حظ أم تصميم؟
ذكرنا في بحثنا السابق أن بعض العلماء اليوم يميلون إلى الاعتقاد بأن الكون ابتدأ بانفجار هائل ويبنون هذا الاعتقاد على التقاطهم موجات إذاعية غير بشرية المصدر والآتية من الفضاء الخارجي. وهذه الموجات الإذاعية لا يمكن تعليلها الا بالرجوع إلى الماضي السحيق عندما جاء هذا الكون إلى الوجود بصورة فجائية. هذا هو رأي بعض علماء الفلك في أيامنا هذه. فهم يختلفون إذن عن العلماء الذين كانوا يعلمون في الجيل الماضي والذين كانوا يدعون – مع فلاسفة الاغريق القدماء – بأن الكون هو أزلي.
وكم علينا أن نشكر الله تعالى اسمه لأنه علمنا في كتابه المقدس بأنه هو خالق الكل " 1فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السماوات وَالأرض " وبناء على هذا التعليم الإلهي نقول مع سائر المؤمنين والمؤمناًت من شتى العصور والبلدان والاقاليم " نؤمن باله واحد آب ضابط الكل، خالق السماء والأرض وكل ما يرى وما لا يرى "
وما أن نشهد بإيماننا هذا حتى نعي في نفس الوقت بأننا نعيش وسط عصر كثرت فيه النظريات والايديولوجيات الإلحادية التي لا تدع أي مجال للخالق. وتظهر هذه النظريات الكون وكأنه عبارة عن وجود يعبث به الحظ والنصيب بدون وجود أي تصميم إلهي مشرف عليه. تظهر هذه النظريات العلمية والتي تخفي في كثير من الاحيان ولاءها للالحاد تظهر الكون وكأنه موجود أزليا ومن تلقاء ذاته. ولكننا إذا ما تفحصنا الأمور على حقيقتها فماذا نجد؟ نلاحظ نظاما رائعا وتصميما لا مثيل له ولاسيما ونحن نتأمل في أمور الكرة الأرضية الصغيرة التي نعيش عليها.
لنلقي نظرة على هذا الكون، هل نجد فيه اشارات توميء إلى الخالق القدير؟ الجو اب هو نعم. لننظر إلى مظهر هام في هذا الكون، إلى مظهر الحياة. فان كان ثمة تصميم في هذا الكون لابد لنا من القول أن هذا يظهر بصورة فريدة في الحياة التي نجدها على الأرض. فلولم يكن هناك من عقل مصمم لهذا الكون، لما كان من الممكن للحياة بأن تبرز إلى الوجود وبشتى مظاهرها وما الذي يدعونا إلى الكلام عن هذا الموضوع بهذه الطريقة؟ هناك عدة اعتبارات تدفعنا إلى القول وبكل ثقة أنه هناك تصميم رائع وفائق لتصورات عقلنا البشري المحدود وأن هذا التصميم يظهر بصورة باهرة في وجود الحياة على الأرض.
نبدأ بحثنا متكلمين عما نتعلمه من علم الكيمياء. فمن الواضح أن أنواع مختلفة من الذرات قد وجدت – حسب نسبات مختلفة – منذ البدء أي منذ الخليقة. والذي يدفعنا إلى هذا القول هو أن النور الذي يصلنا من أبعد المجموعات النجمية يدل على أن تلك النجوم تحتوي علىنفس العناصر التي نعرفها اليوم. فعندما يصلنا نور نجم ما يمكننا معرفة الوقود الذي أو جده وهذا بدوره أيضاً يساعدنا على معرفة العناصر الكائنة في النجم المعين. وإذا ما نظرنا إلى الذرات كجواهر دقيقة من الخليقة والتي لم تتغير كثيراً على مر الزمن، لابد لهذه الذرات أو على الاقل لبعضها من أن تظهر القصد في الكون أو الخليقة. وهذا هو الدرس الذي نتعلمه من دراستنا للعناصر الموجودة على الأرض. فمن البديهي أن نصل إلى القول بأنه إذا كان هناك من قصد أو تصميم فان ذلك قد حدث قبل وجود الكون أي قبل الخليقة. في حياتنا كما نعرفها بديهيا ألا يسبق تصميم المهندس بناية العمارة؟
لنعود إلى علم الكيمياء. عندما نتكلم عن العناصر لابد لنا من تقسيمها بمقتضى ما يسمى بالجدول الدوري. لنحصر اهتمامنا في العناصر الثمانية البسيطة أي تلك التي نجدها في القسم الأول أو في بدء الجدول وهي الهيدروجين – أي مولد الماء – اللثيوم، البريليوم، البورون، الكربون – أي الفحم الأوكسجين – أي مولد الحموضة – النيتروجين – أو الآزوت – والفلورين.
نجد العناصر الاربعة الأولى من هذه القائمة في قائمة يمكن تسميتها بالعناصر الوقودية في النجوم. هذا يفسر لنا سبب كونها نادرة جدا على أرضنا – ما عدا الهيدروجين أو مولد الماء، إذ أن الشمس استهلكت هذه العناصر كوقود قبل نشأة الأرض ومن المهم جدا أن نلاحظ أن الكائنات الحية تتكون رئيسيا من الهيدروجين ومن بقية العناصر البسيطة والتي أتينا على ذكرها أي الكربون والأوكسجين والنيتروجين. كل عنصر من هذه العناصر الاساسية في الكائنات الحية يمتاز بصفات أساسية وضرورية لتكوين العضويات الحية.
لنركز اهتمامنا الان على عنصر مولد الماء أي الهيدروجين. يكون هذا العنصر نوعا من الذرات الارتباطية أي أن ذرة مولد الماء تتحد مع ذرة أخرى بشكل قوي مع انبعاث حرارة شديدة كما يحدث لدى تفجير الهيدروجين مع الأوكسجين أو الكورين. ولذرة الهيدروجين المقدرة أيضاً بأن تعمل أو تنشيء ارتباطا ثانيا مع ذرة أخرى وهو قوي ولكنه يحدث وينفسخ بدون حدوث أية حرارة. لو لا وجود هذه الامكانية لما كان بالامكان وجود الحياة على الأرض. مثلاً يحدث التقلص في عضلات الجسم عندما تتحد ذرات الهيدروجين الكائنة في مجموعة الذرات البروتينية اللولبية الشكل مع ذرات أخرى بقوة وهذا يجري بناء على أو نتيجة لمنبه يرسل في عصب من الاعصاب المتصلة بالعضل. هل يعد وجود الهيدروجين على أرضنا وجودا عفويا أم هل هو نتيجة تصميم وقصد؟
لنتأمل أيضاً في ميزات وصفات الماء العجيبة. وهنا نجد أيضاً أن القوة الارتباطية لذرات الهيدروجين تلعب دورا هاما في اعطاء الماء ميزاتها العظيمة. فمع أن الماء تتكون كيميائيا من ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأوكسجين الا انها ليست بغاز بل انها سائل هام يمتاز بارتفاع درجة غليانه وهذا يعود إلى أن مجموعة الذرات المائية متصلة مع بعضها البعض بواسطة رابطة الهيدروجين الواقية فتزيدها تعقيدا. ونظرا لو جود هذه الرابطة فان الذرات أي ذرات مولد الماء تصبح مشحونة بالكهرباء السلبية بينما الأوكسجين بالكهرباء الايجابية. وإلى هذه الشحنات الكهربائية – السلبية منها وكذلك الايجابية – يعود الفضل في جذب ذرات الاملاح المشحونة بالكهرباء وهذا هو الذي يفسر لنا كون الماء مذيبا جيدا.
- عدد الزيارات: 2887