Skip to main content

قداسة اسم الله

"أبانا الذي في السموات، ليقدس اسمك"

الإنجيل حسب متى 6: 9

عندما تتوثق روابط الصداقة بين شخص وآخر يدعو كل منهما الآخر باسمه. هذا امتياز عظيم يحصل عليه الإنسان في علاقاته الاجتماعية لأنه ليس هناك شيء أحسن وأجمل من الصداقة الحقيقية التي تنمو بين فرد وآخر. وإذا ما تأملنا في هذه الظاهرة لا بد أن نقول أنها أمر طبيعي لأن الناس يولدون جميعاً متساوون ولأنهم جميعاً من خليقة الله تعالى.

لكن ما ينطبق على علاقة إنسان بإنسان آخر لا يمكن أن ينطبق على علاقة الإنسان مع الله. إنه تعالى اسمه الخالق العظيم السرمدي والإنسان مخلوق حقير عندما نقارنه بالله. ومع أننا قد تعودنا على النطق باسم الله منذ نعومة أظفارنا ومع أننا نقوم بذلك بدون تفكير أو وعي إلا أنه يجدر بنا أن نتأمل في أن اسم الله ومعرفته بين الناس لهو امتياز عظيم جداً. وكذلك علينا أن نتذكر أنه حتى في أيامنا هذه لا يزال أناس عديدون لا يعرفون اسم الله الحقيقي بل يعبدون آلهة متعددة وأصنام من صُنع بني البشر. وكذلك علينا أن نتذكر أنه هناك ما يمكن بأن نسميه بوثنية القرن العشرين التي لها مظاهر مختلفة ولكنها تتفق في هذا الأمر: إنها تعبد المادة وتؤلهها ولا تؤمن بوجود عالم ما فوق الطبيعة. نعم على كل مؤمن بالله أن يشكر صانعه لأنه قد أُعطي له بأن يعرف اسم الله ويعترف به.

ويجدر بنا جميعاً أن نذكر أنه لولا اعلانات الله لبني البشر بواسطة الأنبياء والرسل وخاصةً بواسطة السيد المسيح، لولا هذه الإعلانات لما كان بمقدور أي بشري أن يعرف الله معرفة حقيقية ولا الوصول إلى معرفة اسمه تعالى. علينا أن نقدّر عمل الله هذا حق تقديره لئلا نقع في خطية عدم تكريم اسمه القدوس. تصوّر كيف أن الله الذي هو خالق كل ما في الكون، تصوّر كيف أنه وهو الألف والياء وبداية ونهاية كل شيء والذي يهيمن على كل شيء ويسهر على جميع مقدّرات هذا العالم أنه تنازل وكشف عن ذاته في كلمته المقدسة لكي لا يبقى الإنسان في ظلامه وخطيته بل يأتي إلى معرفة الحق وطريقة الخلاص! إنه لأمر يصعب تصديقه ولكن لا مجال للشك فيه: الله لم يوحِ فقط بأسفار الكتاب المقدس بل جاء إلى عالمنا في كلمته الذي تجسّد وصار إنساناً وحلّ بيننا وأخذ مكاننا على الصليب وكفّر بذلك عن خطايانا بأسرها.

لا عجب إذاً إن كان السيد المسيح الذي طلب منه تلاميذه أن يعلّمهم الصلاة بأن يعطيهم في الصلاة المعروفة بالصلاة الربانية درساً خاصاً يتعلق باسم الله وقداسته. ما أن يبدأ المؤمن الحقيقي بأن يدنو من الله داعياً إياه بالآب السماوي إلا ويبدأ طلباته بهذه الكلمات: ليتقدس اسمك! قبل التفكير بأي موضوع آخر وقبل الشروع بتعداد الحاجات الضرورية للحياة التي ينتظرها من الخالق، يجثو المؤمن على ركبتيه ويقول بخشوع لمن خلقه وفداه وجدّده: ليتقدّس اسمك!

