يسوع المسيح هو الحلُّ الوحيد - معجزات المسيح
معجزات المسيح
تروي الأناجيل كيف شفى المسيح مرضى، وأقام موتى، وحوَّل الماء خمراً في عُرس، ومشى على وجه بحر الجليل، وأمر عاصفة بأن تهدأ، وأطعم آلاف الناس ببضعة أرغفة وقليلٍ من السمك. هذه الأحداث تُروى بكل بساطة ودون فذلكة، حيث تُجرى المعجزات تلبيةً لحاجةٍ ما، ولم تُجرَ أُعجوبة واحدة للبرهنة على أن المسيح يستطيع إجراء المعجزات. فيبدو أن الافتراض المتضمَّن في كل معجزة هو التالي: "هذا هو يسوع المسيح، وهو بالطبع من قام بهذه الأعمال المدهشة. إنَّه مختلف عن غيره. إنَّه حقّاً الله... معنا. "
ولنا أن نحدّد ثلاث خصائص تتّسم بها المعجزات، وهي أنّها:
• مذهلة،
• ذات معنى ومغزى،
• آياتٌ بيِّنات على القدرة والسلطان.
• المعجزات مذهلة لأنّها فريدة إذ ليس في الحياة الاعتيادية ما يوازيها. وعليه، فلمّا شفى يسوع رجلاً من الفالج ( الشلل )، وذلك بعبارة واحدة قالها: "... قم واحمل فراشك واذهب إلى بيتك"، جاءت ردّة فعل الجمهور الذي رأى ذلك على نحوٍ متوقّع:
فأخذت الجميع حيرة، ومجدوا الله، وامتلئوا خوفاً قائلين: إننّا ق رأينا اليوم عجائب (لوقا 26:5 ).
• وقد كانت المعجزات ذات معنى ومغزى. لم تكن ألاعيبَ خفّة وحِيَلاً بارعة ففي معجزة شفاء المفلوج، انتهز المسيح الفرصة للتكلُّم عن الخطيَّة وكيف يُمكن أن تُغفَر. وقد قدَّم برهاناً واضحاً على قدرته، وأشار إلى سلطانه في الشفاء كدليل على سلطانه الفريد في القضايا الأخلاقية.
لنلاحظ أن المعجزات لم تبرهن أن يسوع كان هو الله معنا. فكثيرون غيره في كلا العهدين القديم والجديد أجرَوا معجزات، بل أقام بعضهم موتى (إيليا في 1 ملوك 17:17 ـ 23؛ أليشع في 2 ملوك 8:4 ـ37؛ بولس في أعمال 7:20 ـ 12 ). إلَّا أن المعجزات كانت ذات معنى ومغزى، على ما نرى من تعليق يوحنا بعد تحويل الماء خمراً في عرس قانا:
هذه بداية الآيات و فعلها يسوع في قانا الجليل وأظهر مجده، فآمن به تلاميذه ( يوحنا 11:2)
• كانت المعجزات آياتٍ بيِّنات على قدرة المسيح وسلطانه. هذه الناحية مهمَّة خصوصاً في معجزات طرد الأرواح الشريرة التي أجراها المسيح، وهي ذات صلة بالموضوع الذي نظرنا فيه منذ قليل، أعني ملكوت الله. فقد أوضح المسيح أن هنالك قوّة أُخرى مناهضة للملكوت هي قوّة الشّر. ولا بدّ للإنسان أن يكون إمّا في ملكوت الله وإمّا في قبضة الشرّ. وما الأرواح الشريرة إلّا مظهر من مظاهر قوّة الشّر. فليست من نسج الخيال الجامح ولا هي توهُّمات يستطيع المثقَّف أن يرفضها بسهولة كما يرفض حكاية شيخ الميلاد (بابا نويل ). وإنمّا كانت الأرواح الشريرة حقيقة واقعة آنذاك، وما تزال كذلك اليوم. وقد حدثت مُعجزات طُردت فيها هذه القوّات الشريرة من قبل قوّةٍ أقوى منها. ففي الفصل الرابع من إنجيل لوقا، مثلاً، نقرأ أن المسيح كان في المجمع بكفرناحوم. وكان في ذلك المجمع إنسان يسكنه روح شرّير، فأمر المسيح الروح الشرّير بالخروج من ذلك الإنسان، فامتثل طائعاً. وهُنا أيضاً نلاحظ ردّة فعل الجمهور ذات الدلالة:
فوقعت دهشة على الجميع، وكانوا يخاطبون بعضهم بعضاً قائلين: ما هذه الكلمة؟ لأنه بسلطان وقوّة يأمر الأرواح النجسة فتخرج (لوقا 36:4 ).
