Skip to main content

الرِّجل

لقد تذكرنا في دروسنا السابقة عن الأعضاء في الجسد الذي للمسيح كملك له لأنه اشترانا لقنية أبدية. وفي آخر درس بحثنا عن اليد كعضو عامل في الجسد، ولآن نبحث عن الرجل فيه. فكما أن اليدين هما الأداتان للعمل فالرجلان أيضاً هما العضوان اللذان يحملان الجسد كله وينقلانه وبدونهما لا يستطيع الإنسان أن يسير وينتقل من مكان إلى آخر، بل يضطر أن يحمله الآخرون كما حمل الرجال الأربعة المفلوج ووضعوه أمام الرب، أو أن ينقل على آله ما، كالمقعد الذي كان يحمل ويوضع عند باب الهيكل ( أعمال1:3-16).

نحن نشبه هذا الرجل لذي قال الكتاب عنه انه خلق من بطن أمه كسيحاً ولم يقدر أن يمشي على رجليه. ونحن نشبه رجلاً آخر أيضاً يحدثنا عنه الإنجيل انه ولد من بطن أمه أعمى.

فبحسب الطبيعة الساقطة كل إنسان مولود بحالة مشوهة بالنفس الحاملة عيوب الخطية وقبائحها. ألم يقل النبي داود ((هاأنذا بالإثم صُورت وبالخطيئة حبلت بي أمي)) (مزمور5:51). فالتغيير الذي حصل في جسدي هذين الرجلين تم بقوة الرب يسوع ومن أجل تمجيده، وكل تغيير يحصل في النفس لمحو عيبها يتم بقوه المخلص المبارك. والمقعد تشددت رجلاه وكعباه وأعصابه بقوة أسم يسوع. وهكذا نحن نظيرهما يعوزنا عمل الرب فينا بقوته التي لا تعجز بل قادرة أن تغير الوضع الروحي فينا، وعندئذ تحصل النتائج الظاهرة في حياتنا فنصبح خليقة جديدة تمجد الله. وهنا نلاحظ أن المقعد، كما قال الكتاب عنه، صار يسبح الله ويتهلل ويقفز بعامل الفرح العظيم في نفسه، وإنه لم يرض أن يكون محمولا ًبعد ليوضع عند باب الهيكل ويطلب صدقة من الناس، بل دخل إلى الهيكل ليعبر عن تلذذه بالوجود في حضرة الرب ليعبده وليعترف بفضله ويشكره من أجل ما حصل عليه من شفاء.

ونلاحظ انه صار ملازماً للرسل ومتمسكاً بهم لعلن أمام الجميع ما عملت فيه قوة أسم يسوع بالإيمان الحي بواسطتهما. هكذا نحن، على قياس هذه الأمثلة، يجب أن تظهر فينا النتائج في نيلنا الخلاص والحياة الجديدة بيسوع. لتصبح حياتنا حياة نشاط روحي وتسبيح وشكر وشهادة لتمجيد الرب، وتتولد في نفوسنا الأشواق لوجودنا مع الرب وفي حضرته ونلازم السير مع رجال الإيمان في سماع أقوالهم وننقاد معهم في طريق الخدمة للرب الذي أحبنا وفدانا.

وبما أن الرجل، في درسنا، لها أهمية في الجسد، فمن الواجب علينا أن نرى ما هي الشروط التي يطلبها الله منا بموجب أقوال الكتاب المقدس عن هذا العضو فينا.

الشرط الأول:

السلوك في السبل المستقيمة. ففي (عبرانيين13:12) يقول لنا الوحي ((اصنعوا لأرجلكم مسالك مستقيمة لكي لا يعتسف الأعرج بل بالحري يشفى)). وهذا يعني أن لا نجعل سلوكنا بطرق معوجة ونتعرض للمعاثر والسقوط في فخاخ التجارب والمعاصي. وما أكثر الأقوال الإلهية عن سلوك المؤمن في حياته. ففي (أمثال26:4و27) نقرأ قولها ((مهّد سبيل رجلك فتثبت كل طرقك. لا تمل يمنى ولا يسرى باعد رجلك عن الشر)). وفي المزمور الأول نسمع المرنم يقول ((طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار وفي طرق الخطاة لم يقف)). وحينما يتكلم الكتاب عن أبناء الدهر اللذين يعيشون في الخطية يقول ((يا أبني لا تسلك في الطريق معهم. امنع رجلك عن مسالكهم. لأن أرجلهم تجري إلى الشر وتسرع إلى سفك الدم)) (أمثال15:1و16).

