Skip to main content

مَن هوَ الكفؤ ليقود؟ - دعوة موسى

الصفحة 2 من 5: دعوة موسى

دعوة موسى:

أنظر إلى موسى عندما كان في الصحراء يرعى غنم حميه يثرون، عندما أتته دعوة الله. إن ما حدث هو أن ذلك الرجل الذي نال ثقافة عالية في مصر، والذي كان معتاداً على حياة الترف والرفاهية في مصر، أصبح يعمل عملاً حقيراً، الأمر الذي أذاقه مرارة الذلّ والهوان, كان رعي الغنم مهنة السذّج والجهلة. كان من الممكن أن يقبع موسى نادباً سوء حظه وما أحاط به من بؤس وتعاسة، فيفوته سماع الدعوة أو تلبيتها. ومما زاد الطين بلّة هو أنه كان يعمل لحساب حميِهِ.

وعندئذ حصل شيء غريب ورائع، فقد "ظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط علَّيقة، فنظر وإذا العلَّيقة تتوقَّد بالنار والعلَّيقة لم تكن تحترق" (خروج 3: 2).

وكان أوَّل ما فعله الله أن عرَّف عن نفسه لموسى، ولقد تأكد موسى أن الله كان يكلِّمه. إن هذا أمر يجب أن تتأكد منه في أعماق نفسك. إذ عندما يأتي إليك من يدعوك لتقوم بخدمة، بطريقة أو بأخرى، عليك أن تتأكد من أن هذا الموضوع يختصّ بالله. لا تتزحزح قيد أَنملة- سواء بالقبول أو بالرفض- حتى تتحقَّق من إرادة الله في الأمر.

قد تعرف أحياناً إرادة الله في الحال، وقد تنتظر توضيحاً من الله في مرّات أخرى, ولكن كن على ثقة من أن الله سيعرِّفك بإرادته. إن أبانا الذي في السموات قادر على الاتّصال بأولاده. الله سوف يثبت إرادته لك في المسألة. لا يريد لنا أن نعيش في حيرة وشك.

بما أن الله مهتم بما نعمل، فسوف يوضح لنا إرادته. لقد وعد بذلك "أعلّمك وأرشدك الطريق التي تسلكها، عيني عليك" (مزمور 32: 8). لاحظ ضمير المتكلم في هذه الآية العائد إلى الله إذ يظهر مرتين. فالإرشاد هو مسؤولية الله. التأكيد على الإرشاد هو القاعدة في الكتاب المقدس، كما هو التأكيد على الغفران. لاحظ أيضاً قول الله: "أعلّمك وأرشدك الطريق التي تسلكها". إنه يرينا الطريق للسير، إنه تأكيد مبارك.

هناك وعد آخر في (المزمور 48: 14) "لأن الله هذا هو إلهنا إلى الدهر والأبد، هو يهدينا حتى إلى الموت". إن كلمات هذا الوعد لا تخطئ أبداً "إنه سيكون هادينا". إذن يمكنك الاعتماد على إرادته وقدرته ليريك ما هي إرادته نحوك. وكما فعل موسى يمكنك التأكد من أن الله هو الذي يتكلم.

وما حدث بعد ذلك هو أن الله أوحى إلى موسى بما يتوجب عليه نحو شعبه. "فقال الرب إني قد رأيت مذلّة شعبي الذي في مصر، وسمعت صراخهم من أجل مسخِّريهم. إني علمت أوجاعهم" (خروج 3: 7). وتذكرون كيف كان موسى مثقلاً بأعباء المسؤولية عن بني إسرائيل عندما أخرجهم من تحت نير فرعون، وقد تشجَّع عندما علم أن الله نفسه مهتم بهم أيضاً.

وهنا صرَّح الله تصريحاً مثيراً "فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين، وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة، إلى أرض تفيض لبناً وعسلاً" (خروج 3: 8). هل يمكنك أن تتصوَّر الفرح والابتهاج اللذين غمرا موسى في تلك اللحظة؟ إن الله الحيّ سوف يشارك في تخليص الشعب.

ثم أضاف الله تصريحاً أربك موسى. "فالآن هلمَّ فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر" (خروج 3: 10).

هل تتصوّر معي الأسئلة التي لا بد ازدحمت في فكر موسى؟ "لكن يا مولاي، ظننت أنك ستنزل وتخلِّصهم، فما الداعي إذن لأن أذهب أنا إلى فرعون، وأخرج أنا بني إسرائيل؟ ما دمت يا مولاي ستنزل أنت وتخلّصهم، فما الحاجة لذهابي أنا؟".

ثم أن ذلك سؤال هام، وعلى كلٍّ منا أن يجد الإجابة عنه في أعماق نفسه. وعندما نفهم أن الإنسان هو مركز الدائرة في إتمام الله لمخطَّطاته ومقاصده، حينئذٍ ندرك ما هو دورنا في ملكوت الله.

وهذا ما حدث مع موسى، فقد كان لدى الله عمل ليقوم به موسى، ومع ذلك لم يشعر موسى بأهليَّته للقيام بذلك العمل، فصرخ بسؤاله أمام الله: من أنا؟

وبالطبع لم يكن هذا سؤالاً تصعب الإجابة عنه. لأن من السهل على الله الإجابة عنه بكلمتين: "أنت موسى". ولكن السؤال كان غير ذي موضوع. ولذا لم يأبه الرب بالإجابة عنه.

