Skip to main content

الفصل الأول: حقائق علمية مدهشة

الجزء الأول: العلم والكتاب المقدس

يحثّنا الرب على تفتيش الكتب المقدسة (يوحنا 5: 39). فإذا درسنا الكتاب المقدس باحثين عمّا يحتويه من أمور علمية، نجد فيه عدة أمثلة عن حقائق علمية معاصرة، سبق له أن دوّنها قبل أن يكتشفها العلماء بآلاف السنين. وهذه التصريحات كان قد كتبها أناس لم يعرفوا شيئاً عن العلوم الحديثة، إنما "بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (2 بطرس 1: 21). "لأن كلما سبق فكُتب كُتب لأجل تعليمنا"، "أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه" (رومية 15: 4؛ يوحنا: 20: 31).

ونتناول الآن بعضاً من هذه الأمثلة:

علم الفيزياء

"يعلّق الأرض على لا شيء" (أيوب 26: 7).

كان أيوب قد دوّن هذه الحقيقة قيل نحو 3500 سنة، مع أنها تختص بفيزياء القرن العشرين. لذا فإن قوانين الجاذبية التي اكتشفها العالِم نيوتن (Newton)، لا تضيف شيئاً إلى ما كتبه أيوب، بل تكتفي فقط بتفسير كيف علّق الله الأرض على لا شيء. فمع حلول هذا العصر، كان العلماء لا يزالون يعتقدون بوجود مادة تملأ الفضاء، وتدعى "الأثير"، تساعد بشكل من الأشكال، على إبقاء الأرض في مكانها. إلاّ أنّ هذه الفكرة تمّ دحضها؛ ولعلّ أفضل تصريح علمي في هذا الخصوص اليوم، لا يزال أن الله "يعلّق الأرض على لا شيء".

إن هذا الخالق عينه الذي "يعلِّق" الأرض على لا شيء، كان مستعدّاً أن "يعلَّق على خشبة" (أعمال 5: 30) لتأمين غفران الخطايا لجميع الذين يؤمنون به.

"الجالس على كرة الأرض" (أشعياء 40: 22).

كتب أشعياء هذه الحقيقة المدهشة في نحو العام 700 ق. م. واللفظة "كرة" في الترجمة العربية، تصيب تماماً المعنى المتضمّن في الكلمة كما وردت في اللغة الأصلية. ثم بعد أشعياء بأكثر من ألفي سنة، أي في العام 1519م، انطلق البحّار الشهير مجلاّن (Magellan) في رحلة بحرة حول العالم لدحض الاعتقاد أن الأرض هي مسطّحة. لقد برهن بذلك أنّ الأرض كروية الشكل، هذه الحقيقة التي كان الكتاب المقدس قد ذكرها على صفحاته قبل ذلك بنحو 2000 سنة.

وفي لوقا 17 نجد أيضاً وصفاً لكروية الأرض حين أشار الرب يسوع إلى رجوعه مستخدماً العبارتين "في ذلك اليوم" (العدد 31)، و"في تلك الليلة" (العدد 34). وهذا يعني أنه في الوقت عينه، سيكون نور في ناحية من الكون، وظلام في ناحية أخرى. "فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، مَنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ وَأَمْتِعَتُهُ فِي الْبَيْتِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُذَهَا... أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ يَكُونُ اثْنَانِ عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ، فَيُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ" (لو 17: 31، 34).

علم الفلك

"كما أن جند السموات لا يُعدّ" (إرميا 33: 22).

