مفهوم الزواج الصحيح
27فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. 28وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ وَأَخْضِعُوهَا وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ».
(تكوين 1: 27و 28)
18وَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ: «لَيْسَ جَيِّداً أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِيناً نَظِيرَهُ». 19وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا. 20فَدَعَا آدَمُ بِأَسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ. وَأَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُعِيناً نَظِيرَهُ. 21فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلَهُ سُبَاتاً عَلَى آدَمَ فَنَامَ فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلَأَ مَكَانَهَا لَحْماً. 22وَبَنَى الرَّبُّ الإِلَهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. 23فَقَالَ آدَمُ: «هَذِهِ الْآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هَذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ». 24لِذَلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَداً وَاحِداً.
(تكوين 2: 18- 24)
على سبيل التمهيد قدمت في الفصل السابق بعض الحقائق الجوهرية المتعلقة بالزواج ولكي لا ننساها أود هنا أن أعيد ذكرها دون تفصيل:
الحقيقة الأولى هي أن الزواج هو من صنع الله وترتيبه.
الحقيقة الثانية هي أن الزواج رسم قبل سقوط الإنسان في الخطية.
الحقيقة الثالثة هي أن الزواج مقدس وشريف وطاهر.
الحقيقة الرابعة هي أن الزواج لا العزوبة هو القاعدة الكتابية.
الحقيقة الخامسة هي أن الزواج وجد ليبقى لأنه سنَّة الله.
الحقيقة السادسة هي أن الزواج هو بين رجل واحد وامرأة واحدة. تعدد الزوجات ممنوعة.
الحقيقة السابعة هي أن الزواج هو اتحاد الرجل بامرأته فقط, لا بأية امرأة أخرى.
نأتي الآن إلى مفهوم الزواج في كتاب الله. فما هي الصورة التي يقدمها لنا الكتاب عن هذا الرباط المقدس؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نوجه أفكارنا إلى الآية التي اقتبست أكثر من مرة في العهد الجديد نظراً لأهميتها. تقول الآية "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً" ومن الواضح أن المقصود هنا هو الجبلة البشرية كلها من خلال آدم وحواء. لأن آدم نفسه لم يكن له أب وأم لكي يتركهما ويلتصق بامرأته. بكلام آخر, هذه الآية تشملنا وتشمل سائر البشر في كل مكان من خلال أبوينا الأولين آدم وحواء وهي تشير إلى أربع نواح في مفهوم الزواج الكتابي.
الناحية الأولى هي الانفصال.
تقول الآية "يترك الرجل أباه وأمه" أي أن هناك تركا أو انفصالاً عن الأبوين. وهذا الانفصال هو في الأساس في حيّز العاطفة والفكر, وقد يكون أحياناً انفصالاً جغرافياً أو جسدياً. غير أن هذا الترك أو الانفصال لا يعني نسيان الأهل أو عدم إكرامهم ومساندتهم بل هو تحرر واستقلال في المسؤولية الإدارة. فالعروسان وحدهما هما المسؤولان عن إدارة بيتهما الجديد, ومن الخطأ بمكان كبير أن يتدخل الأحماء والحموات في شؤونهما. فالانفصال ضروري ولو بدا صعباً ومصحوباً بالدموع في يوم العرس. وقد يكون صعباً عند بعض الأهل أكثر من بعضهم الآخر وذلك للأسباب التالية:
أولاً:
لأن الوالدين يشعران أن ابنهما ملك لهما ويقبلان بالتخلي عنه بسهولة لفتاة غريبة.
ثانياً:
لأن علاقة الوالدين بابنهما أو ابنتهما كثيراً ما تكون أقوى من علاقة أحدهما بالآخر. فعندما يتزوج الابن أو الابنة يشعران أن روحهما قد خرجت وراءه أو وراءها.
ثالثاً:
لأن الوالدين في كثير من الأحيان يعتمدان على أولادهما مادياً. فمتى تزوج الأولاد انقطع عنهما العون أو الدعم المادي الذي يحتاجانه.
الناحية الثانية في المفهوم الصحيح للزواج هي "الاتصال".
