[ح]
حاران
مدينةٌ كانت في ما هو الآن جنوب شرق تركيا، على نهر بليخ، أحد روافد الفرات. فيها استقر تارح أبو إبراهيم بعد مغادرة أور، وفيها أيضاً خدم يعقوب لابان. كانت تقع على الطريق الرئيسي ما بين نينوى وحلب في سوريا وميناء صور جنوباً. حصنها الأشوريون كعاصمة إقليمية. وظلت عاصمة أشور على مدى ثلاث سنين بعد سقوط نينوى. ثم سقطت بأيدي البابليين عام 609ق م.
تكوين 11: 31؛ 12: 4 و5؛ 29: 4، الخ...؛ 2 ملوك 19: 12؛ حزقيال 27: 23 (حيث حُران هي حاران أصلاً)
الحارث
ملك عربي كانت عاصمته بترا (في الأردن اليوم). وكانت دمشق زمناً داخلةً في نطاق مملكته. لما كان
بولس في دمشق، نوى والي الحارث أن يقبض عليه، لكنه نجا بأن دُلِّي في سلٍّ من على السور.
2 كورنثوس 11: 32
حاصور
مدينة كنعانية في شمال فلسطين. نظم يابين ملك حاصور تحالفاً ضد يشوع. لكنه هُزِم، وأُحرقت المدينة. وهزم باراقُ ودبورة ملكاً آخر لحاصور. جدد الملك سليمان بناءها وحصنها، مع مجدو وجازر. دمرها الأشوريون في القرن الثامن ق م.
كشف المنقبون مدينة عُليا وأخرى سفلى، ربما بلغ أهلها 000,40 نسمة حيناً كحد أقصى. وقد دُمر القسم السفلي في القرن الثالث عشر ق م (في زمن يشوع تقريباً). كان لها سورٌ وباب يرجعان إلى زمن سليمان ويُشابهان ما وجد في مجدو وجازر. وتذكر حاصور في نصوصٍ مصرية وبابلية وفي رسائل تل العمارنة، بالإضافة إلى التوارة.
يشوع 11؛ قضاة 4؛ 1 ملوك 9: 15؛ 2 ملوك 15: 29
حام
ابن نوحٍ الثاني. هو جدُّ الأمم المصرية والحبشية والليبية والكنعانية.
تكوين 5: 32؛ 6: 10؛ 10: 6- 20
حبرون
مدينة في أعالي جبال اليهودية (935 متراً فوق سطح البحر). كان اسمها القديم قرية أربع. وغالباً ما ضرب إبراهيم وأسرته خيامهم قرب حبرون. وهناك اشترى مغارة المكفيلة من الحثيين (راجع المكفيلة). جاء إليها الكشافة الاثنا عشر الذين أرسلهم موسى، وفي ما بعد أُعطيت لكالب. وكانت حبرون إحدى مدن الملجإ ومدينةً من مدن اللاويين. كانت عاصمةً لداود قبل استيلائه على أورشليم. ومنها شن أبشالوم عصيانه. وبعد ذلك بزمنٍ طويل، في أعقاب السبي، سكن فيها بعضُ الراجعين. (تُعرف اليوم بالخليل، لأنها كانت المدينة التي سكن فيها إبراهيم خليل الله).
تكوين 13: 18؛ 23؛ 35: 27؛ 37: 14؛ عدد 13: 22؛ يشوع 14: 6- 15؛ 2 صموئيل 2: 1- 4؛ 15: 9 و10؛ نحميا 11: 25
الحبشة
هي السودان، لا أثيوبيا الحديثة. تدعى "كوش" في عدة ترجمات للعهد القديم. راجع كوش.
حبوق
نبيٌّ ليهوذا عاش في أواخر القرن السابع ق م، معاصرٌ لإرميا. كان الكلدانيون آخذين في التعاظم، وصعب على حبوق أن يفهم كيف يعقل أن يستخدم الله هذه الأمة الشريرة لمعاقبة شعبه. فجاءه الجواب بأن الله سيدين يوماً جميع المتكبرين والأشرار، ومنهم أعداء يهوذا.
حبوق 1: 1؛ 3: 1
الحبوب
كان القمح والشعير والدُّخن والكرسنة أو القطانيّ جزءاً رئيسياً من الطعام عند بني إسرائيل قديماً. وكان أجود الخبز يُصنع من القمح المطحون، ومنه كانت تصنع الأرغفة التي يقدمها الكهنة إلى الله. أما الشعير، وهو يُنضج ويُحصد في أوائل الصيف وقبل القمح، فكان طعام الفلاحين الفقراء. ولما فسد الشعير في مصر من جراء ضربة البرد. لم يصب القمح الذي طلع في ما بعد. أما الكرسنة فهي نوعٌ من الحبوب أقل جودة، ومنها يُصنع أردأ نوعٍ من الخبز. وهي تذكر في حزقيال باعتبارها طعاماً يؤكل زمن المجاعة.
خروج9: 31 و32؛ حزقيال 4: 9
الحثيّون
قبل أيام بني إسرائيل والآراميين، سيطر على سورية الحثيون الذين جاءوا من تركيا. وكانوا شعباً هندياً- أوروبياً أنشأوا إمبراطورية قوية جداً دامت من سنة 1600 إلى 1300 ق م. وقد كانت ( عاصمتهم حتّوشة (بوغاز كُوي الآن) قرب أنقرة عاصمة تركيا الحديثة. وبين خرائبها وُجدت المحفوظات الملكيّة. وهي مكتوبة بالحروف المسمارية البابلية على ألواحٍ من طين ولكنها باللسان الحثي. وضمن الوثائق المهمة عدة معاهات عقدة مع الدول الخاضعة للحثيين. وتلتزم هذه المعاهدات صيغة معينة شبيهة بالصيغة التي نجدها في سفري الخروج والتثنية، حيث دُوِّنت مواثيق الله مع الشعب.
وقد ابتكر الحثيون أيضاً كتابة هيروغليفية خاصة بهم. وفي 1286ق م حارب الحثيون المصريين في معركة قاديش. ولم يهزم بعضهم بعضاً، فعقدوا معاهدة للاتفاق على الحدود الشمالية للأرض الموعودة (راجع يشوع 1: 4). وحوالي 1200 ق م انهارت الإمبراطورية الحثية من جراء هجمات شعوب البحر (راجع الفلسطيون). وقد تبددت معالم حضارتهم، ما عدا بعض المراكز المتفرقة ومنها موضعان في سورية (كركميش وحماة) حيث اختلط حفدة الحثيين بسائر الشعوب. وورد بعد ذكر الملوك الحثيين والنساء الحثيات في زمن سليمان، بل في زمن أليشع أيضاً- 1 ملوك 10: 28 وما يليها؛ 11: 1؛ 2 ملوك 7: 6.
(أمّا بنو حِثَّ الذين عاشوا في كنعان قبل ذلك بزمن طويل- وبالتحديد في أيام إبراهيم بحسب تكوين 23- فربما كانوا مهاجرين من الشمال، أو قوماً آخرين كان لهم الاسم نفسه).
الحجل
ربما يشمل هذا الاسم ثلاثة أنواع من الحجال: حجل الصخر، حجل الصحراء، الحجل الأسود. وهذه كلها من الطيور التي تُصطاد لأجل لحمها الطيّب، كما أن بيضها يؤكل. أما حجل الصخر فيتخفى جيداً حتى إنه غالباً ما يُسمع صوته ولا يُرى.
1 صموئيل 26: 20
حجَّي
نبيٌ يُرجح أنه رجع من بابل إلى أورشليم ضمن الدفعة التي رجع بها زربابل. ورسالته المدونة في سفر حجي بلغت في السنة 520 ق م. ساء حجي أن يبني الشعب بيوتاً لأنفسهم يستريحون فيها بينما هيكل الله ما يزال خراباً، وحث الشعب على ترميمه.
الحرب
للحرب مكانة بارزة في العهد القديم، رغم الحقيقة القائمة في كون شريعة الله تحمي الحياة وتنهى عن القتل نهياً شديداً. وسبب ذلك أن الله اتخذ له في القديم شعباً خاصاً. وقد عانى هذا الشعب ضيقاتٍ كثيرة فشد الله أزره. وبعد النجاة من مصر، قال موسى هاتفاً: "الربُّ رجل الحرب..." ثم حين كان الشعب على وشك الدخول إلى كنعان ذكرهم الله أن النصرة هي من لدنه: "لأن الرب إلهكم سائرٌ معكم لكي يحارب عنكم أعدائكم ليخلصكم". وكان واجباً أن يُباد سكان الأرض السابقون (أو "يُحرموا" أي يُقدسوا لله). فالحرب إذاً كانت "حرباً مقدسة". غير أن هدفها النهائي كان السلام والأمان. وكان على الشعب أن يطيعوا الله ويتكلوا عليه، وإلا غلبهم أعداؤهم. هذه هي الرسالة التي ينبه عليها سفر القضاة.
وغالباً ما واصل الأنبياء تأكيد هذه الرسالة. ولما كان الملوك يخوضون الحرب لأسباب سياسية متكلين على الخيل والمركبات والفرسان، فغالباً ما كانت الهزيمة تُرى باعتبارها طريقة الله في معاقبة الشعب لعدم إيمانهم.
ولكن الأحوال تغيرت بعد السبي لما رجع الشعب إلى الأرض. فإن اليهود كانوا قد كابدوا هزائم كثيرة حتى بات كثيرون يعتبرون أن الحرب من الشيطان. وقد عقدوا رجاءهم على إرسال الله ملكه المحارب ليخوض المعركة الحاسمة فينتصر ويُحِلُّ السلام لشعبه سواءٌ في هذا العالم أو في الآتي. هذا هو مدار الرجاء المسيحاني.
هذا المفهوم عن المسيّا رفضه المسيح. فهو قد جاء لإحلال السلام الإلهي. سيحصل انقسام بين الذين يؤمنون والذين لا يؤمنون، ولكن ينبغي ألا يُعد الناس أعداءً. ولا يظهر الرب يسوع بصورة المحارب إلا في سفر الرؤيا. ولكن المسيحيين يُصورون أجناداً يخوضون حرباً روحية ضد الشر. والنصر في هذه الحرب مؤكد، لن المسيح بموته وقيامته غلب الشيطان. ومن علامات انتهاء الدهر كثرة الحروب الفعلية.
خروج 15: 3؛ تثنية 20: 4؛ أشعياء 31: 1؛ 5: 25- 30، ومقاطع أخرى عديدة؛ رؤيا 19: 11؛ أفسس 6: 10- 17؛ يوحنا 12: 31
الجيش:
منذ فجر التاريخ كان كل رجلٍ من العبرانيين عسكرياً. فإن إبراهيم، رأس عشيرته، حشد رجال العشيرة لاسترجاع لوطٍ من أيدي آسِريه. وتولى كل سبطٍ مسؤولية احتلال الأرض المعينة له. وكانوا أحياناً يتعاونون تحت إمرة قائدٍ واحد لمقاومة الكنعانيين والفلسطيين ورد القبائل الصحراوية التي كانت تُغير عليهم باستمرار. والسبط الذي لا يتجاوب مع الاستنفار كان يُعامل باحتقار.
إنما لم يقم جيش ثابت حتى صار شاول ملكاً، فعين ثلاثة آلاف رجل كجيش دائم تحت إمرته الشخصية وبقيادة أبنير. وكان داود عسكرياً فذاً. وقائد جيشه يوآب استولى على أورشليم وعلم العبرانيين فنوناً جديدة في القتال. وكان داود أول ملك له حارسٌ خاصٌ من المحاربين الأشداء يضمُ رجالاً رافقوه لما كان طريداً وأثبتوا ولاءهم له.
