هل تؤمن بأن المسيح وُلد من عذراء؟
معجزة الميلاد العذراوي للرب يسوع المسيح قد حيّرت الكثيرين، وربما كانت عقبة أمام البعض للإيمان بالمسيحية، ومع ذلك فإن الكتاب المقدس يعلن بكل وضوح أن الله قد خطّط أن يكون دخول ابنه إلى عالم البشرية بهذه الطريقة المعجزية.
قبل ميلاد المسيح بسبعمائة سنة وردت نبوءة إشعياء: ”ولكن يعطيكم السيد نفسه آية: ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عِمانوئيل“ (إشعياء 14:7).
ويسجل العهد الجديد إتمام هذه النبوءة، فيكتب البشير لوقا: ”وفي الشهر السادس أُرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة، إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف. واسم العذراء مريم... فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم، لأنكِ قد وجدتِ نعمة عند الله. وها أنتِ ستحبلين وتلدين ابناً وتسمِّينه يسوع... فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟ فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحلّ عليكِ، وقوة العليِّ تظلّلكِ، فلذلك أيضاً القدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله... لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله“ (لوقا 26:1-37).
ويسجل الكتاب المقدس الميلاد العذراوي كحقيقة تاريخية، والذين سجلوا القصة كانوا إما شهود عيان كمتى البشير، أو نقلا عن مريم أم المخلص كلوقا البشير.
والفصول في كل من إنجيل متى ولوقا عن الميلاد العذراوي موثوق فيها، والكنيسة منذ عهدها الأول إلى اليوم تؤمن بحقيقة الميلاد العذراوي.
وقد كتب أغناطيوس الذي عاش في بداية القرن الثاني الميلادي إلى الأفسسيين يقول: ”إن ربنا يسوع المسيح قد حُبل به من العذراء مريم ليس فقط لأنه من نسل داود حسب الشريعة، بل لتكون ولادته من الروح القدس“.
وهناك عدة أسباب جعلت ولادة المسيح من عذراء ضرورة: يعلمنا الكتاب المقدس أن الكلمة الذي صار جسداً كان عند الله من البدء (يوحنا 1:1). وحقيقة وجود المسيح السابق للتجسد يشهد عنها الكتاب في مواقع كثيرة. قال المسيح لجماعة اليهود: ”قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن“ (يوحنا 58:8). كما شهد بذلك الرسول بولس في (فيلبي 5:2-11، كولوسي 15:1-16).
حينما جاء المسيح إلى العالم لم يكن مخلوقاً كأي واحد منا، ولكنه كان ابن الله الأزلي، ولكي يولد في العالم من العذراء مريم كان الأمر يتطلب تدخلاً إلهياً، وهذا بالضبط ما تسجله الأناجيل.
وهناك سبب آخر جعل الميلاد العذراوي ضرورة، وهو أن يكون للمسيح طبيعته المعصومة من الخطية، وقد شهد عن المسيح بأنه من يوم ولادته وحتى يوم موته على الصليب لم يعرف خطية، وكان هذا ضرورياً حتى يمكن أن يكون الذبيحة الحقيقية الكاملة - أي التي بلا خطية. ولأن جنسنا البشري كان ملوثاً بالخطية، لذا كان الأمر يتطلب أن يكون دخول المسيح إلى العالم دخولاً معجزياً من غير زرع بشر.
إن الميلاد العذراوي ليس فقط حقيقة تاريخية، بل هو أيضاً حقيقة ضرورية - إذا أخذنا في الاعتبار كل القضايا.
وماذا عن الاعتراضات المنطقية للميلاد العذراوى، والتي تجعله أمراً غير قابل للتصديق اليوم؟
كانت هناك بلا شك وسائل أخرى يمكن لله أن يختار أية واحدة منها لكي يرسل ابنه إلى العالم، ولكن الوسيلة التي اختارها كانت الميلاد العذراوي.
قبل ميلاد المسيح لم تكن هناك أية علاقة زوجية بين مريم ويوسف، ويذكر متى البشير عن يوسف: ”ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ودعا اسمه يسوع“ (متى 25:1).
ومع أن الميلاد العذراوي مسلَّم به كحقيقة تاريخية، وأنه كان ضرورة حتمية، إلا أن كثيرين لا زالوا يثيرون الشكوك من حوله.
ومشكلة الناس مع الميلاد العذراوي هي أنه أمر معجزي بكل المقاييس، والكتاب لا يقدِّم لنا هذا الحدث كظاهرة عادية بل يقدمه لنا كإحدى الظواهر الإلهية الخارقة للعادة، على أنه لا يجب أن تشكل معجزة الميلاد العذراوي أية مشكلة بالنسبة لمن يؤمن بإمكانية حدوث المعجزات.
ونحن نتساءل: هل معجزة الميلاد العذراوي مثلاً أعظم من معجزة إشباع الخمسة آلاف؟ أو سير يسوع على الماء؟ إن كنا نؤمن بوجود إله قادر على كل شيء وخالق لكل شيء، فإن الميلاد العذراوي لا يمكن أن يكون فوق قدراته.
وأكثر الاعتراضات شيوعاً بالنسبة للميلاد العذراوي هو أنه مستحيل من الناحية البيولوجية والعلمية، وأن الإيمان بهذه المعجزة نشأ في فترة كان الناس فيها في جهل بالنسبة لهذه الطبيعة البيولوجية!
لو فكرنا لحظة لأدركنا حماقة هذا الاعتراض، لأن يوسف حينما اكتشف بأن خطيبته ستلد طفلاً أراد تخليتها سراً، لماذا؟ لأنه كان يعرف تماماً بأن الشيء الطبيعي أنه لا يمكن لأي امرأة أن تلد بدون تدخل رجل.
وقد حاول البعض الآخر أن يرجع الميلاد العذراوي إلى الأساطير الإغريقية والبابلية، وادّعوا بأن كتبة الأناجيل قد استعاروا هذه القصة من هذه الأساطير التي كانت موجودة في أيامهم. لكن هذا الادعاء لا ينطبق على الحقائق، لأنه لا يوجد أي بطل في الأساطير الوثنية نُسب له أنه وُلد من عذراء، وبالتالي فإنه يكون أمراً لا يمكن تصديقه بالنسبة للفكر اليهودي.
كما أن معظم آلهة الإغريق والبابليين والمصريين، الذين قيل عنهم أنهم وُلدوا بطريقة غير عادية، ليس لهم أي وجود حقيقي، وأن القصص المختلفة عن الحمل والولادة التي نراها في الفولكلور والأساطير تشترك كلها في هذه النقطة - أنه لا يوجد أي تشابه بينها وبين قصة ميلاد المسيح من عذراء.
مقتبس من مجلة صوت الكرازة بالإنجيل
- عدد الزيارات: 21739