يضمّ علم الفلك بعض الأمثلة الإضافية على سلطان كلمة الله. فعلى مرّ العصور، بُذلت محاولات كثيرة لإحصاء عدد النجوم. وهكذا تمكّن بتوليماوس (Ptolemy) من إحصاء 1056 نجمة، واعتبر براهي (Brahe) أن عدد النجود يقتصر على 777 نجمة، أمّا كبلر (Kepler) فإحصى 1005 نجوم. ثم راح هذا العدد يزيد، حتى بات معروفاً اليوم أن مجرّتنا تحوي وحدها ما يفوق على 100 بليون نجمة، هذا مع احتمال احتواء هذا الكون على 100 بليون مجرة أخرى. ومع هذا، سبق لإرميا أن كتب قبل آلاف السنوات: "كما أن جند السموات لا يُعدّ". ولعلّ كلمات المزمور 147: 4 و5 وتبدو أكثر دهشةً، إذ تقول: "يحصي (الله) عدد الكواكب. يدعو كلها بأسماء؛ عظيم هو ربنا عظيم القوة. لفهمه لا إحصاء". إن الله، خالق النجوم، هو نفسه يهتم بكل فرد منا، كما تُظهر الأعداد التالية في هذا المزمور.

حقل الطب والصحة العامة

"إن كنت تسمع لصوت الرب إلهك... فمرضاً ما... لا أضع عليك..." (خروج 15: 26).

إن الشرائع المعطاة لموسى هي نفسها توجيهات الطب والصحة في القرن العشرين. فالله كان قد دعا شعبه إلى الامتناع عن أكل الحيوانات "غير الطاهرة"، الأمر الذي لا يزال ساري المفعول في أيامنا هذه، باستثناء الخنزير والأرنب. إلا أن الطب الحديث يحذُرنا من الإصابات الطفيلية التي تنتقل عدواها إلينا في حال عدم الحرص على طهي لحم هذين الحيوانين كما يجب، الأمر الذي كان يعسر على الشعب المرتحل في البرية أن يقوم به. كما أن الله حظّر على الناس أكل لحم أي حيوان مات ميتة طبيعية، هذه المشورة التي لا تزال تُحترم في معظم البلدان المتمدنة حتى يومنا هذا.

ظل مبدأ الحجر الصحي غير معروف لوقت طويل، ولم يبدأ العمل به إلا في الآونة الأخيرة. لكن الله شرحه لموسى قبل نحو 3500 سنة. فهذا المبدأ حَفِظَ صفوف شعب الله من انتقال عدوى الأمراض التي كانت شائعة ومنتشرة بين أوساط الجماعات التي لم تكن تعرف الله ولا شرائعه.

تعير برامج الصحة العامة والوقاية، في أيامنا الحاضرة، أهمية بالغة لمصادر المياه، ولأساليب التخلص من مياه الصرف. غير أن موسى أعتمد، قبل آلاف السنين، مبادئ علم الجراثيم. ذلك لأنه حظّر الشعب على شرب المياه من البرك الصغيرة أو الآسنة، أو من الماء الذي مسّه حيوان أو لحم (لاويين 11: 29- 36). كما أن تعليمات الكتاب المقدس المختصة بالتخلص من النفايات من طريق طمرها (تثنية 23: 12- 14)، وتوجيهاته المتعلقة بالنظافة الشخصية، ظلت حتى حلول القرن الماضي، تتقدم بأشواط على الممارسات المعمول بها حتى في البلدان المتمدنة. فحقاً، "هُوَذَا عَيْنُ الرَّبِّ عَلَى خَائِفِيهِ الرَّاجِينَ رَحْمَتَهُ لِيُنَجِّيَ مِنَ الْمَوْتِ أَنْفُسَهُمْ وَلِيَسْتَحْيِيَهُمْ فِي الْجُوعِ" (المزمور 33: 18 و19).

مبحث الدم ((Haematology

"لأن نفس الجسد هي في الدم" (لاويين 17: 11).

