Skip to main content

الأذن

تحدثنا في الدرس السابق عن العين في الجسد ورأينا كيف يجب أن تكون نيرة وبسيطة وبلا شر، وان تكون ساهرة وحذرة من لبس نظارات إبليس، وان تكون باكية، ومكحلة بكحل الروح القدس.

ونأتي الآن للتأمل بعضو آخر في الرأس وهذا العضو هو الأذن. فان كانت العين أداة لتصوير الأشياء التي ترها فالأذن هي الأداة للإصغاء وسماع كل ما يقال ويطرق بابها. وهي بمثابة جهاز للاستيراد.

لأن الإنسان عن طريق أذنه يتلقى الآراء بأنواعها وله الخيار وملئ الحرية بقبول ما يسمع أو يرفضه بحسب ما يقرر العقل الباطني في النفس وبحسب مشورة الإرادة.

والآن يجب أن نحصر تأملنا في بعض النقاط لفائدتنا في هذا الدرس

النقطة الأولى:

أن نعرف فيما نتعلمه عن الأذن من هو الذي يستحق أن نصغي لأقواله. فأن كان في درسنا عن العين وجدنا أن المستحق أن نتمتع بمشاهدته هو الرب يسوع الذي ((كله مشتهياته)) (نشيد16:5) فننظر إلى جماله ونرى فيه الصفات المحببة إلى قلوبنا برحمته ومحبته ونعمته وشفاعته، ففي درسنا عن الأذن كذلك يجابهنا السؤال نفسه عمن هو مستحق أن نصغي إليه ونسمع صوته ونفتح آذاننا بشهية لسماع أقواله الحلوة لكي نتلذذ بها، لأنها ((أحلى من العسل وقطر الشهاد)) (مزمور 10:19). أليس هو الله إلهنا القدوس الذي كلمنا قديماً بالأنبياء وبأنواع كثيرة وقد كلمنا أخيراً في ابنه الحبيب (عبرانيين1:1و2). ومن ثم أرسل روحه إلى قلوبنا ليملي علينا كل ما هو مفيد لتعليمنا. فحينما يتكلم الله على سماعنا يجب أن نفتح لا آذاننا فقط بل أذهاننا أيضاً لكي نستوعب كل ما يريد أن يقوله لنا. فليقبل كل واحد منا كما يقول صموئيل ((تكلم يا رب لأن عبدك سامع)) ( 1صمؤيل9:3).

النقطة الثانية:

أن نعرف ما هي الأشياء المستحقة أن نصغي إليها ونسمعها بآذاننا وأذهاننا. من هذه الأشياء الإعلانات الإلهية. فقد أعلن لنا إلهنا المبارك ذاته أنه إله محبة ورحمة وكشف لنا ((السر المكتوم منذ الدهور في الله خالق الجميع بيسوع المسيح)) (أفسس9:3).

فيا لعظمة هذا الإعلان عن سر هذا الفداء الذي جعله واضحاً بما أكمله مخلصنا الكريم من أجل فدية نفوسنا. والرسول بولس في (1كورنثوس9:2و10) يقول: ((بل كما هو مكتوب ما لم ترى عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذي يحبونه فأعلنه الله لنا نحن بروحه. لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله)).

فهل نفكر باهتمام كلي بقيمة هذا الإعلان السماوي العظيم عن محبة إلهنا القدوس الذي بعث ابنه الوحيد ليتجسد ويفتدينا ويكفر عن آثامنا بنيابته عنا أمام العدل الإلهي ويطهرنا بدمه الثمين ويبررنا ببره الكامل.

ألا يستحق هذا الفداء العظيم المعلن والمكمل بربنا يسوع أن يكون ماثلاً على الدوام أمام أعيننا لكي نقدره حق التقدير وندرك قيمة نفوسنا التي دفع ثمنها غالياً لكي يعيدها لذاته.

ثمَّ من الأشياء المستحقة أن نسمعها بكل اهتمام هي دعوة الله لنا ففي (أشعياء1:55-3) يقول: ((أيها العطشى جميعاً هلموا إلى المياه والذي ليس له فضة تعالوا اشتروا وكلوا هلموا اشتروا بلا فضة وبلا ثمن. . . استمعوا لي استماعاً وكلوا الطيّب ولتتلذذ بالدسم أنفسكم. أميلوا آذانكم وهلمّوا إليًَ اسمعوا فتحيا أنفسكم واقطع لكم عهداً أبدياً مراحم داود الصادقة)).

