المسيح قام
صُلِب المسيح الساعة التاسعة صباحاً، ومات الساعة الثالثة بعد الظهر، وأُنزل من على الصليب بسرعة ودُفن في قبرٍ قريب. ولمّا كان السبت، يوم الراحة عند اليهود، يبدأ الساعة السادسة مساءً فلم يكن الوقت يتّسع لإعداد الجسد للدفن كما جرت العادة.
مريم
فجرَ يوم الأحد ذهبت مجموعة من النساء إلى القبر حاملاتٍ طيوباً ودهوناً وعطوراً لدهن جسد المسيح. فوجدن القبر مفتوحاً وليس الجسد فيه. وبعدئذٍ حصلت سلسلة ظهوراتٍ من المسيح لأتباعه. وقد كان أوّل ظهور عند القبر بالذات بُعيَد اكتشاف النسوة القبر الفارغ. كانت مريم المجدليَّة، إحدى أتْباع المسيح، ما تزال واقفةً هناك خارج القبر تبكي، وهي لا تدري ماذا يمكن أن يكون قد حدث للجسد. لاحِظْ أنَّها لم تكن تتوقَّع أن يعود المسيح حيّاً على هذا النحو. ولذا استنتجت بشكل سريع: لا بُدَّ أن يكون أحد سرق الجسد، وهو عمل شنيع من قِبَل الزعماء الدينيين عند اليهود. إذ ذاك ظهر لها يسوع نفسُه وقال لها: يا امرأة، لماذا تبكين؟ مَن تطلبين؟ فظنت تلك أنَّه البستاني، فقالت له: يا سيَّد، إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعتَه وأنا آخذه.
قال لها يسوع: يا مريم. فالتفتت تلك وقالت له: ربَّوني (يوحنا 20: 15 و16). (ومعنى قولها "ربَّوني" هو "معلِّمي" أو "سيِّدي").
توما
لم تكن مريم المجدلية بين أتباع المسيح وحدَها التي استصعبت أن تصدِّق أنَّه قام حيّاً من بين الأموات. فقصَّة توما هي قصَّة واحدٍ من رسل المسيح الإثني عشر، وهي المجموعة الصغيرة التي اختارها المسيح لتكون قريبة منه وبمعيَّته في عمل خدمته. وهنا أيضاً لم تكن القيامة متوقَّعة.
ظهر المسيح للرسل مساءَ ذلك الأحد الأوّل، في عُليَّةٍ بأورشليم. ولسببٍ ما، لم يكن توما معهم. فلما أخبره الباقون أنَّهم رأوا المسيح وأنَّه قام حيّاً، أبى أن يصدِّق ذلك وقال:
إن لم أُبصر في يديه أثر المسامير وأضع إصبعي في إثر المسامير أضع يدي في جنبه لا أومن (يوحنا 20: 25).
وبعد أُسبوع فقط تحقّقت أُمنية توما. فإذا كان الرسل مجتمعين مرّةً أُخرى، وتوما معهم هذه المرّة، ظهر لهم المسيح مرّةً أُخرى وقال: سلامٌ لكم. وكانت هذه هي التحيَّة المعتادة عند اليهود. ثم التفت إلى توما مؤكَداً له بأنه علم بشكّه مع أنه لم يكن حاضراً عندما عبّر توما عن شكّه، وقال:
هات إصبعك إلى هنا، وأبصر يديَّ، وهات يدك وضعْها في جنبي؛ ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً (يوحنا 20: 27).
يبدو واضحاً من رواية يوحنا لهذه الحادثة أنَّ توما لم يكن بحاجة لأن يضع إصبعه في أثر المسامير في يدي المسيح ولا لأن يلمس الجرح الذي أحدثته في جنب المسيح بُعَيدَ موته طعنةُ الجنديّ الروماني.
فقد كانت ردّة فعل توما فوريَّة وبالغة الأهميَّة، إذ أجاب قائلاً: ربّي وإلهي.
وهذا اعتراف مذهل من قِبَل توما يعبّر عن استسلامه الكليّ، إذ تخلّى عن عدم إيمانه واعترف بالمسيح لا معلّماً أو رئيساً بشريّاً وحسب، بل بوصفه اللهَ أيضاً: "كيريوس" و"ثيوس"، أي الربّ والله.
ولكنْ قد يقول قائل: "إنَّما هذه شهادة توما وحده، فلعلَّه اندفع مصرِّحاً بذلك تحت وطأة انفعالٍ عاطفيّ، فكان على خطأ فادح في جوابه المتسرِّع مثلما سبق أن كان أيضاً على خطأ فادح في إنكاره ظهورَ المسيح لسائر الرسل، وإن كان هذا نقيض ذاك". ولكنَّ المسيح نفسَه يحسم الأمر على نحوٍ ولا أنسب، إذ يقول لتوما: لأنَّك رأيتني يا توما آمنت؛ طوبى للذين آمنوا ولم يروا (يوحنا 20: 29).
فلم يعمد المسيح إلى تقويم خطأ يُظَنُّ أنَّ توما قد ارتكبه. بل على العكس اعتبرَ اعتراف توما هذا فعلَ إيمان. فقول المسيح لتوما ".... آمنت". يُشكِّل طرف نقيضٍ لقول ملاكٍ أُرسل إلى يوحنا في رؤيا حصلت بعد سنين عديدة. فإنَّ ذلك الملاك اقتاد يوحنّا في اجتياز ذلك الاختبار المدهش، حتى إذا شارفت الرؤيا نهايتها أُخِذ يوحنا بروعة ما قد رأى، وإليك ما رواه هو نفسُه.
وأنا يوحنا الذي كان ينظر ويسمع هذا. وحين سمعت ونظرت، خررت لأسجد أمام رجلي الملاك الذي كان يُريني هذا.
والآن لاحظ ردّ فعل الملاك مباشرةً: فقال لي: انظر، لا تفعل. لأنّي عبد معك ومع إخوتك الأنبياء، والذين يحفظون أقوال هذا الكتاب. أسجُد لله. (رؤيا 22:8 و 9).
- عدد الزيارات: 11119