تباحث العلماء، على مرّ الأجيال، حول موضوع "نفس الجسد" أو حياته، فاعتبروا أن أعضاء متنوعة داخل جسد الإنسان، هي التي تقوم بهذه المسؤولية. ولم يذكروا الدم قط ضمن لائحتهم. ثم جاء هارفي (Harvey) ليبرهن، في العام 1628، أنّ الدم يجري من القلب وإليه لكي يصل إلى جميع أقسام الجسد، بواسطة الشرايين والأوردة. وهارفي هذا كان أول من اكتشف هذه الحقيقة التي باتت معروفة جيداً اليوم.

وفي الآونة الأخيرة، أثبت مبحثي الدم والمناعة، وهما من أكثر الحقول الطبية التي تشهد تقدّماً وازدهاراً، أن السائل المعقّد والمعروف بالدم، هو الذي يحفظ الحياة على نحوٍ فريد في نوعه. فالعلماء، وإنْ قضوا عمرهم كله في التعلم عن شتى مكوّنات الدم، فلا تزال غرائب هذا السائل الداعم للحياة، تدهش الفكر البشري. "لأن نفس الجسد هي في الدم"، هو تصريح صحيح ودقيق علمياً، مع أنه كُتب قبل آلاف السنوات. فإذا نحسر الدم عن عضو معيّن، أو عن مجموعة من الخلايا، ينتج عن ذلك الموت الحتمي لهذا العضو أو لتلك المجموعة. وهنا يُكمن التشخيص الطبي لنوبات القلب. فالخلايا تعجز عن تأدية وظائفها، بل لا تُكتب لها الحياة في غياب الدم.

إن حياة جميع الخلايا، بما في ذلك خلايا الدماغ، تعتمد على الدم. واليوم، نعلم أن الدم هو الذي يمد هذه الخلايا بالمواد الضرورية لاستمرارها حيّة: أكسجين، وغلوكوز، وحوامض أمينية. كما إنه يخلصها من تلك المواد السامة الناشئة عن الأيض (Metabolism): ثاني أكسيد الكربون، واللكتات (Lactate) والبولة (Urea). فالخلايا تموت، لا محالة، إن لم تتخلص من هذه المواد السامة. فيا للنظام المدهش: إن نفس الجسد أو حياته، هي حقاً في الدم.

"ومن يسوع المسيح... الذي أحبّنا، وقد غسّلنا (حرفياً: طهّرنا) من خطايانا بدمه" (رؤيا 1: 5).

يعد الدم من المواد المطهِّرة الأكثر فاعلية، وذلك على الرغم من مفهومنا له. فعملية التطهير والتنقية التي ذكرناها أعلاه هي حصيلة تبادل يجري بين الدم والخلايا: فالدم يأخذ من الخلايا الموت لكي يعطيها الحياة.

يساعدنا مُبحث الدم على إدراك روعة حقيقة روحية أخرى موازية للحقيقة السابقة: "ومن يسوع المسيح... الذي أحبّنا، وقد غسّلنا (حرفياً: طهّرنا) من خطايانا بدمه". فالكلام هنا ليس شعرياً، إنما يصف لنا عملية تبادل ديناميكية على الصعيد الروحي، شبيهة بما يحصل في المجال المادي. فالمسيح، عندما سفك دمه لأجلك ولأجلي على الصليب، أخذ بذلك عنا خطايانا مع طبيعتنا الخاطئة: "الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ" (1 بطرس 2: 24)، حتى يتسنى لنا، في حال قبلناه مخلّصاً وربّاً، أن نتطهّر من شرورنا القتالة، وننال منه بالمقابل حياته.

"وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ" (1 يوحنا 1: 7).

والدم يُطهّر القلب أيضاً. فالحياة تمسي في خطر في حال عملت "جلطة" على تسكير مجرى أحد الشرايين الذي يغذي القلب بالدم. لذا يسعى أطباء القلب لنزع هذه "الجلطة"، باستخدام أسلوب "الميل"، حتى يعود الدم يجري إلى كل خلايا القلب، لئلا تموت. وعلى الصعيد الروحي يقول الكتاب المقدس: "اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ مَنْ يَعْرِفُهُ" (إرميا 17: 9). غير أنه باستطاعة دم المسيح أن يُطهّر القلب من نجاسته، بدعوتنا الرب إلى الدخول إلى قلوبنا ورفع كل المعطلات منها. عندئذٍ، سنحصل منه على حياته الأبدية. وهذا هو جوهر الخلاص: لدي نزع "الجلطة" أو المعطلات، يجري الدم حاملاً معه الحياة.

