ميزات النمو وتأثيرها
نتناول في هذا الفصل ميزات النمو عند المراهقين، وهي تتدرج فئتين: الجسمية والمشاعرية، ومن ثم نتطرق إلى اهتمامات الشبيبة واحتياجاتهم. وقد قسّمنا فترة المراهقة، وبالتالي ما أشرنا إليه أعلاه، إلى قسمين- القسم الأول يبدأ في سن العاشرة وينتهي في الثالثة عشرة؛ والقسم الثاني يتناول بقية سني المراهقة.
صلى داود النبي شاكراً فقال: "أحمدك من أجل أني قد امتزت عجباً" (مزمور 139: 14). ويقصد أنه خُلق على نحو عجيب رائع يدعو إلى الرهبة والخشوع أمام من قد سمت معرفته فوق العقل البشري. ولو تأملنا في تطور الإنسان من مهده إلى لحده لخلعنا نجن أيضاً أحذيتنا مع النبي موسى إذ نشعر أننا دائماً في الحضرة الإلهية المالئة الكون. فتطور الإنسان ونموه سريع، وهو يتغير دائماً، وخصوصاً قبل أن يصبح رجلاً بالغاً أو امرأة كاملة النمو. ودوافع هذا النمو كثيرة ومنها الدوافع الداخلية (أي الجسمية والشاعرية) ومنها الدوافع الخارجية (أي الاجتماعية). فمن الولادة إلى سن التاسعة تقريباً يكون قد نما القسم الأكبر من الدوافع الداخلية، الجسمية أكثر من المشاعرية. ولكن تدريجياً واستعداداً لفترة المراهقة، تزداد الدوافع المشاعرية. والسبب الرئيسي هو أن ذلك الفتى قد ابتدأ يشعر تدريجياً بأنه جزء مما ندعوه "المجتمع"، وقد أُضيف إلى رغباته الجسمية (أي المأكل والمشرب والراحة) رغبات جديدة دافعها الرئيسي اجتماعي خارج عن نطاق جسمه.
ويذكر الدكتور كلايد نرامور ست رغبات أساسية عند الناشئ والمراهق يختلف تطبيقها باختلاف الاختبارات اليومية. أولاً، يرغب الناشئ في التحقيق والنجاح. ثانياً، يرغب الناشئ في الارتياح الكلي من عامل الخوف ومسبّباته. ثالثاً، يحتاج الفتى الناشئ والمراهق فطرياً إلى شعور بالقبول عند الآخرين مملوء بالمحبة والعطف. رابعاً، يرغب الأحداث والمراهقون في التحرر من الشعور بالذنب واللوم. خامساً، يرغب المراهق فطرياً في الإيمان بالله. ولهذا قال الكتاب المقدس عن الله: "جعل الأبدية في قلبهم". وحسناً قال القديس أوغسطين: "في داخل الإنسان فراغ لا يملأه إلا الله". سادساً وأخيراً، يرغب الناس عامة والشبيبة خاصة في وجود شخص يفهمهم ويتجاوب معهم. وعكس هذه الرغبات الست هو شعور الشبيبة بانعدام القيمة الذاتية وبلوم الذات وبالعصيان والرفض والاستياء والخصومة والحقد. فمع نمو المراهق تزيد حاجته إلى العناصر الإيجابية المشار إليها وتقل حاجته إلى السلطة والسيطرة الأبوية والمراقبة الدائمة. أما ارتكاب الأخطاء والتعلّم منها فأمر طبيعي. لذا وجب أن يحل الإرشاد محل السيطرة والتفاهم محل إعطاء الأوامر.
يصف الدكتور نرامور ميزات الشبيبة (من سن 10 إلى 13) الجسمية والمشاعرية، كالآتي:
1- نموهم نمو مستمر ومطرد، ويزداد سرعة في سن الثانية عشرة أو الثالثة عشرة.
2- يظهر على الشاب والشابة، بمجرد النظر، فرق في الحجم والقامة.
3- الفتيات في هذه الفترة يزدادون حجماً أكثر من الشبان.
4- تبدأ الملامح والصفات الجنسية الثانوية بالظهور.
5- بالإمكان توقع نضج الفتيات أكثر من الفتيان بمقدار سنة أو سنتين.
6- الاهتمام بتأليف الجماعات أو الجمعيات الصغيرة.
7- الاستهزاء بالجنس الآخر، الأمر الذي ينتهي عند الفتيات قبل الفتيان.
8- الشعور الحسّاس بالعدل (وأحياناً أكثر من اللازم)ز
9- ظهور عدم الترتيب أحياناً.
10- ظهور علامات التجرؤ والحيوية.
11- إمكانية التركيز لمدة أطول.
12- النزعة للتفريق بين العمل الجاد واللعب.
13- الظن بأن حجم اليدين والرجلين هو أكبر من المعقول.
14- الرغبة في الحصول على موافقة الأصحاب.
15- الشعور بالنقص أحياناً عند القيام بمهمات تتطلب المقدرة الجسمية.
