الابن الغضبان وعمله الفظيع
تكوين 4
عرفنا أن آدم وحواء طردا من الجنة، وكان من الضروري لهما أن يشتغلا ويتعبا، لكي يحصلا على الطعام، والرب الإله تمم وعده لهما، وأعطاهما نسلاً، فولدا بنين وبنات. وسمّت حواء أول طفل ولدته قايين. واعتقدت حواء أن شخصاً يخلص الناس من الخطية، إذا كان هو نفسه خاطئاً ويستحق العقاب؟ اذاً ليس ممكناً أن يكون قايين هو المخلص.
بعد قايين ولدت حواء هابيل، وهابيل أيضاً كان أحياناً لا يطيع والديه. أدرك آدم وحواء، أنه من غير المنتظر أن يولد لهما طفل بدون خطية، وعرفا أن سبب ذلك هو خطيتهما. ولابد أن آدم وحواء حكيا لأولادهما حكاية الجنة الجميلة التي طردا منها بسبب عدم طاعة أمر الله، وقالا لهم أنه يوجد رجاء وحيد هو مجيء النسل الموعود به وهو سيخلصهم. ولابد أن آدم وحواء ذكرا أمام أولادهما، أنهم جميعاً (الوالدان والأولاد) خطاة، ولا يمكنهم إصلاح فساد قلوبهم، وإنه لو تركهم الرب الإله لأنفسهم فلا بد من هلاكهم، ولكن الله وعد أنه سيولد لنا ولد يمكنه أن يصلح كل الأمور، ولأن الله يحبنا، فهو لابد سيظهر رحمته، ويرسل ابنه ليخلصنا من الشيطان ويصالحنا معه.
صدّق هابيل كلام والديه، وعزم في قلبه أن يحب الله ويعبده، أما قايين فلم يصدق ذلك ولم يظهر أية رغبة في أن يؤمن. وكان ذلك سبب حزن آدم وحواء، وكل الوالدين المسيحيين يحزنون في قلوبهم جداً، لما يرفض أولادهم الإيمان ولا يريدون أن يطيعوا الله ويحبوه ويخدموه.
وكان آدم وحواء قد علّما الأولاد أن يقدموا تقدمات لله، لأننا نقرأ أن قايين وهابيل قدما لله عطاياهما. فقايين قدم من ثمار الأرض، أما هابيل فأحضر من غنمه خروفاً وذبحه وسفك دمه أمام الله... ورفض الله تقدمة قايين لأنها من ثمار الأرض والأرض ملعونة بسبب الخطية، كما أننا نقرأ في الرسالة إلى العبرانيين في العهد الجديد أنه "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" للخطايا، وفي العهد القديم كانوا يقدمون كل واحد خروفاً عن خطيته، أما في العهد الجديد، فيسوع المسيح سفك دمه على الصليب مرة واحدة، من أجل الخطايا كلها.
رأى تقدمة هابيل وتقدمة قايين، كما عرف ما في قلب كلٍّ منهما... عرف الله أن هابيل قدم ذبيحته بالإيمان وفيها سفك دم، أما قلب قايين فلم يكن فيه إيمان ولم يكن في ذبيحته سفك دم، لذلك قبل الله ذبيحة هابيل، أما قايين فلم يقبل الله ذبيحته، لأنه لم يكن مؤمناً، ولم يعترف بأنه خاطئ، ولم يقبل أيضاً طريقة الله الوحيدة لنوال غفران الخطية... قدم قايين تقدمته لا عن إخلاص، بل لأنه يتشبه بأهله، وليس عن شعور بحاجته إلى أن يترضى وجه الله بذبيحة.
الله لا يريد منا شيئاً، فهو يملك كل شيء، ولا يقبل منا شيئاً، إلاّ إذا كنا نؤمن به ونحبه من كل قلوبنا، بعد الإيمان وإظهار محبتنا، يقبل الله عطايانا.
غضب قايين لما رفض الله تقدمته، غضب على الله وغضب على أخيه... ولم يندم أبداً أنه مخطئ في تقديم تقدمة لا يقبلها الله. ولو أنه أحس بخطئه واعترف أمام الله، لا بد أن الله المحب كان يسامحه ويغفر له خطيته، ولكن قايين لم يفعل شيئاً من هذا...
