Skip to main content

الخروج الأول: انسحاب مجد الرب من وسط المحلة في حوريب

التجربة الأولى: إعطاء الناموس الناري

نذكر أن الرب عندما أخرج الشعب من أرض مصر جعل مكانه في وسطهم. وسار بهم إلى جبل سيناء وكانوا في ذلك الوقت قد رأوا فعله العظيم. رأوا أعمال قدرته ورأوا محبته لهم وهم في أرض مصر. لقد صنع لهم خلاصاً عجيباً وسدد أعوازهم، واحتمل تذمراتهم في البرية بنعمة فوق نعمة. والآن يقول لهم "رأيتم كيف حملتم على أجنحة النسور وجئت بكم إليّ. فالآن إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب فإن لي كل الأرض وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة... فأجاب جميع الشعب معاً وقالوا كل ما تكلم به الرب نفعل" (خروج19: 4- 8).

لكن بكل أسف، ما كان أبسط من أن يطيعوا كلامه وأن يحفظوا عهده، لكن من الجهة الأخرى لو أنهم عرفوا أنفسهم حق المعرفة لما تجرأوا أن يقطعوا على أنفسهم عهداً كهذا الذي تعهدوا أن يفعلوه. فأعطاهم الله ناموسه من جبل سيناء- أعطاهم الوصايا العشر. لقد تبدّل مسلكه معهم. كانت طرقه معهم حتى ذلك الوقت نعمة فوق نعمة. لكنه الآن يعطيهم ناموساً نارياً بلا نعمة. ناموساً لا يقدرون أن يثبتوا أمامه. لكن ذلك الناموس الصارم كان يلزم لحالتهم لأجل اختبارهم لكي يعرفوا مكانهم ومركزهم. ولقد صعد موسى إلى الجبل ليأخذ من الرب هذه الوصايا عينها التي تكلم بها الرب، مكتوبةً على ألواح حجرية لكي تبقى محفوظة بينهم. وقد بقي موسى على الجبل أربعين يوماً، وقبل نزوله من هناك، أي قبل أن يأخذ الشعب لوحي العهد كانوا قد كسروهما إذ سبكوا عجلاً ذهبياً وسجدوا له عند سفح ذات الجبل الذي ارتجف مرة ودخن في حضرة الرب.

كانت هذه خاتمة التجربة الأولى. كانت التجربة قصيرة لكن نهايتها كانت كاملة وتامة والنتيجة أن مكان سكنى الرب أو بالحري مجد الرب انسحب من وسطهم.

وأخذ موسى الخيمة ونصبها له خارج المحلة بعيداً عن المحلة ودعاها خيمة الاجتماع. فكان كل من يطلب الرب يخرج إلى خيمة الاجتماع التي خارج المحلة" (خروج33: 7) وهذه الخيمة التي سماها موسى خيمة الاجتماع ليست هي خيمة المسكن التي في وسط الجماعة، بل كانت خيمة أخرى خارج تلك الجماعة كان يلتقي عندها الذين يطلبون الرب أفراداً ومن ثم سُميت خيمة الاجتماع.


التجربة الثانية: إعطاء الناموس ممزوجاً بشيء من النعمة والرحمة

ظاهر أن تلك التجربة الأولى انتهت بقضاء إلهي. لكن الله مع القضاء استعمل الرأفة. وهو، في مطلق سلطانه يستطيع أن يفعل ذلك، "أترأف على من أترأف وأرحم من أرحم". ويستأنف الله معهم السير، ويعطيهم للمرة الثانية الناموس لكنه في هذه المرة يصحبه بإعلان جديد مختلف عن كل ما سبق. إنه يُقرنه بالرحمة ويعلن، وهو يمر قدام موسى، هذا التصريح عن اسمه يهوه "الرب، الرب إله رحيم ورؤوف، بطيء الغضب، وكثير الإحسان والوفاء، حافظ الإحسان إلى ألوف. غافر الإثم والمعصية والخطية ولكنه لن يبرئ إبراءً" (خروج 34: 6و 7).

إنه للمرة الثانية يعطيهم الناموس لكن مصحوباً بإعلان عن صلاحه وصبره وغفرانه الإثم والخطية. والناموس، في هذه المرة الثانية، لم يزل ناموساً كما أنهم هم مازالوا تحت المسئولية لأن يحفظوه. لكن الله الآن عتيد أن يمارس طول أناته وغفرانه الإثم والمعصية والخطية. وفي نفس الوقت لا يبرئ المذنب إبراءً.

كان إعطاء الناموس في التجربة الأولى لأجل امتحان الإنسان فيما إذا كان يتقي الله أو يكفر به. لكن ثبت أن الإنسان في حالته الراهنة كافر بالله. وكان إعطاء الناموس أيضاً في المرة الثانية لأجل امتحان الإنسان (الإنسان بصفة عامة وليس فقط إسرائيل) فيما إذا كان يستطيع- بكل المعونات التي يقدمها له الله أن يُصلح من حاله.فلم يزل الناموس عنده لكي يحفظه والله من جانبه يعطيه فرصة كافية ومعونة لكي يحاول من جديد. وهذا ما يقوله حزقيال النبي "عند رجوع الشرير عن شره وعند عمله بالعدل والحق فإنه يحيا بهما نفسه" (حزقيال33: 29). ونحن نلاحظ أنه عند إعطاء الناموس في المرة الأولى لم يذكر شيء عن خلاص النفس بالمرة لأن الخلاص لم يكن الهدف فلم تقال كلمة عنه. لكن في المرة الثانية إذا كان الإنسان شريراً- وقد ثبت شره، فها هي رحمة الله من نحوه، ها هو صوت الله يقول له: إن رجعت عن شرك وفعلت الصالح والمستقيم فإنك تُحيي نفسك- بمعنى أن الله يمحو الصفحة الملطخة من حياته، ويعطيه أن يقلب صفحة جديدة نظيفة. ولنلاحظ أنه في هذه الحالة إذا هو قلب صفحة جديدة عليه أن يحفظها نظيفة أيضاً وهذا معنى قوله "وفعلت الصالح والمستقيم". والناموس يرشد إلى هذا الصلاح وإلى تلك الاستقامة.

لكن بكل أسف كان هذا مستحيلاً في المرة الثانية كما كان مستحيلاً في المرة الأولى. كان مستحيلاً تماماً أن يجد الإنسان هذه الصفحة الجديدة النظيفة المطلوبة. الله يرفض الصفحة الملطخة والإنسان يعجز عن إيجاد الصفحة النظيفة. وكان الامتحان الثاني برهاناً على أن الإنسان بلا قوة. فهو أثيم كافر بالله وهو بلا قوة أيضاً. وهذان هما الوجهان لحالة الإنسان الساقطة- الوجهان اللذان أظهرهما إعطاء الناموس في المرتين.

  • عدد الزيارات: 7316