منشأ الكون
يقدّم الكتاب المقدس أيضاً للبشرية المعلومات الوحيدة المعصومة والموثوقة التي تتعلق بمنشأ ومصير الكون الفلكي. بالنسبة للفكر العبراني، إن مفهوم خلق الشمس والقمر والنجوم كان لِيُعَظِّم مجدَ الله بسبب الطريقة الخاصة التي يُستَهل بها الأصحاح الافتتاحي من الكتاب المقدس العبري (التكوين) في وصفه لهذا الحدث الكوني. إن الفهم التقليدي العبراني/المسيحي للفصل الافتتاحي من التكوين كان بسيطاً ومباشراً، وعلى النقيض تماماً من الطيف العريض لمفاهيم الخلق التي تميز العالم المسيحي المعاصر، بما في ذلك تلك الآراء مثل النظرية النشوئية الإيمانية (حيث الله يوجّه الكون بعناية فائقة نحو أشكال أعلى وأكثر تعقيداً كالنباتات والحيوانات وأخيراً الإنسان في جدول زمني جيولوجي يمتد على مليارات السنين) ونظرية الثغرة أو الفجوة في (تكوين 1: 1- 2) (حيث يخلقُ الله عالماً كاملاً قبل ذلك بمليارات السنين، و يدمره عند سقوط الشيطان، ثم يعيد خلقه، في ستة أيام حرفية)[8].
هناك سبب وجيه جداً لذ لك: كل القصص والسرد التاريخي في الكتاب المقدس فُهِمَت بطريقة عادية (معروفة تقنياً بالطريقة التاريخية/ النحوية لعلم التفسير، التي تأخذ بالاعتبار ليس فقط النص الذي في كل مقطع بل أيضاً كل الاستعارات والتشابيه). بما أنه ليس هناك دليل على الشعر في الأصحاح الأول من التكوين[9]، فيبدوا واضحاً نوعاً ما أن الله عنى بالأصحاح أن يُفهَمَ بطريقة طبيعية عادية. إن أهملنا، من جهة أخرى، الطريقة التي تأخذ الله بالاعتبار أو الوقت بالاعتبار في التفسير التاريخي/ النحوي، فإننا نضطر عندئذ إلى أن نتخلى عن كل أمل بفهم حاسم لمعنى العبارات الافتتاحية في الكتاب المقدس.
والآن من الضروري أن نميز أن سبب امتداح كتاب الكتاب المقدس لله على عمله في خلق الشمس والقمر والنجوم هو أنهم فهموا قصة التكوين. على الأقل هناك أمران يمكن إدراكهما بوضوح في رواية الخلق كشفت النقاب عن مجد الخالق. أولاً، أن الأجرام الكونية قد خُلِقت فجأة، وبهذا رسخت فرادة قوة الله المطلقة (القدرة الكلية الغامرة الساحقة. وثانياً أن الأجرام الكونية قد خُلِقَتْ بعد خلق الأرض والحياة النباتية[10]، مزيلةً بذلك كل التنافس الممكن (بمعنى الألوهية الشمسية أو القمرية أو حتى "إله" نظرية النشوئية الكونية المدنية الحديثة) لإعلان السيادة النهائية وبالتالي الألوهية.
أبولو 17. منظر للأرض، التقطت الصورة خلال النزول الأخير على القمر ضمن برنامج أبولو لوكالة ناسا. وفي الصورة يمكن رؤية كامل ساحل قارة أفريقيا تقريباً (ناسا).
[8]- من أجل نقد مميز لنظرية الفجوة في تكوين 1:1-2 وأيضاً نظريات مشابهة (مثل الفجوات بين أيام الخلق، والفجوة قبل التكوين 1:1 ، إلخ.)، انظر ويستون و. فيلدز، "خربة وخاوية"، وكتاب جون ج. دافيس، "من الفردوس إلى السجن: دراسات في سفر التكوين"، ص 37-57. انظر أيضاً جي. سي. ويتكمب، "الأرض الأولى" ص 141-158؛ وهنري م. موريس، "الخلق العلمي"، ص 220-255.
[9]- و. سي. كيسر، "الشكل الحرفي في تكوين 1-11"، في "نظرات جديدة إلى العهد القديم"، طبعة جي. بارتون باين (1970)، ص 59-60.
[10]- تردد كثيراً القول أن الشمس والقمر لم تُخلق في اليوم الرابع لأن الفعل العبري المستخدم في (تك 1: 16) هو (asah) (עשׂה) ("صنع") وليس الفعل (bara) (בּרא) ("خلق") كما في (تك 1: 1). على كل حال، هذه عثرة تفسيرية جدية. في سياق الخلق، يُستخدم الفعلان بنفس المعنى، كما يُظهر أي فهرس أبجدي. فمثلاً المخلوقات البحرية "خُلقت" (الآية 21) في حين أن الحيوانات البرية قد "صُنِعت" (الآية 25). بالتأكيد هذا لا يعني أن الحيوانات البرية لم تُخلَقْ. إضافة إلى ذلك، هذا الفعلان يُستخدمان بالتبادل لوصف نفس الحوادث: تك 1: 26 ("صنع") و تك 1: 27 ("خلق")؛ تك 2: 4أ ("خلق") و تك 2: 4ب ("صنع")؛ تك 1: 1 ("خلق") و خر 20: 11 ("صنع")؛ تك 1: 16 ("صنع") و مز 148: 3، 5 مع أش 40: 26 ("خلق"). ولكن بروس كي. والتكي يصل إلى الاستنتاج التالي: "علاوة على ذلك، من الواضح أن (asah) (עשׂה) والأفعال الأخرى تدل على أن الخلق كان من مادة سابقة (creatio ex nihilo). إن عقيدة "الخلق من مادة سابقة" لا تستند إلى الفعل (bara) (בּרא) .... فالشمس والقمر والنجوم أتت إلى الوجود بمجرد أن أصدر خالقها الأمر بذلك". ("إن رواية الخلق في تك 1: 1- 3، " "الكتاب المقدس" Biblio Sacra 132: 528 تشرين الأول، 1975، 337). ومن هنا، فإنه من غير الممكن تفسيرياً أن نؤرّخَ نشوء القمر إلى ما قبل اليوم الرابع في أسبوع الخلق. انظر ويستون و. فيلدز، "خربة وخاوية"، ص 53- 74: و جي. سي. ويتكمب: "الأرض الأولى"، ص 151- 153. أنظر بشكل خاص ويتكمب، و دييونغ، "القمر: نشوءه، وشكله ومغزاه" (وينونل ليك، كتب BMH، 1978)، ص 72. إن حواشي ومعظم أجزاء هذه المقالة قد اقتُبِسَتْ من هذا الكتاب.
- عدد الزيارات: 6472