أسس المعالجة الصحيحة
يستطيع الأب والأم الحكيمان تجنُّب مشاكل كثيرة ذات عواقب وخيمة إذا تداركا الأمر باكراً وخصّصا بعض الوقت للتحدث والأخذ والرد في ضوء الأسس التالية بمشاركة وانفتاح واستعداد لتقبل الأفكار والآراء التي يحملها كل فرد من أفراد العائلة. والأسس الواردة في ما يلي قد أجمع عليها علماء النفس الدكاترة كلايد نرامور وجيل رينيك وجيمس دوبسون وبول بوثوريك.
1- كن على استعداد كامل.
يعزز الاستعداد باستقاء المعلومات الضرورية عند الحاجة من مصادر مختلفة كالمكتبات العامة أو الطبيب أو المدرِّس. ويكتمل الاستعداد بالحصول على المعلومات الضرورية عن الشخص المراد معالجته أيضاً.
2- كن مستمعاً أولاً، لا متكلماً.
يحتاج المراهق لأن يتأكد أن أباه يريد بكل جوارحه أن يستمع لأي شيء يريد قوله دون إعطاء أوامر أو تعليمات أو نصائح. ربما كان لهذه الأخيرة وقتها، لكنه ليس الآن طبعاً. بهذه الطريقة يُشعر الأهل ولدَهم بأنه مهم جداً في نظرهم مهما تغيرت أوضاعه وكثرت مشاكله. وكما قال أحدهم: "الأعداء يُسرعون إلى الكلام أما الصديق الصدوق فيدير أذناً صاغية".
3- كن منّمياً للعلاقة، لا محاضراً.
المحاضرة تنتهي بعد فترة وجيزة. أما العلاقة بين الأهل وأولادهم في البيت الواحد فتستمر عادة إلى بلوغ سن الرشد. وعندئذ يستعد الشاب لاختيار مهنة عمره وشريكة حياته ويستقلّ في بعض النواحي عن بيت والديه. ولهذا، فعلى الأب الحكيم والأم الحنون، إذا أمكن، أن يمدا بينهما وبين ابنهما أو ابنتهما جسور حديث يبتدئ عندما يغدو الولد قادراً على التكلم، بحيث تنمو هذه العلاقة وتتعمق جذورها في جو ملؤه العطف إلى أن يصير الوالد جَدَّاً والولد أباً والابنة أماً والأم جدة تحتضن حفيدها.
4- كن مساعداً على فتح أبواب الحديث، لا غلقها.
يتم هذا بطريقتين على الأقل: الطريقة الأولى هي بالطلب من المراهق أن يحصر حديثه، بحسبما يسمح الوقت، في ناحية أو ناحيتين من المشكلة؛ والطريقة الثانية عفوية لا تستلزم انتباه المراهق. فبينما يتحدث عن مشكلة ما يعيد تكرار بعض الاختبارات مضيفاً نقطة جديدة إلى الاختبار نفسه. ويجدر بالأب الحكيم- أو الأم الحكيمة- أن يكون طويل البال فينتبه إلى الإضافات الجديدة التي ستؤتيه تفهماً شاملاً للمشكلة. وإن تسرّع وابتدأ بإعطاء النصائح زاعماً أنه يفهم المشكلة من جوانبها كافة، فمن السهل أن يبدأ بالكلام عن ناحية لا تمتّ بصلة إلى المشكلة الرئيسية. فيخسر هذه الجولة من الحديث، وقد يخسر ابنه أيضاً.
5- اقبل المراهق كشخص له قيمته الفردية.
كثير من المشاكل تضرب جذورها في الشعور بانعدام القيمة الذاتية والتناسق الشخصي. وقد يجوز أن تكون الأم المرشدة أول شخص تُشعر ابنتها بالقبول رغم كل مشاكلها. فمن السهل إظهار المحبة والقبول عندما يكون التصرف حسناً. ومن السهل أيضاً أن تشعر المراهقة بالرفض والنبذ عندما تقوم بعمل خطأ. فمن الضروري إذاً أن يميز الأهل بين رفض الخطأ وقبول المخطئ.
6- كن متوقَّعاً لسماع كل مشكلة، دون تعجُّب.
