الوقت الذي قام فيه المسيح
نستنتج مما سبق بأن قيامة المسيح كانت في الساعات الأولى من يوم الأحد والذي يبدأ من مساء السبت لأن مريم المجدليّة كانت قد ذهبت إلى القبر "باكراً والظلام باق فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر (فالمسيح إذا لم يكن في القبر عند أول الفجر والظلام باق). فركضت وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما أخذوا السيد ولسنا نعلم أين وضعوه فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا إلى القبر. وانحنى يوحنا فرأى الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل، ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة. والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع وحده. فحينئذٍ أيضاً دخل التلميذ الآخر يوحنا الذي جاء أولاً إلى القبر ورأى فآمن، لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم المسيح من الأموات، فمضى التلميذان أيضاً إلى موضعهما.
أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجاً تبكي. وفيما هي تبكي انحنت إلى القبر فنظرت ملاكين بثياب بيض... فقالا لها يا امرأة لماذا تبكي؟ فقالت لهما إنهم أخذوا سيّدي ولست أعلم أين وضعوه. ولما قالت هذا التفتت إلى الوراء فنظرت يسوع واقفاً ولم تعلم أنه يسوع. قال لها يسوع يا امرأة لماذا تبكين؟ من تطلبين؟ فظنّت تلك أنه البستاني، فقالت له يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه. فقال لها يسوع يا مريم. فالتفتت تلك وقالت ربّوني الذي تفسيره يا معلم" (يوحنا 20: 1- 16).
" لأن فصحنا المسيح قد ذبح لأجلنا."
مقارنة بين حمل الفصح وحمل الله الذي يرفع خطية العالم
يأتي عيد الفصح في قائمة الأعياد، لأن فصحنا المسيح قد ذبح لأجلنا." (1 كورنثوس 5: 7). ففي سفر الخروج الإصحاح الثاني عشر نقرأ عن عيد الفصح ما يلي:
"وكلم الرب موسى وهرون في أرض مصر قائلاً: هذا الشهر يكون لكم رأس الشهور هو لكم أول شهور السنة" (خروج 13: 1- 2).
وهنا نرى بأن الله يريد أن يبدأ بداية جديدة مع الشعب على أساس رش الدم فيقول: "هذا الشهر يكون لكم رأس الشهور هو لكم أول شهور السنة." وهذا ما يحدث مع الإنسان الذي يأتي إلى المسيح ويقبل ذبيحته الكفاريّة نيابة عنه فيبدأ معه الله بداية جديدة. "لأنه إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً" (2كورنثوس 5: 17).
"تكون لكم شاة صحيحة ذكراً ابن سنة" (خروج 13: 5).
أليس هو الذي قيل عنه: "كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازّيها فلم يفتح فاه" (اشعياء 53: 7).
"شاة صحيحة" أي لا عيب فيها. وشتّان ما بين الرمز والرموز إلية فالرب يسوع هو حمل الله الذي بلا عيب و لا دنس. فهو الذي" لم يعرف خطية و لا وجد في فمه مكر" (1 بطرس 2: 22)، وهو الذي لم يعرف خطية لكنه جعل خطية لأجلنا " (2 كورنثوس 5: 21).
وهو الذي لم يكن فيه خطية. "وتعلمون أن ذاك أظهر لكي يرفع خطايانا وليس فيه خطية " (1 يوحنا 3: 5). وهو الذي تحدّى اليهود قائلاً: "من منكم يبكّتني على خطية" (يوحنا 8: 26). ثم يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل في العشيّة" (خروج 12: 6).... "في الشهر الأول في الرابع عشر من الشهر بين العشاءين فصح للرب " (لاويين 23: 5).
وهذا ما حدث فعلاً إذ مات المسيح على الصليب في العشيّة أو بين العشائين وهي نفس الساعة التي ذبح فيها خروف الفصح لكي يتمّ فيه القول: "لأن فصحنا المسيح قد ذبح لأجلنا" (كورنثوس 5: 7). ولكي يتم فيه قول يوحنا المعمدان "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يوحنا 1: 29). "ويكون تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر" (خروف 12: 6).
