Skip to main content

المسيح قام - التبشير بالقيامة

الصفحة 4 من 4: التبشير بالقيامة

التبشير بالقيامة

لم تكن قيامة المسيح عقيدةً أُخذت بطريقةٍ ما عمّا يُسمَّى ديانات الأسرار وأُضيفت إلى المسيحية في ما بعد. بل يُحتمَل في الواقع أن يكون الأخذ قد حصل بالعكس فكانت المسيحية هي المصدر.

[هذا الأمر يشير إليه الأُستاذ بروس ميتزغر (Bruc Metzger) في بحثه الدقيق للعلاقة بين المسيحية وديانات الأسرار وذلك في كتابه "دراسات تاريخية وأدبية"، ص 11؛ كما يتناول هذه المسألة أيضاً السير نورمان أندرسُن (Norman Anderson) في الفصل الثاني من كتابه "المسيحية وأديان العالم"].

بطرس

كانت القيامة نقطة مركزيَّة في كرازة أتباع المسيح الأولين ففي العظة الجريئة التي ألقاها بطرس في يوم الخمسين، بعد مُضيَّ عشرة أيام فقط على رجوع المسيح إلى السماء، قال بطرس للجمهور:

أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت، إذ لم يكن ممكناً أن يُمسك منه (أعمال 2: 24).

وبعد بضعة أيّام أشار بطرس إلى القيامة أيضاً:

ورئيس الحياة قتلتموه، الذي أقامه الله من الأموات (أعمال 3: 15).

وفي الفصل التالي بالذات من سفر الأعمال خَبُر إلقاء القبض على بطرس ويوحنا مِن قِبَل حرّاس الهيكل:... متضجّرين من تعليمهما الشعب وندائهما في يسوع بالقيامة من الأموات (أعمال 4: 2).

وفي اليوم التالي جيء بهما للمثول أمام رئيس الكهنة وسائر الزعماء الدينيين في أورشليم؛ ومرَّةً أُخرى أيضاً كانت القيامة محور حديثهما. فإذ سئلا كيف تمكنّا من شفاء رجُل مُقعَد، قالا:

إن كُنّا نُفحَص اليوم عن إحسانٍ إلى إنسان سقيم، بماذا شفي هذا، فليكن معلوماً عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل أنَّه باسم يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه أنتم، الذي أقامه الله من الأموات- بذلك وقف هذا أمامكم صحيحاً (أعمال 4: 9 و10).

ثمَّ هُدِّد الرسولان لكنَّهما أُطلِقا فعادا إلى باقي المسيحيين وأخبراهم بما حدث. وهو ذا كاتب سفر الأعمال يلخِّص النتيجة فيقول: بقوّةٍ عظيمة كان الرسل يؤدّون الشهادة بقيامة الربّ يسوع... (أعمال 4: 33).

حتّى إذا وصلنا إلى الفصل الخامس من سفر الأعمال نجد الرُسل يُلقَون في السجن ثمَّ يَفتح لهم أبوابَ السجن ملاكٌ من عند الربّ. وإذا بهم من جديدٍ في ديار الهيكل يتحدَّثون عن المسيح. ومرّةً أُخرى يُلقى عليهم القبض، ويسألُهم رئيس الكهنة، فإذا الشهادة عينُها تصدر عنهم من جديد:

إله آبائنا أقام يسوع الذي أنتم قتلتموه معلّقين إياه على خشبة. هذا رفعه الله بيمينه رئيساً ومخلّصاً... (أعمال 5: 30و31).

والقيامة هي جزء من الجواب المسيحي عن الأسئلة الأساسية التي نظرنا فيها في الفصل الأوّل.

