Skip to main content

البيت السعيد

25لِذَلِكَ اطْرَحُوا عَنْكُمُ الْكَذِبَ وَتَكَلَّمُوا بِالصِّدْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَرِيبِهِ، لأَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ الْبَعْضِ. 26اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا. لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ 27وَلاَ تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَاناً. 28لاَ يَسْرِقِ السَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلاً الصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ احْتِيَاجٌ. 29لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحاً لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ. 30وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اَللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ. 31لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ. 32وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضاً فِي الْمَسِيحِ.

(أف 4: 25- 32)

لو سألت "مَنْ مِنَ القراء يريد أن يكون زواجه موفقاً وبيته سعيداً" فلا شك عندي أن كل واحد منكم سيقول "أنا". وهذا طبعاً شيء متوقع لأن أحداً منا لا يريد أن يحيا في جو من الخصام والبغض والأنانية. لكن المشكلة هي في أنه عندما يحصل سوء تفاهم بين الزوجين يسارع الرجل أحياناً إلى الصلاة قائلاً: "يا رب غيِّر زوجتي". وهي تصلي بدورها قائلة: "يا رب غيِّر زوجي". في حين أن كلاً منهما يجب أن يصلي: "يا رب غيرني أنا". لأنه متى تغيَّر الفرد نفسه تغيّر محيطه ونظرته إلى الأشياء. أخبرتني أستاذة مسيحية في كلية أن أحد طلابها لم يكن من المتعاونين معها في الصف. فتضايقت جداً وصارت تصلي قائلة: "يا رب غيِّر هذا الطالب أو دعه ينتقل من هذا الصف إلى صف آخر" وبينما كانت تصلي سمعت صوتاً يقول لها: "أنت – لا هو – محتاجة إلى تغيير". فقالت: "أنا يا رب؟" فقال: "نعم. ومتى تغيرت تغير كل ما حولك". وتابعت هذه الأستاذة تقول لي: "عندما تغيَّر موقفي منه تغيَّر هو أيضاً وصار من أحسن الطلاب والأصدقاء". هذا هو عبن الشيء الذي يشدد عليه بولس في رسالته إلى كنيسة أفسس فهو يقول ما معناه "إذا شئت أن تعيش سعيداً فمن الضروري أن يظهر هذا التغيير في حياتك من عدة نواح". بكلمة أخرى استبدال الخطأ بالصواب والمعوج بالمستقيم والباطل بالحق. مثال على هذا

أولاً: استعمل الصدق بدل الكذب.

من الأغلاط الشائعة جداً في وسط البيوت والعائلات إن الزوج والزوجة يكذب أحدهما على الآخر ولا يصارحه بما في قلبه وفكره. وأسوأ أنواع الكذب هو كذب المتدينين والمدعين بأنهم يعرفون الله. هل تذكرون كيف كذبت رفقه على اسحق عندما علَّمت ابنها كيف يخدع أباه لكي ينال منه البركة؟ هل تذكرون كيف كذب أولاد يعقوب على أبيهم عندما قالوا له: وحش رديء أكل يوسف, في حين أنهم كانوا قد باعوا أخاهم إلى قافلة من الإسماعيليين متوجهة إلى مصر؟ هل تذكرون قول دليلة لشمشون بعد أن خاتلها وخدعها عدة مرات؟ قالت له بالحرف الواحد: "ها قد ختلتني وكلمتني بالكذب". وكم مرة كذب عليها؟ ثلاث مرات. نعم إنه شيء محزن أن يكذب المرء على أخيه الإنسان وخاصة لشريكة حياته. يقول بولس في المقطع الكتابي أعلاه مخاطباً المؤمنين في عدد 25 "لذلك اطرحوا عنكم الكذب وتكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه, لأننا بعضنا أعضاء البعض".

ثانياً: استعمل الغضب على الخطأ بدل الغضب على شريكة الحياة.

