Skip to main content

يسوع المسيح هو الحلُّ الوحيد - آراء متحوِّلة في الكون

الصفحة 9 من 9: آراء متحوِّلة في الكون

آراء متحوِّلة في الكون

جدير بنا فعلاً أن نتوقّف قليلاً كي نلفت النظر إلى سلسلة مهمَّة من التغييرات التي طرأت على تفكيرنا في ما يتعلّق بكوننا هذا. فقبل القرن السابع عشر كان العالم أشبه شيء بحالة فوضى عارمة

... قد تتداخل فيه عند أية لحظة معجزات إلهية، ملائكة الله ـ وحتى السَّحرَة والشياطين...

عالمٌ حلَّ محلَّه عالمُ قوانين

... فيه تعاقُبٌ منتظِم للسبب والنتيجة. حتّى إذا شارف القرن الثامن عشر نهايته كانت الصورة هذه قد أصبحت عالميَّة... فإذا قوانين العلوم كشريعة مادي وفارس التي لا تتغيَّر، وإذا بنا أمام نظامٍ صلب مطلق يتحكَّم بما يتعلّق بكيان الإنسان الكلّي، على الصعيد المادّي والعقلي والخُلقي. في عالم كهذا لم يكن مكان للحريَّة ولا للمسؤولية ولا لمعايير الخير والشر... (الأستاذ رايفن G.E. Raven في خطاب ألقاه عام 1953 على جماعة من العلماء).

إلَّا أن هذه السلسلة شهدت مرحلةً ثالثة. فعوضاً عن القواعد المطلقة تُصاغ في ما يتعلّق بالأشياء، وهي قواعد تجاهلت حتّى أولئك الذين قدّروا الأشياء وقاسوها، كشف لنا آينشتاين عن عالم يتميّز بالنسبيَّة. أن يُفسَّر كل شيء ويُفهم من وجهة نظر المراقِب أو المُلاحظ. ولم تعُد الأطوال والأوزان والسرعات هي تلك الأمور المطلقة التي كُنّا نعدُّها هكذا، بل كانت نسبيَّةً بالنسبة إلينا.

والجدير ذكرُه هنا أن يكون علم اللغات قد سار على غير هُدى خاف العلم في فترته الآليَّة، محاولاً التخلّي عن الإنسان. هذا الإنسان الذي هو صاحب اللغة منذ نشأتها. فإن نوام شومسكي (Noam Chomsky)، خبير في علم اللغات في العصر الحديث، قد حكم بالتخلّي عن المعاني أو علم دلالات الألفاظ من ساحة الدراسات اللغوية، لكون هذا الفرع ليس جزءاً من هذه الدراسات. هذه المرحلة أيضاً عبرت وولَّت. فها هو الإنسان قد أعيد إلى مركزه من جديد باعتباره عنصراً أساسياً في عالم الدراسات العلميَّة.

وقد جاء بعد آينشتاين في مجال العلوم آخرون، منهم هاينسبرغ (Heisenberg) الذي طلع بمبدأ عُرف باللا حتميَّة. ومؤدّى هذا المبدأ أنَّ انعدام اليقين داخلٌ في صُلب كلِّ مراقبة للعمليّات الأساسية، وذلك لأننا بالتحديد لا نستطيع أن نعرف شيئاً عن أيَّة حادثة دون مراقبتها، ولأن مراقبتنا لا تتدخَّل حالاً في تلك الحادثة. وها نحن نقتبس مرَّة أُخرى مِمَّا قاله رايفِن:

إن الاعتراف بمبدأ عنصر التغيّر في نظام الطبيعة، من شأنه أن يبدِّل المفهوم القديم- الذي يأخذ بالتسلسل الحتمي للأمور- ويجعله خاضعاً لعملية التغيّر والإبداع اللذان يحدثان فعلاً.

وعليه يستطيع المسيحي المؤمن أن يُجيب من يُنكر المعجزات قائلاً: عليك بإبداء قليلٍ من التواضع بعد. أنت تشير إلى قوانين الفيزياء. حسناً، إنّ الله قد وضع في صلب الطبيعة. وتتحدّث عمّا يمكن أن يحدث وعمّا لا يمكن. فهل نعرف حقّاً ما هو ممكن وما هو غير ممكن؟ أو نحن في وضعٍ يمكنّنا من أن نقول لله ماذا يجوز له أن يفعل وماذا لا يجوز؟ وتقول أنك لم تَرَ قطّ معجزةً تحدث. فهنالك أُمور كثيرة لم ترَها، وربَّما لن يكون لك حتّى مجرّدُ الرجاء برؤيتها دون إيمان، ودون خضوعٍ للهِ الذي وحدَه يُضفي المعنى على العالم الذي يراه. ثقْ إذاً في يسوع المسيح الذي يُعلن لنا الله والذي برهن مرّةً على قدرة الله إذ عاش بيننا.

إن سيرة يسوع تبدأ بمعجزةٍ هي ولادته من العذراء، وتبلغ ذروتها في معجزة هي قيامته، والمعجزات بين هذه وتلك هي لافتاتٌ تجابه كل عاقل قائلةً: "قف. انظر. فكِّر. من هو هذا الإنسان؟"

للاستعانة على الإجابة عن هذا السؤال، نتوجّه الآن إلى النظر في القضيّة الأساسية في المسيحية، وهي ليست حياة المسيح ولا معجزاته، بل موته.  

الصفحة
  • عدد الزيارات: 18143