علم الأحياء الجزيئي (Molecular Biology)

"أحمدك من أجل أني قد امتزت عجباً" وقد وردت هذه الآية بترجمة أخرى، كالتالي: "أحمدك إذ صنعتني على نحوٍ معجزي" (المزمور 139: 14).

إن الإطلاع على آخر التطورات والإنجازات في حقل علم الأحياء الجزيئي، هو لأمر ممتع جداً ومثير. فجزئية د. ن. أ. (DNA) هي مثال واضح على عظمة خالقنا. فالعلماء ظنوا، لوقت طويل، أن الخلية البسيطة كانت حقاً بسيطة، إلى أن راحت الأبحاث الحديثة، مع كونها لا تزال في طورها البدائي، تكتشف مقدار تعقيد جزئية د. ن. أ.، والتي لا تشكّل، بحد ذاتها، سوى جزء بسيط من الخلية.

تبرز فعالية جزئية د. ن. أ. الواحدة، كحافظة للمعلومات، من خلال مقارنتها برقاقة الكومبيوتر (Megachip). فلو أردنا كل المعلومات المتوافرة في كل مكتبات العالم بواسطة هذه الرقاقات الإلكترونية، سوف نحتاج إلى طبقات منها ترتفع إلى مستوى أعلة من مسافة الأرض إلى القمر. وبالمقابل، إذا قصدنا خزنها في جزيئات د. ن. أ.، يكفينا في هذه الحال 1% من حجم رأس الدبوس. ذلك لأن جزيئات د. ن. أ. هي فعّالة 45 مليون مليون مرة أكثر من أدوات الإنسان ذات التقنية العالية، والمصنوعة من السليكون [1]. حقاً، لقد صنعنا إلهنا على نحوٍ معجزي.

علم الكيمياء

"لأنَّكَ تُرَابٌ وَالَى تُرَابٍ تَعُودُ" (تكوين 3: 19).

تمكّن العلماء، نحو نهاية القرن الثامن عشر، من تطوير أساليب لتحليا المواد المعدنية. وفي الوقت الحاضر، تتوافر أساليب أخرى إضافية. وهكذا تبيّن من خلال التحليل الكيميائي لجسم الإنسان، أنه يتكوّن من العناصر الأساسية نفسها التي يتألف منها التراب الذي على سطح الأرض. ومن أهم هذه العناصر:

الكالسيوم                  الأكسجين

الفوسفور                   الكلور

البوتاسيوم                  الكربون

الصوديوم                   الهيدروجين

المغنسيوم                    النتروجين

الحديد                      الكبريت

وفي هذا البرهان على أن الإنسان هو تراب، كما وصفه الكتاب المقدس أولاً من قبل آلاف السنين: "... يذكر أننا تراب" (المزمور 103: 14).

كما أن الله زوّد الطبيعة بعناصر صغيرة، تتمّم عملية الانحلال هذه، والتي على أساسها، التراب- الإنسان" إلى الأرض: "فَيَرْجِعُ التُّرَابُ إِلَى الأَرْضِ كَمَا كَانَ وَتَرْجِعُ الرُّوحُ إِلَى اللَّهِ الَّذِي أَعْطَاهَا" (الجامعة 12: 7).

الفيزياء الذرية

"وَلَكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ يَوْمُ الرَّبِّ الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا. فَبِمَا أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى" (2 بطرس: 3: 10 و11).

