اتبعني
الإنجيل حسب يوحنا 21
من أهم الأسئلة التي تجابهنا في الحياة هي: ما هو هدف الحياة؟ وما معنى الوجود؟ ما أكثر الناس الذين لا يعلمون لماذا وجدوا على الأرض أو لماذا كتب عليهم بأن يتعذبوا ويتألموا. أضحت الحياة المعاصرة فريسة للروتينية المملة وكأن الإنسان صار شبه آلة تدور على نفسها بملل وضجر قاتلين. يا ترى من ينقذنا من هذه الدوامة ومن يحررنا من اللامعنى الذي يحيق بنا من ساعة نهوضنا حتى نومنا؟
ليس للحياة هدف أو معنى فيما إذا ما أخذنا النظرة الحياتية السائدة بين العديدين من معاصرينا ألا وهي الفلسفة المادية الإلحادية. ولكننا إذا تسلحنا بالإيمان القويم الذي يعترف بسيادة الله على التاريخ البشري وقبلنا تعاليم الوحي الإلهي المدونة في الكتاب المقدس، نقدر آنئذ أن نجابه الحياة وصعوباتها المتكاثرة باليقين التام أن الفشل لن يكون نصيبنا بل تضحي حياتنا جزءاً من البرنامج الإلهي للتاريخ.
وبإمكاننا رؤية تطبيق هذا المبدأ الحياتي في اختبارات تلاميذ السيد المسيح في الأيام التي تلت قيامته من بين الأموات. وقد سرد لنا الرسول يوحنا في الفصل الحادي والعشرين من الإنجيل حادثة ظهور المسيح الظافر لبعض تلاميذه عند بحر طبرية أو بحر الجليل في شمالي البلاد المقدسة. وكان تلاميذ المسيح يعيشون في فراغ روحي نظراً لعدم تفهمهم لمعنى الحياة في ضوء قيامة المسيح يسوع. فظهر لهم المسيح وعلمهم درساً هاماً ألا وهو وجوب وضع جميع أعمالنا وبرامجنا الحياتية ضمن إطار ملكوت الله.
وبعد هذا أي بعد ظهور المسيح لتلاميذه في مناسبتين مختلفتين، أظهر يسوع نفسه أيضاً للتلاميذ عند بحر طبرية. وظهر هكذا: كان سمعان وبطرس وتوما الذي يدعى لتوأم ونثنائيل الذي من قانا الجليل وابنا زبدي واثنان آخران من تلاميذه قد اجتمعوا معاً. فقال لهم سمعان بطرس: أنا ذاهب لأصطاد. قالوا له: ونحن أيضاً نذهب معك. فخرجوا وركبوا القارب ولم يمسكوا في تلك الليلة شيئاً. وعند إقبال الصبح وقف يسوع على الشاطئ ولم يعلم التلاميذ أنه يسوع. فقال لهم يسوع: أيها الفتية هل عندكم شيء من سمك؟ أجابوه: لا. فقال لهم: ألقوا الشبكة إلى جانب القارب الأيمن فتجدوا. فألقوها فلم يعودوا يقدرون أن يجذبوها من كثرة السمك. فقال ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبه لبطرس: إنه الرب. فلما سمع سمعان بطرس أنه الرب ائتزر بثوبه لأنه كان عرياناً وألقى نفسه في البحر. وأما التلاميذ الآخرون فجاءوا بالقارب فإنهم لم يكونوا بعيدين عن الشاطئ إلا نحو مئتي ذراع وهم يجرون شبكة السمك.
ففي الأيام التي سبقت حلول الروح القدس على التلاميذ وعلى الكنيسة المسيحية، كان تلاميذ المسيح يعيشون بدون هدف معين وحتى محاولتهم لصيد السمك باءت بالفشل. فظهر لهم المسيح ليعلمهم بأنه حتى في الأمور الاعتيادية التي تصاحب حياتنا اليومية علينا ألاّ ننظر إليها وكأنها بدون معنى أو قيمة. لكل شيء قيمته ضمن برنامج ملكوت الله. ومن جعل حياته سائرة ضمن إطار الملكوت الإلهي يعلم علم اليقين أنها تكتسب أهمية كبرى لأن أفقها ليس منحصراً بهذه الدنيا الفانية بل يتعداها واصلاً إلى الأبدية. وقد بارك المسيح عمل تلاميذه فجرّوا شبكة مليئة بالسمك وجهز لهم فطوراً شهياً من خبز وسمك مشوي. وبعد أن سد حاجتهم المادية لقنهم درساً لم ينسوه حتى آخر نسمة من حياتهم. قال المسيح لبطرس: اتبعني.
