Skip to main content

أذكر خالقكَ في أيام شبابك

"فاذكر خالقكَ في أيام شبابك قبلَ أن تأتيَ أيامُ الشر أو تجيءَ السِنون إذْ تقول: ليس لي فيها سرور! قبلَ ما تظلمُ الشّمس والنور والقمر والنجوم وترجعُ السحبُ بعدَ المطر في يومٍ يتزعزعُ فيه حفظةُ البيت وتتلوى رجال القوة وتبطلُ الطواحن لأنها قلّتْ وتظلمُ النواظرُ منَ الشبابيك وتُغلقُ الأبوابُ في السوق. حين ينخفضُ صوتُ المطحنة ويقومُ لصوتِ العصفور وتحطُ كل بنات الغناء وأيضاً يخافون منَ العالي وفي الطريق أهوالٌ، واللوز يزهرُ والجندُب يُستثقل والشَهوة تبطل، لأن الإنسان ذاهب إلى بيته الأبدي والنادبون يطوفون في السوق. قبلَ مَا ينفصم حَبْل الفضة أو ينسحق كُوز الذهب أو تنْكسر الجرَّة على العَيْن أو تنقَصِفُ البَكَرة عند البئر. فيرجِعُ التراب إلى الأرض كما كلن وترجِعُ الروحُ إلى الله الذي أعطاها. باطلُ الأباطيل قال الجامعة، الكل باطل!

بقي أن الجامعة كان حكيماً وأيضاً علّم الشعب عِلماً ووَزنَ وبحثَ وأتقنَ أمثالاً كثيرة. الجامعة طلبَ أنْ يجِدَ كلمات مُسرّة مكتوبة بالاستقامة، كلمات حق. كلام الحكماء كالمناسيس وكأوتادٍ مُنغرزةٍ أربابُ الجماعات قد أُعطيتْ مِنْ راعٍ واحد. وبقي فمنْ هذا يا ابني تحذّرْ: لعملِ كتبٍ كثيرة لا نِهاية والدرسُ الكثير تَعبٌ للجسد. فلنسمعْ خِتامَ الأمْرِ كله: اتّقِ الله واحْفظْ وصليله، لأن هذا هو الإنسان كلُّه! لأن الله يُحضرُ كلَ عملٍ إلى الدينونة، إنْ كانَ خيراً أو شراَ."

سفر الجامعة 12

قد يخال البعض أن الشباب والدين لا يتفقان. فهم يظنون أن أيام الشباب وهي أيام الانطلاق والتحرر والنمو والاكتشاف تصطدم بالدين وبأوامره الكثيرة وبنواهيه المتعدّدة فيتعرقل سير الشباب في الحياة. ولكن هذه فلسفة خاطئة لا تستند على أي واقع وهي المسؤولة عن دفع العديدين من الشبان والشابات إلى الانحراف عن الطريق المستقيم والسير في درب الهلاك والدمار!

وفي الفصل الأخير من سِفر الجامعة - ذلك السفر الذي كتبه سليمان الحكيم بوحي الله – يبدأ الكاتب بالقول:

"فاذكر خالقك في أيام شبابك قبل أن تأتي أيام الشر.."

لماذا يأتي الله إليك في شبابك ويواجهك بمطاليبه؟ لماذا يأمرك الله بأن تذكره في أيام شبابك؟ أمن المعقول أن يُطلب من شاب في مستهل حياته بأن يصبح متديناً ومتعبّداً لله؟ نعم، إن مطلب الله لهو الأمر الوحيد المعقول وكل رأي بشري مخالف له هو ضار بمستقبل الشباب. أليس من الأصعب أن تُجابه بهذا الأمر قرب نهاية حياتك على الأرض؟! هل تعدُّ ذلك أمراً طبيعياً إن جاء إليك خالقك في أواخر حياتك قائلاً: اذكر الآن خالقك في أيام شيخوختك؟ ألا تقر أيها الشاب بأن الأمر الطبيعي هو بالأحرى أن تسمع صوت الله خالقك وهو يقول لك بواسطة كتابه المقدس: اذكر خالقك في أيام شبابك؟ نحن لا نقول أنه من المستحيل للإنسان بأن يعود إلى خالقه في الشيخوخة إلا إن ذلك الأمر لا يشكل القاعدة المنصوص عليها في الكتاب بل الشواذ. فنحن كلّما تقّدمنا في سنينا أصبح التغيير أمراً أكثر صعوبة إن لم يكن مستحيلاً. ما أكثر الذين تقدّموا في سنيهم وهم يخالون أن جميع أمور الحياة معروفة لديهم بينما يكونون على الغالب قد نسوا أو تناسوا الله الخالق تمجّد اسمه! فاذكر إذاً خالقك الآن في أيام شبابك عندما يكون القيام بذلك أمراً سهلاً نسبياً.