نعم، إن الحياة غير مرضية وعديمة المعنى. والفوضى التي يتخبّط فيها العالم ليست غلطة الله، وكأنَّما قد أفلت من يده زمام السيطرة، بل هي غلطتنا نحن، إذ إنَّها عاقبة الخطيَّة المسيطرة على حياتنا. وليس من سبيل نستطيع به أن نغلب الخطيَّة بمجهودٍ عالميّ النطاق نصمِّم عليه جميعاً. فنحن نعرف من اختباراتنا القاسية كليّاً أنَّ "العادات القديمة أقوى من التصميمات التي نعقد العزم عليها ليلة رأس السنة"، أي أنّنا لسنا أحسن، رغم كلّ نيِّة أن نتحسَّن. فما نحتاج إليه هو أن يأتيَنا أحد ويعالج الخطيَّة.

فالخطيَّة هي المشكلة. والمسيح هو الحلّ- لا المسيح القدوة ولا المسيح صانع المعجزات، ولا المسيح المعلِّم، بل المسيح مصلوباً ومائتاً ومدفوناً ومقاماً وصاعداً إلى السماء، المسيح حيّاً. المسيح الجالس الآن في مركز القوّة والقادر على إعتاقنا من عبوديتّنا للخطيَّة، وعلى إعطائنا حياةً جديدة، بحيث يمكننا أن نبدأ من جديد، مغفوراً ماضينا ومضموناً مستقبلنا.

واكتشاف المسيح على هذا النحو هو أعظم اكتشاف يمكن أن يتوقّعه أيٌ منّا. فلولاه لكُنّا في وضعٍ يائسٍ فعلاً حيث تعوزنا الموارد لمعالجة المشكلات الحقيقية في الحياة، ولكانت هذه المشكلات تقهرنا وتدحرنا. فاهتداؤنا إلى المسيح يؤتينا في الحال راحةً عجيبة، إذ نكون قد وجدنا في آخِر الأمر الشخصَ الذي يستطيع تدبير كل شيء على أحسن ما يكون.

تعود بي الذاكرة إلى عدّة سنين خلت، حين كنت ذات مرة أُرافق ابنتي إلى المدرسة. فما إن دُرت بالمنعطف المفُضي إلى المدرسة، حتّى رأيت وإذا على الرصيف شخصان في وسط بِرْكة من الدماء. أوصلت ابنتي إلى المدرسة مسرعاً وأنا مُرتاع، واندفعت عائداً إلى الرصيف عبر الشارع. كان الرجل والمرأة المنطرحان هناك يعيشان معاً، كما علمت في ما بعد، وقد تشاجرا ذلك الصباح شجاراً عنيفاً، فطارد الرجل المرأة على قارعة الطريق وطعنها بسكّين مطبخ في ظهرها طعنةً نفذت إلى قلبها. ثمَّ سحب السكين وحزَّ عنقه. ولم يكن قد مات إذ ذاك. فتعاونت مع رجُل آخر لعلنّا نستطيع شيئاً لإنقاذ حياة اْلمُصابَين. وكان أحدُ المارّة قد ذهب ليّتصل هاتفياً بالإسعاف والشرطة. ولكن كان علينا أن نحاول القيام بشيءٍ ما.... تدليك القلب، التنفس الاصطناعي، وقف نزف الدم.... أي شيء. وقد تنفسنا الصعداء إذ رأينا بعد دقائق رجل شرطة وسيارة إسعاف وطبيباً. عندئذٍ أتيح لنا أن نضع المشكلة في أيدي أناسٍ قادرين على تدبيرها.

في ما سبق إيضاحٌ بسيط لما اختبرناه نحن المسيحيين المؤمنين: فقد تأتى لنا إدراكٌ مفاجئٌ، لكنه مترسخ باطراد، لهول المشكلة التي تواجهنا بها الحياة- وهي حقاً مربكة ومستعصية- وقد رافق ذلك وعيٌ متزايد بأننا لا نقوى على القيام بأي شيء لحلِّها. ولم نتنفس الصعداء إلا عندما دخل إلى المشهد ذلك الشخص القادر على الاهتمام بالأمر وتدبيره خير تدبير، أعني ربنا يسوع المسيح

الصفحة
  • عدد الزيارات: 11053