ماذا نعني بهاتين الكلمتين في طلبتنا الأولى؟

1- أن يتمجد الله في كل شيء وفي كل حين: إن اسم الله حسب تعليم الكتاب المقدس يشير إلى كرامته وجلاله اللذين يعرف بواسطتهما بين بني البشر. فنحن نطلب من الله في طلبة الصلاة الربانية الأولى بأن يساعدنا لنمجّده في كل شيء. إننا لا نعني أن الإنسان يقدر أن يزيد على مجد الله مقداراً معيناً ولا أنه يستطيع أن يُنقص من مجد الله، ولكن ما نعنيه هو حسب قول أحد المفسرين:

"أ‘طنا يا الله قبل كل شيء أن نعرفك معرفة صحيحة فنحمدك كما يليق بك ونذيع ونفتخر بقدرتك اللامحدودة، وفي حكمتك وصلاحك وعدلك ورحمتك وحقك الذي يلمع في جميع أعمال يديك! وكذلك امنحنا بأن هكذا نسيّر ونُخضع أفكارنا وأقوالنا وأعمالنا وكل سيرتنا في هذه الحياة لكي يتمجد اسمك فينا ويعلم الجميع أننا قد عرفناك معرفة تامة".

2- أن يتمجد الله في جميع بني البشر: نطلب أيضاً في الطلبة الثانية من الصلاة الربانية بأن يتمجد الله في جميع بني البشر أي أن يُقّر الجميع بأعماله العظيمة التي قام بها عبر التاريخ وخاصة افتقاده لبني البشر وإنقاذهم بواسطة عمل السيد المسيح الفدائي. يتمجد الله من قِبل بني البشر عندما يعترفون به كخالقهم وينظرون إلى الطبيعة كعمل يديه ويؤمنون بالمسيح يسوع وبالمعجزات والمواعيد والوصايا الإلهية. عندما يصلي المؤمن هذه الصلاة إنما يُظهر رغبته الأكيدة في أن ينعم جميع بني البشر بالنِعم التي نالها هو من الله.

وقد قال الله بواسطة النبي حزقيال ما يلي عن موضوع تقديس اسمه:

"لذلك فقُلْ لبيت إسرائيل: هكذا قال السيد الرب: ليس لأجلكم أنا صانع يا بيت إسرائيل بل لأجل اسمي القدّوس الذي نجستموه بين الأمم حيث جئتم، فأُقدّس اسمي العظيم المنجس في الأمم الذي نجستموه في وسطهم فتعلم الأمم أني أنا الرب يقول السيد الرب حين أتقدّس فيكم قدّام أعينهم." (حزقيال 36: 23و24).

فالسيد المسيح إذاً علمنا أن نطلب من الله ليساعدنا على تقديس اسمه بين الناس لأن هذا هو واجب المؤمنين الأساسي. وليس هناك من حياد تجاه هذا الموضوع: نحن إما نُمجد اسم الله القدوس أو نُنجس اسمه وذلك حسب سيرتنا وسلوكنا في البيئة التي نعيش فيها. والله سيحاسبنا حساباً تاماً على الكيفية التي نحيا بها لأننا إن لم نكن من الذين يعملون على تقديس اسمه نكون ويا لخسارتنا العظمى مثل أولئك الذين وبّخهم نبيّه حزقيال!

3- أن نعمل على عدم تمجيد أنفسنا بل نُمجّد الله: عندما نصلّي إلى الله قائلين في بدء الصلاة الربانية: ليتقدّس اسمك نكون في نفس الآن طالبين من الله تعالى أن يمنحنا القوة لكي لا نسقط في خطيئة الكبرياء التي نحن مُعرّضون لها في كل وقت والتي تدفعنا على تمجيد أنفسنا وسلب الله المجد الذي يخصه.