وعلينا أن نلاحظ أن عهد الشباب هو عهدٌ خطرٌ للغاية إذ أنه في هذه الفترة من الحياة يسهل نسيان الخالق بشكل غريب. وأكثر الذين نسوا الله وابتعدوا عنه تعالى إنما ارتكبوا هذه الخطية الفادحة في مقتبل عمرهم. والشيطان يعلم ذلك علم اليقين وهو يأتي إلى الشبان والشابات بمختلف التجارب القوية والمغرية ليسقطهم فيها. إنه أخصائي في موضوع إيقاع الشبان في حبائله الملتوية. وعدو الإنسان يُظهر طريق الدمار والهلاك بأحسن مظهر ويطليه بأزهى الألوان ويمهده بالمغريات الشديدة وغايته الوحيدة هي هي لا تتغير: إسقاط الشبان والشابات في خطية نسيان الله.

يود إبعاد جميع الناس عن شريعة الله كالقانون الوحيد للحياة. وأما الذين يسقطون في حبائل الشيطان الرجيم فإنهم لا يرون خطورة حالتهم إلا عندما يصلون إلى نهاية الطريق وإذ يعلمون أنهم كانوا قد خُدعوا منذ البداية. أفليس من المستحسن إذاً أن نقبل تعاليم سليمان الحكيم ونذكر خالقنا في أيام شبابنا قبل أن نكون قد بذّرنا أيامنا في عبودية الشيطان؟! أيها الشبان والشابات اهربوا من إبليس ولا تسمحوا له بأن يُدّمر صرح حياتكم ومستقبلكم!

اليوم هو الوقت المناسب المقبول لتقرير المصير! عليكم الآن أن تختاروا أحد الطريقين: طريق الله الذي يؤدي إلى النعيم والحياة الأبدية أو طريق الشيطان الذي ينتهي في الجحيم والموت الأبدي. ما أكثر الذين يُحبون التوقف على مفترق الطرق وعدم السير في الطريق المؤدي إلى الحياة! لكنه يجدر بنا جميعاً أن نتذكر أننا لا نقدر أن نتوقف طويلاً في موقف عدم الاختيار إذ لا بد لنا إنْ عاجلاً أو آجلاً أنْ نسير بصورة مستديمة في أحد الطريقين طريق الله أو طريق إبليس. إن أيام الشباب تمر بسرعة كبيرة جداً وكل من يسلك في الطريق الذي يعبّده له الشيطان سيجد من الصعب جداً أن يتراجع عليه. وأما الذي يسلك طريق الله ويذكره منذ أيام شبابه فإنه لن ينساه مطلقاً وأما الذي ينسى خالقه في شبابه فمن النادر أن يذكره في أيام شيخوخته!

هل تعلم أيها الشاب، هل تعلمين أيتها الشابة أن ذكر الخالق يتطلّب أكثر من الاعتراف به كمجرّد خالق؟ إنه لا يكفينا بأن نعترف بأن الله هو الخالق ونقف عند ذلك الحد! حتى الشيطان يؤمن بأن الله هو الخالق! فنحن لا نكون قد اعترفنا بأن الله هو الخالق إلا ونجابه فوراً هذه الحقيقة الصارخة: نحن لا نحيا كما يُنتظر منا كمخلوقات عاقلة لله تعالى! إن الله هو خالقنا ولكنه لم يخلقنا خطاة وأشراراً. الشر والخطية دخلا حياة الإنسان عندما أخطأ الإنسان الأول ضد الله وانحاز إلى جبهة الشيطان. كل إنسان إذاً يرى نفسه تجاه هذا السؤال: كيف يمكنني أنْ أرجع إلى الله خالقي وأصبح مخلوقاً جديداً؟

نشكر الله لأنه أعطانا الجواب الحقيقي على هذا السؤال في كتابه المقدّس. فهو يُظهر لنا أن السبب الرئيسي لإرسال ابنه الوحيد إلى هذا العالم كان لكي يُنقذ البشرية من ربقة الخطية. وقد تمّ ذلك عندما أخذ المسيح مكاننا على الصليب ومات عنا نحن الأشرار. ولقد قام في اليوم الثالث من الأموات مظهراً انتصاره العظيم على الشيطان والشر ومتمّماً بذلك كل ما يلزم لتحريرنا وتجديدنا. وكل ما كسبه يسوع المسيح بعمله الفدائي الكفّاري يُصبح خاصتنا بواسطة الإيمان به. وهكذا فنحن عندما نسمع الله وهو يطلب منا بواسطة كتابه المقدّس بأن نذكره في أيام شبابنا فإنه يكون في نفس الوقت طالباً منا أن نعترف بخطايانا التي تحجبه عنا وأن نضع ثقتنا الكلية فيه لخلاصنا الأبدي.