يتحدث الكتاب المقدس عن "خماسين" و "مئات" مع رؤسائهم، ولكن ما نعرفه عن تنظيم الجيش بالتفصيل قليلٌ جداً. وقد مضى زمن طويل والجيش مؤلف فقط من المشاة بعضهم مسلَّح بالقوس أو المقلاع. وأخذ سليمان استعمال الفرسان والمركبات عن المصريين والفلسطيين والكنعانيين، غير أن بني إسرائيل خاضوا معارك في الجبال عموماً حيث لم تكن هذه الأساليب عملية. وقد قال ضباط بنهدد ملك أرام: "إن آلهتهم آلهة جبال، لذلك قووا علينا!" وظل الملوك المتأخرون في المملكة الجنوبية يُرسلون إلى مصر في طلب المركبات والفرسان. على أن آخاب ملك المملكة الشمالية اقتنى قوة ضخمة من المركبات، وقد اكتُشفت إسطبلاته في مجدو.
وبعد السبي لم يكن لبني إسرائيل جيشٌ خاص إلا فترة قصيرة وُظِّف فيها جنودٌ يهود وغير يهود وجعلت لهم رواتب. وكان لهيرودس الكبير قواه الخاصة، وبينهم أيضاً مرتزقة أجنبيون، وكانوا خاضعين لإمرة الرومان.
تكوين 14؛ قضاة 1؛ 5: 15- 17؛ 1 صموئيل 23: 1- 5؛ 25؛ 13: 1و 2؛ 17: 55؛ 2 صموئيل 23: 8- 39؛ 1 ملوك 10: 26؛ 20: 23- 25؛ 2 ملوك 18: 24
الحرب في العهد القديم:
استُعملت في القتال ثلاثة أنواع من الأسلحة. فعند الالتحام كانت تُستعمل الهروات والفؤوس والسيوف القصيرة والطويلة. ومن بُعدٍ كانت تُرمى الرماح والسهام والمزاريق. وكانت تُقذف أيضاً الحجارة والصخور بالمقاليع والمنجنيقات، فضلاً عن إرسال السهام بالقوس النشابة.
ويُلبس العسكريُّ درعاً للوقاية ويُحمل تُرساً للدفاع. ويبدو أن العبرانيين استخدموا نوعين من الأتراس. نوعٌ صغير مستدير يحمله المشاة خفيفو التسلح، وآخر مستطيل كبير يستعمله المتقدمون في الجبهات بحيث يوفر حماية متراصة للجبهة. وكانت التروس تُصنع من إطارٍ من الخشب أو القصب المجدول يشد عليه جلدٌ قاسٍ يحتاج إلى تزييت دائم وداخل الترس قبضة لإمساكه بها. غير أن المعلومات التي تتوفر لنا عن سلاح الجندي قليلة إجمالاً. وقبل منازلة داود لجليات، حاول الملك شاول إلباس داود درعاً وخوذة ورداءً، لكنها كانت ثقيلة عليه فلم يقدر أن يمشي بها. وربما استُعملت دروع الساق النحاسية ("الجُرموقان") لحماية الأرجل وتنورة سُفلى من زرد النحاس.
وبنى الملوك قلاعاً وحصوناً لحماية أراضيهم. وقد حصن شاول جبعة عاصمته. كذلك بنى داود، فضلاً عن أبراج أورشليم، حصون لبنة ولخيش وجازر وبيت حورون عند السفوح للاحتماء من الفسطيين. وحصن سليمان مدناً عديدة، ولا سيما جازر وحاصور ومجدو لحماية الممر الاستراتيجي عبر تلال الكرمل. ولما انقسمت المملكة، أُقيمت في جبعة والمصفاة حصونٌ حدودية (راجع أيضاً البناء).
1 صموئيل 17: 14- 7، 37- 40
أساليب القتال:
عانى العبرانيون الأمرين من عصابات البدو المغيرة عليهم، ولا سيما قبل عصر الملوك. فقد كانت غارات هؤلاء خاطفة ومُباغتة. وغالباً ما جاءُوا راكبين جِمالاً، فنهبوا القرى، وأتلفوا الغلال، وساقوا المواشي والأسرى.
وحيث شُنت معركة سافرة كانت تُعطى إشارة البدء بالهجوم بالنفخ في بوق. وكانت تُطلق الأحيان صرخة ُحربٍ متفق عليها، كالهتاف "سيفٌ للرب ولجدعون". وكان صفٌ من المحاربين الحاملين أتراساً كبيرة ورماحاً طويلة يتقدم فيما الرماة يرمون رشقاتٍ من السهام لتغطيته. وعندما يلتقي الجيشان، يصير القتال التحاماً. وأحياناً، كانت تُحسم بمنازلة بطلين أو أكثر. وغالباً ما كان الجيش يُقسم قسمين للإطباق على العدو من الجانب والمؤخرة. وبقيادة الملك داود، شهدت إستراتيجية الحرب وتكتيتها العامان تخطيطاً أكثر براعة.
وغالباً ما كان الهجوم على مدينة من المدن يتم قُبيل الفجر لمباغتة المدافعين. ومن خِدَع الحرب الأثيرة الزحفُ بنصف الجيش فقط ثم الانسحاب. وفيما المدافعون يطاردون فرحين، يدخل النصف الآخر المدينة. وفي زمن داود بدأ العبرانيون يمارسون حِصار المدن، وإن كانوا في العادة هم المدافعين لا المهاجمين.
وقد أتقن الأشوريون هذا الفن في القتال. فكانوا يرسلون الجواسيس لاستكشاف نقاط الضعف في المدينة، وإذا سبق أن كانت بعض المدن قد سقطت، كانوا يبعثون مندوبيهم لتخويف أهل المدينة وحملهم على الاستسلام. وكانوا يقطعون كل خطوط الاتصال ويستولون على موارد الماء في الجوار. واتقاءً لذلك حول حزقيا ملك يهوذا الماء داخل المدينة بقناةٍ احتفرها. من ثم كان المحاصرون يستعدون لإطالة أمد الحصار فيما تسوء الأحوال داخل المدينة. وللإسراع في سقوط المدينة كان الأشوريون ينشئون الممرات عبر الأسوار ويستعملون المنصات الخشبية ذات العجلات، يرمون من فوقها السهام على المدافعين، والمنجنيقات يدكون بها الأسوار. وكانوا يحاولون في بعض الأحيان أن يُحدثوا ثغرةً في السور أو نفقاً تحته. ثم تُشن أخيراً هجمةٌ شاملة، فيما الرماة يُمطرون المدافعين بالسهام وباقي الجيش يتسلقون الأسوار بالسلالم. وفي أثناء ذلك يُطلق المدافعون سهاماً ملتهبة، ويصبون زيتاً ساخناً، ويرمون حجارة، في محاولة لإبعاد المهاجمين.
قضاة 6: 1- 6، 11؛ 2 أخبار الأيام 13: 12؛ قضاة 7: 20؛ 20: 29- 48؛ 2 صموئيل 12: 27؛ 2 ملوك 18 و19؛ 6: 24- 7: 20
عقابيل المعركة:
عند سقوط المدينة، جرت العادة أن يتم قتل الذكور أو خصاؤهم أو استبعادهم. أما الأولاد والنساء فكانوا يُساقون إلى السبي. وكانت الأسوار تُهدم والأبنية تُحرق، والجنود يأخذون ما يقع بأيديهم من غنائم وأسلاب، وإن كان الملك يطالب بالنفائس أو الأشياء الثمينة لنفسه. وإذا استسلمت مدينة تؤخذ رهائن وتفرض جزية باهظة.
الجيش الروماني:
في زمن أحداث العهد الجديد، شهدت البلدان الواقعة على سواحل المتوسط فترة سلمٍ في ظل الحكم الروماني. وليس من سفرٍ في العهد الجديد تظهر وراءه خلفية حرب، وإن كان يبرز في المشهد الجيش الروماني بين الحين والآخر. وقد ثار اليهود من حينٍ لآخر، لكن الرومان كانوا يسحقون الثائرين بقسوة, وقد كمن خطرٌ دائم في ولاية سورية التي كانت فلسطين جزءًا منها، لكونها على حدود الإمبراطورية. لذا وُضعت تحت إمرة الإمبراطور مباشرةً، واستقرت فيها كتائب من العسكر بصورة دائمة.
وغالباً ما تصرَّف الجنود الرومان باعتبار اليهود عبيداً لهم. غير أن بعضهم، لا سيما من القادة، كسبوا احترام الشعب. وإن جماعةً من عسكر الرومان المكلفين ضبط الأمن في أثناء عيد الفصح، اشتركت في القبض على يسوع واستمتعت ببعض المزاح الخشن على حساب الأسير. على أن الرومان اشتهروا على العموم بالعدل. وقد حال جنودٌ رومان دون إعدام بولس في أورشليم بغير محاكمة، وأوصلوه بسلامٍ إلى القيادة في قيصرية تحت الحراسة المسلحة، نظراً لوجود خطرٍ كان يتهدد حياته.
وكان عند الإمبراطور حرسٌ شخصيٌ هو الحرس البريتوري، ومركزه في روما وبعض مراكز المقاطعات (ومنها أفسس). ولمَّا كان بولس في السجن علم العسكر "في دار الولاية" أنه هناك لأنه "خادم المسيح".
لوقا 13: 1؛ متى 8: 5؛ لوقا 7: 1- 10؛ أعمال 10؛ يوحنا 18: 3؛ مرقس 15: 16- 20؛ أعمال 21: 30- 36: 23: 16- 24؛ أفسس 6: 14- 17؛ فيلبي 1: 13
الحِرَف والمهّن
لم يكد يوجد في أزمنة العهد القديم بين بني إسرائيل حِرَفيون يصنعون أشياء جميلة لأجل ذاتها. حتى إنهم أرادوا إنشاء أمكنة للعبادة كانوا يأتون غالباً بفنانين أجنبيين لإكمال الزخرفة. فقد كانت أرضهم فقيرة، واقتصرت مهارتهم على صنع الأشياء النافعة وحسب. على أن بعض المهن اشتهرت بإتقانها منذ أقدم الأزمنة. وقد انحصرت المهن في بعض الأُسر التي تناقل أفرادها، على الأرجح، "أسرار المهنة" أباً عن جدّ.
وقد ارتبطت بعض المواقع بمهنة معينة، ربما بسبب توافر المواد الضرورية فيها. وهكذا اشتهرت سكُّوت بتطريق الأواني المعدنية، ودبير بالحياكة والصباغة. ويُحتمل أن تكون بعض أشكال النقابات المهنية قد برزت إلى الوجود من أبكر العهود، ولا سيما في المدن، حيث يبدو أن مختلف الحِرَف كانت لها دوائرها الخاصة. فنجد في الكتاب المقدس ذكراً لأماكن النجارين وصانعي الكتان والخزافين (الفخاريين) والصاغة والعطارين.
وفي أزمنة العهد الجديد ذاع خبر النقابات المهنية في أنحاء الإمبراطورية الرومانية. ولكنه كان لزاماً عليهم أن يحوزوا إذناً خاصاً من الإمبراطورية للتيقن من أنهم ليسوا مجرد غطاء للنشاطات السياسية غير المرغوب فيها.
