Skip to main content

الغفران الكامل

مشاركة من مايك جبران

الخطية ثقل رهيب ليس في قدرة الإنسان احتماله... ويشعر الإنسان بثقل خطاياه عندما يستيقظ ضميره.... أو يبكته الروح القدس. عندما واجه الله تبارك اسمه قايين بخطية قتل هابيل أخاه، صرخ قايين قائلاً"ذنبي أعظم من أن يحتمل" (تكوين 4: 12). وأيوب يقول بأنين وهو يجتاز تجاربه المحرقة مخاطباً الله القدوس: "لأنك كتبت عليّ أموراً مرة وورثتني آثام صباي" (أيوب 13: 26)... وداود إذ يذكر آثامه يتنهد بحزن قائلاً"ليست في عظامي صحة من جهة خطيبتي. لأن آثامي قد طمت فوق رأسي. كحمل ثقيل أثقل مما أحتمل" (مزمور 38: 3و4).

بسبب الشعور بثقل الخطية يصاب الكثيرون بمرض الكآبة... ويحاول الكثيرون نسيان خطاياهم بالمخدرات والمسكرات أو بالانغماس في الملذات... ولكن "هيهات"!! العلاج الوحيد للخلاص من ثقل الخطية، وبالتالي للخلاص من دينونة الله والوقوع تحت غضب الله هو الحصول على الغفران. لهذا السبب تهلل بولس الرسول قائلاً عن المسيح: "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته" (أفسس 1: 7). فنوال غفران الخطايا يريح القلب، ويعطي للضمير سلاماً، وللنفس فرحاً.وسأضع حديثي في هذه الرسالة في كلمتين":

أولاً: الغفران الإلهي

الله وحده هو الذي له حق الغفران، فالخطية إساءة موجهة إلى الله لأنها تعدّي على وصاياه...الخطية حين ننظر إليها في حقيقتها هي "احتقار الله"... قال الله لداود بعد أن زنى مع بثشبع زوجة أوريا وقتل أوريا: "والآن لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد لأنك احتقرتني". (صموئيل 12: 10). إن الله وحده غافر الخطايا، لذلك نقرأ عنه في المزمور: "إن كنت تراقب الآثام يا رب يا سيد فمن يقف. لأن عندك المغفرة لكي يُخاف منك" (مزمور 130: 3و4). ليس في وسع إنسان أياً كان أن يمنح إنساناً الغفران.

والآن: ما معنى الغفران؟ وما أساس الغفران؟ وكيف تنال الغفران؟

معنى الغفران الإلهي

الخطية فضيحة تحتاج إلى "الستر"... وهي سحابة سوداء تفصل بين الله والإنسان تحتاج إلى "المحو"... وهي مكتوبة في سجلات السماء تحتاج إلى "الإزالة"..وهي ثقل على النفس والضمير تحتاج إلى "الرفع"، والغفران الإلهي يحوي كل هذه المعاني

الخطية فضيحة تحتاج إلى الستر "طوبى للذي غُفر إثمهُ وسُترت خطيته" (مزمور32: 1). والمسيح "ستر" خطية المؤمن حين سفك دمه على الصليب، فقد قال عنه يوحنا الرسول: "إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار. وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا بل لخطايا كل العالم أيضاً" (1يوحنا2: 1و2).

وكلمة "كفارة" تعني غطاء وستر... وقد قال شاعر عربي وهو يصف ليلة مظلمة "في ليلة كفر الغمامُ نجومَها" أي غطى السحاب نجومها. فحين يغفر الله خطاياك فهو يغطيها، يغطي فضيحتك ويسترها بدم المسيح.

الخطية سحابة سوداء تفصل بين الخاطىء الأثيم والله القدوس، وتحتاج إلى المحو "قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك" (أشعياء 44: 22). قال الله للعب المتمرد الأثيم: "ها إن يد الرب لم تقصر عن أن تخلص ولم تثقل أذنه عن أن تسمع بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع" (أشعياء 59: 1و2). فحين يغفر الله خطاياك، يمحوها فلا تبقى فاصلاً بينك وبينه.

الخطية مكتوبة في سجلات السماء تحتاج إلى الإزالة.