ربّما نفهم اليوم لماذا يستصعب بعضُهم أن يؤمنوا بحصول المعجزات، إذ يبدو أن الاعتراضات تصبُّ في ثلاث خانات:
• "لم أر معجزةً قطّ"
• "ليست المعجزات إلَّا حوادث عاديَّة مبالغاً فيها على نحوٍ كامل"
• "لا يمكن أن تحدث معجزات" (بتوكيد جازم )
فلنتقدم إلى النظر في كلٍّ من هذه الاعتراضات.
لم أرَ معجزةً قطّ، وبالتالي لا أومن بمثل هذه الحوادث. "هذه الحجَّة تكتسب مقداراً من القوّة إذا كان في مقدوري أن أقول إنَّ أحطاً من أصدقائي أيضاً لم يرَ معجزةً قطّ. على أنَّه من الأرجح أن نجد أنَّنا إذا أكثرنا عدد الشهود الذين نطلب شهادتهم قد نُضطر بالأحرى إلى تعديل إنكارنا الأصليّ. ذلك لأنَّه يُحتمَل أن نعثر في دائرةٍ واسعة من الأصدقاء بالأقلِّ على واحدٍ رأى أو اختبر ما يُشبه المعجزة، مِمَّا يدعوه هو هكذا. فعلى سبيل المثل،أنا شخصيّاً لم أشهد حصول معجزة، إلَّا أن اثنين من أصدقائي شهدا ذلك، وكلتا الحادثتين معجزة شفاء. كانت إحداهما اختفاء سرطان على نحوٍ فجائي، أمَّا الثانية فمرضٌ أربك الأطباء وأعياهم، وأقعد صديقي المُبتلى به عن العمل أسابيع إَّلا أنَّه تلاشى حالاً بعد صلاةٍ رفعها صديقٌ ذهب ليزوره. فلو لم أكن مسيحيّاً مؤمنً، أو لم أكن أومن بالمعجزات، لكان يمكنني أن أقول واثقاً: "إنّي لم أر معجزةً قطّ "، ولكنْ ربّما كان علىّ تعديلُ قولي إن أنا ضمَّنت أصدقائي، بحيث ينبغي أن أقول، مثلاً: أنا لم أرَ قطُّ معجزة حقيقية، وكذلك أيضاً أصدقائي جميعاً. " فباستعمالي الصفة " حقيقية "، أستثني "معجزات " الشفاء.
وفي الواقع أن حوادث شفاء يتعذّر تعليلُها وحوادثَ شفاء استجابةً للصلوات قد حدثت، في ما يبدو، بشيءٍ من الانتظام على مرّ التاريخ. من ذلك مثلاً أن اللاهوتي فيليب ميلانكثون رُدَّت إليه الحياة وهو على عتبة الموت استجابةً لصلوات مارتن لوثر. وقد كتب لوثر إلى زوجته في 2 تموز (يوليو ) 1540، يقول:
بالحقيقة، مات فيليب. إلّا أنه مثل لعازر، قد أُقيم من بين الأموات. إن الله، أبانا المُحِبّ، يسمع صلواتنا. أمرٌ نستطيع أن نفهمه، وإن كنّا غالباً ما لا نصدِّقه.
وفي القرن الثامن عشر،حصلت مع جان وسلي حادثة شفاء أقرب إلى الغرابة. فإذ كان متّجهاً ليعظ في مكان دُعي إليه، أخذ حصانه يعرج. وقد دوَّن وسلي في مذكراته أنَّه ترجّل عن الحصان، ووضع يديه عليه، وصلّى لأجل شفائه، فإذا العرَج يتلاشى.
فهذه الحجَّة " لم أر معجزة قطّ، ولذا فالمعجزات لا تحدث " هي إذاً حجَّة ضعيفة لأنَّ في الوجود أشياء كثيرة لم يرها المرء، لكنَّها قويَّة لأنها لا تتضمَّن احتمالات (إذا ) أو استدراكات (ولكن ). إلَّا أنها تكون أقوى إذا كان في وسعي أن أقول إنّ أحداً من أصدقائي أيضاً لم يَرَ معجزةً قطّ. ولكن سؤالي لأصدقائي يوصلني سريعاً إلى شخص ما قد عاين معجزةً ما بكل تأكيد، ولا غرابة أن نتوقع أمراً كهذا. ذلك أن المعجزات أحداثٌ غير عاديَّة. ولذا، فمن المنتظر أن تفتِّش حواليك قليلاً حتى تجد واحدة. إنَّما يبدو أنها هناك فعلاً... إذا كنت تُنعِم النظر.
* "ليست المعجزات إلا حوادث عادية مبالغاً فيها".
