Skip to main content

وماذا بعد؟

ها قد اطلعت على الوضع كما هو ثمة أناس يؤمنون مقدماً بالنشوء (عادة لأنهم يمقتون فكرة الخلق) ويرفقون بين الحقائق العلمية وتلك العقيدة. هناك أيضاً أناس يؤمنون بالله وبكلمته ويفسحون مجالاً للحقائق في عقيدتهم. لذا فإن الآخرين أكثر نجاحاً في محاولتهم من الأولين لأنهم يتشيثون بالحقائق ويقدمون تفسيراً أفضل لها. ومع أن تفسير النشوئيين يطنطن من حولهم في كل جانب... إلا أنهم لا يعيرونه أذناً صاغية! في المسيرة العامة للعلوم تستطيع دوماً تبديل أي نظرية بأخرى أفضل منها. ولكن النشوئيين لا يستطيعون فعل ذلك، لأنه لا يهمهم كم من الحقائق يناقض نظريتهم ولأنه لا خيار أمامهم سوى "تفسير رافض لها" أو تجاهلها كلية. المبدأ ذاته لا يمكن أن يزول أبداً لأنه ليس من آخر يحتل مكانه سوى الإيمان بالله الذي خلق كل الأشياء. أما أولئك الذين لا يريدون....!

وماذا عنك. ماذا أنت فاعل؟ هل تنوي دراسة أكبر عدد ممكن من الحقائق بدون تحامل وأن تقرأ قدر الإمكان كتباً للنشوئيين والخلقيين حتى تستطيع آخر الأمر اختيار التفسير الأصح من الناحية العلمية؟

انس ذلك! لأنك في النهاية ستختار إما الخلق أو النشوء ليس على أساس الإثباتات العلمية بل على أساس الإيمان. عندما نطلب وجهة  نظر أحدهم عن التفسيرات العلمية، لا يستطيع أياً كان الاختيار بدون تحيز من خلال التفسيرات العلمية المختلفة. وسوف يقول: "لقد وجدت أن الإثباتات العلمية للخلقيين (أو النشوئيين) أفضل" لماذا؟ لأنه يعتقد بالخلق (أو بالنشوء).

في إحدى الفترات كان الاعتقاد بأن العلماء يستطيعون تزويد أنفسهم بكل الحقائق فإذا درستها ستصل إلى نظريات علمية بلا تحيز. ولكن التجربة أثبتت أن الحال ليست كذلك. لو أن الخلقيين قالوا مثل هذا الأمر لما كانوا قد صدقوا، ولكن واحداً من أعظم الفلاسفة المعاصرين وهو كارل بوبر Karl Popper قال الشيء ذاته. فقد أكد على مدى عشرات السنين بأننا لا نجمع بدون تحيز بتاتاً. فنحن نجمع تلك الحقائق التي تختص وتساند الأفكار الموجودة في عقولنا، ونفسرها حسب الإمكان بالتوافق مع تلك الأفكار. وعاد بوبر إلى التأكيد عدة مرات بأن الحقائق الجديدة التي تتفق مع نظرية خاصة أو التي تكيف لتتلاءم معها (كما يفعل النشوئيين عادة) لا تبرهن أبداً أن النظرية صحيحة. لأن الحقائق عينها قد تبرهن بذات المقدار نظرية معاكسة تماماً (كالقول بالخلق في قصتنا).

في البداية اعتقد الناس أن بوبر قد خرج عن مبادئه الأساسية ولكن الناس يقرون الآن بأنه على صواب. هذا الرجل يستحق تمثالاً يخلده. وقد قلده البريطانيون وسام الفروسية تكريماً له. احتفظ بما يلي في ذاكرتك؟ النشوئيين ليسوا أكثر موضوعية أو أكثر علمية من الخلقيين. كلاهما يبدأ.... بالاعتقاد! لا تقل لي أنك تفكر بأنه عن طريق البحث غير المتحيز تستطيع أن تعين كيف ظهر العالم- لا تستطيع أبداً على الإطلاق! "بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله حتى لم يتكون ما يرى مما هو ظاهر" (الرسالة إلى العبرانيين من العهد الجديد، إصحاح11 والعدد3).

ما هو الإيمان المقصود في عبرانيين!! ؟ هل هو من قبيل هذا الجواب: "أنا لا أعرف كنهه، ولكنني أؤمن به"؟ بالتأكيد لا إنه ذلك الإيمان الذي من خلاله أناس "قهروا ممالك، صنعوا براً، نالوا مواعيد، سدوا أفواه أسود" (عبرانيين11: 33و 34) هنا تجد الإيمان "العلم" ليس هو بالضرورة المعرفة الحقيقية، وما يمكن قوله هو: "في الغالب يجب أن يحدث على هذا النحو". ولكن الإيمان في الكتاب المقدس لا يعرف بهذا الشكل بل أن "الإيمان هو الثقة بما يرجى، والإيقان بأمور لا ترى" (عبرانيين11 عدد1).