من أعلم بطرس، صياد السمك، أن الذرة هي قابلة للدمار، الأمر الذي يرافقه ضجة عظيمة، وحرارة عظيمة، وخراب مروّع؟ لقد اكتشف العلماء هذه الحقيقة بعد أن دوّنها بطرس بنحو 1900 سنة (معادلة اينشتين" طاقة= وزن× سرعة الضوء2). وهكذا جاء وصف انفجار القنبلة الذرية في هيروشيما مع سائر التجارب النووية الأخرى، مشابهاً جداً في تفاصيله لما دونّه بطرس.

إن فعل الانحلال، كما ورد في الترجمة العربية، يُفيد تماماً معنى اللفظة الأصلية باللغة اليونانية، والتي تشير إلى الانحلال من القيود. والإشارة الضمنية هنا هي إلى العناصر الكيميائية التي ستحترق بسبب انحلال القوى النووية التي تربط البروتونات والنيوترونات معاً داخل نواة الذرة. وباستطاعتنا فهم هذه الحقيقة من الكتاب المقدس الذي يخبرنا أن المسيح هو "حَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ" (عبرانيين 1: 3)؛ وأيضاً "اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ (حرفياً: تتماسك معاً)" (كولوسي 1: 17).

ولا يزال الرب يسوع حتى يومنا هذا، هو المُمسك الكون بأسره، والحامل كل الأشياء بكلمة قدرته. إنه يُبقي الذرات متحدة معاً، كما يبقي على الكون في مكانه. لكن، في يوم الرب، ستفقد الذرة قواها التي ترتبط بعضها ببعض، هذه العملية التي سيُسفر عنها انبعاث كميات هائلة من الطاقة. وكل ذلك بما وصفه لنا بطرس في الأعداد 10- 12.

علم المياه والرصد الجوي

1. نظام الرياح على الأرض

"اَلرِّيحُ تَذْهَبُ إِلَى الْجَنُوبِ وَتَدُورُ إِلَى الشِّمَالِ. تَذْهَبُ دَائِرَةً دَوَرَاناً وَإِلَى مَدَارَاتِهَا تَرْجِعُ الرِّيحُ" (جامعة 1: 6).

إن علم المياه والرصد الجوي هو من المواضيع الحديثة العهد التي يدرسها الطلاب في العديد من الجامعات اليوم. غير أن سليمان الحكيم كان قبل نحو 3000 سنة قد رسم بعض المبادئ الأساسية حول هذا الموضوع. فالآية أعلاه تصف ثلاث ظواهر تتعلق بالريح، وهي:

(أ) تجري الريح بين خط الاستواء والقطبين، الأمر الذي اكتشفه هاردلي (Hardley) في القرن السابع عشر؛

(ب) تشير حركة الريح الدائرية إلى الكوريولس الذي تم اكتشافه في القرن التاسع عشر؛

(ج) للريح مسارات محددة، لم يتم اكتشفاها إلا حديثاً.

نتحدث عن حكمة سليمان. لكن "هوذا أعظم من سليمان ههنا" (متى 12: 42).

2. دورة المياه

"كُلُّ الأَنْهَارِ تَجْرِي إِلَى الْبَحْرِ وَالْبَحْرُ لَيْسَ بِمَلآنَ. إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَرَتْ مِنْهُ الأَنْهَارُ إِلَى هُنَاكَ تَذْهَبُ رَاجِعَةً" (جامعة 1: 7).

إن فكرة دورة المياه الكاملة لم تحظَ بالقبول إلا في القرنين السادس عشر والسابع عشر. إلا أن الكتاب المقدس ذكر دورة المياه هذه، قبل هذا الاكتشاف بنحو ألفي سنة.