وهابيل لم يكن أحسن من قايين، لأن الاثنين كانا خاطئين، لكن الفرق بينهما هو أن هابيل صدق كلام الله وقدم الذبيحة التي يرضى عنها الله، وقدمها بالطريقة التي عيّنها الله.
لماذا يسرّ الله بإنسان ويرفض إنساناً آخر؟ لابد من وجود سبب... لابد أن آدم وحواء تحدثا إلى قايين وعرّفاه كيف يرضي الله، ولكنه رفض. بعد ذلك كلّم الله قايين قائلاً: لماذا أنت غاضب يا قايين؟ هل لأني لم أقبل تقدمتك؟ اللوم هذا يقع عليك. قدّم ذبيحة حسنة كما علّمك والدك وأنا أقبلها منك. ولكن لم تسمع كلامي، فخطيتك ستستولي على قلبك وسترتكب عملاً فظيعاً جداً.
من هذا ندرك كم أن الله لطيف وصبور ويريد أن يرجع كل شرير عن شره!. ولكن قايين لم يستمع لنصيحة، كان يكره الله وكلام الله وكذلك كان يكره هابيل، لدرجة أنه لم يكن يطيق أن يراه. كان كلما رآه يتذكر كيف أن الله قبل أخاه ورفضه هو.
وذات يوم كان قايين وهابيل في الحقل معاً، وبدأ قايين مشاجرة مع هابيل أخيه؛ وازدادت المشاجرة حدةً، واشتد غضب قايين فقام على أخيه هابيل وضربه ضربة قتلته، فسقط هابيل على الأرض ميتاً والدماء تنزف منه. يا له من عمل فظيع!!
يوجد الآن في العالم ملايين من الناس الذين لا يصدقون الله، ويعتقدون أنهم غير محتاجين إلى الرب يسوع، وهم يكرهون الله ولا يحبون ابنه الحبيب، وكذلك يكرهون الناس الذين يؤمنون به. ولما كان الرب يسوع على الأرض، كان الناس يكرهونه، لأنه كان يحب الله ويعمل إرادته، وزادت كراهيتهم للرب يسوع حتى جاء الوقت الذي فيه سمّروه على صليب من خشب وقتلوه.
لما مات الرب يسوع على الصليب، كان موته نيابياً، بمعنى أنه لم يمت لأنه هو شخصياً يستحق الموت، بل مات من أجل آدم وحواء وقايين وهابيل، بل من أجل كل الناس الذين يؤمنون بأنه هو المخلص، الذي أرسله الله حسب الوعد الذي وعد به في الجنة. لأنه بالإيمان بالمسيح المصلوب وطاعته والاتكال عليه، نصير أولاد الله. ويسوع المسيح هو وحده الذي يستطيع أن يحررنا من الخطية، لأنه المخلص الوحيد.
مات هابيل وسفك دمه على الأرض بيد أخيه قايين... وهذا أمر فظيع جداً، قتل قايين هابيل أخاه لأن هابيل كان يحب الله، أما قايين فكان يكره الله ويكره الذين يحبون الله. وأراد الله في محبته، أن يرد قايين عن ضلاله،
ويجعله يعترف بخطيته، أنتم تذكرون أن الله بحث عن آدم بعد الخطية، وناداه قائلاً: آدم ... أين أنت؟ بنفس الطريقة نادى الله قايين قائلاً: أين هابيل أخاك يا قايين؟ ولم يعترف قايين بخطيته، بل أجاب الله بكل وقاحة وجسارة قائلاً: لا أعلم ... أحارس أنا لأخي؟ طبعاً نحن نعرف أن كل واحد منا يجب أن يحب أخاه، ويكون مسؤولاً عنه، ويهتم بسلامته. لكن قايين لم يعترف حتى لله الذي يعلم كل شيء بأنه قتل أخاه. لو اعترف وندم وبكى أمام الله، لكان الله سامحه، ولكنه لم يفعل ولذلك قال الله له: " أنت قتلت أخاك وسفكت دمه على الأرض، من أجل ذلك، أنت لن تجد راحة بعد الآن، ومهما اشتغلت وتعبت لن تحصل على ما يكفيك لتعيش، ومن الآن لن تستطيع أن تستقر في مكان واحد، بل تكون تائهاً في الأرض طول أيام حياتك". بعد كل ذلك لم يطلب قايين من الله أن يغفر له؛ ولم يؤمن برحمة الله ومحبته، بل قال: ذنبي أعظم من أن يغتفر.