فبعدما أفطروا قال يسوع لسمعان بطرس: يا سمعان بن يوحنا أتحبني أكثر من هؤلاء؟ قال له: نعم يا رب، أنت تعلم أني أحبك. قال له: ارع حملاني! ثم قال له ثانية: يا سمعان بن يوحنا أتحبني؟ قال له: نعم يا رب أنت تعلم أني أحبك. قال له: ارع غنمي! قال له ثالثة: يا سمعان بن يوحنا، أتحبني؟ فاغتمّ بطرس لأنه قال له ثالثة: أتحبني. وقال له: يا رب أنت تعلم كل شيء أنت تعرف أني أحبك. قال له ارع غنمي.
ردّد المسيح سؤاله لبطرس لأن هذا الأخير كان قد أنكر سيده وربه ثلاث مرات. وبعد أن اعترف بطرس بمحبته الفائقة لمخلصه المسيح ثلاث مرات وبعد أن أخذ الأمر الرباني بأن يرعى حملان وغنم جماعة الإيمان قال له المسيح:
الحق الحق أقول لك: إنك لما كنت شاباً كنت تمنطق نفسك وتمشي حيث تشاء لكنك متى شخت فستمد يديك وآخر يمنطقك ويذهب بك حيث لا تشاء. قال هذا مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن يمجد الله بها. ولما قال هذا قال له اتبعني.
كيف كان بطرس سيتبع المسيح وهو على وشك أن يترك دنيانا عائداً إلى السماء ليجلس عن يمين عرش الله الآب؟ ما معنى كلمة اتبعني؟ عندما ندرس سيرة بطرس وغيره من رسل المسيح نلاحظ أنهم أخذوا بشارة الإنجيل الخلاصية ونشروها في سائر أنحاء الأرض المقدسة وفي بقية البلاد المتوسطية. لم يحجموا عن القيام بذلك الأمر الهام بالرغم من الصعوبات العديدة التي أحاطت بهم. إتباع المسيح يسوع كان يعني القيام بما أناط بهم المسيح من أعمال تبشيرية والعيش بطريقة متجانسة مع رسالة الإنجيل الخلاصية والتحريرية. ونعلم من بقية أسفار العهد الجديد ومن تاريخ الكنيسة المسيحية في العصر الرسولي أن بطرس جاهد في سبيل نشر الدعوة الإنجيلية وأنه لقي حتفه في أيام اضطهاد الطاغية الإمبراطور الروماني نيرون للمسيحيين عندما صلب بطرس في مدينة رومية ومات كشهيد أمين لربه يسوع المسيح ولرسالة الإنجيل الخلاصية.
وعندما وصل الرسول يوحنا إلى نهاية الإنجيل أي الخبر المفرح عن سيرة المسيح يسوع وعما قام به له المجد لإنقاذنا نحن البشر من استعمار الخطية ومن طغيان الشر المسيطر علينا، كتب هذه الكلمات الختامية:
هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذه الأشياء وهو الذي كتبها ونعلم أن شهادته حق. وأن أشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع لو أنها كتبت واحدة واحدة لما ظننت أن العالم نفسه يسع الصحف المكتوبة، آمين.
ونشكر الله ونحمده لأنه ساعدنا على نشر هذه الكتب المبنية على تعاليم الإنجيل حسب يوحنا. وهدفنا كان ولا يزال ألا نكتفي بالوقوف على أهم حوادث سيرة المسيح. يتطلب منا الله بأن نضع ثقتنا القلبية بمن مات عنا وقام في اليوم الثالث لنحصل على غفرانه المجاني. فإن اكتفينا بالاضطلاع على محتويات الإنجيل ولم نعمل بمتطلباته نكون قد حرمنا أنفسنا من الخلاص العظيم الذي أتمه لصالحنا مخلص البشرية الأوحد: يسوع المسيح. وإذ ذاك تبقى حياتنا بدون هدف معين وتضحي فريسة لسائر قوى الشر والظلام وخاصة في أيام السنين الأخيرة من القرن العشرين. ساعدنا الله جميعاً لنكون من المرحبين بالمسيح يسوع كما كشف عن ذاته في الإنجيل حسب يوحنا، آمين.
- عدد الزيارات: 5764