في عصرنا الحاضر تهتم الحكومات بشق الطرق الجديدة وتوسيعها في المدن والقرى لتسهيل السير فيها. أما الطرق المجازية التي يقصدها الكتاب فهي الطرق القديمة. والوحي بفم النبي أرميا، يقول: ((هكذا قال الرب. قفوا على الطرق وانظروا واسألوا عن السبل القديمة أين هو الطريق الصالح وسيروا فيه فتجدوا راحة لنفوسكم)) (أرميا16:6). إن قول الله هذا يستحق أن نأخذه بعين الاعتبار كتحذير لنا كي لا مسير في طرق البدع والضلالات المستحدثة والتعاليم والعقائد التي تأتي من وقت لآخر جديدة تجعل الإنسان بحيرة أين يسير. ولذلك حسب أمر الله هذا يجب أن نسأل عن الطريق القديمة التي فتحها لنا الرب بخلاصه، طرق الإيمان به لنصل إلى قدس الأقداس السماوية. وقد حدَّد الرسول يهوذا ذلك الإيمان الأساسي بقوله ((الإيمان المسلَّم مرة للقديسين)) ( يهوذا عدد3).

ولكي لا تخدعنا طرق الضلال الكثيرة التي يدعوا إليها رجال البدع بتعاليمهم التي لا تتفق مع أقوال الله، نجد الوحي يحذرنا بعبارة هامة يكررها مرتين في (أمثال 12:4و 25:16) حيث يقول ((توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت))، وبقوله ينبهنا لاستعمال قوة التمييز في نفوسنا بالاعتماد على إرشاد روح الله لكي نحترس من الغرور بتمويه الآراء والتعاليم البشرية التي تأتي من مصادر عالمية لأنها مهما ظهرت جيدة فعاقبتها خطرة لمن يسير فيها.

وما دمنا عير بعيدين عن موضوع الطرق والسير فيها نلاحظ التناقض بين رأي الرب يسوع والترتيبات العالمية في هذا الصدد. فالناس، حسب الواقع، يفضلون السير في الطرق الواسعة ويكرهون الضيقة، ومعهم حق بذلك. أما الرب، تبارك أسمه، فينصحنا أن نسير في الطريق الضيق مهما كان السائرون فيه قليلين لأنه يؤدي إلى الحياة، ويحذرنا من السير في الطريق الواسع مهما كثر السائرون فيه لأنه يؤدي إلى الهلاك. والفرق كبير بين الطريقين، حسب فكر المسيح، أي أن الطريق الضيق هو طريق السماء والطهارة والقداسة بحياة جديدة، بينما الواسع هو طريق الشر والمعصية على الله وإتمام مطالب الطبيعة الساقطة والخططية في الإنسان العتيق.

الشرط الثاني:

المطلوب منا هو أن نعوّد الرجل على الذهاب إلى بيت الله من أجل الاستماع لصوته والاشتراك في عبادته وتسبيحه مع المؤمنين. وما أبعد الحجة عن الصواب، في قول الذين لا يذهبون إلى بيت الله لأنهم يصلون في بيوتهم. ونحن نعتقد إن الذي يقيم العباد في بيته لا يستغني عن الاشتراك مع سواه في بيت الله. والرسول ينبهنا بقوله: ((غير تاركين اجتماعنا كما لقوم عادة بل واعظين بعضنا بعضاً وبالأكثر على قدر ما ترون اليوم يقرُب)) (عبرانيين25:10). وفي (جامعة1:5) تقول الكلمة ((أحفظ قدمك حين تذهب إلى بيت الله فالاستماع أقرب من تقديم ذبيحة الجهال لأنهم لا يبالون بفعل الشر)).

قرأت قصة عن كنيسة بنيت من جديد في بلدة ومُدَّ الطريق الجانبي المصل إليها بالإسمنت. وقبل أن ينشف الإسمنت كانت إحدى النساء التقيات ذاهبة للاشتراك في العبادة وكان معها أبنها، فمشى الولد على الإسمنت الطري وكل قدماً وطأت عليه تركت طابعاً لا يمحى وبذلك كان كل من سار في الطريق تلفت نظره خطوات الولد منبهة إياه ليتخذ اتجاه خاصا نحو الكنيسة فبذهب هو إليها، لان الوجود في حضرة الله يبعث في النفس الفرح الذي عبر عنه النبي داود بقوله: ((فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب نذهب)) (مزمور1:122). فلنجعل أرجلنا تحملنا على الدوام في سيرنا بطريق الرب وإلى بيته لكي ينطبق علينا قول المرنم في (مزمور5:84) ((طوبى لأناسٍ عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم)). فحينما يكون بيت الله في قلوبنا ونتخذ كلمته مرشدة ومغذية لنا تكون نفوسنا متعلقة بمحبة الرب فنحبه من كل القلب والفكر وننجذب إليه بعامل نعمته السماوية.

