الفصل الثالث: المسيحيون وأثرهم في الشعر العربي
"للعلم تاريخان، احدهما قبل اختراع الكتابة، والآخر بعدها"(جرجي زيدان).
لا حضارة بدون لغة، فالغة هي المحور الذي يدور حوله الوعي البشري، وهي وسيلة التعبير، التي بدونها ينقطع الإفصاح عن الفكر، كما ولا حياة دائمة في لغة لا تكتب، لأن ما لا يكتب يموت ويضمحل.
ليس من يعلم يقينا كيف ومتى نشأت اللغة العربية، ولا يوجد ما يرصد بالتحديد تطورها إلى ما هي عليه اليوم. في هذا الشأن يقول بروكلمان: "يبدوا أن أوائل علم اللغة العربية ستبقى دائما محوطة بالغموض والظلام، لأنه لا يكاد ينتظر أن يكشف النقاب بعد عن مصادر جديدة تعين على بحثها ومعرفتها". [198]
أثرى الشعراء المسيحيين آداب ولغة العرب بتعبيرات لم يسبقهم إليها أحد، ومنهم من لمع وأضحى بطلا لروايات أدبية اشتهرت في المشرق كافة. وقد تركت قصائد بعضهم أثراً بالغاً في التاريخ العربي، إذ حملت إشارات إلى حوادث ونزاعات سياسية وحروب قبلية. وإننا هنا نذكر البعض منهم: [206]
1 - امرؤ القيس
بن جُحر بن الحارث بن عمرو المقصور، من اشهر شعراء المسيحية قبل الإسلام. قيل: "أن المهلل خاله لقنه فن الشعر فبرز فيه إلى أن تقدم على سائر شعراء وقته... وفي شعره رقة اللفظ وجودة السبك وبلاغة المعني. سبق الشعراء إلى أشياء ابتدعها واستحسنها العرب واتبعه عليها الشعراء". [207] اشتهر بمعلقته:
قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ بسقطِ اللوى بين الدخولِ فحوملِ
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوبٍ وشمألِ
2 - عدي بن زيد العبادي،
أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى ملك الفرس. "المقدم على جميع شعراء الحيرة ... لسان هذه المدينة... كان نصرانياً هو وأهله". [208] يقول الجاحظ: "سأنشدك لعدي بن زيد، وكان نصرانياً دياناً، وتَرجماناً، وصاحب كتب، وكان من دُهاة أَهل ذلك الدهر"، ثم يذكر له أبياتا فيها مختصر خلق الله لآدم، فيقول:
قضى لـسـتة أيّام خـلـيقـتـه وكان آخرها أن صوّر الرجلا
دعاه آدم صوتاً فاسـتـجـاب لـه بنفخة الروح في الجسم الذي جبلا
ثُمة أورثهُ الفردوسَ يعمـرهـا وزوجه صنعة من ضلعه جعـلا
لم ينههُ رَبهُ عـن غـير واحـدة من شجرٍ طيب: أن شَم أو أكـلا [209]
3 - زُهير بن أبي سُلْمَى المزني.
وهو احد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء، وهم امرؤ القيس وزهير والنابغة. وقد اشتهر زهير بأنه بعيد عن السخف ولا يمدح أحداً إلا بما كان فيه.
4 - النابغة الذُّبياني،
واسمهُ زياد بن معاوية، وهو من الطبقة الأولى المقدمين على سائر الشعراء. قيل فيه: "أشعر شعراء قومه وأشعر الناس وأشعر العرب".