وبالنظر إلى الدعوة الإلهية التي سجلها الوحي قديماً فقد كررها الرب يسوع مجدداً بدعوته الكريمة لوليمة الخلاص. وضرب لنا في ذلك مثل الملك الذي صنع عرساً لابنه، وقد صرح بقوله: ((كل شيء معد تعالوا على العرس)) (متى 2:22-14) أي أن كل شيء من أجل خلاص نفوسنا قد جهزه الله بالتمام ولا يكلفنا إلا القبول للدعوة السماوية وإشباع جوع حياتنا من الطعام الروحي الشهي. وتستحق دعوة إلهنا المجيد لكل إصغاء لصوته لأنه يريد الدخول بذاته إلى القلب حاملاً البركات إلى النفس التي تفتح له وتقبله، حيث يقول بتلك الآية الشهيرة المنبهة لكل واحد ((إن سمع أحد صوتي وفتح الباب ادخل إليه)) الخ (رؤيا20:3). ولكي يشوق نفوسنا له يحدثنا وحيه بفم يوحنا عن النعمة التي أتى بها ويأتي بها دائماً، إذ قال أنه أتى ((مملوءاً نعمة وحقاً. ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا. ونعمة فوق نعمة)) (يوحنا16:1). ألا تفتح أذنك وقلبك أيها القارئ أو السامع لهذا المنعم الجواد وتقبله في حياتك.

ومن الأشياء المستحقة أن نفتح لها آذاننا وأذهاننا بالإصغاء التام المواعيد العظمى والثمينة التي تبعث في النفس الفرح والبهجة والسعادة والسلام. وهل بالمستطاع في مجال محدود كهذا أن نتناول في بحثنا ذكر المواعيد الكثيرة في كلمة الله التي تتكرر دائماً لتنبيهنا. وكأن الرسول بولس عندما جال بفكرة ذكر المواعيد أرشده الروح القدس فسجل تلك الآية العظيمة في (2بطرس 3:1و4) بقوله: ((كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة اللذين يهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية وأن نكون مؤهلين للحصول على ميراث البنين في السماء. ألا ينبغي أن نعلل أنفسنا دائماً بمواعيده التي تجعل قلوبنا متعلقة بشخص فادينا منتظرين مجيئه لكي يأخذنا إليه لنكون معه في أبدية المجد.

على أنه يوجد شيء آخر يستحق أن نصغي إليه بآذاننا ويستقر في أعماق أذهاننا وهو الإنذارات والتحذيرات الإلهية المسجلة بكثرة في الكتاب. وقد قال الرسول بولس في (1كورنثوس11:10) ((فهذه الأمور جميعها أصابتهم مثالاً وكتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور)).

وأضاف إلى ذلك قوله في (رومية 4:15) ((لأن كل ما سبق فكتب كتب لأجل تعليمنا حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاء)).

ففي العهد القديم ينبهنا الله إلى أهمية الإصغاء للإنذارات والتحذيرات التي من قبله حيث يقول في (حزقيال3:33-5) ((إذا سمع السمع صوت البوق ولم يتحذر فجاء السيف وأخذه فدمه يكون على رأسه، سمع صوت البوق ولم يتحذر فجاء السيف وأخذ فدمه يكون على نفسه. لو تحذر لخلّص نفسه)).

من واجبنا إذاً أن لا نكتفي بالإعلانات والمواعيد ونهمل الإنذارات وتحذيرات الرب لأنها ضرورية جداً وإهمالها يخسرنا فائدة كل المواعيد المعطاة لنا. وما أحرانا أن نتأمل بذلك الإنذار الشديد اللهجة الذي يذكره العهد الجديد وقدمه الرب على طريق دمشق لشاول الطرطوسي المقاوم له والمضطهد للمؤمنين به، إذ نقرأ عن ذلك في (أعمال 4:9و5) عندما قال له: ((شاول شاول لماذا تضطهدني. . . . . صعب عليك أن ترفس مناخس)). وحينما تأمل شاول بعظمة الناصري الإله الذي ظهر له بالبرق وكلمه بالرعد، في الحال تأثر بالإنذار وسلّم للسيد التسليم الكامل وخضع له الخضوع التام. وهو بذلك يعطي مثلاً لكل من يسمع صوت الرب ينذره ويحذره من عواقب المضي في المخالفة للإرادة الإلهية.