وكان اليهود في ذلك الزمان يكنون احتراماً بالغاً للحِرَف. كذلك أعفي الحرفيون من القانون الذي يقضي بوقوف كل إنسانٍ عند قدوم أحد العلماء. وقد ورد في كتابات رابيي اليهود (معلميهم) ذكرٌ لحرفيين كصانع المسامير والخباز والمعمار والحذاء والخياط. لكن بعض المحن لقيت احتقاراً ومن بينها: الدباغة لأنها "كانت وسخة" شرعاً، والجباية (مهنة العشارين) لأنها ميدانٌ واسع للغش والتلاعب، والحياكة لأنها عمل النساء. وقد مارس الحاكة عملهم في واحدٍ من أحقر أحياء أورشليم، بِلِزْق باب الدِّمن (أو الزّبل).
صناعة الجلد:
من الأشياء المصنوعة من الجلد، والمذكورة في الكتاب المقدس، الثياب والمناطق والأحذية (وكانت تُصنع من جلد الغنم أو المعزى). وكانوا يتخذون الأزقاق من جلود الحيوانات الصغيرة ويستعملونها لحفظ الخمر والماء واللبن. وكانت الخيام تُصنع أصلاً من قطع الجلد الموصلة، ثم استُعمل لاحقاً شعر المعزى المنسوج، كما هي الحال عند البدو اليوم.
كذلك استُعمل الجلد رقوقاً للكتابة. ومخطوطة سفر أشعياء التي وُجدت في قمران قرب البحر الميت، وهي تعود إلى سنة 150ق م، مكتوبةٌ على سبعة عشر رقاً خيط بعضها ببعض. أما تفاصيل دباغة الجلد وصناعته فلا نعرفها جيداً، ولكن ثلاث حِرَفٍ على الأكثر ارتبطت بها.
فهنالك حرفة سلخ الحيوان، وقد وُجدت سكاكين يرجح أنها استُعملت لهذا الغرض.
وهنالك حرفة الدباغة. وربما كانت في أول الأمر تقتصر على تجفيف الجلود تحت الشمس لا أو معالجتها باستعمال عصارة نباتات معينة. ولكن الدباغين اضطروا إلى السكن خارج المدن لأن عملهم كان ذا رائحة كريهة.
وهنالك حرفة تشكيل الجلد وخياطته. وفيما يقال عن بولس وأكيلا وبريسكلا إنهم كانوا "خياميين" يعتقد بعضهم أن هذه الكلمة تعني "صانعي الجلد".
تكوين 3: 21؛ 2 ملوك 1: 8؛ حزقيال 16: 10؛ خروج 26: 14؛ أعمال 18: 3
نقش الأحجار:
استُعملت في العهد القديم أحجار شبه كريمة كالجزع واليشب والزبرجد والبلور. وكانت هذه الأحجار تُقطع وتصقل ليُصنع منها الخرز، أو تزين بالنقوش، أو تُحفر عليها أسماء أصحابها لتُستعمل أختاماً. ومع أن الكتاب المقدس يذكر أحجاراً كثيرة، فلا يمكننا تمييزها كلها. وفي خروج 28: 9- 14 يوصف نقش الحجر وتطويقه بالذهب لترصيع كتفي الرداء الذي يلبسه رئيس الكهنة. وكذلك يوصف عملٌ مشابه لترصيع صدرة القضاء في خروج 28: 15- 21
صناعة الزجاج:
لا يبدو البتة أن فن صناعة أوانٍ من زجاج كان شائعاً عند بني إسرائيل. وقبل دخولهم أرض كنعان بزمنٍ طويل، كان المصريون والبابليون قد اكتشفوا كيف يكورون الزجاج ويشكلونه باستعمال القوالب الرملية. أما في أزمنة العهد الجديد فكان الرومان يتقنون صناعة الزجاج الشفاف ويشكلونه بالنفخ. ومن الواضح أن أغلب الأواني الزجاجية التي وجدت في فلسطين كان مستورداً.
حفر العاج:
لا تكتمل لائحة الحِرِف عند اليهود قديماً دون ذكر حفر العاج، وإن كان عدد العاملين به قليلاً على الأرجح وهم في أكثريتهم من الأجنبيين. وقد كان العاج نادراً يُستورد من أفريقيا (أو من سوريا في زمن مبكر). وكان محبباً عند الملوك، إلا أن الأنبياء شجبوا استعماله كعلامة على التبذير والإسراف.
وربما استخدم سليمان العاج، حفراً وتحشية، في زخرفة الهيكل، إلا أن النقطة الوحيدة المفصلة في الكتاب المقدس هي أنه كان عنده عرشٌ من عاج. وقد بنى أخآب ملك إسرائيل "بيت العاج" الخاص به السامرة عاصمة مملكته. وفي السامرة وجدت أكبر تشكيلة من العاج. وقد كشفت التنقيبات أن هذا الفن كان مزدهراً بين جميع الشعوب في الشرق الأدنى. والأشياء العاجية التي وجدت تتكون في أغليبتها من المنحوتات الصغيرة والمطعمات والصوالج (ج صولجان).
1 ملوك 10: 22؛ حزقيال 27: 15؛ عاموس 3: 15؛ 1 ملوك 22: 39
راجع أيضاً البناء، صناعة الثياب، استخراج المعادن وتصنيعها، الخزف أو الفخار.
حرمون
جبل على الحدود بين لبنان وسورية. ارتفاعه أكثر من 2750 متراً. يُدعى في التوراة أيضاً باسم سريون. يجلله الثلج طول السنة تقريباً. ويشكل الثلج والجليد اللذان يذوبان عليه مصدراً رئيسياً لنهر الأردن. وجبل حرمون قريب من قيصرية فيلبس، وربما كان هو "الجبل العالي" الذي عليه رأى التلاميذ المسيح في مجده.
يشوع 12: 1، الخ؛ مزمور 42: 6؛ 133: 3؛ متى 17: 1 الخ...
حرود
النبع الذي عنده اختار جدعون قوته المحاربة، بمراقبته كيفية شرب الرجال من ماء النبع. وقد اختير الرجال الثلاث مئة الذين انحنوا ولعقوا الماء لعقاً متنبهين لما حولهم. وكان موقع ذلك في شمال فلسطين، ربما على جدولٍ يجري في وادي يزرعيل.
قضاة 7: 1-
الحرَّية
في أي مجتمع يجوز فيه الحكام يكون أعظم توقٍ عند الإنسان هو إلى الحرية. فليس بعجيبٍ أن يكون لهذه الفكرة مكانٌ كبير في الكتاب المقدس. والحرية هي الموضوع الأساسي في الاقتباس الذي استخدمه المسيح من أشعياء ليصف به عمله: "روح الرب عليَّ لأنه مسحني... لأنادي للمأثورين بالإطلاق... وأُرسل المنسحقين في الحرية".
وقد كان كثيرون من بني إسرائيل يرجون أن يحررهم المسيح من الرومان. لكنه أوضح أن اهتمامه الأول هو معالجة عبوديةٍ أقسى جداً. فهو قد جاء ليُحرر الناس من سلطان الشر، وقد برهن ذلك بإطلاق كثيرين من قبضة الأرواح الشريرة وبشفاء المرضى.
ويُعنى بولس، في رسالتيه إلى رومية وغلاطية، بأن يبين أهمية هذه الحرية. فهي التحرير من عقوبة خطايانا، والتحرر من مسعى محاولة إرضاء الله والإخفاق فيه. إذ إن المسيحي المؤمن يعلم أنه مخلص بنعمة الله، لا بأي شيء يستطيع هو شخصياً أن يقوم به.
وقد رأى بولس طريقتين رئيسيتين بهما أساء المسيحيون استخدام عطية الحرية هذه الثمينة. فبعضهم حنّوا إلى أُصول الدين اليهودي القديم وقوانينه. وقد جرى ذلك على قدم وساق في كنائس غلاطية. فكتب بولس رسالته إليهم ليُبين لهم أن الإيمان المسيحي مختلف جملةً وتفصيلاً عن أية ديانة ذات نواميس. وبعضهم ذهبوا إلى أنهم، لأن المسيح قد حررهم، يستطيعون أن يعملوا ما شاءُوا، بل أن يُخطئوا أيضاً قدر ما يريدون. فكان ذلك خطأً كلياً: إذ إنهم حُرروا من الخطية لا ليستمروا في الخطية. وهم يخدمون بفرح سيداً جديداً هو الرب يسوع المسيح. فالحرية الحقيقية كامنة في خدمة الله وخدمة الآخرين.
لوقا 4: 18؛ يوحنا 8: 31- 36، 41- 44؛ مرقس 3: 22- 27؛ 5: 1- 13؛ لوقا 13: 10- 16؛ 8: 2، 21 غلاطية 3: 28؛ 5: 1، 13؛ رومية 1: 1؛ 6؛ متى 11: 28؛ يعقوب 1: 25؛ 2: 12؛ 1 بطرس 2: 16
حزائيل
قائد جيش عند بنهدد الثاني، أمرَ الله إيليا بأن يمسحه ملكاً عل أرام. وبكى أليشع لما أراه الله ما سيفعله حزائيل بشعبه. وقد قتل حزائيل بنهدد واستولى على العرش، وحارب ملوك إسرائيل ويهوذا.
1 ملوك 19: 15- 17؛ 2 ملوك 8 وما بعده
حزقيّا
مَلِك يهوذا من 716 ق م إلى 687 ق م مَلَك بعد وفاة أبيه آحاز، وكان قد اشترك معه في الحكم منذ 729 ق م. حالما تولى المُلك أعاد فتح الهيكل ورممه. نظم حملة وطنية لإبادة كل ما يتعلق بعبادة الأوثان. تمرد على الأشوريين ورفض دفع الجزية لهم. خلال حُكمه أخضع الأشوريون المملكة الشملية كلها. فأدرك أن بلده أيضاً في خطر، وحفر قناةً صخرية لتأمين المياه في حال تعرضه للحصار. استولى الملك الأشوري سنحاريب على عدة مدن في يهوذا وحاصر أورشليم. ولكن مملكة يهوذا حصلت على النجاة لما ضرب الموت جيش الأشوريين بين عشيةٍ وضُحاها. بُعيد ذلك مرض حزقيا مرضاً شديداً، لكن الله استجاب صلاته وأطال عمره خمسة عشرة سنة.
2 ملوك 18- 20؛ 2 أخبار الأيام 29- 32؛ أشعياء 36- 39
حزقيال
واحدٌ من أنبياء العهد القديم الكبار. كان ابن كاهن اسمه بوزي، وعاش في أورشليم حتى غزا نبوخذ نصر المدينة سنة 597 ق م. حينئذٍ سُبي إلى بابل الملك يهوياكين ومواطنون ذوو شأنٍ بينهم حزقيال. وقد سُمح له أن يقيم في بيته الخاص، وأقام في مستوطنة لليهود المسبيين في تل أبيب عند نهر خابور. وبعد نحو أربع سنين دعاه الله ليكون نبياً. وحتى خراب أورشليم نهائياً في 586 ق م، كانت رسالته الرئيسية هي الدعوة إلى التوبة. فاليهود عصوا الله وعليهم أن يلتمسوا غفرانه. وبعد تدمير البابليين لأورشليم، أخذ حزقيال يتطلع إلى اليوم الذي فيه سوف يسمح الله لبني إسرائيل بترميم المدينة والهيكل.