5 - الحارث بن عوف بن ضب
. حفل شعره بمفردات صعبة زادت من غنى معاجم اللغة، كقوله:
كالأسودِ الحَبَشيِّ الحَمْشِ يتبعهُ سودٌ طَماطمُ في آذانها النطَفُ
هاب هبلّ مُدلّ يعملٌ هَزجٌ طَفطافُهُ ذو عِفاءٍ نِقنقٌ جنفُ
-------------------------------
206 - المراجع المعتمدة لهذا الفصل هي: 1 - الأب لويس شيخو، شعراء النصرانية 2 - المفصل في تاريخ العرب، جواد علي 3 - جرجي زيدان، تاريخ آداب اللغة العربية 4 - الجامع في تاريخ الأدب العربي، حنا الفاخوري
207 - شعراء النصرانية، الأب لويس شيخو، ج1 ص 8و 35
208 - المفصل في تاريخ العرب، جواد علي، فصل 161
209 - كتاب الحيوان، الجاحظ، في أمر الحية
6 - عبد يَغوث
بن صلاءة بن الحارث بن وقّاص. أسر في معركة مع بني تميم، ولمّا هموا بقتله قال قصيدة فيها يطلب إطلاق سراحه معللا أنه لم يقتل فارسهم النعمان بن جساس:
أقول وقد شدوا لساني بنسعة أمعشر تميم، أطلقوا عن لسانيا
أمعشر تيم ، قد ملكتم فأسجحوا فإن أخاكم لم يكن من بوائيا
فإن تقتلوني تقتلوني سيدا وإن تطلقوني تحربوني بماليا
في صاحب القصيدة يقول الجاحظ: "وليس في الأرض أعجب من طرفة بن العبد وعبد يغوث ، وذلك أنا إذا قسنا جودة أشعارهما في وقت إحاطة الموت بهما لم تكن دون سائر أشعارهما في حال الأمن والرفاهية".
7 - دُريد بن الصمة،
واسمه معاوية بن الحارث. فارس شجاع قال عنه أبو عبيدة: "كان دريد بن الصمة سيد بني جشم وفارسهم وقائدهم ... وأدرك الإسلام فلم يسلم".
8 - أعشى قَيس
المعروف بالأعشى الأكبر. هو ميمون بن جنْدل بن شراحيل، من نصارى اليمامة. اشتهر بمعلقته "ودّع هريرةَ إن الركبَ مرتحلُ". قالوا: "أشعر الشعراء أربعة: زهير إذا طرب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا غضب، وعنترة إذا كلب". [210]
9 - عمرو بن قميئَة بن ذريج
. سيرته فيها الكثير من الشبه بقصة يوسف. مات أبوه وتركه صغيراً فاحتضنه عمه بن سعد وكان يحبه حباً شديداً. ولمّا راودته يوما امرأة عمه عن نفسه أبى وخرج من عندها، ثم هرب إلى الحيرة خوفا على حياته، إذ كانت قد وشت به إلى زوجها. وبعد زمن طويل غفر عمروا لمضطهديه ظلمهم.
10 - حاتم الطائي
بن عبد الله بن سعد بن أمرؤ القيس. وصله يوما قول المتلمس:
قليل المال يصلحه فيبقـى ولا يبقى الكثير مع الفساد
وحفظ المال خير من فناء وعسف في البلاد بغير زاد
رد حاتم بالقول: " قطع الله لسانه، حمل الناس على البخل فهلا قال:
فلا الجود يفني المال قبل ذهابه ولا البخل في مال الشحيح يزيدُ
فلا تلتمس مالاً بعيش مُـقـتـر لكل غـد رزق يعود جديدُ
ألم ترَ أن الـرزق غـاد ورائح وأن الذي أعطاك سوف يعـيدُ [211]
11- الحسن بن وهب بن سعيد،
"كاتب شاعر مترسل فصيح أديب ... وهو عريق في الكتابة، ولأولاده نجابة مشهورة تستغني عن وصف ذلك، وكانوا يقولون إنهم من بني الحارث بن كعب، وأصلهم نصارى". [212]
قال فيه البحتري وهو يجتاز منزله بعد وفاته:
أناة أيها الفلـك الـمـدار أنهب ما تطرق أم جبـار
------------------------------
210- رجال المعلقات العشر- مصطفى الغلاييني، ص 14
211 - مفصل في تاريخ العرب، جواد علي، فصل 166
212 - الأغاني، لأبو فرج الأصفهاني، ج 23 ص 2581
12 - حنظلة بن أبي عفراء
الطائي،بن النعمان بن الحارث. يقال، لمّا ضاق حاله يوما ذهب إلى الحيرة ليطلب عون المنذر. فصدف وصوله يوم بؤس الملك. ويروي ياقوت الحموي: " قال له المنذر: لابد من قتلك فسل حاجتك تُقض لك قبل موتك فقال: تؤجلني سنة أرجع فيها إلى أهلي فأحكم فيهم بما أريد ثم أسير إليك فينفذ في أمرك". فقام في المجلس رجل يقال له شريك بن عمرو وكفل حنظلة. ولمّا قرب اليوم وحنظلة لم يزل غائبا قال المنذر لشريك: "ما أراك إلا هالكا غداً فداءً لحنظلة". فقال شريك، وقوله صار مثلا يضرب: "فإن يكُ صدر هذا اليوم ولى فإنَّ غداً لناظره قريبٌ".[213] لكن قبل أن يُقتل شريك قدم حنظلة، وإذ رأى المنذر ذلك عجب من ولائه، فأطلقهما.