وماذا نقول عن ذلك الإنذار بقول الرب في (يوحنا 36:3) ((الذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله)). وفي الإصحاح ذاته أوضح معنى الإيمان به بأنه هو الذي يحدث التغيير في الإنسان الخاطئ بحيث يجعله خليقة جديدة بالولادة من فوق، وأن الذي لا يولد من الله لا يقدر أن يرى ملكوت الله. . . . فهذه الإنذارات هي لكل واحد لأن بها يرينا الرب الضرورة للحصول على التجديد في الحياة وأن الذي لا يتجدد بعمل النعمة الإلهية ولا يصير خليقة روحية جديدة بالمسيح ليس من واسطة أخرى تستطيع أن تدخله السماء.

النقطة الثالثة:

لتأملنا في درسنا عن الأذن في الجسد الذي للمسيح هي المسؤوليات التي علينا، لأن ما نسمعه بواسطة كلمة الله يضعنا تحت المسؤوليات الخطيرة.

فمن هذه المسؤوليات عدم الاكتفاء بمجرد السمع إنما أن نعمل بما نسمع. وقد أوضح ذلك الرسول يعقوب بقوله: كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم)) (يعقوب22:1). كم يستخف بعض الناس بما يسمعون ولا يحفظونه ليكون لهم الفائدة. وكأن الأقوال الإلهية التي يسمعونها تمر كمرور بضاعة ((الترانزيت))، فيقول الواحد ((ما أسمع بهذه الأذن يخرج من الأخرى)))). فكلام الله أيها السمع ليس كترانزيت المواد المنقولة إنما لتبقى في أعماق الحياة. وقد قال الرسول بولس في: ((كولوسي16:3) ((لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى وأنتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية بنعمة مترنمين في قلوبكم للرب)). فالسمع بدون العمل يضع النفس تحت الدينونة، بل أن الإيمان نفسه، إذا لم يتبرهن على وجوده بالحق في العمل الصالح، يكون ميتاً.

والرب يسوع ينبهنا لعدم فائدة أي اعتذار يقدمه الإنسان الذي يسمع حيث يقول في يوحنا(يوحنا 22:15) ((لو لم أكن قد جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطية. وأما الآن فليس لهم عذر في خطيتهم)). والوحي، بفم الرسول بولس، يؤيد ذلك إذ يقول: ((أنت بلا عذر أيها الإنسان)) (رومية1:2). ثم أن أهمية العمل بما نسمع ينبهنا إليه الرب يسوع بقوله في (يوحنا 17:13) ((إن علمتم هذا فطوبا لكم إن عملتموه))، وفي (يوحنا23:14) أيضاً يرينا وجوب حفظ كلامه لأن له ثواباً عظيماً حيث يقول: ((إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً)).

فلنجعل ذواتنا على استعداد ألا نسمع فقط بل أن نعمل لتكون لنا البركات التي تتضمنها كلمة الله. والأمر المهم الذي نتعلمه في هذا الصدد هو أن الذي لا يسمع أقوال الله ليعمل بها لا تقبل صلاته. ففي (أمثال9:28) بقول: ((من يحول أذنه من سماع الشريعة فصلاته أيضاً مكرهة)). والذين لا يعطون الأوامر الإلهية حقها من الواجب بالطاعة، ويصمون آذانهم عن السماع والعمل يشبههم بالأصنام التي ((لها أعين ولا تبصر. لها آذان ولا تسمع)) (مزمور4:115-8).

والغاية الأساسية من وضع الله الأذن في جسد الإنسان الذي خلقه هي أن تتلقى التعاليم من الله. وكم نجد العبارات عن هذا الموضوع مكررة: "من له أذنان للسمع فليسمع" (متى 15:11 و9:13 و43 ومرقس9:4 و23 و16:7، لوقا8:8 و35:14). وفي سفر الرؤيا كرر الرب أمره للكنائس السبع بقوله: ((من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس)) (رؤيا 7:2و29و6:3و22:13). وبما أن الله بحكمته خلق الإنسان كاملاً ومجهزاً بالأعضاء الضرورية ليتحمل كل عضو مسئوليته فالأذن هي من الجملة، ولا مهرب لها من الواجب. لأن الرسول بولس، في (1كورونثوس16:12)، يقول: ((إن قالت الأذن لأني لست عيناً لست من الجسد أفلا تكن لذلك من الجسد)). وفي عدد 18يقول: ((وأما الآن فقد وضع الله الأعضاء كل واحد منها في الجسد كما أراد)). وفي العهد القديم نسمع الله يقول في( تثنية 4:29) ((لم يعطكم الرب قلباً لتفهموا وأعيناً لتبصروا وآذاناً لتسمعوا إلى هذا اليوم)). وقد أوصى أرميا بقوله: ((اسمع هذه الكلمة التي أتكلم أنا بها في أذنيك وفي آذان كل الشعب)) (أرميا7:28).