بعض الأهل يرفضون أن يصدّقوا أن ابنهم قد شتم صديقه مثلاً. ويجاوب الأهل على الفور: "ابني لا يتكلم بهذا الكلام السفيه". أو يقولون في مناسبة أخرى: "لم يتعلم ابني مداعبة عضوه التناسلي إلا بعد الذهاب إلى بيت صديق له"ن غير مدركين أنه من الطبيعي جداً أن يستكشف المراهق الصغير عضوه التناسلي ويداعبه بين الحين والآخر، وفي الوقت نفسه يشعر أيضاً ببعض الخجل عندما يُذكر الأمر أمامه.
7- اطرح أسئلة يكون جوابها أكثر من "نعم" و"لا".
فبدلاً من السؤال: "هل عندك مشكلة مع أمك؟" يمكنك طرح السؤال التالي: "في أية نواح من حياتك البيتية تؤثر أمك عليك؟" بهذه الطريقة يستطيع المراهق أن يتحدث بحرّية معبّراً عن آرائه وأفكاره في ما يتعلق بأمه كما يراها هو.
8- لا تكن الإنسان الوحيد في العالم الذي يملك جواباً عن كل سؤال.
لا أحد إلا الله يعرف الأمور كما هي والبشر على حقيقتهم. فلا داعي للتظاهر بأنك، يا أب ويا أم، تعرف الجواب لكل سؤال. وإن ادّعيت ذلك فسيكتشف ابنك العكس بسرعة، فلا يعود يثق بك بعد ذلك. فيُفضّل جداً أن تنمو مع ابنك في اكتشاف أمور الحياة. على اختلافها، كل على مستواه- هو باعتباره مراهقاً وأنت بوصفك راشداً.
وهناك مراجع مبسّطة تتناول موضوع الجنس بصراحة من وجهة نظر مسيحية، منها الكتيِّب "على عتبة المراهقة- للأولاد" (وهو يروي قصة الجنس والنمو) فعليك باستخدامه كوسيلة فعّالة تستعين بها في إطلاع ولدك على ما قد تجد حرجاً أو صعوبة في التكلم عليه من عندياتك. وربما استحسنت أن تستعمل هذا الكتيِّب كمدخل إلى التحدث في الموضوع.
9- لا تضخِّم المشكلة، بل "لا تعمل من الحبة قبة".
هناك مشاكل كثيرة صغيرة ومحدودة بأبعادها. فعاملها كذلك. لنعامل الجرح الصغير بغير ما نعامل به الجرح الكبير الذي قد يتطلّب إجراء عملية.
10- كن متفهماً لكل شعور من مختلف أطرافه.
يتم هذا بتكرار التعبير عن رأي أو شعور معين بطريقة أخرى من قِبَل الأب أو الأم. وإليك المثل التالي:
الابنة: لا أريد الاشتراك في النشاطات المدرسية.
الأم: هل تفضّلين البقاء في البيت وحدك؟
الابنة: ليس من الضروري في البيت. ولكن لا أريد الذهاب مع الآخرين عند انتهاء النشاط المدرسي إلى المطعم القريب من المدرسة.
الأم: هل تشعرين بعدم ارتياح عندما تكونين بين جماعة من الطلاب؟
الابنة: أظن ذلك. فأنا لا أشعر كأني واحدة منهم.
الأم: هل تشعرين بأنهم لا يعيرونك أي انتباه؟
الابنة: نعم هو ذلك تماماً. وليس لي أصدقاء بينهم. وهذه هي الحال أيضاً خارج المدرسة. فرغم وجودي بين جماعة الطلاب، كثيراً ما أشعر بالوحدة.
وهكذا نلاحظ أن الحديث ابتدأ عن النشاطات المدرسية وبعد فترة وجيزة أصبح الكلام عن الوحدة والعزلة. فحاول دائماً أن تطلب تفسيراً للمشاعر لعلك بعد وقت قصير تعرف أساس المشكلة.
11- حاول أن تعرّف المواضيع الرئيسية من خلال الاختبارات المختلفة.
في مجرى الحديث سيتطرق الشاب أو الشابة إلى الكلام عن اختبارات مختلفة جرت على مدى أشهر أو سنين. وقد تبدو هذه الاختبارات في بادئ الأمر وكأنها غير مترابطة. ولكن المستمع الحكيم يستطيع استخلاص علامات معينة تشير إلى وجود مشكلة أو مشكلتين خلال كل جولة من الحديث.
