Skip to main content

يسوع المسيح هو الحلُّ الوحيد - تصوير ملكوت الله

الصفحة 7 من 9: تصوير ملكوت الله

تصوير ملكوت الله

عندما تحدث المسيح عن ملكوت الله، كان قصده أن يدعو الناس إلى الاعتراف بحكم الله وإلى إخضاع أنفسهم له، لا بسبب الامتيازات التي ستكون لهم، بل إقراراً منهم بأنه هو الله. كان اليهود قد أساءوا فهم رسالة الله إليهم، إذ رأوا فيها إعطاءهم امتيازات خاصَّة، وكأن الله كان معنيّاً بهم وحدهم دون غيرهم، كما لو كان حكم الله لهم وحدهم. حتى إن الكبرياء القوميَّة أدّت بهم في نهاية المطاف إلى كارثة قوميَّة. فلما كان المسيح هناك يتحّدث إليهم عن ملكوت الله، لم يكن اليهود أحراراً، بل كانوا جزءاً من الإمبراطورية الرومانية. وكما تكون الحال دائماً في مثل هذه الأوضاع، كانت لديهم آمال بالتحرُّر يمنّون النفس بها. أيلجأون إلى العصيان أم إلى الثورة، غير أن المسيح ذكّرهم بما كانوا قد نسوه من عهدٍ بعيد في غمرة انشغالهم بالسياسة. لقد ذكرَّهم بالله، وبملكوت الله

في الفصل الثالث عشر من إنجيل متى سبعة أمثال تدور على ملكوت الله. والمثل حكاية يمكن فهمها، تمَّ استخدامُها لتفسير حقيقة ليس من السهل فهمها. فتلك الأمثال السبعة توضح ما أراد المسيح قوله عن ملكوت الله.

• تكلم المسيح عن رجلٍ يبذر البذار. وواضحٌ أن النتائج تعلّقت بنوعيَّة التربة التي وقع فيها البذار، فكانت أرضاً ليّنة وغنيَّة ومحضّرة جّيداً، أو أرضاً مليئة بالأعشاب الضارّة والأشواك، أو أرضاً داستها أقدام الدائسين أو أرضاً صخرية. هاهنا أوَّل شيء يودّ المسيح أن يقوله عنّي وعن ملكوت الله. فإنْ كان قلبي قاسيّاً ومُرّاً ومليئاً بالكبرياء والاكتفاء الذاتي، فحتى لو وقع البذار الجيِّد عليَّ ـ حتّى لو سمعت عن ملكوت الله ـ فإنّي لا أُريده إذ ذاك.

• وتكلَّم عن الإنسان الذي زرع زرعاً جيِّداً ثَّم جاء عدو وزرع زواناً في الحقل عينه. ولما طلع الزرع الجيَّد وبدأ ينمو، لم يكن ثمة طريقة يستطيع الفعَلة بها أن يقتلعوا الزوان دون إتلاف الزرع. هاهنا ردٌّ على الذين يرفضون الدخول إلى الملكوت بسبب خليط الناس الذين يرونهم يدّعون أنهم جزءٌ منه. فلربّما زعم الزوان أنه جزءٌ من المحصول الرئيس فقط لأنَّه شارك الحنطة في الحقل الواحد. وإنَّه لأمرٌ صحيح أننا نجد بين المعترفين بأنهم أولاد الله مَن هم غشّاشون أو كذّابون أو انتهازيّون، مثلهم مثل الزوان المزروع بين الزرع الجيِّد. وكم من كنيسة ناشطة أفسدها وجود مُرائين، ومؤمنين شرفاء أخزانهم وجود أُناسٍ فاسدين بينهم. فهوذا المسيح يُنذرنا أنَّ الحال الآن ستكون على هذا المنوال. أما طبيعة الملكوت الحقيقية فلن تُعرَف قبل أوان الحصاد، أي عند يوم الدينونة الذي فيه يُفصّل الزوان من بين الحنطة الجيّدة، يومّ يُفصّل المراءون من بين المؤمنين الأمناء.