وما أحرانا أن نجعل مسيرنا في الحياة دائما على ضوء النور المعطى لنا من الله حيث يقول المرنم ((سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي)) (مزمور105:119) وعندئذ تطمئن نفوسنا بوعده القائل ((لا يدع رجلك تزل. لا ينعس حافظك)) (مزمور3:121). وفي (مزمور11:91و12) أيضاً يقول ((لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك)).

الشرط الثالث:

الذي تفرضه علينا كلمة الله هو صبغ الرجل بالدم حسب قول الوحي في (مزمور23:68) ((لكي تصبغ رجلك بالدم)). على إننا من الكتاب نعلم عن ضرورة وجود الدم على القلب روحياً ليضمن تطهيره. وقد مرَّ معنا أيضاً انه ينبغي أن تكون الشفاه مصبوغة رمزياً بالدم لكي تشهد للفادي. ومن الكتب كذلك نعلم عن الأبواب التي وضع الدم على قوائمها كعلامة لذبح خروف الفصح، من أجل نجاة الأبكار من المهلك. أما هذه العبارة تفرض أن تكون الرجل مصبوغة بالدم، أي أن رجل المؤمن بيسوع تسير في طريق الفداء حاملة علامة، لا علامة التطهير بالدم بل علامة التكريس للرب وحمل البشارة. والرسول بولس يشيد بجمال قدمي المبشر حيث يقول ((ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام المبشرين بالخيرات)) (رومية 15:10)! وقد اقتبس الرسول ما جاء في (إشعيا7:52) القائل ((ما أجمل على الجبال قدمي المبشِّر المخبر بالسلام المبشر بالخير المخبر بالخلاص القائل لصهيون قد ملك إلهك)).

الحقيقة إننا كمؤمنين يجب أن تصطبغ كل أعضائنا بدم الفداء كعلامة لتكريس هذه الأعضاء للرب، لأنه ليس من رأسه ومن يديه ومن جنبه فقط سالت الدماء ولكن من رجليه أيضاً مما يدل على أن دمه قد انسكب ليصبغ أعضائنا ومن جملتها أرجلنا.

الشرط الرابع:

المطلوب منا القيام به هو أن لا تكون أرجلنا حافية، إذ إن الكلمة في (أرميا25:2) تقول ((أحفظي رجلك من ألحفا)). والرب بقوله هذا كان يندد بأمة إسرائيل التي مشت حافية في عدم حفظها وصايا الرب وعدم امتثالها لأوامره بل سارت في طريق الأمم ولم تلبس حذاء مخافة الرب الواقي لها من التمثل بالأمم والسير في سبيل الوثنيين والتعبد لأصنامهم الباطلة، لأنها تمزق الأقدام وتدميها بأشواك المعصية. والرسول بولس عندما عين أنواع السلاح الروحي للمؤمن الذي يليق أن يحمله فيكون جندياً صالحاً للمسيح مستعداً للحرب، قال في (افسس15:6) ((حاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام))، وهذا يعني أن لا نكون حفاة بل أن تكون أرجلنا لابسة الاهتمام بحمل بشارة إنجيل الخلاص. وقد ذكر الدكتور القس إبراهيم سعيد مرة تقرير مدرِّب عسكري ((بان أسباب انحدار الجنود الأحباش في ساحة القتال أنهم كانوا حفاة الأقدام ورواسب الغازات السامة لحست بطون أقدامهم)).

فكمؤمنين حقيقيين إذاً من واجبنا أن تكون أرجلنا مستعدة للسير في طريق البشارة بالإنجيل طبقاً لقول الرسول ((حاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام)). وسفر الأعمال يخبرنا أن الملاك عندا أتى ليخرج بطرس من السجن أمره ليس فقط أن يتمنطق، بل قال له: ((البس نعليك))، ذلك لأنه كان عليه والجب السير بالبشارة المفرحة عن خروجه من السجن، لقدمها للأخوة الذين كانوا يصلون من أجله حتى لا ينفِّذ هيرودس حكم الإعدام به.