13 - البّراق،
أبو النصر، وهو تغلبي من قرابة المهلهل. كان في صغره يتبع رعاة الإبل ويحلب اللبن ويأتي به إلي راهب حول المراعي فيتعلّم منه تلاوة الإنجيل. أحب البراق ليلى ابنة عمه، وكانت هي الأخرى شاعرة مسيحية تامة الحسن كثيرة الأدب. أسرها ابن لكسرى ملك العجم ونقلها إلى فارس، فبقيت هناك أسيرة متعففة لا ترضى بزواج إلى أن انتزعها البرّاق من يد غاصبيها واستحق أن يتزوج بها. ولهذا سميت "ليلى العفيفة".
14 - عنترة بن شداد العبسي،
الذي اشتهر بشجاعته وحبه لابنة عمه عبلة. كانت العرب كثيراً ما تعيره بالسواد لكنه كان يرد بالشعر الرائع:
لئن أكُ اسوداً فالمسك لوني وما لسـواد جلدي من دواءِ
ولكن تبعد الفـحشاء عني كبُعد الأرض من جوّ السماءِ
15 - قس بن ساعدة
بن عمرو بن عديّ، خطيب العرب وشاعرها وحليمها. أول من قال في كلامه: "أما بعد"، وأول من قال: "البيّنة على المدّعي"، و"اليمين على من أنكر" و"من فلان إلى فلان". أورد له ابن كثير الأبيات:
يا ناعي الموت والملحود في جدث عليهم مـن بقـايا قولهم خرق
دعهم فإن لهـم يـوما يصاح بهم فهم إذا انتبهوا من نومهم أرقوا
حتى يعودوا بحال غير حالهم خلقا جديدا كما من قبله خلقوا
منهـم عـراه ومنهم فـي ثيابهم منها الجديد ومنها المنهج الخلق
16 - قيس بن زُهير
بن جذيمة بن رواحة العبسي. يُضرب به المثل، فيُقال: "أدهى من قيس". وكان يتبادل الشعر مع النابغة الذُبياني.
17 - سلامة بن جَنْدَل
بن عمرو. كان من فرسان تميم في أيام عمرو بن هند والنعمان أبي قابوس.
18 - اَوس بن حَجَر
بن مالك، شاعر تميم من شعراء الجاهلية وفحولها.
19 - المثقِّب العبديّ،
العائذ بن محصن بن ثعلبة. من بني قيس بن ربيعة في شرق الجزيرة العربية. من أقواله:
لَلموتُ خـيرٌ للفتى من حياتِه إذا لم يَثِبْ للأمرِ إلاّ بقائدِ
فعالجْ جسيماتِ الأمـورِ، ولا تكنْ هبيتَ الفـؤادِ همهُ للوسائدِ
20 - أسد بن ناعسة التنوخي،
من شعراء تنوخ وكان معاصراً لعنترة.
---------------------------------
213 - معجم البلدان، ياقوت الحموي، ج3 ص 28، شعراء النصرانية، لويس شيخو، ج 1ص 90
21 - طَرَفة،
وهو أبو عمرو طرفة بن العبد بن سفيان. من مشاهير الشعراء يًعد بينهم من ذوي الطبقة الأولى، وله معلّقة معروفة باسمه. قُتل وهو مراهقاً صغير السن.
22 - المرقِّش الأكبر،
أو عمرو بن سعد بن مالك بن ضبيعة. كان أديباً شاعراً تعلم الكتابة.
