Skip to main content

الثعالب الصغيرة (تتمة)

خذوا لنا الثعالب الثعالب الصغار المفسدة الكروم لأن كرومنا قد أقلعت.

(نش 2: 15)

20وَكَانَ إِسْحَاقُ ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمَّا اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ زَوْجَةً رِفْقَةَ بِنْتَ بَتُوئِيلَ الأَرَامِيِّ أُخْتَ لاَبَانَ الأَرَامِيِّ مِنْ فَدَّانَِ أَرَامَ. 21وَصَلَّى إِسْحَاقُ إِلَى الرَّبِّ لأَجْلِ امْرَأَتِهِ لأَنَّهَا كَانَتْ عَاقِراً فَاسْتَجَابَ لَهُ الرَّبُّ فَحَبِلَتْ رِفْقَةُ امْرَأَتُهُ. 22وَتَزَاحَمَ الْوَلَدَانِ فِي بَطْنِهَا فَقَالَتْ: «إِنْ كَانَ هَكَذَا فَلِمَاذَا أَنَا؟» فَمَضَتْ لِتَسْأَلَ الرَّبَّ. 23فَقَالَ لَهَا الرَّبُّ: «فِي بَطْنِكِ أُمَّتَانِ وَمِنْ أَحْشَائِكِ يَفْتَرِقُ شَعْبَانِ: شَعْبٌ يَقْوَى عَلَى شَعْبٍ وَكَبِيرٌ يُسْتَعْبَدُ لِصَغِيرٍ» 24فَلَمَّا كَمُلَتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ إِذَا فِي بَطْنِهَا تَوْأَمَانِ. 25فَخَرَجَ الأَوَّلُ أَحْمَرَ كُلُّهُ كَفَرْوَةِ شَعْرٍ فَدَعُوا اسْمَهُ عِيسُوَ. 26وَبَعْدَ ذَلِكَ خَرَجَ أَخُوهُ وَيَدُهُ قَابِضَةٌ بِعَقِبِ عِيسُو فَدُعِيَ اسْمُهُ يَعْقُوبَ. وَكَانَ إِسْحَاقُ ابْنَ سِتِّينَ سَنَةً لَمَّا وَلَدَتْهُمَا. 27فَكَبِرَ الْغُلاَمَانِ. وَكَانَ عِيسُو إِنْسَاناً يَعْرِفُ الصَّيْدَ إِنْسَانَ الْبَرِّيَّةِ. وَيَعْقُوبُ إِنْسَاناً كَامِلاً يَسْكُنُ الْخِيَامَ. 28فَأَحَبَّ إِسْحَاقُ عِيسُوَ لأَنَّ فِي فَمِهِ صَيْداً وَأَمَّا رِفْقَةُ فَكَانَتْ تُحِبُّ يَعْقُوبَ.

(تك 25: 20- 28)

سأتابع الحديث الآن عن الثعالب الصغار المفسدة لكرم الحياة الزوجية. قلت في الفصل الماضي إن الثعالب الكبيرة لا تخيف كالثعالب الصغيرة, لأن هذه الأخيرة رشيقة الحركة وخفيفة الوزن ولذلك فهي تؤذي وتتلف وتعيث في الكرم فساداً. فالمشاكل الكبرى عادةً تجمع ولا تفرق ولكن علة العلل هي المشاكل الصغرى. وقد تحدثت آنفاً عن ثلاثة من هذه الثعالب. أولاً ثعلب المداخلات من جانب الزوجين أو أقرباء وأصدقاء الزوجين. ثانياً ثعلب المشغوليات الذي قلنا أنه يؤدي إلى انعدام الحوار بين الطرفين وفقدان بهجة الحياة الزوجية والعائلية. ثالثاً ثعلب اللامبالاة وفقدان الشعور بالمسئولية من جانب الرجل والمرأة بحيث يصير البيت مملوءاً بالفوضى والتشويش والإهمال وعدم الترتيب. وفي الختام قلت ما معناه إنه حرام أن يصل الزوجان إلى هذه الدرجة من الفوضى وعدم مراعاة أحدهما للآخر.

سأواصل كلامي الآن في الموضوع نفسه وسأعلق على ثعالب صغيرة أخرى.

الثعلب الأول هو ثعلب الحزبيات.

أي ثعلب الانقسام في وسط العائلة الواحدة. وهذا بصراحة ثعلب مخيف جداً وشرس جداً, لأن الرب يسوع قال: "كل بيت منقسم على ذاته يخرب". ويصل هذا عادة أما بسبب القساوة أو بسبب الغباوة. إما بسبب ظلم الزوج لزوجته أو بسبب تمرد الزوجة وعدم طاعتها. ولنا في الكتاب المقدس مثل واضح على ما أقول, وهو المثل الذي ورد معنا في النص الكتابي أعلاه. فقد أنعم الله على إسحق ورفقة بولدين توأمين عيسو ويعقوب. "فكبر الغلامان, وكان عيسو إنساناً يعرف الصيد...ويعقوب إنساناً كاملاً..." وفي عدد 28 نقرأ الكلمات التالية التي تشير إلى الحزبية في بيت اسحق وما أورثته من مرارة لكل أفراد العائلة خاصة لإسحق ورفقة. تقول كلمة الله "فأحب اسحق عيسو..." (هذا هو الحزب الأول) "وأما رفقة كانت تحب يعقوب" (هذا هو الحزب الثاني). والجدير بالذكر هنا أن هذين الحزبين متساويان في العدد وربما في القوة في حين أن الأحزاب في أكثر البيوت المنقسمة غير متكافئة  قوة وعدداً, ولذلك نجد فيها الغالب والمغلوب وأحياناً الضارب والمضروب. ويهمني أن أقول هنا أن ثعلب الحزبيات لا يستهان به لأنه مصدر خراب وعذاب. أعرف رجلاً له امرأة عاصية قاسية, وهذه المرأة شكلت حزباً برئاستها مؤلفاً من جميع أولادها ودربتهم على احتقار أبيهم والتطاول عليه وأحياناً على ضربه. وقد سمعت مؤخراً أنهم تآمروا عليه ووضعوه في السجن بعد أن قدموا بحقه شكاية كاذبة.ومع أنني حزين على كونه في السجن فإنني لا أشك البتة أن جو السجن ربما أفضل من جو زوجته وأولاده. وهنا المأساة. فعوض أن يكون البيت أقرب شيء للسماء نجده منقسماً على ذاته بسبب الغباوة والقساوة وهذه الحالة لا تفرح أحداً إلا الشيطان عدوَّ النفوس وعدوَّ البيوت.