أي لا تصوب سهام غيظك على زوجتك ولا تهاجمها شخصياً بل هاجم الأخطاء وبيّن عيوبها ثم عالجها بحكمة. حذار أن تعيب زوجتك بأمها: لا تقل لها مثلاً: "أنت مثل أمك في الغباوة". ولا تعيّرها بعائلتها كأن تقول لها: "كان أخوك في مستشفى المجانين وهذا يكشف العائلة التي أنت منها". ولا تعيّرها ببشاعتها قائلاً: "يكفي أنك قبيحة الخلقة" أو تتهكم عليها بقولك لها: "نعم تفضلي يا كليوباترة". ولا تقل لها: "لسانك كالمنشار أو لسانك كلسان الأفعى". ولا تحاول أن تقتبس أبياتاً شعرية لتهجوها وتنغص عليها حياتها كأن تقول لها: "والذي لا خير منه يرتجى إن عاش أو مات على حد سوى"! وطبعاً ما نقوله هنا للرجل نقوله أيضاً للمرأة. فالتعبير والتقبيح والهجاء والطعن والتجريح لا يجدي نفعاً بل يزيد من الطين بلة. لماذا؟لأن هذه الأمور تفسح المجال لعمل الشيطان. فهو مستعد أن يتدخل في كل أمر حتى من دون دعوة. وهذا هو عين الشيء الذي تخاطبنا به كلمة الله في رسالة أفسس. يقول العدد 26 "اغضبوا ولا تخطئوا. لا تغرب الشمس على غيظكم" وبعد هذا مباشرة يقول الرسول: "ولا تعطوا إبليس مكاناً" أي لا تعطوه فرصة ولا تدعوا له مجالاً للتدخل بشكل أو بآخر. لأنه إذا تدخل في أمر ما زاد الوضع سوءاً وتسبب في ما لا تحمد عقباه.

ثالثاً: استعمل مبدأ العطاء بدل مبدأ الأخذ.

نقرأ في المقطع نفسه في العدد 28 الكلمات التالية: "لا يسرق السارق في ما بعد بل بالحري يتعب عاملاً الصالح بيده ليكون له أن يعطي من له احتياج". أي عوض أن يأخذ ما لا يحق له يجب عليه أن يشتغل ليعطي. وهذا مبدأ يتفق مع قول الرب يسوع "مغبوط من العطاء أكثر من الأخذ" ويتفق كذلك مع قول سليمان الحكيم في سفر الأمثال "المروي هو أيضاً يروى". فإن كنت تريد السعادة في وسط بيتك فلا تقل لامرأتك "أنا تزوجت بك لتخدميني" ولا تقل لأولادك "أنا أنجبتكم لمصلحتي الشخصية" بل ليكن شعارك العطاء والتضحية بحيث تكون قدوة للزوجة وللأولاد.

رابعاً: استعمل الكلام البناء بدل الكلام الهدام.

تقول الآية 29 "لا تخرج كلمة ردية من أفواهكم بل كل ما كان صالحاً للبنيان حسب الحاجة كي يعطي نعمة للسامعين".أي لا تجعل بيتك مثل حلبة الملاكمة أو المصارعة بحيث يسمع الجيران وأهل الحي صراخكم وتجديفكم وشتائمكم. فهذه الأمور تحزن روح الله, الأمر الذي تحاشيه جداً لأن الآية 30 تقول بالحرف الواحد "ولا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء". فالكلام اللاذع محزن لروح الرب ولروح الإنسان نفسه, ولذلك يجدر بنا أن نأخذ بنصيحة الكتاب المقدس القائلة "الكلام اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيّج السخط". ولا ننسى قول الرب يسوع "من فضلة القلب يتكلم اللسان". فإذا شئت أن تضبط لسانك اضبط قلبك أولاً بمعونة من عند الله.

خامساً: استعمل اللطف بدل الصياح.

يقول الرسول في هذا المقطع الذي نحن في صدده "ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث. وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضاً في المسيح". حذار أن تصيح في وجه امرأتك قدام أولادك أو بصورة خاصة قدام الناس حتى ولو كانت غلطانة. وأنت يا سيدتي إياك أن تقعي في الخطأ نفسه فتصحيحي في وجه زوجك قدام الأولاد أو قدام الآخرين. فلكل إنسان كرامته ومشاعره ولا يجوز تحطيمها بأية صورة من الصور. سمعت سيدة وهي تصيح في وجه زوجها أمامي قائلة: "كم مرة قلت لك أن لا تفعل هذا الأمر". ولا أعرف ما يمكن أن تفعله به لو لم أكن موجوداً. وهذا الموقف كلمه يناقض كلمة الله بشكل صريح. لأن كلمة الله تقول "كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض. شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضاً في المسيح".

هذه هي صفات الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق. هذه هي الصفات التي تزيدنا نضوجاً وسعادة. وهذه هي الصفات التي يتمجد بها المسيح.

  • عدد الزيارات: 5764