وبما أن الأذن بحكم وضعها وتركيبها مفتوحة دائماً لتتلقى ما يقدم لها من أقوال فقد صرح الكتاب في (جامعة 8:1) ((العين لا تشبع من النظر والأذن لا تمتلئ من السمع)). بناءً على هذا يجب أن يكون الإنسان حريصاً جداً بفتح أذنه أو إغلاقها لأنها الباب الذي فيه تدخل المؤثرات إلى الحياة. فأما أن يسمح للتجربة أن تدخل إلى نفسه ويحتل العدو بقوته، أو أن يغلقها في وجه التجربة ويجعلها مفتوحة للرب يسوع فقط ولا يكون إبليس في نفسه مكان.

مؤلف كتاب ((سياحة المسيحي)) المعروف، ألف كتاباً آخر قيماً جداً يستحق المطالعة وقد دعاه ((الحرب المقدسة))، وشبّه فيه نفس الإنسان بمدينة كبيرة لها عدة أبواب والعدو يحاصرها من كل الجهات ويحاول الدخول من أحد الأبواب لكي يحتل الحصن في المدينة. ومن جملة الأبواب التي يجرب العدو الدخول منها هو باب الأذن. وبالحقيقة أنه باب خطير جداً بل وخطر أيضاً، لأننا نعلم أن التجربة لأمنا حواء، وهي التي سببت سقوط لهاو لآدم كانت نتيجة للمحاولة الناجحة التي حاولها إبليس في لإدخال تجربته من باب الأذن. فقبل أن يفتح له باب العين أو باب الفم فتحت حواء باب أذنها، أي أنها قبل أن تمتع نظرها بالثمر على الشجرة الممنوع الأكل منها، وقبل أن تذوق طعمها بفمها فتحت أذنها لخداع إبليس وكذبه وحيلته. وعندما سمعت لمشورته الشريرة سمحت له بالدخول إلى مدينة حياتها وتمَّ له ما أراد بإسقاط رأس الخليقة البشرية بالخطية. ولو كانت حواء حريصة على الإصغاء لإعلان الله وأمره وأغلقت أذنها في وجه تجربة العدو لما حصل السقوط الذي ورثنا نحن نسلها النتائج المؤلمة.

فهل انتهى هذا العدو من مهاجمة بني البشر، خصوصاً المؤمنين؟ كلا لأننا نعلم أنه يجعلهم موضوع هجماته بجيش تجاربه. وما دمنا في هذا العالم فالمجرب موجودة، وبكل دهائه وخبثه يحاول أن يقنع الشخص ليفتح له الباب.

أليس من واجبنا أن نكون حريصين كل الحرص ونبقي أبواب حياتنا مقفلة في وجهه حتى لا يتمكن من الدخول إلى القلب ونكون بذلك قد أطعنا الكلمة الإلهية القائلة: ((لا تعطوا إبليس مكاناً)) (أفسس27:4).

وإذا تأملنا بمسؤولياتنا من قبيل استعمالنا لآذاننا نجد من الواجب علينا أن يكون عندنا التمييز الدقيق لنعرف صوت ربنا ونميزه عن غير الأصوات التي تسمع. وبهذا الصدد نلاحظ أن مسئوليتنا أشد من مسؤولية حواء لأنها هي وآدم لم يكونا قد اختبرا بعد نتيجة المعصية على أمر الله وما جرته عليهما من أضرار وحرمان وعقاب، أم نحن فنعرف أكثر منهما. نعرف ما هو الموت إذ نرى الناس يموتون، بينما هما لم يريا التجربة موت أحد أو بالأحرى ما هو الموت. وبالنظر لمعرفتنا بالاختبارات العملية وبالواقع صار من الواجب علينا أن نميز كل ما نسمعه من أقوال من أي مصدر أتت خوفاً من خداعنا وغشنا. فأن كانت الحيوانات لا تفهم مثلنا، تميز صوت راعيها وتعرفه فتتبعه ولا تتبع الغريب، فكم بالأحرى نحن الخليقة العاقلة يجب أن نميز صوت راعينا السماوي الأوحد لكي نتبعه دون سواه، فنكون خرافة الخاصة كما قال في (يوحنا 27:10) ((خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني)).