16- الميل لإظهار عدم اللباقة أو قلّتها، والوقفة المتراخية والكسل.
17- المناكدة أو السخرية بين الجنسين.
18- الانتقال من طور الطفولة إلى طور المراهقة.
19- تطوير المقدرة على تأجيل إشباع الرغبات.
20- ازدياد الوعي للمقدرات الشخصية ولنقاط العجز.
21- احتمال تغيّر الصوت عند الفتيان.
22- ازدياد مواضع الاهتمام وتنوعها.
23- استقرار الصداقات واستمرارها.
24- تطور حسن الفكاهة والمزاح.
كانت هذه الميزات الجسمية والمشاعرية. أما الاهتمامات والاحتياجات فهي:
1- إشراكهم في التفكير والتصميم في الأمور العائلية والدراسية.
2- لحْظ بعض الفروقات في النضج عند الجنسين.
3- السماح بوجود بعض الأصحاب والأصدقاء.
4- إشعارهم بالتقدير لأعمال يقومون بها.
5- إتاحة الفرصة لهم لاتخاذ بعض التصاميم والإفساح في المجال لذلك.
6- تزويد الفتيات بالمعلومات الضرورية التي تتعلق بالعادة الشهرية التي هنّ على وشك اختبارها لأول مرة.
7- احترام عُزلتهم وما يخصّهم.
8- إعطاؤهم الفرصة للحصول على بعض المال وصرفه.
9- احتياجهم للقيام ببعض الأعمال الاجتماعية البسيطة التي تهدف إلى خدمة الآخرين ومساعدتهم.
10- قيامهم بأعمال تستنهض تفكيرهم في المجال الروحي.
11- إفهامهم بعض التغيرات التي طرأت عليهم، أو ستطرأ، من الناحيتين الجسمية والمشاعرية.
12- احتياجهم لشخص ناضج يثقون به.
13- احتياجهم لتحديات فكرية على مستواهم.
أما الميزات الجسمية والمشاعرية لباقي سني المراهقة (أي بعد الثالثة عشرة) فهي:
1- النضج الجنسي الذي ترافقه علامات وتغيرات جسمية وعاطفية.
2- ابتداء المشي بعدم لباقة ولياقة وتطوره إلى أن يصير مقبولاً أكثر.
3- ازدياد قوة العضلات.
4- الرغبة في الحصول على موافقة الأصحاب أكثر من الأهل.
5- ظهور الفروقات والميزات الشخصية أكثر من ذي قبل.
6- ظهور علامات عدم الاستقرار الشخصي مع الاقتراب من بلوغ سن الرشد.
7- الشعور بالرغبة في الحصول على مدخول منتظم.
8- رغبة الشابات في إظهار جمالهن.
9- رغبة الشباب في إظهار القوة والصحة الجسمية.
10- النزعة نحو المثاليات.
11- الرغبة في الاستقلال.
12- تطوير المقدرات الاجتماعية.
13- توتر العلاقات العائلية.
14- الاهتمام بالجنس الآخر وتطوير العلاقات إلى درجة "الوقوع في الحب والغرام المؤقت".
15- التطرف في الظن أحياناً بأنهم "يعرفون كل شيء في الحياة".
16- رغبتهم في المساواة مع "الكبار" الراشدين.
17- الرغبة في تبني فلسفة للحياة.
18- شغلهم الشاغل أن يكونوا مقبولين عند الأصدقاء والصديقات.
19- اتخاذ شخص ما كمثال أو بطل.
20- الاهتمام بالأمور الروحية والمصير الأبدي.
أما الاهتمامات والاحتياجات خلال فترة المراهقة التالية لسن الثالثة عشرة فهي:
1- الظهور بالشكل الخارجي المقبول.
2- الحاجة لأن يكونوا مقبولين عند الأصحاب.
3- الإرشاد الذي يتصف باللطف وعدم الفضولية واحترام الحرية الشخصية.
4- الاتجاه نحو مهنة معينة.
5- الإرشاد والإفهام في ما يتعلق بالسلوك الجنسي السليم.
6- التأكد من الشعور بالأمن الذاتي.
7- الاستقلالية.
8- تأمين إمكانيات التسلية البنّاءة.
9- تماسك قوي ضمن الكيان العائلي في عالم مملوء بالفرص السانحة والاضطرابات.
10- الحاجة إلى أعمال ومهمات لتصريف الطاقة المتزايدة.
11- التشجيع على اختبارات تعمق الإيمان بالله.
12- توفير الفرص السانحة للقيام بأعمال إبداعية.
13- توسع الآفاق للحصول على العلم والمعرفة.
وُجب علينا في نهاية هذا القسم أن نقول إن الميزات والاهتمامات والاحتياجات التي تميز طور المراهقة عن غيره من أطوار الإنسان، سيمر فيها كل الشباب والشابات، إن آجلاً أو عاجلاً وفي سنٍ أو في أخرى. فقد يجوز أن شاباً عمره أربع عشرة سنة لا يزال يتصارع مع ناحية من نواحي نموه، الأمر الذي يكون قد حققه شاب آخر لم يناهز الثانية عشرة من العمر.