"خطية يهوذا مكتوبة بقلم من حديد برأس من الماس... ومنقوشة على لوح قلبهم وعلى قرون مذابحكم" (إرميا17: 1).

خطيتك مكتوبة بقلم من حديد برأس من الماس.... ومنقوشة أي محفورة على لوح قلبك... وحين يغفر الله خطيتك يزيلها من سجلات السماء، ومن على لوح قلبك.

الخطية ثقل ينقض الظهر تحتاج إلى رفعها. يقول داود في المزمور: "اعترف لك بخطيتي ولا أكتم إثمي. قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت آثام خطيبتي" (مزمور32: 5). وحين يغفر لك الله خطاياك يرفع ثقلها عن ضميرك وقلبك.

الأساس الوحيد للغفران الإلهي

يخدع نفسه من يعتقد أن بإمكانه الحصول على الغفران بأعماله الصالحة... إن مبدأ الحصول على الغفران بالأعمال الصالحة ابتدعه "قايين" حين قدم من ثمار مجهوده في زراعة الأرض قرباناً للرب، ورفض الرب قربانه. إن الله يصف أعمال الإنسان الصالحة بثوب العدة... "وقد صرنا كلنا كنجس وكثوب عدة كل أمال برنا" (أشعياء64: 6).

وثوب العدة يحوي معنيين..إنه ثوب نجس...وهو في ذات الوقت ثوب مهلهل لا يستر عرياً... فأعمال الإنسان الصالحة في نظر الله ثوب نجس، مهلهل لا يستر خطية الإنسان.

الأساس الوحيد للغفران الإلهي هو دم يسوع المسيح، وهذا الأساس هو تدبير الله منذ الأزل لخلاص الإنسان من عقاب خطاياه ومن الدينونة الأبدية.

"عالمين أنكم افتُديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء. بل بدم كريم كما ممن حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح. معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم.." (1بطرس1: 18-20).

فقبل تأسيس العالم...وقبل أن يخلق الله الإنسان...وقبل أن يسقط الإنسان ..دبّر الله فداء الإنسان بدم المسيح الكريم. "وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عبرانيين9: 22).

وقد يخطر ببال أحد السؤال: لماذا لم يغفر الله بكلمة؟ لماذا اقتضى الغفران أن يُصلب المسيح، ويُسفك دمه؟ وأجيب: إن عدل الله لا يسمح له أن يغفر بغير حساب.. وقداسة الله لا تسمح له أن يغفر السّيئات بالحسنات... ورحمة الله دبّرت الغفران للإنسان بدم الصليب، الذي التقت فيه عدالة الله، بحكمة الله، ورحمة الله، وظهرت فيه بصورة مجسمة محبة الله.

وللذي يقول لماذا لم يغفر الله خطايا الإنسان بكلمة؟ أقول: إن الله قد غفر خطايا المؤمنين "بالكلمة" الذي هو يسوع المسيح" في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله (يوحنا1: 1) والله القدوس لم يغفر الخطايا بمجرد الكلام، بل غفرها بالآلام...آلام المسيح التي احتملها عن البشرية جمعاء بموته على الصليب. وكان في موته على الصليب كل الكفاية للغفران، لأنه لم يكن مجرد إنسان بل هو "خالق الإنسان" "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يوحنا1: 3). ولذا ففي دمه الكريم كل الكفاية لفداء الإنسان ومنح من يؤمن به التطهير والغفران... وبدون الثقة في كفاية دم المسيح.. لا غفران.

كيف تنال الغفران الإلهي؟

الطريق لنوال الغفران الإلهي، هو طريق التوبة الحقيقية عن الخطية، والإيمان القلبي بكفاية دم المسيح للغفران.

"اطلبوا الرب ما دام يوجد ادعوه وهو قريب. ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران" (أشعياء55: 6و7).

وترك الطريق معناه أن تترك طريقك الذي اخترته لنفسك.... طريق الحياة للملذات... أو للحصول على الماديات...أو للوصول إلى مركز القوة والسيادة...أترك طريقك المضاد لمشيئة الله .

وأترك أفكارك. أفكار الشك في صدق كلمة الله..أفكار الشك في صدق دينونة الله...أفكار الشك في حقيقة محبة الله...هذه هي التوبة الحقيقة...وبعدها لا بد أن تؤمن إيماناً قلبياً بكفاية دم المسيح للغفران وترفض نهائياً الاعتماد على أعمالك الصالحة. "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد" (أفسس2: 8و9).