طبعاً لا بد لنا من أن نجابه صعوبات جمة ونحن نعمل بجد على ذكر خالقنا في جميع أيام حياتنا وفي شتى نواحيها. ليست الحياة المسيحية بالحياة السهلة إذ أنها لا تبدأ فقط في ظل الصليب بل تستمد كل نورها من الصليب حتى النهاية. ولذلك حذّرنا الرب يسوع المسيح مراراً في حياته على الأرض وأخبرنا بكل صراحة أننا إذا ما شئنا السير معه في طريق الحياة الأبدية علينا بأن نُنكر أنفسنا وننسى كل شيء في سبيل ملكوت الله وانتشاره على الأرض وأحياناً السير في طريق المسيح يتطلّب منا التضحية بحياتنا في سبيل المخلّص يسوع المسيح. وإذا ما واجهنا الحقيقة لا بد لنا من القول: هذه الحياة التي يتطلبها منا الله هي مستحيلة لولا النعمة الفعالة التي يمنحنا إياها الله. وهكذا إن الذي يدعونا لذكره في أيام الشباب هو الذي يهبنا أيضاً المعونة والمقدرة للسير على طريقه القويم.

أيها الشبان والشابات أصغوا إذاً إلى قول الله وأعطوه حياتكم وأنتم في مقتبل العمر. لا تدعوا غرور العالم يخدعكم! لا تُنصتوا إلى وساوس إبليس عدوكم ولا تقولوا ضمن قلوبكم: سنتذوّق الآن من أطاييب الحياة ونعيش بدون قيود الدين ومتى وصلنا إلى نهاية الحياة فإذ ذاك نتوب إلى الله ونطلب منه الغفران. لذلك، كما يقول الروح القدس: اليوم إن سمعتم صوته (أي صوت الله الذي يدعوكم بواسطة المناداة بالإنجيل) اليوم إن سمعتم صوته فلا تُقسوا قلوبكم كما في الإسخاط (أي عندما ثار بنو إسرائيل على الله وعلى نبيه موسى) يوم التجربة في القفر... لذلك (قال الله) لذلك مقّتُ ذلك الجيل وقلت: أنهم دائماً يضلون في قلوبهم ولكنهم لم يعرفوا سبلي. حتى أقسمتُ في غضبي: لن يدخلوا راحتي! انظروا أيها الأخوة أن لا يكون في أحدكم قلب شرير بعدم إيمان في الارتداد عن الله الحي، بل عِظوا أنفسكم كل يوم ما دام الوقت يُدعى اليوم لكي لا يقسّى أحدٌ منكم بغرور الخطية. لأننا قد صرنا شركاء المسيح إن تمسكنا ببداءة الثقة ثابتة إلى النهاية. إذ قيل: اليوم إن سمعتم صوته فلا تُقسوا قلوبكم كما في الإسخاط فمَنْ هم الذين سمعوا أسخطوا؟ أليس جميع الذين خرجوا من مصر بواسطة موسى؟ ومَنْ مقَتَ أربعين سنة؟ أليس الذين أخطأوا، الذين جثثهم سقطت في القفر؟ ولمن أقسم لن يدخلوا راحته إلا للذين لم يُطيعوا؟ فنرى أنهم لم يقدروا أن يدخلوا (أي يدخلوا راحة الله الأبدية) لعدم الإيمان! آمين.

* * * *

لِلـوَرَى خِـلٌ وحيـدُ مَـا لـهُ أصلاً نظـيرْ

حُبّـُه حُـبٌّ وطيـدْ لا يُـكافى بـالكثـيرْ

مَنْ مِنْ الخُـلاّنِ يقضي مثـلهُ مِنْ أجـلنـا

مـاتَ فادينَا لـيُرضي رَبَّـنَـا عـَنْ جهلـنا

حلَّ في الأرضِ ذليـلاً وفَـدانـا بالصَّلـيبْ

وارتَقى عنْـهَا جَليـلاً مَنْ دَعـاهُ يسـْتجيبْ

فَلـيُنرْ كُـلُّ مُحيّـَا بِسـَناهُ كُـلَّ حِـينْ

ذاكـراً ما دامَ حيّـاً ذلـكَ الخِـلَّ الأمينْ

* * * *

حمايةُ الرب

أرفعُ عينـيَّ إلى الجبـالِ مِنْ حيـثُ يجيءُ العَـونُ لِـيْ

مَعونتي مِنْ عندِ صانعِ السـّما والأرضِ ربـنا العــليّ

لا يَدَعُ الـرِّجلَ تزلُّ حافظاً مُسـتيقـظاً لا يَنـعـسُ

يحفظُ شـعبَهُ فلا يـسهو ولا ينـامُ لـــكنْ يحـْرُسُ

الربُّ ظلٌ لكَ عَنْ يمـناكَ لا تُـؤذيكَ شَمسٌ في النـهارْ

ولا يُصيبكَ الأذى مِنْ قمَـرٍ في جنحِ ليـْلٍ قـدْ أنـارْ

يحفظُكَ الـربُّ الذي أنشاهما مِـنْ كـلِّ شـرٍ وأذى

يقيكَ في الخروجِ والدخولِ مِنْ ذا الـوقْتِ حـتى المنتـهى

* * * *

ملاحظة: جميع الترانيم المستعملة في هذا الكتاب مستقاة من كتاب الترانيم الروحية للكنائس الإنجيلية، بيروت- لبنان.

  • عدد الزيارات: 14017