وهكذا يجدر بكل مؤمن أن يُبعد عن حياته بشكل تام كل ما يؤدي إلى سلب الله المجد الذي يخصه وأن يعمل على نبذ كل فكرة أو قول أو عمل يناهض مجد الله. ما أكثر الأفكار التي تعلو في عقولنا والتي ليست سوى ثورة على الله وعلى مشيئته الطاهرة! ما أكثر الأقوال التي نتفوه بها والتي لا تتفق مطلقاً مع مجد الله وجلاله! ما أكثر الأعمال التي نقوم بها والتي غايتها هي مجد أنفسنا لا الله تعالى!

لا بد أننا قد لاحظنا من تأملاتنا في هذه الطلبة الأولى أنه من الصعب جداً لنا أن نصلي كما يجب إن لم نكن قد اختبرنا عمل الله الخلاصي في قلوبنا. فكما كنا قد لاحظنا في عظاتنا السابقة عن موضوع الصلاة نجد جميعنا حاجة ماسة إلى تعلّم كيفية الصلاة كما يجب. هذا ما اختبره تلاميذ السيد المسيح وسائر المؤمنين في كل الأجيال. والمسيح أقرّ بوجود تلك الحاجة وحذّر كل من يريد الصلاة بألا يرتكب خطية الفريسيين الذين كانوا يلجأون إلى الصلاة ليمدحوا أنفسهم بين الناس وكذلك طلب السيد المسيح له المجد من المصلي ألا يتشبه بعابدي الأوثان الذين يعتقدون بأنهم يستطيعون التأثير على آلهتهم والتقرّب منها باللجوء إلى إطالة صلواتهم وترديد بعض العبارات كتعاويذ سحرية. ثم انتقل السيد المسيح إلى القسم الإيجابي من تعليمه وأعطى التلاميذ الصلاة التي ندعوها بالصلاة الربانية.

السؤال الذي على كل واحد منا أن يطرحه على نفسه هو: هل أعرف الله معرفة حقيقية منطبقة على وحيه الكائن في كلمته المقدّسة؟ فإن كان الجواب هو بالنفي فإن طلبة الصلاة الربانية الأولى هي بمثابة دعوة من الله تعالى للإيمان به إيماناً قلبياً خلاصياً.

يقول الله لكل إنسان لم يؤمن به: إنك لا تقدر أن تمجّد اسمي إن لم تعترف بي! وهذا الاعتراف الذي يتطلبه الله يشمل الحقائق المعلنة والتي تُلخّص بأن الإنسان هو من خليقة الله وأنه تحت سلطة الشر والخطية وأنه لا خلاص هناك ولا حياة لمِنْ لا يؤمن بالمخلّص يسوع المسيح. من آمن بالله واعترف هذا الاعتراف الحسن يبدأ بشكل تدريجي بأن يفهم معنى الكلمتين: ليتقدّس اسمك!

أما الذي هو متأكد في قرارة قلبه بأنه يعرف الله وأنه قد اختبر خلاصه العظيم ضمن حياته وصار من أهل الخالصين فإن هذه الطلبة الأولى في الصلاة الربانية لهي بمثابة حافز مستديم لجعل الحياة بأسرها سائرة حسب مشيئة الله وشريعته المقدّسة. وهكذا إن كان قد اعتاد المؤمن أن يصلّي هذه الصلاة أو صلاة أخرى مبنية على تعاليمها يجدر به أن يسأل نفسه كل يوم: هل كان سلوكي اليوم بشكل يتفق مع إيماني واعترافي وهل قدّستُ اسم إلهي بين الناس؟ وليحذر إذاً كل مؤمن ومؤمنة من الظن بأن مجرد ترديد كلمات الصلاة الربانية كافٍ أو مقبول لدى الله. حياتنا في جميع أقسامها تظهر فيما إذا كنا نُقدّس اسم الله أو نُنجسه، فيما إذا كنا نصلي بشفاهنا فقط أم بقلوبنا أيضاً!

  • عدد الزيارات: 5154