يقال أن الواعظ الشهير مودي زار الأراضي المقدسة في إحدى رحلاته وأراد أن يختبر بذاته ما قاله الرب عن الغنم والراعي. فذهب مرة إلى الحقل وأراد أن يختبر ما قاله الرب عن الغنم والراعي. فذهب مرة إلى الحقل وطلب من الراعي أن يعلمه ماذا يقول للغنم لكي يتبعه، فعلمه بعض الكلمات وقالها للغنم ومشى قدامها فلم تعره أي اهتمام. أتى إلى الراعي ثانيةً وطلب أن يلبسه لباسه ويحمل عصاه كما يفعل هو فأعطاه ما طلب وعاد الكرة ومشى أمام الغنم وكرر القول داعيا القطيع أن يتبعه ولكنه فشل أيضا إذ لم تتبعه أية واحدة منها وعندما سأل الراعي عن السر بذلك أجابه أن الغنم تعرف راعيها الحقيقي ولا يمكن أن تنخدع وتتبع سواه.

وبناءً على هذا أليس من المحتوم علينا أن يكون عندنا التمييز الدقيق بين أقوال الحق وأقوال الضلال؟ والوحي في (امثال27:19) يقول ((كف يا ابني عن استماع التعليم عن كلام المعرفة للضلالة)). ومما نقرأ في (1صموئيل22:15) قوله ((هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب. هو ذا أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش)).

إننا نتأكد إن كثيرين من البسطاء القائلين بالإلحاد وإنكار حقيقة وجود الله توصلوا لتلك النتيجة الردية بواسطة ما سمعوه من غيرهم ممن لا إيمان في قلوبهم. لذلك من الواجب علينا أن نسد آذاننا تجاه كل الآراء التي لا تأتي من مصدر إلهي بالكلمة المقدسة، خوفا على حياتنا وعلى إيماننا مما يغري.

يقال أن جزيرة كانت مسكونة بأرواح شريرة ويصدر منها أنغام شجية للغاية. والمراكب التي كانت تمر من الجزيرة كانت الأنغام المطربة تغري المسافرين حتى يحولوا سير السفينة ويذهبا إليها وهناك كانوا يجدوا نهايتهم. وعندما عرف الأمر وشاع، اتخذ ربان سفينة مسافرة في تلك الجهة الحذر، ووضع قطناً في آذان الركاب ومر قرب الجزيرة بسلام لأن المسافرين لم يسمعوا أنغام الجاذبة إليها.

على أن هذه القصة – مهما كان فيها من خرافة – تنبهنا إلى الحقيقة لا مناص من التعلم منها إذ تفرض علينا أن نسد آذاننا الروحية لكي لا تخدعنا أنغام التجارب ومغريات الدنيا لأنها تقودنا إلى الهلاك.

الكاتب يحدثنا عن الأذن المختونة أي المطهرة وهي التي تجعل النفس مكرسة للرب لأننا نعلم أن استفانوس الشهيد وبخ اليهود بقوله في( أعمال 51:7) ((يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان انتم دائما تقاومون الروح القدس)). ومن هذا نعلم أن الأذن المختونة هي المقدسة بفعل الروح الله والطاعة لأوامره والمكرسة لسماع إنجيل الخلاص ورسالته المحيية.

والكتاب يحدثنا عن الأذن المثقوبة بمثقب خاص يجعلها ملازمة لبيت الرب وسماع أقواله ومستعدة لخدمته. من العوائد المعروفة أن الأمهات يثقبن آذان البنات ليوضع فيها الحلق لأجل الزينة. وما أكثر أنواع الأقراط التي تفنن الناس بصنعها ولبسها! ولكن الكتاب المقدس يخبرنا عن نوع معين لثقب الأذن ولغاية أفضل أي أن العبد الذي يحب سيده يقدمه سيده إلى الله ويقربه إلى الباب أو إلى القائمة ويثقب سيده أذنه المثقب فيخدمه إلى الأبد. (5:21و6).

فلنجعل آذاننا مثقوبة بمثقب سيدنا العظيم لكي نظل طيلة أيام حياتنا ملازمين له وثابتين وملتصقين به كدليل على محبتنا له واستعدادنا لخدمته كل الزمان والى أن يأتي الوقت الذي نكون معه في الأبدية.

  • عدد الزيارات: 8491