• وتكلم عن كنزٍ مخفي في حقل، وعن تاجر يبحث عن لآلئ حسنة. كان التاجر مستعدّاً لأن يدفع أيَّ ثمن ليشتري لؤلؤة جميلة جدّاً، وما كان أيُّ ثمنٍ غالٍ ليحول دون ذلك. صحيحٌ بالطبع أننا لا نستطيع أن نشتري ملكوت الله، غير أنَّ الدخول له ثمنٌ لا بُدَّ أن يُدفع. فالناس لا يفهمونك، وينعتونك بأنك متطرِّف أو رجعيٌّ دينياً، ويستغربون استرسالك في الحديث عن الله. بل إنَّ إصرارنا على الاستقامة قد يسبّب الإزعاج لبعض الذين حولنا. ذلك أن وجود الشرف والاستقامة في مجتمعٍ يندران فيه، من شأنه أن يكون مصدر إزعاج دائم للجميع، وهكذا نخسر صديقاً تلو آخر. وفي بعض البلدان قد يكون الأمر أخطر جدّاً، حيث قد يعني دخولُ ملكوت الله فَقْدَ الوظيفة وحرمان الحريّة، والسجن بلِ الموتَ أيضاً. ففي هذين المثلين، أي مثل الكنز المخفي في حقل ومثل التاجر الطالب لآلئ حسنة، يلمَّح المسيح إلى هذه الحقيقة: ربما كان عليك أن تدفع ثمناً غالياً لقاء دخولك ملكوت الله... ولكنّ الأمر يستحقُّ ما يُبذَل في سبيله من عناء.

* وضرب المسيح مثلاً عن صيادين وما صادوه من سمك. لا شكَّ أنَّ سامعيه غالباً ما كانوا يرون صيّادي الجليل طالعين إلى الشطّ وهم يجرُّون شباكهم الملأ سمكاً من كل صنف، ومن ثَّم يجلسون على الشاطئ ويفضلون رديء السمك عن جيِّده. وقال المسيح إنّ الحال عند رجوعه لاستلام مُلكه ستكون على هذه الشاكلة، إذ يكون ذاك أوان الفَصْل، حيث يُضَمُّ الجيِّد ويُطرح الرديء. عند ذاك يظهر الحقّ جليّاً. ولا شك أن هذا المثل ينطوي على تحذير: إنَّ هنالك ملكوتاً ينبغي دخولُه، ونعيماً ينبغي اكتسابه، وجحيماً ينبغي اجتنابُه.

* يتبقّى لنا من أمثال متّى السبعة اثنان: مثل حبَّة الخردل، ومثل الخميرة. فإنَّ بزرة الخردل الدقيقة تنمو لتصير شجرة كبيرة تأوي إليها الطيور وتبيت فيها. والخميرة تفعل فعلها في العجين فتخمّره كلّه. هكذا كانت لملكوت الله بداءات صغيرة (ربمّا كان المسيح يفكِّر ساعتئذٍ بمجموعة أتباعه تلك الصغيرة وغير المؤثِّرة ). ولكن لننتظر حتى نرى إلى ما سيؤول إليه الأمرُ كلُّه. فعندما يعود الملك، عندئذٍ يُعرَف امتداد ملكوته. إنّ أهل الملكوت قليلون نسبيّاً وعديمو الأهميَّة ظاهريّاً، غير أنَّهم مبعوثون إلى العالم أجمع كشهودٍ للمسيح، وقوّة الله عاملة فيهم وحولهم... والعالم يتغيّر بواسطتهم.

يساعدنا تشديد المسيح على ملكوت الله في تفسير الأجوبة عن الأسئلة الأساسيّة المشار إليها في الفصل الأوّل: من أين جئتّ أنت؟ من أين جاء هذا العالم؟ إنَّ الله هو صانعنا جميعاً. ونحن لله، والعالم له. إلى أين نحن جميعاً ذاهبون؟ إن الأمور ليست خارجة عن السيطرة، ولا هي تتّجه إلى التصادم والتحطُّم بل إنهَّا سائرة إلى الوقت الذي فيه سيُظهِر الملك نفسه ملكاً ويجمع رعاياه إلى ملكوته. وماذا يجري للباقين؟ إنَّهم سيُرفضون ويُطرحون خارجاً، أشبه بزوان الحقل وبالسمك الرديء العالق في شبكة الصيّادين.

معجزات المسيح
الصفحة
  • عدد الزيارات: 18141