الثعلب الثاني الذي سأورده هنا هو ثعلب الاقتباسات والتعليقات مع ما فيها من غمز ولمز, وتلميح وتصريح وتجريح.

فالزوج يتحدث بغير حكمة عن أمه ومهارة أمه أمام امرأته, فيقول لها – مثلاً – "إن طبيخ أمي أطيب من طبيخك, وغسيل أمي أنظف وانصع من غسيلك, وقهوة أمي أطيب من قهوتك" وقس على ذلك. وهي بدورها ترد له الصاع صاعين فتقول له: "كان البابا يعامل الماما بأفضل مما تعاملني أنت. عندما كانت الماما تطلب شيئاً من البابا لم يكن يرد لها طلباً بل كان يفعل كل ما يرضيها. والبابا كان دائماً يقول لي عنك أنك قاسٍ وبخيل, وفوق ذلك كانت أمي تكره المجيء لعندنا بسببك أنت. ولا تنس أن عائلتي هي غير عائلتك. أنتم من أصل متواضع ونحن من عائلة عريقة لها ماضيها". وهكذا يدب  الخلاف ويعلوا  الصياح وتذهب هي إلى غرفتها وتقفل الباب وراءها وتبدأ تبكي وترثي نفسها. أما هو فيجلس في زاوية ويلزم الصمت وأحياناً يخرج غاضباً من البيت حتى ساعة متأخرة من الليل. وكل ذلك بسبب التعليقات التافهة والكلمات التي لا طائل تحتها.

يقال أن امرأة كانت متزوجة من رجل كان حسن المعاملة. وعاشت معه سعيدة حتى يوم وفاته. وبعد فترة من الوقت تعرفت الزوجة إلى رجل آخر واتفقت معه على الزواج. ولكن هذا الرجل استدرك هذا الأمر ووضع لها شرطاً. قال لها: "لي عليك شرط واحد وهو أنه طيلة حياتنا معاً لا أريد أن يؤتى على ذكر زوجك المرحوم". فوافقت على الشرط وتزوجا على هذا الأساس. ولكن ما إن مرت أشهر قليلة حتى بدأت تعاودها الذكرى وبدأت تدريجياً تلمح إلى المرحوم وما كان يفعله المرحوم, وفي النهاية شرعت تتكلم عن المرحوم بصراحة. كانت تقول له مثلاً "كان المرحوم يحبني أكثر منك". أو "كان المرحوم لا يترك مناسبة إلا ويقدم لي فيها هدية". وكان المرحوم يحب أمي ولا ينتقدها وإلى آخر السلسلة. وفي ذات يوم نفذ صبر زوجها فقال لها: "أما اتفقنا قبل الزواج على أن المرحوم لا مكان له في بيتنا وشؤوننا؟" أجابت "نعم, ولكنك أرغمتني على خرق الاتفاق بسبب مواقفك ومعاملتك لي". وذات مرة بينما كان جالساً وإياها على السرير يتحدثان في بعض الشؤون تسرَّعت فأتت على ذكر المرحوم. فغضب رجلها جداً ودفعها بقوة فسقطت من على السرير وكسرت ذراعها. ولما رفعت قضيتها إلى القاضي استفسره القاضي عما حدث فأجاب: "أنا لم أدفعها. كل ما في الأمر أن سريرنا يتسع لشخصين فقط. وبينما كنا معاً جاء المرحوم وجلس بيننا فسقطت هي على الأرض وكان ما كان".

الثعلب الثالث والأخير هو ثعلب حب الذات.

ثعلب الأنانية الذي يجعل الزوجين (أو عل الأقل أحد الزوجين) يطلب ما لنفسه على حساب الشريك الآخر, وهذا يؤدي طبعاً إلى الظلم والعناد وأحياناً إلى الخيانة الزوجية وحرمان الأطفال الأبرياء من حقهم في العناية والمحبة واللطف. إن الأنانية شر فظيع والأناني لا يقدر أن يكون مسيحياً بالفعل, لأن المسيحية مبنية على ركنين أو وصيتين هما: "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل قوتك والثانية مثلها وهي تحب قريبك كنفسك". فمن أحب نفسه أكثر من قريبه أقل من نفسه لا يقدر أن يكون مسيحياً بالحق. ولذلك يجب عليه أن يتخلص من هذا الثعلب وسواه من الثعالب. والوسيلة الوحيدة لذلك هي القضاء كلياً على تلك الثعالب. صمم على ذلك من كل القلب والرب سيأخذ بيدك.

  • عدد الزيارات: 4712