وبالعودة إلى قول الآية ((ما أجمل أقدام المبشرين المخبرين بالخلاص)) نجد أن أجمل تشبيه يذكره الكتاب في هذا الصدد هو عن الحمامة التي أطلقها نوح من الفلك، حيث يقول: ((لم تجد الحمامة مقراً لرجلها فرجعت إليه إلى الفلك)) (التكوين9:8). وفي الأعداد التابعة لهذا العدد يخبرنا الكتاب أن نوحاً أرسل الحمامة مرة أخرى وفي هذه المرة رجعت إليه وفي فمها ورقة زيتون خضراء. فكانت هذه بشارة عظيمة لنوح ولذويه بان مياه الطوفان قد نقصت على الأرض وبانت الأشجار التي كانت مغمورة بها. وبذلك اطمأن نوح وفرح لأنه سيعود إلى الحياة ويقدم الشكر لله على النجاة من الهلاك مع الذين لم يؤمنوا ولم يلتجئوا لسفينة النجاة التي عيّنها الله.

ونحن كمؤمنين نجونا من طوفان الهلاك بواسطة فلك نجاتنا خلاص الرب يسوع. كمم يجب أن نحمل بشرى الفدى للذين يهددهم طوفان الهلاك إذا لم ينالوا النجاة بالمخلص السماوي. وما أعظم الفائدة لنا من هذا المثال بالحمامة التي قيل أنها ((لم تجد مقراً لرجلها))! فقد كانت بعكس الغراب الذي كان قد أرسله نوح ولم يعد إليه. ويظهر أن الغراب وجد مقراً لرجليه واستقر على الجيف الطافية على وجه المياه، وبما انه من طبيعته أنه قذر نجس فقد تغذى بلحوم الحيوانات الميتة ووجد مرتعاً له ولم يعد إلى الفلك، بخلاف الحمامة الطاهرة التي لم تجد مقراً لرجلها وعادت إلى نوح وحملت له البشارة. وعلى هذا الشكل أينما تجول المؤمن الحقيقي في هذا العالم المغمور بطوفان الشر والفساد، يجب أن لا يجد مقراً لرجله، لان ((العالم كله قد وضع في الشرير)) (1يوحنا19:5)، ((أُخضعت الخليقة للبطل)) (رومية20:8). وفي هذا العالم الموصوف هكذا ينبغي علينا أن نعود إلى السير حاملين البشرى المفرحة لقلب الله عما اختبرناه في الحياة به وفي الخدمة التي نقوم بها إتماماً لإرساله لنا.

الشرط الخامس:

المطلوب من إتمامه هو أن لا نجعل أرجلنا تعرج بين الفرقتين. فالنبي إيليا جمع الشعب وكهنة البعل إلى جبل الكرمل والملك آخاب معهم. وهناك وبخهم بعنف لأنهم انحرفوا عن عبادة الله. وكم يحتاج مثل هذا التوبيخ الكثيرون اليوم حينما لا يتبعون الرب من كل قلوبهم بل يرتدون في أفكارهم بين الحق والباطل وبين الله والعالم ولا يصغون لقول الكتاب في (إشعيا20:8) ((إلى الشريعة والى الشهادة. إن لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فجر)).

فكلمة الله تأمرنا أن نثبت في الإيمان الراسخ المؤسس على صخر الدهور، الرب يسوع، بل تحذرنا من التقلب بأفكارنا واعتقاداتنا وإيماننا، ومن روح الارتداد والرجوع إلى العالم والانجذاب لمغريات الدنيا. وكم هو مؤسف للغاية أن يعرج بعض المؤمنين بين الفرق الإنجيلية المستحدثة والمتشعبة تارة في هذه وأخرى في تلك متنقلين من مبدأ إلى مبدأ. فان كان المخلص الحبيب الذي عرفناه وقبلناه مخلصاً لنا وسيداً في حياتنا هو هو فلماذا التحول من أسم طائفي إلى لآخر. ألا يجب علينا أن نثبت في الرب بلا تردد ولا نجعل نفوسنا تتعلق بغيرها وأن تسير أرجلنا بغير الطريق الذي كرسه لنا بذاته، لأنه هو الطريق والحق والحياة وليس أحد يأتي إلى ألآب إلا به (يوحنا6:14).

