النمو المستمر
ها هي تارة تصيح وطوراً تصمت، تثور على وضعها ثم تخضع لواقعها. تتعاقب الأجيال وتعبر القرون، والمرأة محتقرة مستعبدة مذلولة. حاولت التحرر والانفلات والارتفاع من واقعها الأليم فما ازدادت إلا هبوطاً وانحطاطاً، فاستسلمت لحكم الزمن وتعلّقت بخيط أمل ركيك منساقة في تيار الحياة.
وهكذا، كلما توالت الأيام ضعف هذا الأمل حتى وصل إلى درجة اليأس. وما أن بلغ ليل الظلم والاستعباد أحلكه، حتى بزغ فجر المسيحية معلناً مساواة الرجل بالمرأة، كما جاء في الكتاب: "ليست المرأة من دون الرجل في الرب". ومع إطلالة المسيحية راح الرب يسوع ينشر تعاليمه المقدسة رافعاً شأن المرأة، مانحاً لها كل حقوقها وامتيازاتها الروحية "كالوارثات أيضاً نعمة الحياة". فما توصلت إليه البشرية في قرننا نتيجة تقدم أعوام وعصور، حققته المسيحية قبل أجيال وقرون، فمهما تقدم العالم سيبقى أمام المسيحية رجعياً متخلفاً.
فالمرأة اليوم تتمسك بحقوقها وتنادي بمقدرتها على خوض كل مجالات المعرفة والعلم، لتذلّل كل صعوبة تعترض طريق تحقيق أهدافها الطموحة. أو ليس هذا تحدياً لنا نحن المؤمنات اللواتي حررنا الرب يسوع المسيح، ورفع مقامنا، وفتح أمامنا المجالات الروحية الواسعة لنستخدم فيها إمكانياتنا وطاقاتنا ومقدرتنا؟ فواقعكِ وواقعي - يا عزيزتي - لا يتناسب مع امتيازات مسيحيتنا السامية. فحقوقنا وامتيازاتنا الروحية تتضمن مسؤوليات جسام إذ تفسح أمامنا مجالات واسعة الارتقاء والنمو والتقدم.
ليست الحياة المسيحية مرجاً فسيحاً نلهو بتأمل أزهاره الجميلة، وننام على بساط الراحة والاكتفاء والاستجمام. لكن مسؤولية الإيمان سلّم شاهق الارتفاع منتصب دون انحناء، طريقه صعود وارتقاء دون توقف أو تقهقر، وهو نمو متواصل وتقدم دون تراجع؛ ولا شك، هذا يتطلب سهراً وتعباً واجتهاداً.
ترى، كيف أضمن لنفسي نمواً دائماً لكي أبلغ هدفي المنشود؟
إذا أردتِ أن تخطّي خطاً مستقيماً عليك أن تركّزي بصرك إلى الهدف أي إلى نقطة الوصول، عندها تسيّرين القلم تلقائياً إلى الهدف ويتكوّن الخط المستقيم؛ وهكذا إذا أردتِ أن تضمني لنفسك نمواً مستمراً سريعاً وعمودياً، سمّري أنظارك في الهدف ولا تتحوّلي عنه أبداً، "ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله". ففي اللحظة التي بها نحوّل أبصارنا عن المسيح إلى أمور مادية زهيدة وأشياء دنيوية زائلة يتوقّف نموّنا.. مع أن الحياة الروحية لا توقّف فيها. فهذا يعني أننا نتقهقر ونسير نحو الأسوأ وعلينا أن ننتقل إلى حالة أفضل، من حسن إلى أحسن ونتغيّر من صورة إلى صورة إلى أن نصل إلى تلك الصورة عينها "مشابهين صورة ابنه". وهنا علينا أن ندخل في السباق الذي وضع أسسه بولس الرسول إذ نصب أمامه مثالاً حياً يسعى للتشبّه به، ألا وهو شخص الرب يسوع نفسه إذ قال: "تمثـّلوا بي كما أنا بالمسيح". ولا ريب البتة أن الرسول عندما أدرك منتصف الميدان لم يجلس مشيحاً بأنظاره على الماضي المجيد فرحاً به ومكتفياً؛ لكننا نسمعه يصارح أهل فيلبي: "أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت ولكنني أفعل شيئاً واحداً إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتدّ إلى ما هو قدام، أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع". فلا مقاعد ولا محطات في ساحة السباق ولا يقدر الكسالى والمتقاعسون الاشتراك في مباراته، لأن نصيبهم الحتمي الفشل الذريع والهزيمة الأكيدة.
أخواتي، إني ألمس وألاحظ في مجتمعنا الروحي اليوم– وهذا ما يؤسفني ويخلق في داخلي ألماً وغصة– كون المرأة المؤمنة تغط في سبات روحي عميق، وهي في ارتياح كامل، معلنة عدم كفاءتها أو بالأحرى تنازلها عن امتيازاتها في الدعوة الروحية المقدسة. وما سبب هذه الحالة إلا عدم اهتمامنا في استمرار نمونا المنتظم وانهماكنا بأمور عالمية فانية، مهملين، غير مبالين، مكتفين بالقليل الزهيد.
أختي، ربما سبب فشلك وهزالك هو نظرتك إلى نفسك نظرة احتقار وازدراء، نظرة استهانة بضعفك، فتشجعي... لأن قوة الله تُكمل في ضعفاتنا، فأنتِ جزء من كنيسة المسيح، أي عضو في الجسد، "بل بالأولى أعضاء الجسد التي تظهر أضعف هي ضرورية" (1كو 22:12). فوجودك ضروري وعملك يكمّل نمو جسد المسيح، وتقدمك يساعد على كمال الجسم وتكامل الأعضاء حتى لا يحصل الشلل.
فأناشدك برأفة الله أن تستفيقي من سباتك وتهبي بكل نشاط وغيرة وحماس لتنمي في حياة القداسة وتسعي في ميدان الخدمة وليكن شعارك وهدفك: ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا أسلك أنا أيضاً.. فيحصل الانقلاب، وتحدث النهضة الروحية في حياتك وكنيستك!
مقتبس من مجلة صوت الكرازة بالإنجيل
- عدد الزيارات: 5863