سفر حزقيال:
دُعي حزقيال ليكون نبياً وهو في سن الثلاثين. وقد بلغ رسالات الله إلى المسبيين في بابل وإلى الذين ما زالوا يقيمون بعيداً في أورشليم، على السواء. وحينما بلغته الدعوة إلى النبوة، أراه الله أيضاً رؤيا تبين قداسته تعالى (الأصحاحات 1- 3)، الأمر الذي أثر في حياته بمجملها.
وتتألف الأصحاحات 4- 24 من إنذارات بدينونة الله موجهة إلى بني إسرائيل، مدارها على حتمية خراب أورشليم.
كذلك أعلن حزقيال أيضاً رسالة تختص بدينونة الله على الأمم التي كانت تهدد شعبه بالخطر (الأصحاحات 25- 32).
حتى إذا سقطت أورشليم أخيراً سنة 587 ق م دخلت وتيرة جديدة على رسالة حزقيال (الأصحاحات 33- 39). ذلك أنه قدم للشعب عزاءً ووعداً بالرجاء من جهة المستقبل، مؤكداً أن الله سوف يُصلح حال الشعب.
أخيراً وصف حزقيال رؤاه المتعلقة بالمستقبل، يوم يؤدي الشعب لله عبادته الكاملة في الهيكل الجديد (الأصحاحات 40- 48).
وقد شدد حزقيال على مسؤولية كل فردٍ تجاه الله، كما نبه على حاجة الناس إلى تجديد القلب. وكان نبياً مكرساً، موضوعه الدائم هو القداسة. وهو يقدم رسالته في صُوَرٍ على نحوٍ يكثر عنده أكثر من سائر الأنبياء.
الحَسيديم/ الحَسِيديُّون
تعني لفظة "الحسيديم" بالعبرية "الأتقياء". ولم تكن هذه الجماعة طائفة منظمة. بل أُطلقت التسمية على أولئك اليهود الذين قاوموا غزوات الثقافة اليونانية (الهلينية) لحياة اليهود وحضارتهم. وفي القرن الثاني ق م التحق بعضهم بالمكابيين في نزاعهم المسلح ضد الحكام اليونان. وكان آخرون منهم دُعاة سلام. لكنهم كانوا كلهم، يقيناً، أتباعاً أمناء للشريعة، وانضم كثيرون منهم إلى طائفتي الفريسيين والأسينيين.
حصان/ فرس
في أزمنة الكتاب المقدس، كان الأغنياء فقط يقتنون الأحصنة. ولم تُقتن في إسرائيل إلا من زمن داود فصاعداً. وبفضل موقع البلد الجغرافي، صار سليمان وسيطاً مناسباً، فتاجر بالعربات من مصر والأحصنة من تركيا (كيليكيا). وقد كان الفرس "سلاح" حرب ورمزاً للقوة.
خروج 14: 23؛ يشوع 11: 4؛ أستير 6: 8، 10 و11
حفني وفينحاس
ابنا عالي الكاهن، كانا كاهنين في شيلوه. لأنهما أظهرا ازدراءً علنياً بقداسة الله، أنذر الله عالي بموتهما. وإذ حملا صندوق العهد (التابوت) إلى المعركة ضد الفلسطيين، وقع بأيدي الأعداء وقُتلا كلاهما.
1 صموئيل 2: 12 وما يليها؛ 4
الحكومات
لا يقدِّم الكتاب المقدس أي نوعٍ من الحكم باعتباره الطريقة الصحيحة لتنظيم المجتمع. بل إن الكتاب يعكس بالحقيقة عدة أنواع مختلفة من أشكال الحكم. فالآباء، إبراهيم وإسحاق ويعقوب، عاشوا في ظل نظام العشيرة. والشعب القديم حكمه أولاً القضاة ثم الملوك. والمسيحيون في العهد الجديد قبلوا نظام الحكم الروماني الذي عاشوا تحت سيادته.
وقد كان القصد منذ البدء أن يكون الشعب القديم أمة "ثيوقراطية"، أي يملك عليها الله. ولكن من جراء الطبيعة الخاطئة التي للبشر، سرعان ما تبين أن المجتمع يحتاج أيضاً إلى حكامٍ بشريين يضعون القوانين وينفذونها بالقوة. وقد اكتشف شعب العهد القديم هذا الواقع خلال زمن حكم القضاة لما لم تكن حكومةٌ مركزية: "في تلك الأيام لم يكن ملكٌ في إسرائيل. كلٌ واحد عمل ما حسن في عينيه".
يؤتي الله الحكومات سلطةً لإجراء العدل. ويوصي الكتاب: "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله". وعلى أولاد الله أن يصلوا لأجل الحكومة ويتعاونوا معها لكي تحكم بالعدل.
ويبين الكتاب في الوقت عينه أن الله يطلب من الحكام أن يُجروا القضاء لا أن يجوروا فيه. وقد ندد أنبياء العهد القديم- ولا سيما عاموس- بالجور في القضاء وبالحكم الظالم من قبل كثيرين من ملوك إسرائيل ويهوذا. فإذا ما ظلمت الحكومات رعاياها، وجب أن يقف شعب الله بكل جرأة ويدينوها. وحين يكون الخيار بين تنفيذ أوامر الحكومة وفعل مشيئة الله، إذا كان هذا يعارض تلك، فما على المسيحي المؤمن إلا العمل بالمبدإ الكتابي القائل: ينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس".
قضاة 21: 25؛ رومية 13: 1- 7؛ 1 تيموثاوس 2: 2؛ 1 بطرس 2: 11- 25؛ أشعياء 56: 9- 12؛ إرميا 21: 11- 22: 19؛ دانيال 3؛ عاموس ومقاطع أخرى كثيرة من الأنبياء؛ متى 22: 15- 21؛ أعمال 5: 27- 29
حلقيا
أشهر واحدٍ بين عدة أشخاص دُعوا بهذا الاسم هو رئيس الكهنة الذي عاش على عهد يوشيا ملك يهوذا. في أثناء ترميم الهيكل وجد درْجاً قديماً كتبت فيه شريعة الله. وقد أدى هذا الاكتشاف إلى إصلاحٍ عظيم في مجرى العبادة في الهيكل.
2 ملوك 22 و23؛ 2 أخبار الأيام 34
الحِليّ
لم يكن العبرانيون مهرةً في صناعة الحلي كما كان بعض جيرانهم ولا سيما المصريون. ولكن النساء لبسن الحلي من أقدم العصور. وفضلاً عن جمال القلادة، في الأيام السابقة للمصارف، كان حملها أسهل من حمل كيسٍ من النقود. وطبعاً، كان تدبير أمرها أيسر من الاعتناء بقطيعٍ من الماشية. فحتى قبل النقود، كانت الحليُّ نوعاً من الثروة يُمكن أن تستبدل به أشياء أخرى، وسهل نهبه في الحروب.
ومن الحليّ التي كانت النساء يتحلين بها الأساور والقلائد والأقراط والحلقات- للأذنين والمنخرين كما للأصابع. وكانت الحلي تصنع من الذهب والفضة والمعادن الأخرى وتُرصع بالأحجار الثمينة أو أشباهها أو بالزجاج الملون أيضاً. وكانت الأحجار الكريمة تصقل وتلمع، وتُحفر وتُنقش. وكان العاج يُحفر أشكالاً جميلة. وغالباً ما كان يُستعمل في تطعيم الأثاث وتأطيره، كما تُتخذ منه الأمشاط ودبابيس الزينة (أو البروشات والبلاكات) والزهريات وحناجر الطيب والأدهان.
وقد كان صاغة مصر وجوهريوها مهرةً في هذا الفن. فأنتجوا حلياً رائعة الألوان وفائقة الجمال لم يشهد العالم إلا قليلاً من أمثالها. ومنها قلائد دقيقة الصنع معلقة بسلاسل من الخرز، مصنوعة من الأحجار شبه الكريمة- كاللازورد والفيروز والعقيق الأحمر والمَرْو- ومن الزجاج الملون بأزرق صافٍ وأحمر قانٍ، طعم بها الذهبُ والفضة. وكان القصد الأساسي من هذه القلائد أن تقي حاملها شر الأرواح الشريرة, أما الخنافس المنقوشة على الخواتم والأساور المصرية فتمثل اعتقادهم أن رَع، الإله الشمس، اتخذ شكل خنفساء، وترمز عندهم إلى الحياة الخالدة.
ولما رحل بنو إسرائيل عن مصر (الخروج) أخذوا معهم حلياً من ذهب وفضة وثياباً. وقد أذيبت أقراطٌ من ذهب وصنع منها عجلٌ ذهبي عبده الشعب عند جبل سيناء. ولكنهم سريعاً ندموا على خيانتهم هذه "وجاء الرجال مع النساء... بخزائم وأقراط وخواتم وقلائد، كل متاعٍ من الذهب... تقدمة ذهبٍ للرب" (خروج 35: 20 وما بعدها). وقد استعمل صانعون مهرةٌ الذهب والحلي لتزيين خيمة العتبادة (خيمة الاجتماع). وقد صنعت الصُّدرة المقدسة لرئيس الكهنة مُرصعةً بأحجار كريمة متنوعة، لكلِّ سبط من الأسباط الاثني عشر حجرٌ واحد.
كذلك استخدم الجوهريُّون مهارتهم في صُنع الأختام الشخصية ونقشها، وكانت توضع أحياناً في الأصابع كخواتم. وكانوا يحتفظون بصورة الختم مطبوعة على كتلة من الطين حفاظاً على الأصالة. فإن الفقراء كانوا يقتنون في بعض الأحيان أختاماً من الطين المشوي. أما الأغنياء فغالباً ما كانوا يقتنون أختاماً منحوتة من العقيق أو اليشب أو البلور أو غيرها من الأحجار شبه الكريمة.
وكان لبس الحليّ في العهد القديم مألوفاً في مناسبات خاصة، كالأعراس مثلاً. أما الولع الزائد بالحلي والثياب الفاخرة فكان خطأً وعلامةً على التكبُّر، وقد شجبه العهد القديم والعهد الجديد على السواء (أشعياء 3: 16- 24؛ 1 تيموثاوس 2: 9).
حماة
هي حماة الحديثة، على نهر العاصي في سوريا. كانت حماة في أزمنة العهد القديم مدينة مهمة، فهي عاصمة مملكة صغيرة، وتقع على طريق تجاري رئيسي من آسيا الصغرى (تركيا) إلى فلسطين فمصر جنوباً. وكان مدخل حماة، الواقع على مقربة منها إلى الجنوب، تخماً "مثالياً" لأرض الشعب لقديم من الشمال. وفي أيام مُلكِ داود وسليمان، عقد العبرانيون صلحاً مع توعي ملك حماة. وقعت المدينة بأيدي الأشوريين ورُحل كثيرون من أهلها إلى فلسطين. وقد جُعلت حماة إلى حين مقر قيادةٍ أولاً لفرعون نخو (قبل المعركة كركميش) ثم لنبوخذنصر البابليّ.
يشوع 13: 5؛ 2 صموئيل 8: 9- 11؛ 1 ملوك 8: 65؛ 2 أخبار الأيام 8: 4؛ 2 ملوك 17: 24؛ 18: 34، إلخ...
