تمهيد
الحياة على كوكب الأرض تكشف عن علامات واتضحة إلى انقراضها العتيد. إن الاتجاه في الجودة والنظام ليس نحو الأعلى، بل إلى الأسفل، ولذلك فإن كل ما في الطبيعة يبدو وكأنه مبرمج ليضعف ويميت ويحلل أشكال الحياة المرهفة الجمال والدقيقة الترتيب التي تملأ الأرض بوفرة كبيرة.
رغم التأثير الهائل لنظريات داروين في الثقافة المعاصرة، إلا أن العديد من الاختصاصيين في العلوم الطبيعية ما برحوا يزدادون اقتناعاً بأن "الطبيعة" ما كان ليمكنها أن تخلق أو أن تزيد تعقيد الكون المادي. الشمس تبدد طاقتها النووية الضخمة على حساب ضخم هائل بمعدل أربعة ملايين أطنان من كتلتها في الثانية. وهذا الخسران لا يمكن استعادته أبداً. وأنظمة الطاقة العالية المستوى تتضاءل بشكل محتوم إلى أنظمة متدينة المستوى من الطاقة، و من هنا فإن شبح "موت حراري" عام يخيم على أفق الكون.
والأحياء محتجزون على نفس النحو في هذا المنـزلق العام نحو الفوضى. النباتات والحيوانات والكائنات البشرية جميعاً تفقد طاقاتها الجينية الأصلية من خلال تراكم التغايرات الأحيائية المؤذية ومن خلال انحدار الفصد الجيني. وبعكس مفهوم الداروينية الجديدة عن تطور لا يمكن اجتنابه، نرى الكتاب المقدس في انسجام كامل مع حقائق الافوضى المطردة الملاحظة: "مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ. وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ تَنْتَهِيَ" (مزمور 102: 25- 27؛ انظر أيضاً أشعياء 51: 6).
على أية حال، إنه لأمرٌ غريبٌ على ما يبدو، أنّ ذلك الفساد التدريجي العام (كما يؤكده ويفسره إعلان الله المكتوب) يشير إلى رجاء الإنسان الوحيد بالخلود. لأنه إن كان الكون قد تطور إلى أشكال أعلى فأعلى، كما يعتقد الداروينيون الجدد، فإن الرؤيا الكتابية للعالم ووعد الله الأكيد بخلاص أبدي لأولئك الذين يؤمنون به سيكون أمراً صعب التصديق وميئوساً منه.
من جهة أخرى، إن القبضة المحكمة التي لا ترحم للقانون الثاني من الترموديناميك (الذي يقول بأن الفوضى في نظام مغلق تزداد مع الوقت) تضطرنا إلى الاستنتاج بأن الأرض كانت يوماً ما أكثر انتظاماً وتماميةً وجمالاً مما هي عليه الآن. وهذا بدوره يشير إلى إله شخصي غير متناهٍ استطاع وحده أن ينفخ النظام وطاقة عالية المستوى إلى الكون في البدء.
يعتقد المسيحيون أن هذا الخالق العظيم قد تنازل ليخبرنا كيف كانت الأرض الأولى حقاً وكيف أتت إلى الوجود. هذه الرواية قد حُفظت لنا في وصف لا مثيل له لأصول أساسية جوهرية، ألا وهو في سفر التكوين. إن ما يخبرنا به هذا السفر عن حالة الأرض في فجر وجودها لهو ذا أهمية بالغة. إذ على هذه المسألة يتوقف، ليس فقط طبيعة وكرامة الإنسان، بل أيضاً مصيره. يعلمنا الكتاب المقدس أن كمال الأرض الأولى كان انعكاساً ملائماً لعلاقة الشركة والصداقة الأصلية للإنسان مع خالقه. لقد اختبر الإنسان غير الساقط السيادة كاملة على الأرض ومخلوقاتها الحية (تك 1: 26- 28). لقد وضع الله كل الأشياء تحت قدميه وكلله بالمجد والكرامة (مز 8: 5- 8؛ عب 2: 5- 8). ولكن الإنسان تمرد على خالقه الكريم فتحولت الأرض إلى وضعها الحالي من الإحباط، والألم، والموت. ".... بِإنسان وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ.... إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ - لَيْسَ طَوْعاً بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا.... فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعاً إِلَى الآنَ" (رومية 5: 12؛ 8: 20- 22).
ولكن بالنسبة لهؤلاء الناس الذين يتوبون عن خطيئتهم ويتحولون عائدين إلى الله في إيمان طائع، يكون مشهد المستقبل لامعاً بما يفوق الوصف. بعد حديثه عن إزالة "عهد السن والمخلب" الذي كان يميز مملكة الحيوان منذ سقوط الإنسان، يقول النبي أشعياء: "لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ" (أش 11: 9). هذا الإعلان المتعلق بالأرض المستقبلية يمكن تقديره وفهمه فقط على ضوء الإعلان الكتابي الخاص بالأرض الأولى (تك 1: 29- 31).
على نفس المنوال، حثّ الرسول بطرس شعب إسرائيل لأن يتوب عن رفضه للمسيح "....لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ [أي عصر الملكوت].... إِلَى أَزْمِنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ الَّتِي تَكَلَّمَ عَنْهَا اللهُ بِفَمِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ" (أعمال 3: 19- 21). بما أن "الرَدِّ" (أو الإستعادة وفي اليونانية apokatastasis) هنا تعني "الإعادة إلى حالة سابقة"، فمن الواضح أن الكمالات الأصلية للأرض سيختبرها مرة أخرى أولئك الذين يثقون بكلمة الله.
إذ نرى الفساد التدريجي الحالي للأرض أمام أعيننا، فلعل هذه الدراسة الموجزة للأرض الأولى توقظ في قلب كل قارئ رغبةً عميقة باكتشاف واختبار علاج الله المعلن للأزمة الوشيكة الحدوث: الإيمان الحقيقي بالرب يسوع المسيح كمخلص وحيد للبشرية.
- عدد الزيارات: 4102