Skip to main content

عدم الطاعة ونتائجه المحزنة

تكوين 3: 1- 8

وفي يوم من الأيام كانت المرأة تتحدث إلى الحيوانات التي في الجنة، وكانت الحية من تلك الحيوانات، وكانت الحية من بين تلك الحيوانات، وكانت الحية جميلة وناعمة وصاحبة حيلة وعقلها واسع أكثر من جميع المخلوقات. وكانت تفهم كلام المرأة... وفجأة بدأت الحية تتكلم مع حواء... وطبعاً اندهشت حواء جداً. كيف تتكلم الحية؟ ومن الذي علمها الكلام؟ هل هو آدم؟ كلا! هل الله الذي علمها الكلام؟

قبل أن نجيب عن هذا السؤال، يجب علينا أن نعرف الكلام، الذي قالته الحية، وبعد ذلك نحكم إن كان الله علمها أم لا؟ من أول سؤال نعرف الحقيقة.

قالت الحية للمرأة: أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ طبعاً، فهمنا الآن أن الشخص الذي علَم الحية الكلام لم يكن الله... لأن الله لم يقل هذا الكلام لآدم وحواء... إذاً لا بدّ أن شخصاً آخر له غرض رديء، لأنه يتكلم بالكذب... هذا الشخص لا بدّ أنه يريد إفساد العلاقة بين آدم وحواء والله.

هذا الشخص الرديء هو الشيطان. فماذا نعرف عنه من كلمة الله؟ كان الشيطان في أول الأمر ملاكاً جميلاً من ملائكة الله في السماء، ولكن جمال وذكاءه كانا سبباً في أنه تكبر وارتفع قلبه... لم يكن راضياً عن مركزه، مع أنه رئيس ملائكة. أراد أن يكون مثل الله، وأن يجلس على عرش الله... وبالطبع، غضب الله عليه وطرده من السماء.

لهذا السبب كان الشيطان يكره الله جداً، ويكره أيضاً الإنسان، الذي خلقه الله لكي يحبه ويتحدث معه... فكّر الشيطان في طريقة يغيظ بها الله، ويفسد الخليقة الجميلة كلها، وقال في نفسه: إذا أنا تمكنت من أن أجعل الإنسان يخطئ ويخالف الله، فإني أكسب الإنسان إلى جانبي، وعندئذ أستطيع أن أهزم الله. وأخيراً دخل الشيطان في الحية الجميلة وأخذ يتحدث إلى حواء لكي يجعلها تشك في محبة الله، وبعد ذلك تسقط فلا تطيع أمره تعالى.

تكلم الشيطان إذاً مع حواء عن طريق الحية كلاماً كاذباً... فلما قالت له حواء أن الله أمرهما أن يأكلا من كل شجرة في الجنة، ما عدا واحدة لئلا يموتا، قال الشيطان: لن تموتا، بل المسألة أن الله عارف أنه في اليوم الذي فيه تأكلان من هذه الشجرة، تصيران مثله وتعرفان كل شيء. تعرفان الخير والشر.

معنى هذا أن الشيطان يريد أن يقول لحواء: لا تصدقي الله... كلي من الشجرة ولا تخافي... اسمعي كلامي وكلي تجدي السعادة.

ونحن كثيراً ما نسمع الشيطان يكلمنا بمثل هذا الكلام. يقول لك مثلاً: اعمل هذا الشيء... صحيح أنه خطأ، ولكن إذا عملته لا يصيبك شيء بل تصير سعيداً إذا عملته وتشعر بلذة. عندما نسمع هذا الكلام يجب أن نحترس ونعرف أن الشيطان هو الذي يتكلم. كان يجب على حواء عندئذ أن تقول للحية: اسكتي، أنا لا أحب أن أسمع هذا الكلام، لأنه كذب... يجب أن أسمع كلام الله الذي يحبني.

لو أن حواء قالت ذلك، لهرب الشيطان ولكن بكل أسف، فالذي حدث هو أن حواء، بدلاً من أن تطرد الحية في الحال، طفقت تسايرها بالكلام، حتى جاء الوقت الذي فيه مدت حواء يدها إلى الشجرة وأكلت وجاء آدم فأعطته فأكل.. وانضم آدم وامرأته إلى الشيطان لأنهما صدقا كلامه.

وهكذا أخطأت أول امرأة، واختارت طريق العصيان، الذي هو طريق الشيطان، وشاركها أول رجل في خطية العصيان هذه. ولكن ماذا كانت النتيجة يا ترى؟ أظلمت الدنيا في وجههما وملأ الحزن قلبيهما. كانت الشمس مشرقة كالمعتاد، وكانت الطيور تغرد، كما كانت تفعل من قبل، ولكن قلب آدم كان قد فارقه الفرح والسلام وابتعدت وعن حواء، السعادة، التي كانا يتمتعان بها.

وقف آدم وحواء وجهاً لوجه، وقالا الواحد للآخر: ماذا عملنا؟! نحن تعدينا أمر الله... لقد أخطأنا وتسببنا في تعاسة أنفسنا... وضعت حواء يديها على وجهها، لأنها كانت خجلة من آدم، وكذلك فعل آدم...

كانت في القلب أفكار شريرة وظهرت في العيون، وأحس آدم وحواء أن المجد زال عنهما، وقالا: يجب علينا أن نجد شيئاً نستر به جسمنا.

أخذت حواء أوراق شجرة التين، وخاطتها، وغطت بها نفسها، وفعل آدم نفس الشيء، وسار الاثنان في الحديقة، والحزن والخوف يملأ قلب كل منهما. كان الاثنان يعرفان أنهما عملا شراً عظيماً بمخالفة أمر الله، وأدركا أن ما قاله الله صحيحاً، لأن الحزن حل محل الفرح في قلبيهما بعد الأكل من الشجرة الممنوعة مباشرة.

وفجأة في سكون الجنة سمع آدم وحواء صوتاً، وكان ذلك الصوت هو صوت الله. كان آدم وحواء قبل لحظة، ينظران الله كل يوم، ويتمتعان بالجلوس والحديث معه ويحبان سماع صوته... ولكن في ذلك اليوم اختبأ آدم وحواء من وجه الله في وسط الأشجار. هل يستطيع آدم أن يختبئ من خالقه؟ ولماذا حاول آدم أن يختبأ هو وحواء؟ فكر الاثنان أن الله صار عدواً لهما... ولكن الله بحث عن آدم وحواء حتى وجدهما... إنه إله محب يفتش عن الإنسان الخاطئ، لأنه يحبه... صحيح أنه لا يوافق على خطايانا، ولكنه في نفس الوقت يحبنا جداً.

عرف الله في محبته أن المرأة سمعت الشيطان وأن الرجل سمع للمرأة وسقط الاثنان في مشكلة محزنة لا يستطيعان حلها. عرف أنهما في حاجة شديدة إلى محبته ومعونته، لذلك تقدم له المجد لمساعدتهما.

  • عدد الزيارات: 1966