الحمار والبغل
أعمُّ البهائم المستعملة للركوب والحمولة، كانت تُنقل عليها الأحمال الثقيلة ويركب عليها الأغنياء والفقراء على السواء. أما الحمار فهو سليل الأتان البرية التي كان موطنها أفريقيا الشمالية. وأما البغل فهو هجين الحمار والفرس. وكلا الحمار والبغل ثابت الأقدام ويتميز بأنه أقدر من الحصان على العيش في الأرياف الوعرة. والأتان هي "بطلة" قصة بلعام. كما أن الأُتن الضالة قادت شاول إلى لقاء مهم جداً مع النبي صموئيل. وعلى حمارٍِ ركب المسيح حين دخل أورشليم يوم "أحَد السَّعَف" كملك مُسالم.
عدد 22؛ 1 صموئيل 9 و10؛ زكريا 9: 9؛ متى 21: 1- 11
الحمام واليمام
أكثر الطيور المذكورة في الكتاب المقدس شيوعاً وأهمية. منه عدة أنواع كانت تستوطن في فلسطين، وأنواعٌ تنزل فيها شتاءً. كانت تُربى بكثرة كطيور داجنة يؤكل لحمها. وكان فقراء اليهود الذين لا يستطيعون تقديم ذبائح من الخراف أو المعزى يقدمون بدلاً منها زوجي حمام أو فرخي يمام، وكانت هذه في أيام وجود المسيح بالجسد على الأرض تُباع في دار الهيكل. وبعد الطوفان أرسل نوحٌ حمامة فعادت إلى الفلك حاملة أول ورقة خضراء.
تكوين 8: 8- 12؛ مزمور 55: 6؛ متى 3: 16؛ 21: 12
حنّان
رئيس كهنة سابق، مع صهره قيافا، لما أُلقي القبض على يسوع. استجوب المسيح قبل إرساله إلى قيافا.
لوقا 3: 2؛ يوحنا 18: 13- 24
حناني
أشهر واحدٍ من الذين عرفوا بهذا الاسم هو الرجل الذي سافر إلى سوسة ليخبر نحميا أن أورشليم كانت ما تزال خربة، رغم عودة المسبيين إليها. وبعد أن رمم نحميا أسوار أورشليم عيّن حناني حاكماً.
نحميا 1: 2؛ 7: 2
حنانيا
1- حنانيا وزوجته سفيرة قدّما للرسل فقط جزءاً من المال الذي قبضاه ثمناً لحقل باعاه متظاهرين بتقديم الكل. وجزاء هذه الكذبة، ماتا كلاهما.
أعمال 5: 1- 11
2- مسيحيٌّ كان يعيش في دمشق. بُعيد اهتداء شاول (بولس)، قال الله لحنانيا أن يذهب إلى البيت الذي كان شاول نازلاً فيه. واستخدم الله حنانيا لرد البصر إلى شاول بعد عمّى دام ثلاثة أيام إثر رؤيته للمسيح على طريق دمشق.
أعمال 9: 10- 19
3- رئيس للكهنة كان حاضراً عندما جرى استجواب بولس أمام المجلس اليهودي (السنهدريم)، وقد أمر الحارس بأن يضرب بولس. ولمّا حوكم بولس أمام فيلكس كان حنانيا مدّعياً عليه.
أعمال 23: 2 و3 ؛ 24: 1
حنَّة
1- زوجة ألقانة وأم صموئيل. كانت عاقراً طيلة سنين. ولما قامت مرة بزيارتها السنوية إلى المعبد في شيلوه، نذرت نذراً. فقد وعدت الله بأن تقدم لخدمته الولد الذي يرزقها إياه استجابةً لصلاتها. وأعطاها الله صموئيل. فلما فطمته أخذته إلى شيلوه حيث عاون الكاهن عاليّ. وفي التسبحة التي أنشدتها مريم أم يسوع، قبل ولادته، صدى لصلاة الشكر الرائعة التي رفعتها حنة. وفي ما بعد ولدت حنة ثلاثة بنين آخرين وبنتين.
1 صموئيل 1 و 2
2- نبية مُسِنة كانت في الهيكل عندما أحضر يوسف ومريم يسوع وهو طفل ليكرّساه لله. ومثلها مثل سمعان الشيخ، أدركت أن يسوع هو المسيح وشهدت عنه أمام الآخرين.
لوقا 2: 36- 38
حوّاء
المرأة الأولى، شريكة آدم. خالفت مع آدم وصية الله بعدم الأكل من "شجرة المعرفة". ومن جراء ذلك دخل الموت على العالم، وطردهما الله من جنّة عدن. يسمي التكوين من أولاد حواء: قايين وهابيل وشيث.
تكوين 2: 18- 4: 2؛ 4: 25
حوريب
اسمٌ آخر لجبل سيناء.
الحوريُّون
قومٌ صاروا جزءاً من الإمبراطورية الحثية. وهم معروفون منذ السنة 2500 ق م في بابل. غير أن أصلهم غير محقق، كما أن لغتهم غير مفهومة تماماً، وقد بقي منها بعض النصوص المسمارية. سكنت جماعاتٌ منهم في أنحاء الهلال الخصيب. فهم يظهرون في أدوم (تكوين 14: 6) وفي شكيم والجلجال (تكوين 34: 2 ويشوع 9: 3- ،7 حيث يُقال لهم الحويّون). وترد أسماء حورية في بعض النقوش المسمارية العائدة إلى نحو 1400 ق م والتي وُجدت في فلسطين "أرض حورو". وفي ذلك الزمان وجِدت في أعالي بلاد ما بين النهرين دولة حورية (ميتاني). وكان بين ملوك هذه الدولة وفراعنة مصر مراسلات. وقد عبد هؤلاء القوم آلهة بينهم ميثرا وآلهة أخرى معروفة جيداً في الهند. وكان للحوريين تأثير قويٌّ في الحثيين، وهم نشروا الحضارة البابلية أينما ذهبوا.
حوشاي
صديقٌ وثق به الملك داود. خلال عصيان أبشالوم، تظاهر حوشاي بالانحياز إلى جانبه. ونصيحته "المضللة" لأبشالوم أتاحت لداود وقتاً ومكّنته من الفرار، بإعلام أعوان داود بخطط أبشالوم.
2 صموئيل 15: 32- 17: 15
الحياة
نفخ الله الحياة في أنف الإنسان فصار ذا نفسٍ حيّة. ويتدخل الله في جميع العمليات الطبيعية لإبقائنا على قيد الحياة، كما أنه هو من يقرِّر متى تنتهي الحياة. وأعز ما يملك الإنسان هو الحياة، وإحدى رغباته العظمى أن يباركه الله بعمر طويل.
ولكن الحياة لا تقتصر على الوجود المادّي. فإن حصول الإنسان على علاقة سليمة بالله يمكنه من أن يعيش الحياة على مستوى جديد. تلك هي الحياة الفضلى التي جاء المسيح ليهبنا إياها. إنها "الحياة الأبدية"، التي يقدمها لنا عطية مجانية وثابتة. فالحياة الأبدية هي الحياة ذات البعد الجديد، أي "حياة الله" فينا. ويقول يوحنا: "من له الابن فله الحياة". تبدأ هذه الحياة في الإنسان عندما يصير مسيحياً حقيقياً، وهي تقهر الموت. ذلك أنها علاقة أبدية بالله.
راجع أيضاً الموت، القيامة.
تكوين 2: 7؛ مزمور 104: 29؛ أيوب 2: 4- 7؛ مزمور 91: 16؛ تثنية 8: 3؛ 30: 15- 20؛ يوحنا 10: 10، 28؛ 1 يوحنا 5: 11 و 12؛ يوحنا 11: 25 و26؛ رومية 6: 4- 13، 22 و 23؛ ومقاطع أخرى عديدة.
حياة الأسرة
كانت "الأُسرة" في أيام إبراهيم أقرب إلى العشيرة. فلم تكن تقتصر على الآباء والأولاد، بل تعدّتهم إلى الجدين والأعمام والعمّات وأبنائهم، والخدام أيضاً. وكان ممكناً أن تكون الأسرة كبيرة جداً. حتى إن إبراهيم تمكن من اصطحاب 318 محارباً لما ذهب لإنقاذ لوط من الملوك المُغيرين الذين ساقوه أسيراً (تكوين 14: 14).
في أسرةٍ كهذه كان للجد سلطانٌ مطلق، لا في القضايا العملية وحسب بل في الشؤون الدينية أيضاً. وعند موته، كان ابنه البكر يتولى الأمر بفضل ولادته أولاً. وكانت كلمة رئيس العشيرة هي القانون. وقد قبلت عشيرة إبراهيم حقيقة إعلان الله لذاته له في سكون الصحراء. فكان إله إبراهيم إلهاً لأسرته، وإن لم يكن جميع أفرادها يشاركونه دائماً في مثل إيمانه.
وقد وعد الله إبراهيم وعداً قطع مثله لإسحاق ويعقوب في ما بعد. فهو تعالى سيكون إلهاً لهم يعتني بهم ويحميهم. وبالمقابل، عليهم هم أن يعيشوا بموجب أحكامه. هذه الأحكام فُصِّلت في ما بعد لما أعطى الله "الوصايا" لموسى على جبل سيناء. وهكذا ارتبطت الحياة العادية عند العبرانيين بالحياة الدينية منذ البداية. فكانت هاتان الحياتان كُلاً متكاملاً لا يتجزأ. وكان كل ما تفعله الأسرة مؤسّساً على شريعة الله فإذا أساء بعضهم معاملة بعض، خالفوا الشريعة. وكان واجباً أن يُسوّى كل خلاف بينهم، زوأن تُقدم ذبيحةٌ لتصحيح وضعهم أمام الله (لاويين 6: 1- 6).
الآباء والأبناء:
تداخل الدين وحياة الأسرة في تنشئة الآباء للأبناء. وقد شُجع الأولاد على طرح الأسئلة لمعرفة دينهم وتاريخهم (خروج 13: 14). وأُشير بحجارةٍ كبيرة إلى الأماكن التي فيها عمل الله شيئاً خاصاً لأجل شعبه حتى إذا سأل الأبناء عن ذلك فسره لهم الآباء (يشوع 4: 5- 7).
كذلك قُصِد أن يكون يوم الراحة الدورية كل أُسبوع (أي السبت) يوماً لتذكر الله والتعبد له (خروج 31: 15- 17). ففي أوائل أزمنة العهد القديم كان الآباء والأبناء يزورون المعبد المحلي، حيث يُقدمون ذبيحة ويتعلمون على يد الكاهن. وفي أزمنة العهد الجديد كان السبت يبدأ مساء الجمعة بتناول أفخر وجبة في الأسبوع. ثم تقوم الأسرة بزيارة بيت الاجتماع ("المجمع") للاستماع إلى معلمٍ يشرح الشريعة.
علّم الآباء أبناءهم وصايا الله. واستظهر الأبناء أجزاءً أخرى من الكتاب المقدس. ومن الفصول المحببة مرثاة داود لشاول ويوناثان. وفي السهرات كان أفراد الأسرة يحكون كثيراً من القصص التي نجدها الآن مدونة في الكتاب المقدس.
الأعياد:
رافقت الأعياد الدينية الكبيرة احتفالاتٌ تُبين مدلولها بوضوح. فعند الفصح مثلاً كان الأب يسأل ابنه البكر: "لماذا نقوم بهذه الخدمة؟" فيشرح الولد أصل هذه الممارسة كما تعلم. وكان هنالك يوم الكفارة، يليه عيد الحصاد (المظال) وفيه كان الجميع يقيمون في خيام من أغصان الشجر، تذكيراً لهم بطريقة إقامة أجدادهم في الصحراء. وفي التاريخ اللاحق كان الأولاد في عيد الفوريم يمثّلون قصة أستير. وقد كانت جميع الأعياد زاخرة بالحياة والحركة بحيث رغب الأولاد في معرفة رموزها. بهذه الطريقة تعلموا تاريخ أمتهم كشعب اختبر معاملات الله.
