Skip to main content

سر التألم -6

بحثنا حتى الآن في موضوع آلام وعذابات المؤمن الشهير أيوب الصديق فذكرنا كيف أن الله تعالى سمح للشيطان بأن يجرب عبده أيوب. أولاً جرد ابليس أيوب من ثروته الطائلة وبعد ذلك أمات بنيه وبناته. جرت هذه الأمور الحزينة بسرعة غريبة جدا، حدثت لرجل كان الله قد شهد عنه بأنه كان رجلا كاملا ومستقيما. وورد ذكر هذا الإنسان في الكتاب لنتعلم بان الآلام لا تنصب علينا دائما في هذه الدنيا بناء على شرور معينة، بل كثيراً ما تأتي علينا هذه الأمور للنموفي الإيمان وللتقرب من الله. وكذلك يجدر بنا أن لا ننسى بأن الشرير يقف لنا بالمرصاد وأن اسمه " شيطان " : المشتكي لأنه يشتكي على المؤمنين أمام العرش الإلهي. ومع أننا نحن على علم بدور الشيطان في الفواجع التي انقضت على أيوب الا أن هذا الأخير كان يجهل ذلك – لمدة ما. لكنه كان متأكدا بصورة دائمة بأنه مهما صار وحدث، يبقى الله المسيطر على الموقف حتى في أشد الساعات قساوة ومرارة.

اقتبسنا سابقا من الفصل الأول من سفر أيوب وها اننا نقتبس من الفصل الثاني حيث نلاحظ أن الله سمح للشيطان بأن يسلب أيوب صحته وعافيته " 1وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُواللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أيضاً فِي وَسَطِهِمْ لِيَمْثُلَ أَمَامَ الرَّبِّ. 2فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ : [مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟] فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ : [مِنَ الجو لاَنِ فِي الأرض وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا]. 3فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ : [هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ لأنه لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأرض! رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ. وَإلى الآنَ هو مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِهِ وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ لأَبْتَلِعَهُ بِلاَ سَبَبٍ]. 4فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ : [جِلْدٌ بِجِلْدٍ وَكُلُّ مَا لِلإنسان يُعْطِيهِ لأجل نَفْسِهِ. 5وَلَكِنِ ابْسِطِ الآنَ يَدَكَ وَمَسَّ عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ فإنه فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ]. 6فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ : [هَا هو فِي يَدِكَ وَلَكِنِ احْفَظْ نَفْسَهُ]. 7فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ إلى هَامَتِهِ. 8فَأَخَذَ لِنَفْسِهِ شَقْفَةً لِيَحْتَكَّ بِهَا وهو جَالِسٌ فِي وَسَطِ الرَّمَادِ. 9فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ : [أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ! جَدِّفْ عَلَى اللهِ وَمُتْ!] 10فَقَالَ لَهَا : [تَتَكَلَّمِينَ كَلاَماً كَإِحْدَى الْجَاهِلاَتِ! أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟] فِي كُلِّ هَذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ. 11فَلَمَّا سَمِعَ أَصْحَابُ أَيُّوبَ الثَّلاَثَةُ بِكُلِّ الشَّرِّ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ جَاءُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَكَانِهِ : أَلِيفَازُ التَّيْمَانِيُّ وَبِلْدَدُ الشُّوحِيُّ وَصُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ وَتَوَاعدو ا أن يَأْتُوا لِيَرْثُوا لَهُ وَيُعَزُّوهُ. 12وَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ مِنْ بَعِيدٍ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَبَكُوا وَمَزَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ جُبَّتَهُ وَذَرُّوا تُرَاباً فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ نحو السَّمَاءِ 13وَقَعدو ا مَعَهُ عَلَى الأرض سَبْعَةَ أيام وَسَبْعَ لَيَالٍ وَلَمْ يُكَلِّمْهُ أَحَدٌ بِكَلِمَةٍ لأَنَّهُمْ رَأوا أن كَآبَتَهُ كَانَتْ عَظِيمَةً جِدّاً "

لم يكتف الشيطان بأن يأخذ ثروة أيوب وأولاًده بل ضربه أيضاً في جسده بانـزال ذلك المرض المخيف عليه. وقد ظن الشيطان بأن أيوب كان سيتخلى عن إيمانه بالله وانه كان سيستسلم لافكار شريرة تجعله يشك في عدالة الله وقوته ومودته. ومع أن أيوب مر في محنة روحية شديدة ومع أن زوجته لم تعطه النصائح المفيدة أثناء مروره بتلك المحنة وبالرغم من فشل رفاقه في تعزيته – إذ أنهم بعد صمتهم انقلبوا إلى محاضرين ومشتكين – الا أن أيوب لم يترك إيمانه بالله. وهذه بعض الكلمات الخالدة التي نستقيها من سفره والتي تفوه بها أيوب الصديق " لَيْتَ كَرْبِي وُزِنَ وَمَصِيبَتِي رُفِعَتْ فِي الْمَوَازِينِ جَمِيعَهَا. 3لأَنَّهَا الآنَ أَثْقَلُ مِنْ رَمْلِ الْبَحْرِ. مِنْ أجل ذَلِكَ لَغَا كَلاَمِي. 4لأَنَّ سِهَامَ الْقَدِيرِ فِيَّ تَشْرَبُ رُوحِي سُمَّهَا. أَهوالُ اللهِ مُصْطَفَّةٌ ضِدِّي