فقد سجل الكتاب خطية ارتكبها الشعب قديماً وهي أنهم رجعوا بقلوبهم إلى مصر واشتهوا ما تمتعت به أجسادهم وبطونهم. وفي هذا التحذير لكل واحد من روح الارتداد والرجوع إلى الوراء من أجل محبة العالم نظير ((ديماس الذي أحب العالم الحاضر)) وقد ترك الرسول بولس ومشاركته في الخدمة (2تيموثاوس10:4) وعلينا أن نثبت في الرب ونصمد ضد مكايد العدو ونحارب في جيش قائدنا السماوي إلى أن ننال النصرة الأكيدة ونلبس الإكليل.

ويقال أن شاب من بلاد النمسا كان كسيح الرجلين، وبالرغم من ذلك قدم ذاته للجندية في الحرب القائمة بين بلاده وبلاد أخرى معادية. فقال له الناس: إياك أن تذهب إلى ساحة الحرب لأنك لا تقدر أن تهرب عند الهزيمة والانحدار أمام جيوش الأعداء. فأجاب بكل غيرة على وطنه وبكل ثقة بعزيمته: أنا ذاهب لا لأهرب إنما لأثبت حتى الانتصار الكامل. فعلى هذا الشكل يجب أن نعزم على الثبات في الرب وفي الإيمان الحي الذي أعطانا إياه رئيس الإيمان ومكمله. فمهما كانت التجارب ودعايات الضلال يجب أن نثبت بمقاومة الخطية حتى الدم (العبرانيين4:12).

ومع انه يطلب منا كمؤمنين أن نثبت في الرب وننزع من أفكارنا روح الانهزامية، فمن ناحية أخرى يجب أن نمرّن أرجلنا على الركض للهزيمة والابتعاد عن العالم وشره لأنه مثل سدوم وعمورة مهدد بالهلاك أن نخرج منه بكل سرعة دون أي التفات إلى الوراء حتى نصل إلى الملجأ السماوي الذي إليه تنتهي الحياة. فلنهرب إذاً من ملاهي العالم التي هي كمصايد لصيد النفوس بفخاخ التجارب الشيطانية.

الشرط السادس:

يطلب منا هو أن تكون أرجلنا متممة الغاية التي خلقت من أجلها. فهي لم تخلق للرقص والخلاعة، بل للقيام بأي خدمة يطلبها الله منا. ولنحذر من كل ما يمكن أن تسببه لنا أرجلنا من العثرات لان الرب يقول ((إن أعثرتك رجلك فاقطعها. خير لك أن تخل الحياة أعرج من أن تكون لك رجلان وتطرح في جهنم في النار التي لا تطفأ)) (مرقس45:9).

الشرط السابع:

يطلب منا هو أن تكون أرجلنا مغسولة ونظيفة. ولكن هذا الشرط محدود بمن يغسل أرجلنا. هل نغسلها نحن بأيدينا؟ كلا، إنما أن يغسلها المسيح الذي أعطانا المثال بعمله كما نقرأ في (يوحنا ص13). دعونا نصغي إلى قوله لبطرس ((إن كنتُ لا أغسلك فليس لك معي نصيب)) (عدد 8). فالرب يسوع بسله أرجل التلاميذ لم يقصد أن يعلمنا درس التواضع وخدمة بعضنا البعض فحسب، بل درساً له أهمية روحية كبرى، أي الطهارة الكاملة بغسل الميلاد الثاني. وبتشديد السيد على غسل الأرجل دون باقي أعضاء الجسد، كما نفهم من قوله لبطرس (عدد 10) ((الذي قد اغتسل ليس له حاجة إلاَّ لغسل رجليه بل هو طاهر كله))، يرينا أن المتجدد بالإيمان قد تطهر من الخطية، ومع ذلك يحتاج إلى التقديس الذي هو عبارة عن التنظيف المستمر في الحياة، لان التجديد يحصل دفعة واحدة عندما يؤمن الإنسان بتوبة صادقة يضع خطاياه على المخلص ويقبله في حياته وبعد التجديد الذي يحصل عليه في الحال، يظل محتاجاً إلى التقديس الذي هو عملية إلهية تتكرر باستمرار. فبغسل الأرجل تتم إزالة ما لحق بها من الغبار في الطريق. وهكذا نحن، مادمنا في هذا العالم ونسير فيه، يلتصق بنا غبار الدنيا، ومن أجل إزالته نحتاج لعملية التقديس المتواصلة والتنقية بقوة الروح القدس.

  • عدد الزيارات: 3484