الولادة
قد تُذكِّركَ فترة النمو بأنك كنتَ ذات يومٍ طفلاً صغيراً جداً. ومعظم الآباء والأمهات يريدون لأولادهم عندما يبلغون الثانية عشرة تقريباً، أن يعرفوا بصورة أفضل كيف جاؤوا إلى هذه الحياة.
أحياناً، يضحك بعض الصغار- بل بعض البالغين غير الواعين- ويتهامسون ويتناقلون الأخبار والقصص السخيفة عن عملية الولادة المُدهشة. ولكن بداية الحياة هي واحدة من أهم وقائع هذا العالم وأروعها. ونحن نحتاج أن نُدرك ما معنى أن يخلق الرب إنساناً جديداً ويُرسله إلى الأرض كي يخدمهُ ويمجِّدهُ.
إن طريقة الله المدهشة في خلق حياة جديدة يجب أن تبعث فينا الفرح والإعجاب وليس السُّخرية.
في داخل جسم الأم كيس يحتوي على سائل يحيط بالطفل. وحين يكون الطفل في بطن أمه يسبح في هذا السائل محمياً من الضربات والصدمات. فالطفل لا يأكل بفمه ولا يتنفس بأنفه ما دام جنيناً داخل جسم أمه. لكن أنبوباً دموياً خاصاً يُعرف "بحبل السُّرة" يصل جسم الأم بجسم الطفل ليؤمن للطفل الغذاء والأوكسجين من دم الأم.
أين كنتَ قبل أن تصبح طفلاً؟ كيف أتيت إلى العالم؟ لربما تعرف الجواب:
كنت داخل جسم أمك، تنمو ببطء وهدوء لمدة تسعة أشهر. كنت هناك محمياً من البرد والرياح. (فأنت تعلم أنك لم تكن تلبس ثياباً دافئة وأنت في بطن أمك). وطيلة تلك الأشهر كان والداك ينتظران بفارغ الصبر يوم ولادتك.
وأخيراً أتى ذلك اليوم العظيم: يوم ميلادك.
أنا أعرف أنك لا تذكر شيئاً عن ولادتك.
فقد كنتَ صغيراً جداً آنذاك، إذ كان وزنك نحو ثلاثة كيلوغرامات ونصف. (اسأل أمك، فهي تذكر ذلك). بما أنك لا تذكر شيئاً عن ولادتك، سأذكر لك بعض التفاصيل عن هذا الموضوع.
"نَسَجْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي. أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَباً. عَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ وَنَفْسِي تَعْرِفُ ذَلِكَ يَقِيناً" (مزمور 139: 13 و14).
لربما أحدثتْ ولادتك مصاعب لأمك. ففي بعض الأحيان يُولد الأطفال بسرعة وفي أحيان أخرى تستغرق عملية الولادة بضع ساعات.
وعلى الرغم من صغر حجمك آنذاك، فلا شك أنك كنتَ أكبر حجماً من الممر الذي مررت فيه. وخلال مرورك كنتَ تدفع بجدران الممر محدثاً ابتعاداً بين عظام الحوض داخل بطن أمك. وكانت هذه العظام عائقاً أمام خروجك.
عندما كانت هذه العظام تبتعد بعضها عن بعض لتُفسح لك في المجال للمرور، كانت أمك تشعر بآلام تُعرف "بالمخاض" أو "آلام الولادةِ". ولذلك أُعطيتْ أمك بضع حبات من الدواء كما حُقنت ببعض الإبر لتخفيف الألم. ولكن هذه الآلام كلها أصبحت سريعاً في طي النسيان بسبب محبتها لك وفرحها بولادتك. ففي اليوم الذي فيه أصبحت جاهزاً للولادة كان جسم أمك في حال تأهب ليدفعك إلى الخارج حيث أصبح بإمكانها أن تحملك على ذراعيها. فالعضلات القوية في رحم الأم وراء المعدة، بدأت عند ذاك تدفعك رويداً رويداً نحو ممر داخل جسم أمك يُعرف بالمهبِل. وهكذا خرجتَ إلى العالم، حيث كان الطبيب والممرضات بانتظارك. فالطبيب عندئذ تنصَّت لسماع صرختك الأولى التي أكدَّت له أنك تتنفس. والممرضة حمَّمتكَ لأول مرة، ثم جاءت بك إلى أمك لتُلقي عليك أول نظرة. ما كان أسعد تلك اللحظات في نظر أمك.
بعد ذلك سمحت الممرضات لوالدك برؤيتك، حيث كان ينتظر خارجاً في غرفة أخرى، لأن معظم الأطباء يعتقدون أن حضور الآباء عملية الولادة يُعوِّق أكثر مما يُسهِّل. كنتَ صغيراً جداً عندما وُلدت، وربما كان لون جلدك أحمر وشكلك مضحكاً، ولكن والدك كان فخوراً بك حتى أخذ يُخبر الآخرين عن مولوده الجديد الذي هو أنت.
لماذا، برأيك، كان فرحاً بك لهذا الحد، مع أنه لا يستطيع أن يُداعبك لكونك صغيراً جداً على اللعب، فلا تقوى إلا على الأكل والبكاء والنوم؟ إن والدك كان فخوراً وفرحاً بك لأنك تخصُّه. فلولا والدك، لما كان ممكناً أن تصبح طفلاً داخل جسم أمك في ذلك المستودع الصغير الذي يُدعى "الرَّحِم".
- عدد الزيارات: 2536