لَيْتَ كَلِمَاتِي الآنَ تُكْتَبُ. يا لَيْتَهَا رُسِمَتْ فِي سِفْرٍ 24وَنُقِرَتْ إلى الأَبَدِ فِي الصَّخْرِ بِقَلَمِ حَدِيدٍ وَبِرَصَاصٍ. 25أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أن وَلِيِّي حَيٌّ وَالآخِرَ عَلَى الأرض يَقُومُ 26وَبَعْدَ أن يُفْنَى جِلْدِي هَذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللهَ. 27الَّذِي أَرَاهُ أَنَا لِنَفْسِي وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إلى ذَلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي جو فِي

[حَيٌّ هو اللهُ الَّذِي نـزعَ حَقِّي وَالْقَدِيرُ الَّذِي أَمَرَّ نَفْسِي 3إِنَّهُ مَا دَامَتْ نَسَمَتِي فِيَّ وَنَفْخَةُ اللهِ فِي أَنْفِي 4لَنْ تَتَكَلَّمَ شَفَتَايَ إِثْماً وَلاَ يَلْفِظَ لِسَانِي بِغِشٍّ

2[قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ. 3فَمَنْ ذَا الَّذِي يُخْفِي الْقَضَاءَ بِلاَ مَعْرِفَةٍ! وَلَكِنِّي قَدْ نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ. بِعَجَائِبَ فَوْقِي لَمْ أَعْرِفْهَا. 4اسمعِ الآنَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ. أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي. 5بِسَمْعِ الإذنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. 6لِذَلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ].

10وَرَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ لَمَّا صَلَّى لأجل أَصْحَابِهِ وَزَادَ الرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لأَيُّوبَ ضِعْفاً. 11فَجَاءَ إِلَيْهِ كُلُّ إِخْوَتِهِ وَكُلُّ أَخَوَاتِهِ وَكُلُّ مَعَارِفِهِ مِنْ قَبْلُ وَأَكَلُوا مَعَهُ خُبْزاً فِي بَيْتِهِ وَرَثُوا لَهُ وَعَزُّوهُ عَنْ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي جَلَبَهُ الرَّبُّ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ كُلٌّ مِنْهُمْ قَسِيطَةً وَاحِدَةً وَكُلُّ وَاحِدٍ قُرْطاً مِنْ ذَهَبٍ. 12وَبَارَكَ الرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أولاًهُ. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفاً مِنَ الْغَنَمِ وَسِتَّةُ آلاَفٍ مِنَ الإِبِلِ وَأَلْفُ زَوْجٍ مِنَ الْبَقَرِ وَأَلْفُ أَتَانٍ. 13وَكَانَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ. 14وَسَمَّى اسم الأولى يَمِيمَةَ وَاسم الثَّانِيَةِ قَصِيعَةَ وَاسم الثَّالِثَةِ قَرْنَ هَفُّوكَ. 15وَلَمْ تُوجَدْ نِسَاءٌ جَمِيلاَتٌ كَبَنَاتِ أَيُّوبَ فِي كُلِّ الأرض. وَأَعْطَاهُنَّ أَبُوهُنَّ مِيرَاثاً بَيْنَ إِخْوَتِهِنَّ. 16وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ هَذَا مِئَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَرَأي بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ إلى أَرْبَعَةِ أَجْيَالٍ. 17ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخاً وَشَبْعَانَ الأيام "

نتعلم من سيرة هذا الرجل الجبار الذي عاش في أيام ما قبل الميلاد أن المؤمن الحقيقي يصمد في هذه الحياة صمودا جبارا لأنه يتكل على الله اتكالا تاما وان كان لا يفهم في كثير من الاحيان سبب انهمار المصاعب والمآسي على رأسه. وكذلك نتعلم أن الشيطان يلعب دورا فعالا في جلب الآلام والمشاكل على الناس ولا سيما على المؤمنين وكأنه لم يتلقن الدرس الذي كان عليه أن يتلقنه منذ أيام ايوب الصديق وهو أن المؤمن يلتصق بربه والهه لا طمعا بالربح الذي يتأتي عن ذلك الإيمان بل لأنه يحب الله محبة حقيقية مبنية على محبة الله له.

 

  • عدد الزيارات: 2607