ماذا ورثت عن أبويك
1بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللهِ، لأَجْلِ وَعْدِ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي يَسُوعَ الْمَسِيحِ. 2إِلَى تِيمُوثَاوُسَ الاِبْنِ الْحَبِيبِ. نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ الآبِ وَالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. 3إِنِّي أَشْكُرُ اللهَ الَّذِي أَعْبُدُهُ مِنْ أَجْدَادِي بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ، كَمَا أَذْكُرُكَ بِلاَ انْقِطَاعٍ فِي طِلْبَاتِي لَيْلاً وَنَهَاراً، 4مُشْتَاقاً أَنْ أَرَاكَ، ذَاكِراً دُمُوعَكَ لِكَيْ أَمْتَلِئَ فَرَحاً، 5إِذْ أَتَذَكَّرُ الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ الَّذِي فِيكَ، الَّذِي سَكَنَ أَوَّلاً فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي، وَلَكِنِّي مُوقِنٌ أَنَّهُ فِيكَ أَيْضاً. 6فَلِهَذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضاً مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ، 7لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ.
(2 تي 1: 1- 7)
استهل كلامي الآن بسؤال قد يبدو غريباً لأول وهلة. والسؤال هو "ماذا ورثت عن أمك وأبيك؟" ويلي هذا السؤال سؤال آخر وهو: "ماذا ستورث أولادك من بعدك؟" بكلام آخر: ماذا أخذت عن والديك وماذا ستعطي لأولادك؟ ولكي لا أترك مجالاً لسوء الفهم وسوء التفسير أسارع إلى القول أنني لا أقصد في كلامي الإرث الأرضي من أموال منقولة وغير منقولة – فليس هذا موضوع حديثي ولا هو بالأمر الذي يشغل بالي. كل ما أقصده في سؤالي هو: ما هو الإرث الأدبي والخلقي والروحي الذي أخذته عن والديك أو الذي تريد أن تتركه لأولادك؟
هناك ثلاثة أنواع من الإرث يمكننا أن نرثها عن الآباء ونورثها إلى الأبناء:
أولاً: الإرث الاضطراري. ثانياً: الإرث الاختياري. ثالثاً الإرث الاختباري.
أبدأ بالنوع الأول وهو الإرث الاضطراري.
والإرث الاضطراري هو الإرث الإجباري أي ما نرثه ونورثه غصباً عنا لأن لا خيار لنا في الموضوع. فما هو هذا الإرث يا ترى؟ يجيب عن هذا السؤال اثنان من أعاظم رجال الله في العهدين القديم والجديد, أعني داود الذي من نسله جاء المسيح حسب الجسد, وبولس لأعظم رسول في المسيحية. يقول داود في المزمور 51 "بالآثام صورت وبالخطية ولدتني أمي". ويقول الرسول بولس: "بإنسان واحد (أي آدم) دخلت الخطية إلى العالم" ويقول أيضا "بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرون خطاة..." ما معنى هذا الكلام؟ المعنى هو أنه لما خلق آدم خلقنا جميعاً معه لأننا في صلبه. فلما سقط في الخطية سقطنا جميعاً معه. ولذلك نحن خطاة من اللحظة التي نبدأ نتكون فيها في بطون أمهاتنا, وفي النتيجة نولد في العالم بطبيعة تميل إلى الخطية والشر. وعلى هذا الأساس يقول بولس الرسول: "لا فرق. إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله". فكلنا من جبلة واحدة ومن طبيعة واحدة ومن آب واحد هو آدم. وبما أننا أخذنا هذا الإرث الإجباري من آدم وبالتالي من أبوينا, فإننا نأخذ معه كل نتائجه التي هي التعب والوجع والحزن والمرض والموت وفي النهاية العقاب والدينونة. والمؤسف في الأمر أن الأكثرية-كما قال يسوع – تسلك حسب طبيعة الخطية الموروثة مندفعة بقوة في اتجاه الباب الواسع والطريق الواسع, وترفض الدخول من الباب الضيق – باب الحياة الأبدية!
النوع الثاني من الإرث – كما ذكرت – هو الإرث الاختياري.
