدفعنا للسير على طريق الله. القلب السليم يجعل من الحياة حياة سائرة على محور محبة الله وخدمته بصورة متفانية. أن كنا نحيا ليس من أجل أنفسنا بل لله ولخدمته في هذه الدنيا المعذبة والمتألمة، فان حياتنا لن تعرف الا سبيلا واحدا ومستقيما وهو سبيل الخير والصلاح. وقد عرف الحكيم حفظ القلب وسلامته بهذه الكلمات " 24انـزعْ عَنْكَ الْتِوَاءَ الْفَمِ وَأَبْعِدْ عَنْكَ انْحِرَافَ الشَّفَتَيْنِ. 25لِتَنْظُرْ عَيْنَاكَ إلى قُدَّامِكَ وَأَجْفَانُكَ إلى أَمَامِكَ مُسْتَقِيماً. 26مَهِّدْ سَبِيلَ رِجْلِكَ فَتَثْبُتَ كُلُّ طُرُقِكَ. 27لاَ تَمِلْ يَمْنَةً وَلاَ يَسْرَةً. بَاعِدْ رِجْلَكَ عَنِ الشَّرِّ "
ما أعظم هذا الشيء الذي تكلم عنه الحكيم! كل إنسان مفكر ورزين يود بأن يحصل على سلامة القلب نعم ولكن كيف نحصل علىهذا الكنـز العظيم؟ كيف نحفظ قلبنا بهكذا صورة حتى اننا نستفيد من سائر النصائح والارشادات والوصايا التي ترد في الحكمة الإلهية؟ كل إنسان لابد له من أن يقر بأن قوى الشر انما تعبث بحياته وان قلبه عوضا عن أن يكون مركزا سليما وموحدا لنشاطات وأهداف حياته انما هو مسرح لمعارك روحية ونفسية حامية. من ينقذنا من هذا التفتت أو التفسخ القلبي؟
كتاب الله يخبرنا عن نبأ سار للغاية ولاسيما أن كنا قد سألنا السؤال الأخير بصورة جدية. لقد أرسل الله مسيحه إلى عالمنا بمهمة خاصة وفريدة. لقد جاء السيد المسيح لينقذنا من عبودية الشر والمعصية وليهبنا القلب السليم ولكي يشفينا من جميع الأمراض الروحية العالقة بمركز حياتنا النفسية. لقد كفر المسيح عن خطايا الذين يؤمنون به وهو يطلب منهم اليوم بل الآن بأن يحيوا حياة ملؤها الشكر والحمد، حياة رائدها خدمة الله وبني البشر عن قلب سليم ونـزيه. ما هو موقفكم من هذا النبأ السار أيها الشبان والشابات؟ هل اكتفيتم بالوقوف عليه بصورة سطحية وآنية؟ أم هل أنتم راغبون في اختياره حياتيا ضمن قلوبكم؟ ضعوا ثقتكم الكلية بالمسيح الفادى وعيشوا حياة الحكمة والظفر والفرح الحقيقي.
- عدد الزيارات: 3737