التعليم:
لم يكن في أزمنة العهد القديم مدارس بالمعنى الذي نعهده. بل كان الأولاد يُعلّمون في البيت، على يد الأم أولاً ثم على يد الأب. وفضلاً عن تعلم الدين والتاريخ، بواسطة حفظ القصص وبطريقة السؤال والجواب، كانت البنات يتعلمنَ من أمهاتهنّ الأشغال المنزلية كالخبز والنسج والغزل، فيما يتعلم الصبيان من آبائهم مهنة يدوية. وكانوا يقولون: "من لا يُعلّم ابنه مهنة نافعةً، يربّه لصاً". ومن أساسيات تربية الولد إتقان مهنة أبيه ومعرفة أدواتها والتعرف بزملاء المهنة (راجع التربية والتعليم).
الأرض والحيوانات:
كان كل واحد يملك بعض الأرض، فتوفرت للصغار بعض مهمات يؤدونها في العراء. فكان على الصبيان والبنات أن يقوموا بكثير من العمل في ما يتعلق بالكروم والفلاحة ودرس الحنطة.
وقد تعيّن على الأولاد أيضاً أن يرعوا الحيوانات التي تربيها الأسرة، من غنمٍ ومعزى عادةً. وكانت كل عائلة، حتى لو كانت فقيرة جداً تسعى لأن تشتري حملين في أيام الفصح، يُذبح أحدهما ويؤكل، أما الثاني فيُربى ويلعب به الأولاد ويُغزل من صوفه ما يلبسون. ولم يكن عند الفقراء حظائر منفصلة للحيوانات، فكانت النعجة في الغالب تنام مع الأولاد وتأكل معهم من الصحفة نفسها (2 صموئيل 12: 3). وفي آخر الصيف كانوا يذبحون النعجة ويحتفظون بلحمها مطبوخاً بدهن الألية. كذلك كانت معظم العائلات أيضاً تربي معزاة واحدة على الأقل لأجل الحليب واللبن. وكان بعض اللبن يُترك حتى يتجبن فيُقرض ويُحفظ.
ومع أن بعض البيوت كانت تقتني كلاباً، فلم تكن الكلاب كثيرة وكانت تُعد من الحيوانات التي تقتات بالقمامة.
وكان الحمار أعم وسيلة للنقل. فهو يحمل الأحمال الثقيلة والناس على السواء. أما الفلاحون الأغنى فكانوا يستخدمون الثيران للزراعة والجِمال للنقل.
البدو والحضر:
كان العبرانيون قبل سِني إقامتهم في مصر يقيمون في خيام. فقد تخلى إبراهيم، إطاعةً لدعوة الله، عن حياة الاستقرار في مدينة أور المتحضرة على نهر الفرت النائي. وقضى باقي حياته يترحل من مكان إلى مكان، على الأقل بين الفينة والأخرى. كذلك سكن ابنه اسحاق وحفيده يعقوب أيضاً في خيام، على طريقة البدو. ولما كان الماء قليلاً، ولا سيما في الصيف وفي أزمنة القحط، حامى أهل كنعان عن آبارهم في وجه هؤلاء المرتحلين الذين استقوا الماء لهم ولمواشيهم أيضاً. ومن الأمثلة على هذا مخاصمة أبيمالك لإبراهيم حول الماء في بئر سبع (تكوين 21: 25- 31).
ومع أنه لم يكن لإبراهيم وأسرته إقامةٌ دائمة، فقد خبروا شيئاً من الاستقرار مكّنهم من الزرع والحصاد. ثم إنهم لم يبتعدوا كثيراً عن مراكز التجمعات السكنية الكبيرة.
وبعد زمن موسى أراد العبرانيون أن يستقروا في مواطن دائمة، ثم خاضوا حرباً امتدت بضع سنوات. ولما استولوا على الأرض، أرادت جماعاتٌ أخرى من البدو أن تستقر أيضاً هناك. فكان على العبراينين بدورهم أن يتعلموا معاملة هؤلاء الغرباء المشردين بلطف ورفق، وسرعان ما صار هؤلاء يشكلون الطبقة العاملة من الشعب.
وما كان نمط الحياة يوماً ليختلف عنه كثيراً في يوم آخر. حتى إن النمط الأساسي في حياة الأسرة قلّما تغير طيلة قرون. وما لم تكن تقطعه الجيوش الغازية، كان يسير على حاله بسلام. وقد كان للناس ارتباطٌ وثيق بالأرض. وكانت كل أسرة تعتني بحقلها الصغير. وكان هنالك دائماً بعض الحيوانات للرعي. أضف إلى ذلك التنظيف اليومي والخبز والغزل والنسج والصبغ، فضلاً عن العمل في الحقل.
العلاقات العائلية:
أخذت حياة الأسرة تزداد أهميةً خلال سير التاريخ العبري. فلما بدأت العشائر تستقر في بيوت ثابتة أصبحت وحدة الأسرة العادية أصغر حجماً.
الأب:
كان للأب، ضمن هذه الوحدة الصغرى، السلطان المطلق كما من ذي قبل. حتى إنه كان يستطيع، إذا شاء، أن يبيع ابنته عبدةً. وفي أوائل أزمنة العهد القديم كان يمكن للوالد الذي عنده أولاد متمردون أن يقدِّمهم للإعدام. وكان في وسعه أن يطلِّق زوجته لغير سبب ويحرمها الإعالة. وله أن يُرتب زيجات أبنائه.
النساء:
كانت المرأة تعتبر من متاع الرجل، وتنظر إليه كسيدٍ لها. وظل هذا الموقف شائعاً حتى في أزمنة العهد الجديد. فمع أن النساء كنّ يَقُمن بأكبر قسطٍ من العمل الشاق، فقد كان لهن مقامٌ وضيع في المجتمع كما في العائلة. إلا أن الشريعة وفرت الحماية للمطلقة، وكان أولادها يُعلمون أن يحترموها.
وكان في معاملات المسيح مع النساء ما خالف الأعراف السائدة وناقضها بشدة، كاستعداده مثلاً للتكلم مع السامرية ومساعدتها (راجع يوحنا 4). والتعليم المسيحي بهذا الشأن واضح، إذ يقول: "ليس ذكر وأنثى، لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع" (غلاطية 3: 28). فليس في ملكوت المسيح مواطنون من الدرجة الثانية.
الإرث:
كان البنون وحدهم يرثون عادةً، وللبكر مكانة خاصة في الأسرة، إذ يُعطى حصة مضاعفة من ميراث والده. ولم يكن في وسع البنات أن يرثنّ إلا إذا خلت الأسرة من البنين. وإن لم يكن للأسرة أولاد، يؤول الميراث إلى أقرب ذكرٍ من الأقرباء.
الاحترام والتأديب:
يتحدث سفر الأمثال عن العلاقات العائلية بصورة صريحة ومباشرة، أكثر من أي سفرٍ آخر في الكتاب. فالمتوقع من الأولاد، لخيرهم، أن يحترموا آباءهم ويصغوا إلى تعليمهم ونصحهم. والآباء الذين يحبون أولادهم حقاً، يؤدبونهم ويقومونهم، ولا سيما وهم صغار. فاستعمال العصا عند الحاجة يُعلم الأولاد أن يُحسنوا التصرف، بينما الولد العاق يُحزن أبويه ويُخزيهما. وسعادة الآباء والأولاد هي في الترابط والاتحاد. أما نقطة الانطلاق فهي مهابة الله.
ويبني العهد الجديد على الأساس نفسه. فمن واجب الأولاد مسيحياً أن يطيعوا آباءهم، كما أن مسؤولية الأبوين تقتضي تربية الأولاد بموجب التأديب والتعليم المسيحي.
بعض المقاطع الكتابية المتعلقة بالعلاقات العائلية:
خروج 20: 12؛ 21: 7- 11؛ تثنية 21: 15- 21؛ 24: 1- 4؛ (قارن متى 19: 8- 12).
تعليم سفر الأمثال عن الآباء. والأبناء:
1: 8 و 9 ؛ 4 و 5؛ 6: 20 وما بعدها؛ 10: 1؛ 13: 1، 24؛ 17: 21، 25؛ 19: 13، 18، 27؛ 20: 11؛ 22: 6، 15؛ 23: 13- 16، 19- 28؛ 28: 7، 24؛ 29: 15، 17؛ 30: 11، 17
في العهد الجديد راجع خصوصاً:
أفسس 5: 21- 33؛ 6: 1- 4؛ كولوسي 3: 18- 21
العبادة البيتيَّة:
كان مطلوباً من كل يهودي أن يتلو "التبريكات الثمانية عشر" كل صباح وعصر ومساء. يبدأ كل تبريك بالقول: "مبارك أنت أيها الرب ملك الكون". وفيها جميعاً حمدٌ لله: على الوعد بالفادي، أو على قيامة الموتى، أو عطية التوبة، أو شفاء المرضى، وهكذا دواليك.
وقبل كل وجبة طعام كان رب الأسرة يتلو بركة قصيرة: "مبارك أنت يا إلهنا، ملك الكون، خالق ثمر الكرمة" (أو "المنبت طعاماً من الأرض"؛ أو "الخالق ثمر الشجر").
المولود الجديد:
"البنسون ميراث من عند الرب. ثمرة البطن أُجرة (بركة). كسهامٍ بيد جبار، هكذا أبناء الشبيبة (أي الذين يولدون لآباءٍ شبان). طوبى للذي ملأ جعبته منهم". هذا الكلام الذي ورد في المزمور 127 يبين موقف العبرانيين من الأولاد. فكثرة العيال علامة على بركة الله. وقد رُبط عدم الإنجاب بعدم رضى الله، الأمر الذي قد يصعب كثيراً على الزوجين العقيمين (انظر مثلاً قصة حنة في 1 صموئيل1).
وقد عُد الأولاد مهمِّين لجملة أسباب. وحظي البنون بالتقدير الأوفر. وكان في غاية الأهمية أن تُرزق المرأة مولوداً ذكراً حتى تصير تُكنى بأم فلان بعد ولادة أول صبيٍّ لها. وبعد اشتداد سواعد الفتيان يصير في وسعهم المساهمة في أعمال حقل الأسرة. وبينما لم تحظ البنات بأهمية كبيرة، كن علاماتٍ نافعات. وكان واجباً أن يدفع للوالدين عند تزويج ابنتهما مهرٌ للتعويض عن الخسارة الناشئة من تركها العمل معهما. كذلك كان البنون مطلوبين كي يحملوا اسم الأسرة. وفي العصور القديمة، قبل أن يتيقن البشر من الحياة بعد الموت، أحبوا أن يعتقدوا أن حياتهم تستمر في أولادهم، فبغير الأولاد لا يكون لهم مستقبل. ولذلك إذا مات رجلٌ وليس له ولد كان من واجب أقرب قريبٍ له أن يتزوج بالأرملة، فأول ولدٍ لهما يحمل اسم الرجل الميت ويرث أرضه (تثنية 25: 5 و6).