وهنا يكمن أحد أكبر أسرار القيادة في مشروع المسيحية. وقال الله: "بالطبع سوف أكون معك". لقد كان الرب يريد إفهام موسى حقيقة جبّارة. وكأنه يقول "يا موسى، ليس مهماً من تكون، وإن كنت تشعر بأنك كفؤ أم لا، وهل أنت قادر على القيام بالواجب أم لا. من المؤكد أني سأكون هناك. وما قلته لك يبقى سارياً. سأنزل لأنقذهم. سأعمل ذلك، وسأعطيك الامتياز لتكون معي. ستكون الأداة التي يتم الإنقاذ بها".

في جميع الأحوال تذكَّر هذه الحقيقة عندما يدعوك الله لحمل مسؤولية القيادة في أعماله. إن الله لا يبحث عمن يشعرون بالكفاءة. قال بولس: "ليس أننا كفاة من أنفسنا أن نفتكر شيئاً كأنه من أنفسنا، بل كفايتنا من الله" (2 كورنثوس 3: 5).

إني متأكد من أن الشعور بالحاجة وعدم الكفاءة، يمكن أن يكون مصدراً للقوة بدلاً من نقطة ضعف، إذ أن شهادة بولس تعني ذلك. "فقال لي تكفيك نعمتي، لأن قوَّتي في الضَّعف تُكْمَل، فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل عليّ قوة المسيح. لذلك أُسرّ بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح لأني حينما أنا ضعيف فحينئذٍ أنا قويّ" (2 كورنثوس 12: 9 – 10).

إن بعضهم يُدهَشون من ذلك ويقولون: هل تعني أن بولس الرسول كان يشعر بذلك فعلاً؟ والجواب على ذلك هو نعم. وهذا بلا شك ساهم إلى حد بعيد في عظمته.

أما الدرس الثاني الذي نتعلَّمه عند النظر إلى دعوة موسى فإنه عظيم الأهميّة. من الصحيح أن نعي عدم كفايتنا، ولكن يجب ألاَّ نتوقَّف عند هذا، بل يجب أن نقتنع بكفاية الله المطلقة. وكانت تلك خطوة الله التالية في التعامل مع موسى.

وطرح موسى سؤالاً آخر. "ها أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول لهم: إله آبائكم أرسلني إليكم. فإذا قالوا لي ما اسمه، فماذا أقول لهم؟" (خروج 3: 13).

وكانت إجابة الله عن ذلك السؤال إجابة رائعة. "وقال الله لموسى أهيه الذي اهيه. وقال هكذا تقول لبني إسرائيل: أَهيه أرسلني إليكم. فقال الله أيضاً لموسى. هكذا تقول لبني إسرائيل. يهوه إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب أرسلني إليكم. هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكري إلى دور فدور" (خروج 3: 14 -15).

لقد كنت شاباً مسيحياً يافعاً، وقد ارتبكت بهذه الإجابة لمدة طويلة. ماذا عنى الله عندما عرَّف عن نفسه بقوله أنه "أهيه الذي اهيه"؟ إن أهيه هو فعل مضارع في العبرية ويعني "أكون"، وهذا هو أيضاً معنى اسم يهوه. إنه الكائن الدائم. يطلبه الإنسان فيجده. لقد كان، ويكون الآن، وسيكون إلى الأبد. إذا دعاك الله لتقوم بواجب معيَّن، تجد نفسك بحاجة لتعرف أن الله الذي يدعوك هو هو دائم الوجود لكي يدعمك.

والأهم هو أن شعورنا الدائم بالحاجة، يجعلنا دائمي التركيز على هذه الحقيقة. هل نحن في حاجة إلى تعزية؟ نسمع الرب يقول: أنا هو، أنا أَهيه. "ملقين كل همّكم عليه، لأنه هو يعتني بكم" (1 بطرس 5: 7). هل نحن بحاجة للانتصار على خطيئة تزعجنا؟ يجيبنا: أنا انتصاركم. "ولكن شكراً لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح" (1 كورنثوس 15 : 57). هل نحن بحاجة إلى محبَّة؟ "الله محبَّة" (1 يوحنا 4: 8)، وهكذا دواليك بالنسبة لكل الاحتياجات. فإن الله هو الكفاية الدائمة الحاضر دائماً لسدّ جميعها. إنه الكائن الدائم الذي لا يخيِّب شعبه.

وعليه فمن الحق أن نُقِرَّ بعدم كفايتنا، ولكن يجب ألاَّ نتوقَّف عند هذا، وإلاَّ لوجدنا أنفسنا في مأزق. يجب علينا إذن الاستمرار لنقرّ بمقدرة الله وكفاءته وكفايته، لمجابهة أية تجربة وللتغلُّب على أية مشكلة ولإحراز أي انتصار. لقد احتاج موسى لبعض الوقت حتى أدرك هذه الحقيقة، بعد هذا استخدمه الله بقوة.

دعوة جدعون
الصفحة
  • عدد الزيارات: 11695