ودورة المياه ورد ذكرها أيضاً في سفر أيوب: "لأَنَّهُ يَجْذِبُ قْطَرَاتِ الْمَاءِ. تَسُحُّ مَطَراً مِنْ ضَبَابِهَا الَّذِي تَهْطِلُهُ السُّحُبُ وَتَقْطُرُهُ عَلَى أُنَاسٍ كَثِيرِينَ. فَهَلْ يُعَلِّلُ أَحَدٌ عَنْ شَقِّ الْغَيْمِ أَوْ قَصِيفِ مَظَلَّتِهِ؟" (أيوب 36: 27- 29). فهذا النص يتضمن تلخيصاً لمراحل دورة المياه: التبخّر، فالتكثيف، فهطول المطر أو تساقط الثلج؛ وكل هذا يتلاءم، على نحوٍ رائع، مع مفهومنا، الحديث العهد، لهذا العلم [2].

القوة المائية

"اصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكا مِنْ خَشَبِ جُفْرٍ... وَهَكَذَا تَصْنَعُهُ. ثَلاثَ مِئَةِ ذِرَاعٍ يَكُونُ طُولُ الْفُلْكِ وَخَمْسِينَ ذِرَاعا عَرْضُهُ وَثَلاثِينَ ذِرَاعا ارْتِفَاعُهُ" (تكوين 6: 14 و15).

تأمّل مقاييس فلك نوح، كما أعطاها الله في سفر التكوين. إنها تشكّل برهاناً رائعاً على تفوّق الكتاب المقدس على سائر الكتب. لقد أُجري في أحد أحدث المختبرات المائية في العالم [3]، اختبار تضمّن اثنتي عشرة عيّنة من أشهر المراكب، ومن ضمنها فلك نوح. وُضعت هذه المراكب في وعاء ضخم، لتعريضها لموجات مدّية وتيارات شبيهة بتلك التي تحصل عندما يكون البحر في أشد هيجانه. وفي نهاية الاختبار، صَمَدَ فلك نوح في حين تحطّمت سائر السفن الأخرى. ففلك نوح الذي صمّمه الله، وبناه نوح قبل أكثر من 4000 سنة، برهن على أنه يفوق في جودته أحدث التصاميم البشرية التي يقوم بها أُناس يدّعون اليوم أنهم لم يعودوا في حاجة إلى الله.

العلوم العامة

"لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرَى مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ َقُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتَهُ حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ" (رومية 1: 20).

لتناول الآن مفهوم الثالوث ليكون مثلنا الأخير الذي نقدّمه في هذا المجال: الله الآب، والله الابن، والله الروح القدس. هؤلاء الثلاثة الذين يشكّلون إلهاً واحداً، وَضْعٌ يسخر به معظم العلماء.

تتعلّق عقيدة الثالوث بالله الآب، المصدر غير المنظور لكل شيء، وعلّته؛ وتتعلق أيضاً بالله الآب للإنسان على نحوٍ ملموس ومنظور، والذي يتمم إرادة الله؛ وتتعلق أخيراً، بالله الروح القدس الذي مع كونه غير منظور، يعلن الله الابن للناس بواسطة أناس آخرين، ومن خلال الكلمة الإلهية التي أوحى بها، كما أنه يجعل الشركة مع الآب والابن حقيقية في قلوب الناس وفي حيواتهم. وهؤلاء الثلاثة جميعهم أزليون بالتساوي، وهم الله بالتساوي.

يساعدنا العالم المادي (الذي يجب أن يعكس خالقه) على إدراك مفهوم الثالوث على مستوى عقولنا المحدودة.

كل ما في هذا الكون، يمكن تصنيفه تحت واحد من ثلاثة أقسام رئيسية: المكان، والمادة، والزمان.

فالمكان،

مع أنه يشكّل وحدة متكاملة، قد ننظر إليه على أنه يتكون من ثلاثة أبعاد: الطول، والعمق، والعرض. فالحجة الحسابية ضدّ الثالوث هي أنه لا يمكن أن تصحَّ المعادلة 1+1+1= 1. أمّا الردّ على هذا، فباستطاعتنا الحصول عليه بسهولة من الحساب نفسه ومن مفهوم المكان، إذ نحصل على حجم مكان محدّد، حين نضرب الأبعاد الثلاثة، وهكذا 1×1×1= 1.