12- حدّد مدّة الحديث.
أولاً، يصعب الحديث بانتباه وتركيز لساعات طويلة دون أن تفوتك بعض النقاط. ثانياً، ستكون هناك كمية كبيرة من المواد التي دار الحديث حولها. وعلى المرشد، أو الأب أو الأم، التفكير على انفراد في الاختبارات التي سمعوها. فمن الأفضل تحديد وقت الحديث بحيث لا يتّسع لأكثر من فكرة رئيسية أو فكرتين في الجولة الواحدة. وهذا يتطلب إحساساً مُرهفاً من جانب الأب أو الأم.
13- ليكن من أهدافك الرئيسية أن يفهم المراهق نفسه.
"بعدما تحدثنا عن هذه الناحية من المشكلة، هل تفتكر الآن أنك تفهم الأسباب التي دعتك إلى تكوين هذا الشعور (أو القيام بهذا العمل)؟" بهذا السؤال يجب أن تنتهي كل جولة من الحديث إذ إن تفهُّم المشاعر من قِبل الشخص نفسه يجب أن يكون أحد الأهداف الرئيسية لكل حديث.
14- لا تجادل.
تجنب المماحكة في الكلام مهما كلّف الأمر. فالهدف من كل جولة حديث هو تفهم المشكلة ما مع أبعادها وتفهم المراهق لنفسه. فليس الهدف الرئيسي إقناع المراهق برأيك الشخصي أو انطباعك حول الموضوع. هذا بالإضافة إلى أن الجدال ولّد الشعور بالتهديد وعدم الاستقرار. فقد تربح الجدال ولكنك بالتأكيد ستخسر ابنك أو ابنتك المراهقة.
15- كن مستعداً للنظر في المشكلة مطوّلاً.
على الرغم من أن تفكير المراهق يقتصر على الوقت الحاضر، يجب أن يكون تفكير الأب الحكيم مستقبلياً بعيد الرؤية. فمن علامات عدم النضج عند الأهل أو المرشدين التسرع في إعطاء الحلول دون التفهم الكلّي للمشكلة.
16- ميّز بين الأسباب والأعراض.
الأسباب هي كجذور الشجرة والأعراض كالأثمار. فالمسبّبات تنمو وتنتج تصرفاً أو شعوراً معيناً، كالشعور بالخجل أو وجع الرأس، وهذه المسبّبات عادة تبقى وراء الستار وتُنتج أحياناً غير نوع من الأثمار.
17- اسعَ دائباً للوقوف على أصول المشاكل.
يتم هذا من خلال طريقتين على الأقل: الطريقة الأولى هي إدراك نقاط رئيسية تظهر في سياق الحديث؛ والطريقة الثانية هي طرح أسئلة كالتالية: "لماذا حدث ذلك؟ لماذا خطر في بالك؟ ماذا كان الدفع لهذا التفكير؟ ما رأيك في الجواب الذي أعطيته؟ منذ متى وأنت تفكر بهذا الموضوع؟" وأسئلة أخرى على هذا المنوال.
18- شجّع المرهق على تكوين علاقة عميقة بنوعيتها مع الأهل.
تكون معالجة المشاكل في جو استقرار فكري ومشاعري أسهل منها في جو عصيان وعدم تفهم. ففي جو التفهم الشامل يتفهم المراهق دوافع أمه أو أبيه للقيام بعمل ما. وفي أعماق النفس الإنسانية يرغب كل منا في مدّ جسور الأحاديث المهمة بينه وبين جميع أفراد العائلة.
19- قدِّم خلاصةً عند نهاية كل جولة من الحديث.
والدواعي الموجبة لهذا العمل هي: أولاً، عدم مقدرة المراهق على تذكّر جميع النقاط الرئيسية التي جرى البحث فيها. ثانياً، إعطاء إشارة للمراهق بأن هذه الجولة على وشك الانتهاء. ثالثاً، التشديد على نقاط رئيسية (يُفضّل كتابتها).
20- اُطلب المساعدة من اختصاصي عند الحاجة.
لكل أب أو أم أو مرشد أو اختصاصي محدودياته العلمية أو المشاعرية. فطلب مساعدة شخص آخر في اختصاص معين يدل على نضج وسَعَة إدراك.
- عدد الزيارات: 3829