إن هذه المدّة قد أعطيت لكي يفحصوا خلالها الخروف ليروا إذا كان فيه عيب أم لا، والرب يسوع أيضاً وقف أمام بيلاطس للمحاكمة، وبعد أن فحصه بيلاطس لم يجد فيه علّة واحدة للصلب حتى أنه "غسل يديه قدام الجميع قائلاً: إني بريء من دم هذا البار" (متى 27: 25).
وامرأة بيلاطس ترسل لزوجها خبراً تقول له فيه "إياك وذاك البار" (متى 27: 19).
وبولس الرسول يكتب لنا ويقول: "الذي لم يعرف خطيئة (ذبيحة) خطية لأجلنا" (2كورنثوس 5: 21).
وبطرس الرسول يقول: "الذي لم يعرف خطيّة ولا وجد في فمه مكر" (بطرس 2: 22).
واشعياء النبي يكتب عنه ويقول: "على أنه لم يعمل ظلماً ولم يكن في فمه غش" (اشعياء 53: 9).
ويهوذا الاسخريوطي الذي أسلمه ذهب إلى رؤساء الكهنة معترفاً بخطيته لهم وقائلاً: "قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً" ( متى 27: 40).
"عظماً لا تكسروا منه" (خروج 12: 46)" وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسورا ساقيه لأنهم رأوه قد مات... لأن هذا كان ليتمّ الكتاب القائل عظم لا يكسر منه." (يوحنا 19: 33- 36).
"ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنتم فيها فأرى الدم وأعبر عنكم" (خروج 12: 13).
وهذا ما يقابله في العهد الجديد: "وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة إلى القداس فوجد فداءً أبدياً" (عبرانين 9: 12). "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا" (أفسس1: 7).
"لا تأكلوا منه نيئاً أو طبيخاً مطبوخاً بل مشوياً بالنار" (خروج 12: 9).
في تلك الساعات الثلاث الرهيبة على الصليب انصبّت نار عدالة الله على المسيح بدلاً عنا حتى صرخ "أنا عطشان" لكي تتم فيه أيضاً النبوة "يبست مثل شقفة قوّتي ولصق لساني بحنكي.. صار قلبي كالشمع قد ذاب في وسط أحشائي" (مزمور 22: 14).
لقد انصبّت دينونة الله على المسيح فلم يبقى جزء من جسده لم يتألم:
رجليه ويديه: "ثقبوا يديّ ورجليّ" (مزمور 22: 16).
رأسه: "ضربوه بقصبة على رأسه" (ميخا 5: 1).
وجهه: "كان منظره كذا مفسدا" (اشعيا 52: 14).
ظهره: "بذلت ظهري للضاربين وخدّي للناتفين وجهي لم أستر عن العار والبصق" (اشعيا 50: 6). على ظهري حرث الحرّاث طولوا أتلامهم" (مزمور 129- 3).
لسانه: "يبست مثل شقفة قوّتي ولصق لساني بحنكي" (مزمور 22: 15).
عينيه: خسفت من الغمّ عينيّ (مزمور 31: 9).
فمه وأذنيه: "وأما أنا فكأصم لا أسمع وكأبكم لا يفتح فاه وأكون كإنسان لا يسمع وليس في فمه حجّة" ( مزمور 38: 13).
قلبه: صار قلبي كالشمع. "قد ذاب في وسط أحشائي" (مزمور 22: 14).
جنبه: "ينظرون إليّ الذي طعنوه" (زكريا 12: 10).
عظامه: "كالماء انسكبت، انفصلت كل عظامي... ثقبوا يديّ ورجليّ أحصي كل عظامي وهم ينظرون ويتفرّسون فيّ (مزمور 22: 14، 17).
ثيابه: "يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون" (مزمور 22: 18).
يجدر بنا حقاً أن نقف مندهشين أمام هول هذه الآلام التي عاناها وتحمّلها فادينا الرب يسوع المسيح ونردد كلمات الترنيمة القائلة:
هل كُلَّ ذا عَنّي أنَا قَاسى المسيحُ ذَا العَنَا
تَخَلَّى عن عَرشِ السَّمَا فَذَاقَ عَنِّي الأَلَمَا
القرار
عنِّي أنَا – نَعَم عَنَّي حُبُُّه لي سامٍ عجيب
يَشدو به ترَنُّمي إذ قَد فدَاني بالصَّليب
- عدد الزيارات: 6334