Skip to main content

الخلق المباشر لجسد آدم

بالنسبة لأولئك الذين هم على استعداد لأن يبحثوا الكتاب المقدس وأن يؤمنوا بما يقول, ما من شيء يمكن أن يكون أكثر وضوحاً من حقيقة أن الله خلق جسد آدم وحواء مباشرةً ككلاً كاملاً متكاملاً بمعزلٍ عن استخدام حيوانات موجودة مسبقاً.

لنبدأ بالعهد الجديد. عندما واجه الفريسيون الرب يسوع المسيح بمسألة الطلاق (متى 19: 3) أجابهم بأن أكد على ديمومة رابط الزواج استناداً إلى ما ورد في (تكوين 2: 24). من المهم أن نلاحظ أن ربنا استخدم الاستشهاد على الزواج الأول في اللجوء إلى الأسس المادية الجسدانية له: "«أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَراً وَأُنْثَى؟»" (متى 19: 4؛ انظر أيضاً تكوين 1: 27). ومن هنا، فإن الرب يسوع المسيح أكّد بوضوح التعليم الوارد في التكوين بأن الله خلق آدم وحواء, ليس فقط على صورته وشبهه (روحياً), بل أيضاً ذكراً وأنثى (جسدياً). لو كان آدم وحواء حيوانين قبل أن يتلقوا صورة الله وشبهه, فكان لا بد أن يكونا ذكراً وأنثى, وبهذا تصبح العبارات الورادة في سفر التكوين 1: 27 و متى 19: 4 كلها غير صحيحة ومضللة.

لقد وافق الرسول بولس على الرأي القائل بالفرادة الجسدانية بشكل واضح وبالتالي الأصل الفائق الطبيعة للجنس البشري عندما كتب: "لَيْسَ كُلُّ جَسَدٍ جَسَداً وَاحِداً بَلْ لِلنَّاسِ جَسَدٌ وَاحِدٌ وَلِلْبَهَائِمِ جَسَدٌ آخَرُ...." (1 كورنثوس 15: 39). أحد التأكيدات الأساسية للنشوئية الإيمانية, بالطبع, هو أن كل الجسد هو بالفعل "نفس الجسد", وأن الجنس البشري كان مجرد غصين على فرع ثدييات شبيهة بالإنسان. إن بيان بولس هو النقيض الواضح لهذه النظرية.

ثمة تصريح آخر واضح للغاية في العهد الجديد فيما يتعلق بأصل الإنسان الفوق طبيعي نجده في (1 كورنثوس 11: 8، 12- ): ".... الرَّجُلُ لَيْسَ مِنَ الْمَرْأَةِ بَلِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ.... لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ الرَّجُلِ هَكَذَا الرَّجُلُ أَيْضاً هُوَ بِالْمَرْأَةِ....". يقول بولس بوضوح أنه بينما جميع الرجال (والنساء) اليوم لهم أمهات، فإن كل النساء (والرجال) كان لهم أصل جوهري في إنسان (آدم). فكما صرّح (بولس) قبل ذلك لـ "الرجال الأثينيين"، في أَرِيُوسَ بَاغُوسَ، إن الله "صَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ...." (أعمال 17: 26). لقد حقق الله هذا الأمر ، بالطبع، عن طريق آدم من خلال حواء، التي كانت، لهذا السبب، "أُمّ كُلِّ حَيٍّ". ولكن كل هذه الأقوال يمكن أن تكون صحيحة فقط إذا كانت نظرية النشوئية الإيمانية مغلوطة، وإلا فإن المرأة الأولى تكون قد أتت جسدياً من أنثى حيوان، وليس من ذكر بشري.

بالانتقال الآن إلى العهد القديم، نأتي إلى النص الحاسم حول الخلق الجسدي للإنسان، تكوين 2: 7- : "وَجَبَلَ الرَّبُّ الإلَهُ آدَمَ تُرَاباً مِنَ الأرْضِ وَنَفَخَ فِي أنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْساً حَيَّةً". المقدار الذي يتفاعل به النشوئيون الإيمانيون جدياً مع النص الكتابي يمكنهم معه القول بإصرار على أن "تُرَاباً مِنَ الأرْضِ"، هذا الذي صنع منه الله الإنسان ،كان "تراباً حياً"، وبالتحديد سلفاً حيوانياً للإنسان. إضافة إلى ذلك، يقولون أن خلق آدم اشتمل ببساطة على إضفاء طبيعة روحانية إلى مخلوق دون البشر، إذ يقول النص في الكتاب المقدس أن "صَارَ آدَمُ نَفْساً حَيَّةً".

