Skip to main content

كم عملية خلق جرت في تكوين 1؟

إنّ الحجة الرابعة الرئيسية المؤيدة لنظرية الفجوة مبنية على التمييز المزعوم بين الفعلين "خلق" و "صنع". إن لم يتم الدفاع عن هذا التمييز بشكل واضح فعندها لا بد أن تنهار نظرية الفجوة، فالآية في خروج 20: 11 تقول: "لأنْ فِي سِتَّةِ أيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا وَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ. لِذَلِكَ بَارَكَ الرَّبُّ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدَّسَهُ". من الواضح، إذاً، أنه إن كان الله قد "صنع" كل شيء في ستة أيام، فلن يكون هناك متسع لفاصل زمني طويل بين خلق السموات والأرض (تكوين 1: 1) وخلق كل الأشياء الأخرى (تكوين 1: 2- 31). ولذلك فإن نظرية الفجوة تتطلب أن يُفهم الفعل "صَنَعَ" في خروج 20: 11 كإشارة إلى مجرد "إعادة تشكيل" للسموات والأرض في ستة أيام بعد الدينونة المزعومة في تكوين 1: 2.

إنها لخيبة أمل أن نجد الكتاب البارز "الكتاب المقدس الجديد المشوهد لسكوفيلد" (1967)[194] يفترض أن هناك تمييزاً بين "خلق" و"صنع" في تكوين 1- "ثلاث عمليات خلق فقط من قِبَل الله تم تدوينها في هذا الأصحاح: (1) السموات والأرض، الآية 1؛ (2) الحياة الحيوانية، الآيات 20- 21؛ و(3) الحياة البشرية، الآيات 26- 27. عملية الخلق الأولى تشير إلى الماضي غير المحدد بتأريخ" (ص 1، الملاحظة 4). وبالنسبة إلى تكوين 1: 3 ("وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ» فَكَانَ نُورٌ")، يقول هذا المرجع:"لا يوجد هنا ولا في الآيات 14- 18 عملية خلق أصلية. فهنا تُستخدم كلمة أخرى مختلفة. المعنى هنا هو أنه "صُنِع ليظهر، أي جُعِل مرئياً منظوراً". الشمس والقمر كانا قد خُلِقا "في البدء". "أتى النور من الشمس، بالطبع، ولكن البخار نشر الضوء. وفيما بعد ظهرت الشمس في سماءٍ لا غيوم فيها" (ص 1، الملاحظة 6).

ولكن هذا التفسير يطرح أسئلة جدية خطيرة. فبالدرجة الأولى، إن كان الله يقصد أن ينقل لنا فكرة أن الأجرام السماوية (الشمس والقمر والنجوم) كانت موجودة أساساً في اليوم الأول، ولكنها "ظهرت" فقط في اليوم الرابع (بإزاحة الغيوم) فإن الفعل "يظهر" كان يمكن استخدامه بسهولة، كما في تكوين 1: 9 ("وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ"). إضافة إلى ذلك، إن كان خلق الشمس قد حدث كجزء من النشاط الخَلْقي المفترض الذي يذكره تكوين 1: 1، فكيف أمكن للأرض أن تغطيها ظلمة كاملة في 1: 2؟ ما من ظلمة غمامية أو سديمية أمكن أن تحجب أو أن تمنع ضوء الشمس، لأن أبخرة الماء لم ترتفع فوق الجلد إلى اليوم الثاني من الخلق.

الأمر الأهم والأخطر لنظرية الفجوة هو حقيقة أن تكوين 1: 21 تقول: "فَخَلَقَ اللهُ التَّنَانِينَ الْعِظَامَ وَكُلَّ نَفْسٍ حَيَّةٍ تَدِبُّ الَّتِي فَاضَتْ بِهَا الْمِيَاهُ كَأجْنَاسِهَا وَكُلَّ طَائِرٍ ذِي جَنَاحٍ كَجِنْسِهِ. وَرَأى اللهُ ذَلِكَ أنَّهُ حَسَنٌ"، بينما تقول الآية 25: "فَعَمِلَ اللهُ وُحُوشَ الارْضِ كَأجْنَاسِهَا وَالْبَهَائِمَ كَأجْنَاسِهَا وَجَمِيعَ دَبَّابَاتِ الأرْضِ كَأجْنَاسِهَا. وَرَأى اللهُ ذَلِكَ أنَّهُ حَسَنٌ". بالطبع لا ينبغي أن نفكر أن المخلوقات البحرية كانت قد "خُلِقت" مباشرة في اليوم الخامس، بل الحيوانات البرية كانت قد "ظهرت" وحسب أو "جُعلَت تظهر" في اليوم السادس. إن جميع الذين يعتقدون أن فعل "خلق" و "صنع" لا يمكن أن يُستخدما في نفس الفعاليات الإلهية يواجهون صعوبة جدية هنا. في الواقع، إن الصعوبة بالغة جداً لدرجة أن كتاب سكوفيلد المقدس المُشوهد الجديد، وتأييداً لهذا التمييز، يفترض أن الوحوش التي "عُمِلَت" في اليوم السادس (الآية 25) كانت قد "خُلقت" فعلياً في اليوم الخامس (ص 2، ملاحظة 2). ولكن هكذا تفسير غبر ممكن لأنه كان واضحاً أن الوحوش قد ظهرت إلى الوجود لأول مرة في اليوم السادس ("لتخرج الأرض"، الآية 24). هذا الإخراج إلى الوجود يوصف كفعل لله به "عَمِل وحوش الأرض" (الآية 25).