كيف يمكن ذلك؟ لأن الإيمان المسيحي لا يعتمد على الحجج الإنسانية، بل على كلمة الله الموحى بها. هل وجد أحد حين ظهر العالم للجود؟ الله فقط كان موجوداً عندئذ وخالق العالمين هو مؤلف الكتاب المقدس والكتاب المقدس يقول أشياء أخرى كثيرة عن الإيمان. "بدون إيمان لا يمكن إرضاءه (أي الله) لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه" (عبرانيين11 عدد 6). الواقع أن الكتاب يخطو بنا خطوة أخرى إلى الأمام فالإيمان لا يعلمنا فقط أصل الخليقة، بل أن الإيمان يجعلنا فقط أصل الخليقة، بل أن الإيمان يجعلنا نعرف الخالق فهل أنت ذلك "الباحث" الجاد؟ هل تبحث عن الحق المتعلق بالنشوء أو الخلق، أو أنك بدأت فعلاً البحث الجدي عن الخالق نفسه؟

هل تعرف سبب تلك الصعوبة عند البحث عن الله وفي إيجاده؟ اسمع إذن ما يقوله اشعياء النبي: آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع" (اشعياء59 عدد 2) هل تساءلت لماذا يؤمن الكثيرون بالنشوء؟ طبعاً لأن معظمهم لا يفكرون على نحو أفضل. وأحياناً يعترف كبار المؤيدين بأن السبب هو أنهم يمقتون الخالق والكتاب المقدس. الإنسان ليس باحثاً جاداً عن الله، بل هو عدو الله. إنه يكره الله لأنه يعلم أن الله يجازي الذين يطلبونه (كما كنا قد قرأنا) إلا أنه سيعاقب أيضاً أولئك الذين يكرهونه، والذين يديرون له ظهورهم، والذين يسيرون بحسب أهوائهم. فالخطية في حقيقة أمرها هي: أن تسير بحسب طريقتك الخاصة، أن تعمل رغبتك الذاتية، أن لا تهتم بإلهك الذي هو خالقك وديانك (إن لم تتغير).

بموجب النشوئيون، الإنسان هو حيوان عاقل! ارتقى بانتصار من الحضيض إلى الذروة ومازال يعلو ويرتقي. ولكن هذا بموجب الكتاب المقدس هو الطريق المضادة عينها. الله خلق الإنسان كاملاً، ولكن بعصيانه الكريه سقط بالخطية. ومنذ ذلك الوقت إلى الآن لم يخط درجات العلاء بل السقوط. وبعد انتهاء هذه المرحلة لن يظهر السوبرمان في سلم الرقي بل العقاب الأبدي بعيداً عن نعمة الله.

والآن، إذا كان لا يزال بين هذه الجموع الإنسانية بعض الذين يبحثون عن الحقيقة، أفراداً يطلبون الله عن عزم، فهو يجازيهم. لأنه هو بنفسه يجتذب الناس إليه، يغير مواقفهم المعادية له، يجدد حياتهم ويخلصهم من خطاياهم. وهذا الكتيب الذي بين يديك هو وسيلة من الوسائل التي يجتذبك الله بواسطتها إليه في هذه اللحظة بالذات. الله يقول "اطلبوني فتحيوا" (العهد القديم- سفر عاموس 5 عدد4). فهل تختار إتباعه أم أنك تختار الأكثرية التي هي في طريقها للعقاب الأبدي؟ تذكر أن الأكثرية ليست هي المحقة دائماً، وهذا ينطبق حتى في تاريخ العلوم. لا تنخدع بالأرقام. الطالبون الله هم قلة ولكنهم حاصلون على عطية لا تجد عند النشوئيين أي فكرة عنها! هذه العطية تتضمن كل شيء يهبه الله لك في ابنه يسوع المسيح، الذي بواسطته خلق العالم والذي به يستطيع أن يخلص من كل الخطايا جميع الذين يأتون إليه معترفين بخطاياهم. عندما يلمس هؤلاء الطالبون الله، المملوؤون عزماً، نتائج العمل الخلاصي الرائعة، التي أكملها المسيح على صليب الجلجثة فإن حياتهم تتغير بشكل جذري. لا توجد حياة أسعد من العيش مع الله الذي يصير لك مخلصاً وسيداً إذا وضعت ثقتك فيه.

آمل بكل إخلاص أن لا تضع هذا الكتيب من يدك إلا وعندك التصميم الصادق على البدء في قراءة الكتاب المقدس. تستطيع اقتناء الكتاب المقدس من مصادر عديدة بسعر زهيد أو حتى مجاناً. ابحث فيه عن الله وعن ابنه. صل، اجث على ركبتيك واعترف له بأنك إلى الآن أدرت له ظهرك، وبأنك كنت تسير حسب طريقك الذاتية (التي هي طريق الخطية) بدون أن تعره أي اهتمام. اعترف له بكل بساطة أنك بحاجة للخلاص وإلا فإنك هالك إلى الأبد. اقبل صديقي الهبة العظيمة التي يقدمها الله لكل الذين يأتون إليه بأمانة وإخلاص تلك الهبة هي ابنه. وبواسطة ابن الله خلقت كل الأشياء وكل شيء في الوجود تحت إمرته. ولكن هذا الابن صار إنساناً لكن يعاني ويموت عن جميع من كان مصيرهم الهلاك ولكنهم رجعوا وصرخوا إلى الله من أجل خلاصهم. إن الله لا يرفض أي إنسان يطلبه بل يقبله ويباركه ويهبه السعادة إلى الأبد. أفلا ترغب في الحصول على ذلك نصيباً لك؟

  • عدد الزيارات: 3244