23 - المتلمس،
واسمه جرير بن عبد المسيح بن عبد الله. من فحول شعراء أهل البحرين.
24 - إياس بن قبيصة
بن أبي عفراء بن النعمان، وهو ابن أخي حنظلة.
25 - كُليب وائل بن ربيعة،
وأخوه عدي المعروف بالمهلهل.
26 - عدي بن ربيعة
الملقب "المهلهل". من شعراء الطبقة الأولى، وهو اخو كُليب بن ربيعة التغلبي و خال امرئ القيس بن حجر، وأبو ليلى أم عمرو بن كلثوم. قال الأصمعي: "إنه أول من يروى له كلمة تبلغ ثلاثين بيتا من الشعر".[214] ولعلها الكلمة التي قام بها على قبر أخيه كليب الذي قُتل بسبب ناقة البسوس، وتقول:
أهاج قذاة عيني الاذكار هدوءا فالدموع لها انحدارِ
وظل الليل مشتملا علينا كأن الليل ليس له نهارِ
27 - عمرو بن كلثوم.
شاعر الطبقة الأولى وصاحب المعلقة:
ألا هُبّي بصحنك فاصبحينا ولا تبقي خمور الأندرينا
مشعشعة كان الحصَّ فيها إذا ما الماء خالطها سخينا
28 - زهير بن جناب
بن هبل الكلبي من بني كنانة بن بكر، هو خطيب قبيلة قضاعة وسيدها وشاعرها.
29 - أُميّة بن أبي الصلْت.
كان من رؤساء ثقيف وفصحائهم المشهورين، وقد لبس المسوح تعبداً.
--------------------------------
214 - المزهر في علوم اللغة وأنواعها، السيوطي، 49
لكن من المسلمات عند أهل العلم والاختصاص أن اللغة العربية استمدت جذورها من النبطية، شقيقة السريانية. ويذهب بروكلمان إلى أن الخليل بن أحمد مؤسس النحو العربي، هو الذي ابتكر شكل الحروف، وعلامات القراءة، استناداً على نماذج سريانية.[199]
كانت الكتابة في الجزيرة العربية، قبل الإسلام وعند ظهوره، شائعة في بعض المناطق دون غيرها. فكان أهل اليمن يعرفون الكتابة بالخط المسند، وفي مناطق أخرى من الجزيرة عرفت الكتابة النبطية التي منها اشتق الخط العربي. ومع الزمن مات المسند وعاش الخط المتطور عن النبطي. ذلك أن النصارى العرب عملوا على إحياء الخط النبطي باستخدامه في كنائس العرب في العراق ودومة الجندل وبلاد الشام. فهو الخط الذي نشره المسيحيون وكُتب به القرآن وصار "قلم المسلمين".[200]
وقد نشأت عند العرب نظريتان في نشأة الخط العربي ومكان تطوره. قسم قال أنه نشأ في الأنبار والحيرة، أهم معاقل المسيحية في العراق، ثم انتقل إلى مكة والحجاز. وقسم قال بنشأته وتطوره في الحجاز. غير أن النظرية الأولى هي الأثبت عند المؤرخين وأهل العلم. ففي قول لعباس بن هشام، أن ثلاثة من طيء بمدينة بقة موطن المناذرة، الواقعة بين هيت والأنبار في العراق، وضعوا الخط وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية. فتعلمه منهم قوم من الأنفار ثم تعلمه أهل الحيرة من أهل الأنبار. وكان بشر بن عبد الملك أخو أكيدر صاحب دومة ألجندل "يأتي الحيرة فيقيم بها لحين وكان نصرانيا. فتعلم بشر الخط العربي من أهل الحيرة".[201]
ويقول جواد علي: "كان للتبشير يد في نقل هذا الخط إلى الحجاز ... وقد كان المبشرون من أهل العراق نشطون في التبشير في جزيرة العرب، فلا يستبعد إن يكون من بينهم مبشرون حيريون نقلوا الكتابة إلى دومة الجندل والحجاز ومواضع أخرى من جزيرة العرب ... فأهل الأنبار، والحيرة، وعين الشمس، ودومة الجندل، وبلاد الشام، كانوا من النصارى، فلا استبعد احتمال استعمال رجال الدين للقلم السرياني المتأخر، الذي كوّن القلم النبطي في كتابة العربية،