والمادة،

تتضمن بدورها ثلاث مراحل أساسية، تتميز كل واحدة عن الأخرى، ومع هذا تشير كل واحدة منها إلى المادة بكليتها، وهي: الطاقة، والحركة، والظاهرة.

تأتي الطاقة في المرتبة الأولى بحسب الترتيب المنطقي والسبي، لكن ليس على أساس الأهمية أو الأسبقية. ثم تأتي ثانياً الحركة التي تجسّد الطاقة وتعلنها، بل هي وليدتها. أمّا الظاهرة فتنبثق من الحركة وتشمل كل الطرق التي على أساسها، تؤثر الحركة في الناس. إنها بذلك أشبه بالروح القدس الذي يعلن الابن، ومن خلاله، الآب للناس.

الزمان

هو أيضاً سلسلة متصلة، مع أنه يتألف من ثلاث حالات: ماضياً، وحاضراً، ومستقبلاً. فكل واحدة منها تشير إلى الوقت بأكمله، مع أنها مميزة بحد ذاتها، ولا وجود لها بمعزل عن الحالتين الأخريين. فالمستقبل هو مصدر الوقت غير المنظور الذي يأتي الحاضر ليجسّده ويجعله حقيقياً. كما أن الماضي ينبثق من الحاضر، فلا يعود يُرى من جديد مع أنه يستمر في التأثير فينا في الحاضر، وحتى في المستقبل، إلى حدّ ما.

على الرغم من السقوط، كم من الأمور يتضمنها الخلق، وتعلن لنا الخصائص البديعة لله الخالق. كما أن كلمته الثمينة تشمل إعلانات مدهشة عديدة وفائقة، حتى إن الإنسان هو حقاً بلا عذر.

الكتاب المقدس

"وَأَمَّا كَلِمَةُ الرَّبِّ فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ" (1 بطرس 1: 25).

ولتلخيص كل ما سبق، تصرّح بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله الكاملة: "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ" (2 تيموثاوس 3: 16). أنه صاحب السلطة والمرجع الأخير في كل موضوع سواء أكان روحياً أو علمياً. فلنقبله كما هو، ولا نفسّره بما يتلاءم مع رغابتنا وأفكارنا الخاصة. ولنتذكر دائماً أن الله يقول تماماً ما يعنيه.

وفي الحال صادفتنا في الكتاب أمور لا نفهمها، فلا نحاولنّ التهرّب منها ولا المساومة مع العالم حولها، بل بالحري مواجهتها وقبولها، إذ إنّ أناساً قديسين تكلّموا بها مسوقين من الروح القدس (2 بطرس 1: 21). ولا بدَّ أنه ستبقى أمور كثيرة تعجز عقولنا المحدودة عن استيعابها، لكن سيأتي اليوم المجيد حين يتسنى لنا إدراكها جميعها، حين نرى مخلّصنا وجهاً لوجه. وإلى أن يحين ذلك الوقت، لنتمسك بإيماننا بالرب، فلا نعطي إبليس أي مكان للتلاعب بكلمة الله أو لزرع الشكوك في قلوبنا، من طريق العلم الكاذب الاسم. فلنتمسك بالكتاب المقدس، كلمة ربنا وخالقنا، ولنعكف على دراستها وإطاعتها لأنها كاملة.

References in English

1. Rosevear, D. Creation Science, New Wine Press, England, 1991, p. 43.

2. Morris, H.M. The Bible and Modem Science, Moody Press, Chicago, 1968,pp. 7-8.

3. Acts & Facts, Institute for Creation Research, El Cajon, CA. Voi, 22, No. 9, September 1993.

  • عدد الزيارات: 9178