الغفران بالنعمة...ونعمة الله معناها إحسان إلى إنسان لا يستحق الإحسان".

لما سأل حافظ سجن فيلبي بولس وسيلا قائلاً: "يا سيدي ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟ أجاباه بصوت واحد: آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص" (أعمال16: 30و31).

فيا أيها المثقل بالذنوب والآثام..تعال بتوبة صادقة إلى الله...واثقاً تماماً في كفاية دم المسيح للغفران...فستنال الغفران.

كيف تغفر لنفسك?

هناك حقيقتان لا بد من ذكرهما:

الحقيقة الأولى: إن الله يغفر لك خطاياك ويهبك الحياة الأبدية..وليس بالضرورة أن يعني هذا إزالة الآثار المادية والعقوبة الأرضية التي وقعت عليك بسبب خطاياك.

اللص على الصليب طلب من المسيح المصلوب إلى جواره قائلاً: "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك. فقال له يسوع الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس" (لوقا23: 42و43).

ومع أن اللص خلص، ونال الغفران الإلهي... إلا أن الرب لم يُنزله عن الصليب.. لقد بقي جسده مصلوباً حتى مات...غفر المسيح خطاياه، لكن آثار وعقوبة خطاياه الأرضية بقت عليه.

الحقيقة الثانية: إن كثيرين رغم نوالهم الغفران الإلهي يعيشون حياتهم معذبين بذكريات خطاياهم..وهذا خطأ كبير...

إن دم المسيح يغسل الضمير من الشعور بالذنب، وهذا حق يجب تطبيقه عملياً في حياتك كمؤمن.

قيل عن الرب يسوع المسيح: "الذي أحبنا وقد غسّلنا من خطايانا بدمه" (رؤيا11: 5).

عندما رفع داود صلاته الباكية بعد سقطته السوداء قال: "طهّرني بالزوفا فأطهر. اغسلني فأبيضّ أكثر من الثلج أسمعني سروراً وفرحاً فتبتهج عظام سحقتها. استر وجهك عن خطاياي وامحُ كل آثامي" (مزمور51: 7-9).

فعندما يمنح الله غفرانه للمؤمن يطهره، ويغسّله فيبيضّ أكثر من الثلج. وهذا يعني أن شعوره بالذنب شعور خاطئ يجب أن يطرحه بعيداً عنه.. ويعني أن يغفر لنفسه ما فعله في ماضيه على أساس غفران الله له.

إن الله حين يغفر يطرح خطايا المؤمن في أعماق البحر.

قال ميخا النبي: "من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب..يعود يرحمنا يدوس آثامنا وتُطرح في أعماق البحر جميع خطاياهم" (ميخا 7: 18و19).

الله يطرح خطايا المؤمن بفاعلية دم المسيح، ليس في النهر لأن النهر قد يبس، وإنما في أعماق البحر... ويطرح "جميع الخطايا" بلا استثناء، خطايا الماضي، والحاضر، والمستقبل، فلا تعود للظهور... ويعطي للمؤمن وعده الثمين "أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي. وخطاياك لا أذكرها" (أش 43: 45). فالله يمحو ذنوب المؤمن بالمسيح لا على أساس أعماله الصالحة..بل "لأجل نفسه"... لأجل ما عمله في المسيح على الصليب "أي أن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم" (2 كورنثوس 5: 19).

فيا أيها المعذّب بذكريات سقطاتك وآثامك.. ويا من أصبت بالكآبة بسبب شعورك الدائم بذنوبك..اغفر لنفسك واطرح عنك الشعور بالذنب، واهتف مردّداً مع الملك حزقيا بعد أن مرض وشفي: "هو ذا للسلامة قد تحوّلت لي المرارة وأنت تعلقت بنفسي من وهدة الهلاك فإنك قد طرحت وراء ظهرك كل خطاياي" (أشعياء 38: 17).

وعش مرنماً من كل قلبك:

قد محا فوق الصليب دم ربي إثمي

وعن القلب الكئيب زال كل الهمّ

  • عدد الزيارات: 13049