العوائد:
كان المولود الجديد يغسل ويفرك بالملح اعتقاداً بأن ذلك يحفظ الجلد ويقويه. ثم كان يلف بالقماط. وذلك بأن تضع الأم أو معاونتها الطفل فوق قطعة قماش مربعة. ثم تطوي الزوايا فوق جبينه وقدميه وتلفه بربط (مطرز غالباً) لإبقاء يدي الطفل مستقيمتين إلى كلا جانبيه. وكان القماط يُحل عدة مرات يومياً ثم يُدهن جلد الطفل بزيت لزيتون ويُرش بمسحوق ورق الآس. هذا العمل يستمر لعدة أشهر. وكان القماط يسهل على الأم أن تحمل طفلها على ظهرها في "مهد" من الصوف الصفيق. أما في الليل فكان المهد يُعلق في عارضةٍ بالسقف أو بين عصوين في رأس كل منهما شعبتان.
كان الأطفال في العادة يُرضعون حليب الأم سنتين أو ثلاثاً ولكن نسبة الوفيات بين الأطفال كانت مرتفعة جداً بسبب سوء الأحوال في معظم البيوت.
في أزمنة العهد القديم كان الطفل يسمى عند ولادته. وكان لكل اسمٍ معنى مخصوص. فقد يفيد شيئاً عن الطريقة التي بها وُلِد الطفل، أو عن خلقه، أو عن شعور الأسرة تجاه الله. فمثلاً، راحيل زوجة يعقوب، بعدما طال انتظارها لابنها الأول، سمته يوسف، ولسان حالها "ليزِدني الرب ابناً آخر". والاسم "باراق" معناه "برق"؛ و"إيليا" : "الرب هو الله"؛ وأشعياء: "الله خلاص".
الطقوس:
في أزمنة تدوين العهد الجديد، كان الصبي لا يسمى حتى اليوم الثامن لولادته. وفي الوقت نفسه كان "يُختن" (بقطع الجلد الزائد حول رأس عضوه). وعند أممٍ أخرى كثيرة كان الصبيان يُختنون عندما يعترف بهم كأفراد بالغين في العشيرة. ولكن في زمن إبراهيم قديماً، رتب الله أن يكون الختان في اليوم الثامن بعد الولادة علامةً في الجسد للتذكير بالعهد الذي قطعه تعالى لإبراهيم ونسله على المدى. وهذا الطقس ذكرهم بأن كل ولدٍ من بني إسرائيل هو فردٌ من الشعب الذي ينتمي إلى الله. غير أن المعنى الحقيقي لهذا الطقس نُسي- ويا للأسف! حتى صار في زمن السبي مجرد علامة على كون المرء يهودياً.
وغالباً ما كانت ممارستان طقسيتان أخريان تُجريان في الوقت نفسه. فإذا كان المولود "بكر" الأسرة، كان يخص الله على صورة معينة، بحيث وجب أن يُفتدى. وذلك لأنه في زمن الخروج، لما قُتِل جميع أبكار المصريين، أنقذ الله أبكار العبرانيين جميعاً. ومنذئذٍ صار البكر يخصه تعالى: "وكل بكر إنسان من أولادك تفديه". ويكون هذا الإجراء مذكراً بأنه "بيَدٍ قوية أخرجنا الرب من مصر من بيت العبودية" (خروج 13: 13 وما بعدها). وقد تم افتداء الجيل الأول بعد الخروج بتكريس اللاويين لخدمة الله. وبعد ذلك كانت كل أسرة تدفع إلى الكاهن فديةً عن البكر فيها خمس قطع من الفضة.
أما الطقس الآخر فكان ذبيحة تقدمها الأم "لتطهيرها" (راجع لاويين 12). فبحسب شريعة موسى، كان واجباً أن يكون الإنسان "طاهراً" من الناحية الطقسية كي يعبد الله. ومِما يعيق الناس عن الاشتراك في السجود حيناً: لمس جسد ميت، أو ولادة طفل، أو تناول طعامٍ محرم قد ينقل مرضاً. ولكي تعود الأم طاهرةً، كان عليها أن تقرب حمامةً أولاً، ثم حملاً. وإذ كان الوالدان، كيوسف ومريم أبوي يسوع، أفقر من أن يقدما خملاً، كانا يستطيعان تقديم حمامة أخرى. وفي زمن تدوين العهد الجديد كانت الدراهم تلقى في صناديق التقدمات في الهيكل لدفع ثمن الذبائح، كما كانت النساء يجمعن التبرعات على الدرج قرب المذبح لأجل القيام بطقوس الذبائح.
وفي ذلك الزمن أيضاً كان الصبي يُعتبر رجلاً عندما يصير ابن ثلاثة عشر عاماً. وكان يصحب ذلك احتفالٌ خاصٌ يدعى "بار متزفاه" ("ابن الشريعة"). ففي الأشهر السابقة لذكرى مولده كانوا يعلمونه أن يقرأ من الشريعة والأنبياء في العهد القديم الفصول التي سوف تُتلى في المجمع يوم الاحتفال. وكان عليه أن يسمِّعها خلال الخدمة، ومن ثم يتحدث الواعظ (الرابي) إلى الصبي ويطلب بركة الرب عليه، مستعملاً الكلمات الجميلة الواردة في سفر العدد 6: 24- 26،
"يباركك الرب ويحرسك،
يُضيء الرب بوجهه عليك ويرحمك،
يرفع الرب وجهه عليك
ويمنحك سلاماً".
عندئذٍ يُصبح الفتى عضواً بالغاً في الجماعة. وكان والداه يصحبانه أحياناً إلى المجمع قبل بلوغه الثالثة عشرة ليُشاهد خدمةً كهذه.
الحياة اليوميَّة
عاش دائماً في الأرض التي يتحدث عنها الكتاب المقدس بدوٌ رُحل (متنقلون من مكان إلى آخر) وقومٌ حضر (حلوا في مواطن مستقرة).
ولما دعا الله إبراهيم إلى ترك موطنه، استبدل بحياته المتحضرة والمستقرة في أور الواقعة بين النهرين نمط حياة شبه بدوي. فسكن في خيام من شعر المعزى. وكانت شُقق هذه الخيام ذات الخطوط السوداء والبنية تنسج من شعر المعزى بعد جزه، وذلك على نولٍ يُدقُ في الأرض بأوتاد. وكانت حلقات من خشب تثبت على طول الحافة وفي الوسط لتعلق على تسع دعائم في ثلاثة صفوف. وصف الدعائم الوسطي يرتفع نحو مترين، فيما يبلغ ارتفاع الصفيف المتطرفين أقل من ذلك قليلاً.
كانت الخيمة تُصنع بنصب شقة طويلة من شعر الماعز بعرضٍ يناهز المترين. وكانت النساء يقمن بعمل شاق إذ ينصبن الخيمة ويثبتن الدعائم بحبال مشدودة. أما جوانب الخيمة العمودية فكانت تُسد بشقق من شعر المعزى أو حصر القش الصفيقة، ثم تقسم الخيمة إلى "حجرتين"، إحداهما عبارة عن رواقٍ مفتوح يُستقبل فيه الزوار، والأخرى تشكل خباءً مستوراً للنساء ومكاناً تُحفظ فيه المخزونات. ولم يكن مسموحاً أن يدخل هذا الخباء من الذكور الراشدين أحدٌ غير رب الأسرة. أما أرضية الخيمة فكانت تُفرش أحياناً بالحصر والبسط، ولكنها في الغالب كانت تترك أرضاً عارية. وكانت الخيام تُنصب مجموعات طلباً للأمان. وقلما خُصصت للنساء خيمة كاملة، إلا إذا كانت الأسرة غنية جداً.
عاشت ذرية إبراهيم في خيام طوال مئاتٍ من السنين، أولاً في كنعان، ثم في مصر، ثم في البرية (الصحراء). ولما فتحوا كنعان، استولوا على المدن الكنعانية ورمموا خرائبها وقلدوا أهلها في أسلوب البناء.
بناء البيوت:
كان الفقراء في أزمنة العهد القديم يسكنون في بيوت صغيرة جداً، مؤلفة من غرفة مربعة ودار خارجية. وكان يبني البيوت جمعٌ من الجيران أو بناؤون مهرة ينتقلون من مكان إلى آخر.
وإذا بُني البيت على سهلٍ أو في وادٍ كانت جدرانه تُصنع من اللبن. وكان يمكن أن تُضاف الغُرف إلى جانب البيت أو كطبقة عُليا متى تُحسن وضع الناس وتطورت مهارة البناء. وكانت قطع لبن كبيرة جداً- نحو 53× 25× 10 سم- وتُصنع بواسطة قوالب خشبية.
وبنو إسرائيل الذين استقروا في كنعان كان آباؤهم وأجدادهم قد أتقنوا صناعة اللبن لما كانوا عبيداً في مصر. يبدأ العمل بإحداث حفرة في الأرض تملأ ماءً وقشاً وخشب نخيلٍ مكسراً وقطعاً من الصدف والفحم. ثم يدوس العمال الخليط إلى أن يصير طيناً لزجاً يُفرغ في قوالب. وبعد ذلك توضع اللبن تحت الشمس لتجف، ومنها ما يُجفف في أتون فيصير أصلح ليُستعمل في الأساس. كذلك كان الطين يُستعمل لوصل اللبن بعضه ببعض ولتمليط الجدار المبني. فلا عجب إذا كان البيت يَكِف في الشتاء، ويسهل على اللصوص الدخول إليه بنقب جداره.
أما في الجبال، حيث يتوافر حجر الكلس والبازلت، وعلى السواحل حيث يوجد الحجر الرملي، فكانوا يستعملون حجاراً شبه مربعة لوضع الأساس، ثم يبنون فوقها حجارة خشنة من الحجر أو اللبن جدراناً يبلغ ثخنها نحو 90 سمً. هذه الجدران الصفيقة يُمكن نقرها لإحداث مخازن. ومع تطور آلات الحديد المستعملة لتشكيل الحجارة صارت حجارة البناء أقرب إلى التربيع بعدما كانت في قديم الزمان متفاوتة الشكل.
أما النوافذ فكانت قليلة وصغيرة وفي أعلى الجدار طلباً للبرودة في الصيف والدفء في الشتاء. ولم يكن لها زجاج، بل كانت تُشبك لإبعاد المتطفلين. وفي أيام البرد والمطر كانوا يستعملون ستائر صوفية لحفظ الدفء. وأما الأبواب فكانت أولاً من حصائر. ثم استُعمل لها الخشب والمعدن فيما بعد، إذ تطورت المهارات.
وكانوا يصنعون السقف بوضع عوارض فوق جدارين متقابلين وفوقها عوارض أصغر منها على نحوٍ متصالب. أما نوع الخشب فحسب الحالة: الجميز للبيوت العادية، والسرو والأرز لمن تطول يده. ثم تضاف طبقات من أغصان الشجر والتراب والطين، وتُرص بواسطة محدلة حجرية طولها نحو 60 سم كانت تُترك على السطح.
وغالباً ما كان العشب ينبت على السطوح بعد المطر، بحيث يصلح مرعىً للحملان والجداء. وكان المطر يُجر بواسطة قنوات مفتوحة ليُجمع في خزانات طُليت بملاط مصنوع من الرماد والكلس والرمل والماء، لتصير صامدة للماء. وأن يكون للمرء صهريج خاص لخزن الماء في أزمنة العهد القديم إنما هو أمرٌ يدل على علو الشأن، وإن لم يكن صحياً من كل وجه.