-------------------------------
198 - تاريخ الأدب العربي، كارل بروكلمان، ج 2 ص 123
199 - بروكلمان، ج 2 ص 131 - 132
200 - المفصل في تاريخ العرب، جواد علي، فصل 82 و 120
201 - فتوح البلدان، البلاذري، مجلد 2، عمرو الناقد . قال به أيضا ابن نديم في الفهرست ص 5 -7
لحاجتهم إلى الكتابة في تعليم أولاد النصارى الكتابة، وتثقيفهم ثقافة دينية، فكانوا يعلمونها في المدارس الملحقة بالكنائس". [202]
أي كانت النظرية المأخوذ بها، فهي تشير إلى الأثر المسيحي الهام في تطوير ونشر الكتابة العربية التي تولد منها القلم العربي. وفي إشارة إلى تأثير الخط على النهضة العربية يقول جرجي زيدان: "على أن بعض الذين رحلوا منهم إلى العراق أو الشام قبل الإسلام تخلقوا بأخلاق الحضر واقتبسوا الكتابة منهم على سبيل الاستعارة، فعادوا وبعضهم يكتب العربية بالحرف النبطي أو العبراني أو السرياني...ومعنى ذلك أن السريان في العراق كانوا يكتبون ببضعة أقلام من الخط السرياني في جملتها قلم يسمونه "السطرنجي" كانوا يكتبون به أسفار الكتاب المقدس. فاقتبسه العرب في القرن الأول قبل الإسلام، وكان من أسباب تلك النهضة عندهم". [203]
للأسف لم يصل إلينا من العصر السابق للإسلام أية مخطوطات إنجيلية أو كنسية باللغة العربية، لكن أقدم المنقوشات العربية وجدت في أبواب كنائس العرب وأديرتهم قبل الإسلام. في دير هند الكبرى في الحيرة وما حولها وفي خرائب زبد قرب حلب، ونُقش حرَّان.[204] وفيما سلف جاء ذكر بعضها، والتي منها نستدل عن الكتابة التي تداولها المسيحيون العرب وكانوا هم معلموها وناقلوها، وبها أبلغوا بشرى الإنجيل لأبناء جنسهم.
إن اللغة العربية والتراث العربي بآدابه وعلمه الغزير هما خاصة المسيحي قبل غيره، وليس لأحد دور أفضل مما للمسيحي في إنهاض هذا التراث وهذه الحضارة. فمنذ الفتح الإسلامي لبلاد الشام والعراق ومصر في القرن السابع الميلادي، تعامل المسيحيون الشرقيون مع اللغة العربية باعتبارها الوعاء الثقافي لهم، وأصبحت مع الزمن هي اللغة الشعبية المستخدمة في العبادة عند معظمهم. وإن كان آباءنا قبل الإسلام قد أفصحوا عن مسيحيتهم بلغات عدة، يونانية وسريانية وقبطية، إلا أنه بهيمنة العرب على الشرق لم يتوانوا في استخدام اللغة العربية وتطويرها وتسخيرها لشرح معاني البشارة المسيحية. لذا نرى اللغة العربية قد ارتبطت ارتباطا وثيقا مباشرا بنشاطهم "فأغنوها أيما إغناء، فحازوا قصب السبق في تطويرها وإنماءها".[205]
------------------------------
202 - المفصل في تاريخ العرب، جواد علي، فصل 121
203 - تاريخ آداب اللغة العربية، جرجي زيدان، ج 1 ص 200
204 - المسيحية العربية، تاريخها وتراثها، الأب ميشال نجم ص 121 ، و مدخل إلى التراث العربي المسيحي، الأب سمير خليل اليسوعي، مجلة المسرة 1981 مجلد 67 ص 169 – 170 اكتشفت كتابات عربية قديمة ذكرها ياقوت الحموي وغيره في تاريخهم. راجع الباب الأول والفصل الخامس، أيضا معجم البلدان، ياقوت الحموي
205 - ميشال نجم، السابق، ص 8
- عدد الزيارات: 11739