وهو الإرث الذي يتحدث عنه رسول الأمم بولس في رسالته الثانية إلى تيموثاوس يقول الرسول في عدد 3 من الإصحاح الأول "أشكر الله الذي أعبده من أجدادي" ومعنى هذا أنه ورث التدين والتعبد والتقوى أباً عن جد وقد فعل ذلك باختياره. فهو لم يكن هرطوقيا ولا كافراً ولا مستبيحاً بل كان يقوم بواجباته الدينية كما تعلمها من أبويه وكان يظن أنه بذلك يرضي الله.. وما أكثر الذين يفعلون الشيء عينه اليوم. ففي رأيهم أن التدين أو التعبد هو كل شيء في الحياة, ولكن هذا خطأ كبير. فالرسول بولس كان قبل اهتدائه متديناً جداً ولكنه في الوقت نفسه اضطهد كنيسة المسيح وجرّ المؤمنين إلى السجون. كرنيليوس قائد المئة كان تقياً كان تقياً يخاف الله مع جميع بيته ومع ذلك لم يكن متجدداً مولوداً من الله. ليدية, بياعة الأرجوان, كانت متعبدة لله ومع ذلك كان قلبها مغلقاً. ولهذا نقرأ في الإصحاح السادس عشر من أعمال الرسل العبارة التالية: "ففتح الرب قلبها لتصغي إلى ما كان يقوله بولس". فمع كل تدينها وصلواتها لم تختبر النعمة المخلصة إلا لما فتح الله قلبها. فالتدين جيد ولكنه لا يكفي. التعبد مفيد ولكنه لا يخلص الإنسان. التقوى المؤسسة على تعاليم كتابية نافعة ولا شك ولكنها ولا تقدر بحد ذاتها على تغيير قلب الإنسان.
لعل أحدكم يسأل: "أن كان التعبد والتدين ولا يستطيع أن يغير الطبيعة الخاطئة الموروثة فما هو وجه المنفعة فيه؟" وللإجابة أقول: إن التدين المقرون بشيء من المعرفة يوفر للمرء أحياناً جواً ملائماً لمزيد من المعرفة عن الرب وطريق الخلاص من طبيعة آدم والخطية التي فينا.ألا توافق معي أن تعليم المسيحي بالاسم أسهل من تعليم المسيحي الذي لا يعرف شيئاً عن العقائد الكتابية الأساسية كالثالوث والصليب والقيامة؟ هذه هي حسنة الإرث الذي نرثه باختيارنا ونورثه باختيارنا.
نأتي أخيراً إلى النوع الثالث من الإرث وهو الإرث الاختباري.
يقول الرسول بولس مخاطباً تيموثاوس في المقطع الذي ورد في أول هذا الفصل "أتذكر الإيمان العديم الرياء الذي فيك الذي سكن أولاً في جدتك لوئيس وأمك أفنيكي ولكني موقن أنه فيك أيضاً". والسؤال الأخير الآن هو: كيف انتقل هذا الإيمان إلى تيموثاوس من أمه وجدته؟ هل بالوراثة الجسدية؟ هل بصك رسمي تم تسجيله في دوائر الدولة؟ كلا وألف كلا. انتقل إليه الإيمان بالوراثة الروحية التي تبدأ من الطفولية. ولهذا نسمع الرسول نفسه يقول له في خاتمة الفصل الثالث "وإنك منذ الطفولية. تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع" وهذا يعني أنه عندما نربي أولادنا على كلمة الله المقدسة فإننا نوفر لهم الأجواء الكفيلة بأن تدفع بهم إلى الإيمان الاختباري بالرب يسوع المسيح. ومع التربية يجب أن نقدم لهم القدوة الحسنة في حياتنا اليومية. فالإيمان ليس سلعة بل هو اختبار شخصي. إنه تسليم واستلام كامل للرب لكي يغير طبيعتنا ويعطينا طبيعة جديدة كطبيعته هو. هكذا تنتقل شعلة الإيمان من الآباء إلى البنين, وهكذا تتم الوراثة الروحية. فابن المسيحي لا يصير مسيحياً بصورة آلية بل يصير مسيحياً حقيقياً عندما يتوب عن خطيته التي تستحق الموت الأبدي, ويتكل بالإيمان على عمل المسيح الفدائي على الصليب. عندئذ فقط يعفى من دين خطاياه فينال الغفران الكامل والحياة الأبدية مع المسيح. أليس هذا ما أختبره اللص المصلوب إلى جانب المسيح؟ فلما صرخ إلى يسوع قائلاً: "يا رب اذكرني متى جئت في ملكوتك!" أجابه يسوع: "الحق أقول لك أنك اليوم تكون معي في الفردوس".
أخي القارئ, ليت هذا النصيب يكون نصيبك. وإن كنت لم تأخذ الكثير عن والديك ففي وسعك الآن أن تنقل هذا الإيمان إلى سواك, سواء كانوا من أولادك أو من أصدقائك.
- عدد الزيارات: 4762