ولكن التفسير الكتابي المنسجم لا يتسامح، بالنظر إلى تكوين 2: 7 على هذا النحو. إن أحد القوانين الرئيسية لهذا العلم الذي لاقى تبجيلاً واحتراماً على مدى الأيام وكان مرضياً لدى الله هو قانون القرينة. بحسب هذا القانون, كل مقطعٍ في الكتاب المقدس يجب أن يُفهم على ضوء المقطع الذي سبقه والذي تلاه وأخيراً على ضوء الكتاب المقدس ككل. وإلا فإن مقطعاً ما يمكن انتزاعه من الفحوى الذي جاء فيه ويُجْعَل مادةً لتعليم شيء لم يكن يُقْصَد به أساساً بالتعليم. بشكل أساسي, هكذا بزغت كل هرطقةٍ أو طائفةٍ في تاريخ الكنيسة عبر الأجيال[156].

والآن إن فحوى تكوين 2: 7 تظهر بالدرجة الأولى أن العبارة العبرية التي تُرجِمَت إلى "وصار الإنسان نفساً حيةً" لا تسمح بوجود شكل سابق من الحياة لجسد آدم. إن عبارة "نَفْس حَيَّة" (nêpêš hayâh)[157] يجب، بالحري، ترجمتها "مخلوقاً حياً" أو "كائناً حياً"، لأن هذه العبارة نفسها ترِدُ في (تكوين 1: 20، 21)، وتنطبق على المخلوقات البحرية. بمعنى آخر، إن الهدف من الآية (تكوين 2: 7ب) ليس إخبارنا أن آدم كانت له نفس فريدة (كما فهمنا لتونا ضمنياً من تكوين 1: 26، 27)، بل أن آدم لم يكن أي نوع من المخلوقات الحية إلى أن كانت النفخة من أنْفِ الله. فحتى تلك اللحظة كان آدم مادة فاقدة الحركة والحياة. بالكاد يستطيع المرء أن يفقه كنه هذه الحقيقة ومغزاها.

يقودنا هذا إلى اكتشاف آخر هام من خلال دراستنا للفحوى، وبالتحديد بأن العبارة "تُرَاباً مِنَ الأرْضِ" لا يمكن أن تُفهم بشكل رمزي إلى حيوانات بل يجب تفسيرها حرفياً. لاحظوا، على سبيل المثال، العبارات الواردة في اللعنة التي يلقيها الله على آدم في الأصحاح التالي: "مَلْعُونَةٌ الارْضُ بِسَبَبِكَ.... شَوْكاً وَحَسَكاً تُنْبِتُ لَكَ.... بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأكُلُ خُبْزاً حَتَّى تَعُودَ إلَى الأرْضِ الَّتِي أخِذْتَ مِنْهَا. لأنَّكَ تُرَابٌ وَإلَى تُرَابٍ تَعُودُ" (تكوين 3: 17ب- 19).

يمكن قول أمرين شيقين هنا بما يخص "الأرض" و"التراب" التي منهما أُخِذَ آدم: (1) أنه سيُنبت شوكاً وحسكاً, و(2) آدم سيعود إليه. والآن إن كان "تراب الأرض" يرمز إلى مملكة الحيوان في تكوين 2: 7, فما الذي يعنيه هنا؟ هل يعني هذا المقطع أن الحيوانات قد أطلعت شوكاً وحسكاً بنتيجة اللعنة؟ وهل يعني هذا أن آدم كان عليه أن يعود إلى مملكة الحيوان عندما يموت؟ إن أولئك الذين يؤمنون بالتقمص أو التناسخ سيجدون فكرة "التراب" تشتمل على معنى مملكة الحيوان, ولكن نشوئياً مؤمناً بالكاد سيستخدم هذا التعبير كدليل على مفهوم "التراب الحي". ومن هنا فإن مبدأ القرينة التفسيري يتطلب أن "تراب الأرض" التي في تكوين 2: 7 يجب أن تفسر حرفياً, وهو يستبعد كلياً إمكانية أو احتمال سلف حيواني للإنسان.

الأصحاح الثاني من التكوين يوضح بشكل كامل أن حواء قد أُخِذت جسدياً وحرفياً وبشكل فائق للطبيعة من جنب آدم. إن كانت هذه المسألة أمراً مُسلماً به فعندها يكون كل هدف محاولات تفسير خلق آدم بمنحى نشوئي تنهار. لربط جسد آدم بمملكة الحيوان إنما هو اعتراف بأن جسد حواء الذي خُلِقَ مباشرة سيكون أمراً غامضاً سخيفاً, إما من وجهة نظر العلم النشوئي أو نظرية الخلق حسب الكتاب المقدس. قد لا نعرف التفاصيل الدقيقة عن كيف شكّل الله جسد جدينا الأولين, ولكن التعليم الواضح في الكتاب المقدس هو أنه خلقهما بشكل عجائبي وبشكل مفاجئ فوري.

[156]- انظر جيمس م. ساير, "تحليل الكتاب المقدس" (داونرز غروف: منشورات انترفارسيتي 1980) ص 52- 58.

[157]- في العبرية ( חי נפשׁ) [فريق الترجمة].

  • عدد الزيارات: 5026