إن كنا نعترف بخطايانا ونتواضع أمام الله ونطلب منه الرحمة، إذ كنا نؤمن أن الرب يسوع جاء إلى العالم ليرفع عنا خطايانا، ويحمل عنا عقابها الذي نستحقه، فلا توجد أية خطية مهما كانت عظيمة إلاّ ويغفرها لنا الرب.
كان قايين - بعد أن سمع كلام الله- خائفاً، ولكنه لم يكن آسفاً ولا حزيناً على خطيته. لذلك قال للرب: أنا خائف ان كل من يراني يقتلني. هذا كان كلّ همه. وكان لا بد أن يعاقب الله قايين، لأنه لم يظهر أي استعداد للتوبة أو الندم على شره، لذلك قال له الله أنه يكون تائهاً وهائماً في الأرض، وإنه يكون معرضاً للأذى من الناس. ووضع الله علامة على قايين لكي لا يقتله أحد، وقال الله ان الذي سيقتل قايين سيعاقب سبعة أضعاف.
بعد ذلك أظهر قايين أنه لا يريد أن يكون له أية علاقة بالله أو بكلام الله. ثم انقلب على أبيه آدم وأمه حواء، لأنهما كانا متمسكين بمواعيد الله، ولذلك لم يردأن يعيش معهما. فتركهما كي يعيش حراً، ولا يتقيد بالطاعة لهما أو لله. طبعاً، لا يمكن أن يغفر الله لشخص مثل قايين، يرفض محبة الله وطاعة أوامره، فكانت النتيجة ان قايين قد هلك بخطيته على الأبد، وبالرغم من رداءة قايين نجد محبة الله تظهر في أنه أعطى قايين نسلاً، فولد قايين أولاداً. واحد من أولاد قايين بنى مدينة، وآخر كان عنده غنم ومواشي كثيرة وولد ثالث اخترع صناعة الحديد والنحاس. كل أولاد قايين كانوا أغنياء وأقوياء ومتكبرين جداً، وكانوا يسيرون على هواهم، وكان كل واحد منهم يفتخر بأنه قوي بحيث لا يستطيع أحد أن يقف أمامه، لأنه قادر على قتل كل من يعاديه. ولكن بالرغم من غنى أولاد قايين وقوتهم، لم تكن في قلوبهم سعادة حقيقية لأنه لم تكن لهم علاقة بالرب ولم يكن للرب مكان في قلوبهم... لم يكن أحد منهم يحب الكلام عن الرب أبداً.
مساكين آدم وحواء!.. أصبح منزلهما خالياً من الأولاد ... هابيل قتل، وقايين تاه وابتعد عنهما ... كانت الدنيا سوداء أمامهما والحزن يملأ قلبيهما. لكن في وسط الظلمة والحزن كان يوجد نور بسيط... هو نور الإيمان بوعد الله أنه سيرسل لهما مخلصاً ولم يشك آدم وحواء في صدق الوعد. لهذا أعطاهما الله ولداً، ودعا آدم اسم ابنه "شيث" وكان شيث مثل هابيل يحب الله، ولما كبر شيث كان أولاده أيضاً يحبون الله، لأن أباهم علّمهم ذلك، ومنذ ذلك الوقت أصبح في العالم أناس يحبون الله ويريدون أن يخدموه ويطيعوه.
والله دائماً يحافظ على مواعيده ويتمم كلامه. ولذلك يجب أن لا نخاف أبداً. عاش آدم وحواء بالإيمان بأن الله سيرسل لهما مخلصاً يوماً ما، ونحن الآن نعرف أن المخلص قد جاء فعلاً، وأنه انتصر على الشيطان إذ مات على الصليب ثم قام من بين الأموات كما تعرفون عن ربنا يسوع المسيح له المجد.
- عدد الزيارات: 1968