هذه الحجّة الثانية تعني أن المسيح لم يُطعِم حقّاً خمسة آلاف نفس بخمسة أرغفة وسمكتين. فما حدث فعلاً هو أن الغلام المذكور في الخَبر أخرج زاده وقدّمه للمسيح ليرى هل ينفع في حلِّ المشكلة القائمة في إطعام ذلك الجمع الغفير. ثَّم لمّا رآه الآخرون يفعل ذلك خجلوا وحذوا حذوه، فأخرج كلُّ واحدٍ منهم زاده وقد كانوا مخبِّئين الزاد خشية أن يُطلب إليهم إشراك الآخرين في تناوله وألا يكون لديهم ما يكفي للتوزيع. وعليه، فالمسيح أيضاً لم يمشِ حقاً على وجه الماء. فما حدث فعلاً هو أنه كان يمشي على طولَ الشاطئ. ولكن في وسط العاصفة وبين الرذاذ المتطاير، ووسطَ صفير الرياح، ظنّ الذين في السفينة أنَّه كان ماشياً على الماء.
أعتقد أن صواب التفكير يقضي بالإشارة إلى أنَّ البيَّنة الوحيدة التي عندنا على هاتين الحادثتين (إشباع الخمسة الآلاف وسير المسيح على الماء) هي بيِّنة الكتاب المقدّس. فما من غموضٍ يعتري أيَّ هذين الخبرين، إذ يوصف المسيح وهو يُطعم خمسة آلاف نفس بخمسة أرغفة وسمكتين، كما يوصف وهو ماشٍ من الشاطئ على الماء لينضمّ إلى تلاميذه في القارب الصغير الذي كان وسط البحيرة (راجع مرقس 45:6ـ 53). فالآن، بينما يستطيع كل مَن يقرأ هاتين الحادثتين أن يقول أنَّه لا يصدقهما، ينبغي لنا إذا رفضناهما أن نحذَر خطرا محقّقاً.
ما لا يجوز لنا أن نفعله هو أن نلفّق شيئاً نضعه محلَّ الأشياء التي نرفضها. قِسْ على هذا ما يفعله أولئك الشكّاكون الذين يجدون أنهم لا يستطيعون أن يصدِّقوا ما جاء في الكتاب المقدّس عن محاكمة المسيح وموته وقيامته. فإنَّهم يتولَّون إخبارنا بدلاً من ذلك "بما حدث فعلاً": أنَّ قيافا كان بالحقيقة يحاول إنقاذ المسيح، وأن كل ما جرى كان بالحقيقة جزءاً من خطَّة أعدّها حزب الغيارى، وأنَّ يوسف الرامي بالحقيقة أنزل المسيح عن الصليب حيّاً ... الخ. وليس في مثل هذه التصوَّرات أيُّ ضرر ما دامت تؤخذ على حقيقتها، أعني كونها مجرد تخيُّلات وأوهام. إلا أنَّ أي إنسان يأخذ هذه التصوُّرات على محمل الجدّ يكون أكثر سذاجةً من أبسط شخصٍ يثق بنصّ الكتاب المقدّس ثقةً كليَّة (كايرد G. B. Caird في "لغة الكتاب المقدّس والتصوير البياني فيه").
لك أن تصدِّق ما يرويه الكتاب المقدّس، ولك ألَّا تصدَّقه. ولكنَّ الإخلاص الصريح يقضي بعدم الزعم أنَّ ما يقوله الكتاب هو غير ما يفهمه الجميع بكل بساطة.
"لا يمكن أن تحدث معجزات". إنَّ التوكيد الجازم في هذه الحجَّة الثالثة يفيد أن الناس لا يقدرون أن يسيروا على الماء، ولذلك فهم لا يسيرون على الماء. فالسير على الماء مناقض لقوانين الفيزياء. ونحن نعرف جيِّداً مثل هذه القوانين، والاختبار يُثبت القوانين. إلَّا أن المسيحي المؤمن قد يرد على مثل هذه الحجة بالقول: إنّما القوانين مجّرد استنتاجٍ من الملاحظة. فإن لاحظت شخصاً ما يسير على الماء، يجب أن تتضمّن صياغتي للقانون هذه الملاحظة بطريقة من الطرائق. أو قد يُجيب المسيحي المؤمن قائلاً: أجل، هنالك قوانين تتحكّم بشؤون الطبيعة، وهي ليست قوانين عَرَضيَّة. فإنَّ الله ضمَّن هذه القوانين في الطبيعة عندما خلق العالم. وليس بالتأكيد ما يُدهش إذا كان الله يتسامى عن هذه القوانين من حين إلى حين. كما أننا قد نلاحظ أيضاً أن الكون ليس هو ذلك الشيء الملتزم للقوانين على النحو الذي قد يتصوّره بعضنا. فعلماء الفيزياء يعرفون أننا عندما نبدأ في سبر أغوار المقوِّمات الأساسية للكون تنحلّ، على ما يبدو، جميع القوانين المنطقية والحسنة والمرتّبة وتتحول إلى أسئلة عن الاحتمال، أي عمّا قد يحدث ويُحتمَل أنه سيحدث، وليس عمّا يجب أن يحدث.
- عدد الزيارات: 18138