وما علاقة نظرية الفجوة بمملكة النبات، التي "خرجت" من الأرض في اليوم الثالث (الآيات 11- 12)؟ لا بد أنها ترفض فكرة أن تكون قد خُلِقت في ذلك اليوم. "ما من داعٍ ضروري للافتراض بأن أصل حياة البذار قد هَلك في الدينونة الكارثية [تك 1: 2] التي قلبت النظام الأولي. مع استعادة الأرض اليابسة والنور سوف تقوم الأرض بعملها المفترض (في "إخراج" الكائنات)" (Old Scofield Reference Bible)، ص 4، ملاحظة 3. ولكن هذا مفهوم عجيب غريب خاصة عندما ندرك مدى غنى استخدام الله لمترادفات الفعل "خلق" في هذه المقاطع. فعلى سبيل المثال، أمر الأرض أن "تفيض زحافات ذات نفس حية" (الآية 20). يتم تفسير هذا في الآية التالية ليعني أن "الله خلق.... كل كائن حي يتحرك، فاضت به المياه". وعلى نفس المنوال تخبرنا الآية تكوين 2: 7 أن "جَبَلَ الرَّبُّ الالَهُ آدَمَ تُرَاباً مِنَ الأرْضِ"، والذي لا بد أن تعني أن الله "خلق" (الإنسان) على ضوء تكوين 1: 27.

في كتابه "خربة وخالية"، يحاول آرثر كوستانس حتى أن يميز بين "صنع" الله لنا على صورته وشبهه (1: 26) و "خلقنا" على صورته (1: 27). بالاستناد إلى أوريجنس (القرن الثالث الميلادي)، توصل إلى الاستنتاج بأنه "بينما الصورة والشبه كلاهما قد ظهرا، فالصورة وحدها فقط هي التي خلقها الله، وتُرك إنجاز الشبه كشيء ليُعمَل عليه بالخبرة" (ص 180). ومن هنا، وبحسب كوستانس، نحن لم نُخلَق على صورة وشبه الله. ولكن إن كان هذا صحيحاً، فعندها بالكاد أمكن لله أن يكون قد صنع الإنسان على شبهه في نفس اليوم الذي خلقه فيه (تك 5: 1). وأيضا، يتساءل المرء كيف أمكن لآدم أن يَلِدَ سيثاً "عَلَى شَبَهِهِ" وأيضاً "كَصُورَتِهِ" (تكوين 5: 3).

هذه الأمثلة يجب أن تفي بالغرض لإظهار العبثية التي ينقاد بها المرء من خلال جعل تمايزات لم يقصد الله أبداً أن يصنعها. من أجل التنوع واكتمال التعبير (وهذه ميزة أساسية ومساعِدة للغاية في الأدب العبري)، تُستخدم أفعال مختلفة لنقل أو التعبير عن مفهوم الخلق الفائق الطبيعة. وهذا واضح بشكل خاص من خلال المترادفات الكثيرة للفعل "صنع" المرن التي ترد في سفر التكوين وفي العهد القديم. ومن هنا، فليست حياة الحيوان أو حياة البشر فقط هي التي خلقها الله مباشرة في الأيام الملائمة لها بل أيضاً حياة النبات والأجرام الفلكية؛ وهذه الحقيقة، على ضوء خروج 20: 11، مدمرة تماماً لنظرة الفجوة.

[194]- New Scofield Reference Bible

  • عدد الزيارات: 4012