وقد كان السطح جزءاً مهماً من البيت. وللصعود إليه كان الفقراء يستعملون سلماً من خشب. أما الأحسن حالاً فكانوا يبتنون وصلة درج من حجر تؤدي من الفناء إلى السطح. وكانوا يستخدمون السطح لتجفيف الفواكه والحبوب (خبأت راحاب الكشافين تحت عيدان الكتان التي كانت تجففها على سطحها- يشوع 2: 6)، كما كان السطح بارداً في العشايا الحارة. وأحياناً ما كانوا يُقيمون على السطح خيمةً من أغصان الشجر وينامون فيها على السطح.
ولما تحسن فن البناء، شاعت إقامة الطوابق العُليا الثابتة، فالمرأة الغنية في شونم بنت للنبي أليشع عُلّية خاصة (2 ملوك 4: 10). وكانوا أحياناً ينصبون تعريشات لتمتد فوقها عرائش الكرمة. وإذا كان البيت مبنياً على منحدر جبل، كان سطحه يُستعمل أحياناً كبيدر صغير للتذرية. وكان من عادة أرباب الأسرة أن ينادوا من سطح إلى سطح بالخبر الذي يريدون تبليغه بعيداً عن ضجة الأزقة تحتهم. ولأن السطح كان جزءاً حيوياً من البيت، شدّدت الشريعة على وجوب تسبيح حافته لتوفير الأمان (تثنية 22: 8). وقد بُدئ ببناء السقوف ذات الآجر المزفت قبيل أزمنة العهد الجديد.
أما داخل البيت فكان يُقسم قسمين، مثل خيمة البدوي. وخلال الشتاء تُدخل الحيوانات الأليفة إلى مساحة منخفضة قرب الباب. وكانت أرضية هذه الفسحة من التراب المرصوص. أما العائلة فكانت تشغل مسطحاً أعلى بعيداً من الباب. وكانوا يستخدمون شبه الحجرة الصغيرة المتكوِّنة تحت هذا المسطح لخزن الأدوات والأواني، وأحياناً لإيواء الحيوانات الصغيرة. أما أدوات الطبخ والثياب والأسِرَّة وتوابعها فتُحفظ فوق السطح.
وأحياناً كانت أرضية البيوت تُرصف برقاق الحجارة. ولكن فن فرش الأرض بالفسيفساء لم يُطور قبل السنة 300 ق م. إلا أنه لم يلقَ ترحيباً، لأسبابٍ دينية. حتى إن الأرضيات الفسيفسائية الوحيدة التي وُجِدت في إسرائيل خلال أزمنة الكتاب المقدس كانت في قصر الملك هيرودس الكبير في ماسادا، وفي بعض بيوت الأغنياء في أورشليم.
الحياة البيتية:
كيف كان شكل الحياة البيتية عند الأسرة التي تسكن البيوت العادية الصغيرة؟ كان البيت خلال الصيف يعج بالحشرات، وخلال الأيام الباردة يعبق بالدخان الصاعد من الموقد. ولم يكن يوجد موقد حقيقيٌّ، بل كانت النار تُضرم في حفرة صغيرة داخل أرض الغرفة. وإذا كانت الأسرة ميسورة الحال، كانوا يتدفأون حول كانون، ولكن المداخن لم تكن معروفة.
وإذا اشتد المطر ودام، أخذ السقف والجدران تُسرّب الماء. وقد عرف كاتب الأمثال ما ينطوي عليه الوكف من إزعاج، فقال: "الوكف المتتابع في يوم ممطر والمرأة المخاصمة سيّان" (أمثال 27: 15). ولم تكن توجد تسهيلات للاستحمام، وكان بيت العاميّ مظلماً دائماً حتى اقتضى إشعال مصباح ليلاً نهاراً. وكانوا يضعون السراج على دعامة أو في مشكاة أو نتوء بالجدار في أبعد مكان عن الباب. على أنه من أيام سليمان أخذت تبرز طبقة من الأغنياء هوّنت عليها أمور الحياة. فانتشرت الغرف حول فناءٍ ذي أشجار وفرت الظلال والهواء البارد صيفاً. وبات ممكناً في الشتاء استخدام الغرف المعرضة للشمس أكثر من سواها. وقد بُني البيت كله على نطاق أوسع، واستُعملت الدعائم لدعم عوارض السقف. وباستعمال الدعائم، توفرت الأروقة والسقائف ذات الأعمدة. وهوذا النبي عاموس يتكلم عن "بيت الشتاء مع بيت الصيف" ضمن البيوت التي يتنعم بها الأغنياء (عاموس 3: 15).
وفي الفترة الواقعة بين العهد القديم والعهد الجديد بدأ بعض الأغنياء أيضاً يُضيفون حمامات خاصة ذات مغاطس مثبتة في أرضيتها. (يُقال إن سرجيوس أوراتا اخترع حماماً ذات تدفئة مركزية ومسيل مياه ساخنة، وذلك نحو 70 ق م!) وفي أزمنة العهد الجديد كان للأغنياء في فلسطين بيوت بنيت على الطراز الروماني ولها فناءان مستطيلان أحدهما خلف الآخر، وحول كلٍّ منهما غرف عديدة.
الأثاث:
إن أهل الشرق، حتى اليوم، يملكون من الأثاث أقل بكثير مما نجده في بعض البلدان الغربية. أما الطراز، حتى عند الأغنياء، فهو بسيط وغير مركوم، لا يتعدى بعض البسط أو السجاجيد للأرض، وبعض المقاعد والطاولات الصغيرة وإحدى وسائل التدفئة للشتاء.
وعلى مدى الأزمنة الموصوفة في الكتاب المقدس، لم يملك الفقراء إلا القليل من الأثاث والتجهيزات المنزلية، فكان "السرير" فراشاً رقيقاً محشياً صوفاً، يُمد كل مساءٍ فوق المسطح المرتفع من أرض الغرفة، حيث ينام أفراد الأسرة جميعاً تحت لحفٍ من شعر المعزى. وفي الصباح كانوا يطوون الفرش واللحف أو يضعونها بعضها فوق بعض في زاوية من البيت. وقد كان الأثاث الذي أعدته المرأة الشونمية للنبي أليشع أفضل من المعتاد، إذ اشتمل على سرير وطاولة وكرسي ومصباح (2 ملوك 4: 10). أما مائدة السفرة فغالباً ما كانت مجرد حصير من قش يُبسط فوق المسطح المرتفع. وفي بعض البيوت، إنما ليس كلها بالطبع، كانت بعض الكراسي المنخفضة التي لا ظهر لها تُستعمل للجلوس.
وكان في كل بيتٍ خوابٍ من حجر أو طين يخزنون فيها علف الحيوانات ومؤونة العائلة. وقد خُصِّصت جرارٌ لخزن الدقيق وزيت الزيتون، وأوانٍ من فخار لحفظ الماء ونقله. وكانت توجد أيضاً أوانٍ وأوعية للطبخ وصحاف لتقديم الطعام.
أدوات الطبخ:
كانت رحى الطحن واحداً من أهم الأشياء في البيت. وهي مصنوعة من حجرين دائريين أحدهما فوق الآخر. وفي الأكبر، وهو الأسفل، وتدٌ يدخل فيه ثُقب الأصغر الذي كان يُدار فوقه. فكانوا يضعون الحبوب في الثقب المركزي، وتُدير امرأتان الحجر الأعلى بواسطة مقبض فيخرج الدقيق من الأطراف بين الحجرين. وما كان أصعب هذا العمل! وكانت تُضرم في أرضية الغرفة نارٌ للطبخ، في حفرة أو في موقد فخاري أحياناً. أما الوقود فمن الحطب والشوك والزبل المجفف. وما تبقى من أدوات الطبخ الأساسية لا يتعدى صاج الخبز المقعّر الذي يوضع فوق النار وحدبته نحو الأعلى، وقدر الطبخ التي توضع في النار فوق حجرين أو أكثر.
المصابيح:
كان المصباح أهم شيء في البيت، لأن البيوت كانت معتمة. وخلال فترة العهد القديم كانت المصابيح سُرجاً مؤلفة من صحنٍ فخاري مستطيل مقعر ذي شفة عند طرفه. فيُسكب الزيت في الصحن ويُمدُّ فتيلٌ مغموس فيه إلى شفته. ومثل هذا السراج يبقى مشتعلاً نحو ساعتين أو ثلاث ثم يحتاج إلى تعبئة من جديد. وفي أزمنة العهد الجديد كان الفخاريون قد تعلموا كيف يصنعون سرجاً مقولبة كإناء مقفل له ثقب صغير للزيت وأنبوبة للفتيل. فكان هذا أسلم وأفعل. أما الفتيل فكان في العادة خيوطاً من كتان أو نحوه، ووقود الإنارة الأكثر استعمالاً هو زيت الزيتون أو الدهن الحيواني، وكانوا في أزمنة العهد الجديد قد بدأوا يستخرجون الزيت من الحبوب والخُضَر الأخرى. وكانت السرج صغيرة بحيث يمكن للمسافر أن يحملها بيده. ولعل هذه هي الصورة التي كانت في ذهن ناظم المزمور لما قال: "سراج لرجلي ونور لسبيلي" (مزمور 119: 105).
بضائع بيتية أُخرى:
كانت المكانس التي تُستعمل للتنظيف تؤخذ من القش البري أو قش الذرة. وكانت تُحفظ مع الأدوات التي يحتاج إليها الأب في مهنته. وكانت معظم الجرار والأواني المستعملة يومياً تُصنع من الفخار. ولكن بيوت الأغنياء كان فيها أوانٍ مصنوعة من المعدن. وحتى أزمنة العهد الجديد كان يُستعمل الزجاج المشكل فوق قوالب والمصنوع في مصر. ونحو 50 م طُوَّر في سوريا فنُّ صناعة الزجاج بالنفخ. ولكن الزجاج ظل بعيداً عن متناول معظم الناس، وإن كان قد صار أرخص. ولم تكن في البيت العادي أوانٍ تعرض للزينة، إذ وظف الناس مهاراتهم الفنية في صنع الأدوات المستعملة يومياً وفي زخرفتها وتزيينها.
الأغنياء:
كان الأغنياء ينعمون بوسائل راحة إضافية: أسِرَّة عالية، طاولات، كراسٍ، مقاعد. وغالباً ما كانت هذه تُصنع من الخشب المصقول المنحوت والمطعم بالعظم أو العاج. وكانوا يستعملون لأسرّتهم الوسائد والحرامات الصوفية الناعمة، ويخزنون مزيداً من الثياب والملاءات في صناديق. وفي أزمنة العهد الجديد كان الناس يتناولون طعامهم على الطريقة الرومانية، وهم متكئون على مقاعد مثلثة حول طاولة مربعة.
أما قصور الملوك فكانت تغصُّ بمظاهر العظمة والأُّبهة، أكثر من كل شيء آخر- من الملك سليمان الذي بنى قصره بحجارة منحوتة مصقولة وغلَّف الجدران بخشب الأرز، إلى الملك أخآب الذي بنى في السامرة قصراً ازدان بمنحوتات العاج وأفخر الأثاث، إلى الملك هيرودس الكبير الذي كان له قصرٌ صيفي ذو حدائق غنّاء في أورشليم وآخر شتوي في أريحا.
راجع أيضاً البناء.
حيرام
1- حيرام ملك صور الذي كان صديقاً للملكين داود وسليمان أرسل خشب أرز من لبنان إلى أورشليم لبناء قصر داود ثم هيكل سليمان في ما بعد.
2 صموئيل 5: 11؛ 1 ملوك 5؛ 9 و 10
2- صانعٌ ماهر أرسله الملك حيرام ليُساعد سليمان في بناء قصره والهيكل.
1 ملوك 7
- عدد الزيارات: 6030