تقول الآية التي نحن في صددها "يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته". فبعد الانفصال يأتي الاتصال. بعد الترك يأتي الالتصاق. والفعل "يلتصق" معناه يلتصق كما بمادة لاصقة إشارة إلى متانة الرباط المقدس بين الزوج والزوجة كما إلى ديمومة الزواج مدى الحياة. فالطلاق غير وارد لأن كلمة الله تقول أن "المرأة مرتبطة بالناموس ما دام رجلها حياً". وعلى هذا الأساس لا يفرق بين الزوجين إلا شيء اسمه الموت. الاستثناء الوحيد الذي أورده الرب يسوع للطلاق هو خطية الزنا. قال الرب "من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني". عدا ذلك يعتبر الطلاق في الكتاب المقدس شراً فظيعاً ودليلاً على قساوة قلب الإنسان وانحرافه عن الحق.
من جهة أخرى يشير الالتصاق إلى ارتباط الرجل بامرأة واحدة كل الوقت. ولهذا تقول الآية "يلتصق بامرأته" وليس بامرأتيه أو نسائه. لأنه إذا تزوج الرجل بأكثر من امرأة واحدة أصبح زواجه من نوع Part Time كما يقال في الإنكليزية. وهذا طبعاً مرفوض في مفهوم الكتاب المقدس.
الزواج الذي يوافق عليه الله هو ذلك الزواج الذي يستهلك كامل الوقت مدى الحياة بكل أمانة وصدق وإخلاص.
نأتي الآن إلى الناحية الثالثة وهي "الاقتبال".
فبعد الانفصال يأتي الاتصال وبعد الاتصال يأتي الاقتبال أي القبول المشترك وهو قبول أحدهما للآخر. وهذا واضح من الجزء الثاني من الآية الذي يقول "ويكونان جسداً واحداً" – ولماذا يقول "جسداً واحداً"؟ لأن حواء في الأصل كانت جزءاً من آدم, وقد حوّل الله ذلك الجزء الثاني إلى امرأة. وبما أن الرجل والمرأة جسد واحد فمعنى ذلك أن على كل واحد منهما أن يقبل الآخر بالرغم من الفوارق التي لا بد أن تكون موجودة بينهما, أعني فوارق السن والعائلة والعلم والماديات والعادات وسواها وإلا شكلت تلك الفوارق نقاط احتكاك وتوتر بينهما وتحوّل بيتهما إلى جحيم. فلا مبرر ولا داعي لآن يعير أحدهما الأخر: بهذه الفوارق لأن الاقتبال أو القبول معناه أن أحدهما يقول للشريك الأخر: "أنا أحبك وقد اخترتك بمحض إرادتي وإني أقبلك كما أنت". طبعاً نحن لا نكرر أنه كلما قلت الفوارق قلت الخلافات ولكن في الوقت نفسه لا نكر أن المحبة المسيحية الصادقة "تتأنى وترفق. المحبة تتحمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط أبداً".
الناحية الرابعة والأخيرة في المفهوم الكتابي للزوج هي "وحدة الحال".
تقول الآية الخامسة والعشرين من الإصحاح الثاني من سفر التكوين "وكان كلاهما عريانين آدم وامرأته وهما لا يخجلان". والمقصود بهذا أن الرباط بين الرجل والمرأة يقضي على كل ما يسمى استتاراً أو أسراراً أو احتكاراً. فمن الناحية الجسدية لا يبقى مبرر للاستتار, ومن الناحية الفكرية لا يبقى مبرر للأسرار, ومن الماحية الروحية لا يبقى مبرر للاحتكار. أي أن الاتحاد بينهما كامل والشركة كاملة والانكشاف كامل. "وما جمعه الله لا يفرقه إنسان".
أخي هل هذا هو مفهومك للزواج؟ وهل هذا هو واقع زواجك؟ إن نعم بارك الله فيك, وإن لا فالمجال لتصحيح لم يفت. فلا تدع الفرصة تفوتك, لأن الزواج المبني على كلمة الله هو سماء مصغرة. وفي وسعك أن تعيش في السماء وأنت على الأرض. الكتاب المقدس في متناولك ونعمة الله في متناولك وأنا سأصلي لأجلك.
- عدد الزيارات: 27045