وإن تجاهلت، يا أخي القارئ، كل ما سبق فكتبنا، أرجو ألا تنسى هذه الأمور الثلاثة الهامة:
الأمر الأول، أنه من غير الطبيعي- من حيث المبدأ والتطبيق- أن نعامل ابن الخامسة عشرة وأنه ابن العاشرة، أو ابنة السابعة عشرة وكأن عمرها لم يتعدَّ الثالثة عشرة، وكأننا نؤكد لابننا الذي بلغ الخامسة عشرة لأنه لا يفهم الأمور الحياتية بعد، لا بل أنه غير قادر على فهم الأمور من دوننا؛ فيتواجد فوراً تصادم ذاتي في داخل الشاب نتيجته واحد من أمرين: إما يصدّق فيستسلم لهذا التفكير المغلوط وينتهي إلى حياة لا تعرف لتحمّل المسؤولية والنضج أي معنى، ويستمر لا شعورياً ولا إرادياً بالتصرف وكأن عمره دائماً أقل بثلاثة أعوام أو أربعة؛ وإما يذهب إلى الطرف الآخر فيتمرد متّصفاً بالعصيان من نوع أو آخر بقية حياته. وتظهر بوادر هذا التفكير المتطرّف في علاقته مع الزوجة والأولاد ومع الزملاء في الجامعة أو العمل. ويتضاعف الأمر سوءاًً عندما ينتهر الأهل ابنهم التعيس هذا قائلين: "تصرّف كرجل!" أو "لا تتصرّف كولد!" غير عالمين أنهم هم الذين وضعوه في وضع كهذا أو شجّعوه لاشعورياً على هذا التفكير. لا بل يزداد الأمر سوءاً أكثر عندما ينتهر الأب ابنه قائلاً: "تصرّف كأخيك الأكبر". أو تتساءل الأم عند انتهار ابنتها قائلة: "ماذا حدث حتى أنكِ لا تتصرفين كأختك الكبرى؟".
وأهم دوافع الأهل الرئيسية إلى التصرف بهذا الأسلوب الخاطئ اثنان: الخوف والشعور بالذنب. وهناك عوامل عديدة تدفع الأهل إلى الخوف، منها: عدم معرفة المستقبل، وجهل نواحٍ عديدة تتعلق بالمراهقين في البيت؛ انتزاع السلطة من يد الأب على الخصوص، أو ضعفها، إذا ما ابتدأ المراهقون يسألون الأسئلة التي لا نهاية لها؛ التساؤل عما سيفعل المراهق عندما يعرف الأمور على حقيقتها (وأنت تعرف طبعاً ما أقصد بهذا، أي الجنس والتناسل ومن أين أتينا وكيف والخ... أي جميع الأمور التي حاول الأهل تجاهلها أمام الأولاد وكأنها غير موجودة إطلاقاً). وفجأة قد تفيق البنت في الصباح لتجد ثيابها الداخلية وعليها بقع دم، فتبدأ بالصراع مع الخوف الداخلي وتأتيها الظنون والشكوك ولا تعلم ما يجب أن تفعل. هل تخبر أمها؟ وكيف؟ وماذا لو ظنت أمها أنها قامت بعمل شائن؟ وتخوض في بحر هائج من الأفكار والهواجس. وهذه كلها كان بالإمكان تجنّبها لو تداركت الأم الأمر مسبقاً وحدّثت ابنتها الصبية عن العادة الشهرية والتغيّرات التي ستطرأ على جسمها.
بالنسبة إلى الخوف من المستقبل، يتجنب الأهل ذلك بعمل شيئين: تحضير النفس والعائلة باكتساب المعلومات المتوافرة؛ وتسليم الأمر كله لله إذ هو وحده يعرف القلب والنيات والمعلومات والخفيّات. ويأمرنا الكتاب المقدس قائلاً: "توكّل على الرب بكلّ قلبك".
وبالنسبة إلى جهل الأهل ببعض أمور الحياة الضرورية المتعلقة بأولادهم المراهقين، فبالإمكان الحصول على جميع المعلومات من ذوي الاختصاص كالطبيب مثلاً، أو من كتب مفيدة تتكلم عن مواضيع أساسية للعيش السليم.
أما بالنسبة للخوف من فقدان السلطة الأبوية، فأقول ثلاثة أشياء بالإيجاز (وهنا أكلّم الأب قبل الأم).
أولاً، إذا كنت منتظراً أن يصل الأولاد إلى طور المراهقة حتى تثبّت سلطتكَ الأبوية، فلا داعي للتغيير. فالأولاد لن يفهموا ما أنتَ فاعله.
ثانياً، ذكرنا سابقاً أن إحدى ميزات المراهقين هي تعلّم الاستقلال تدريجياً. وتفعل حسناً إذا درّبتهم وساعدتهم على ذلك.
ثالثاً، من الأفضل جداً أن ينظر إليك ابنك المراهق كصديق، بل بالأحرى كصديق حميم. فالمراهق بحاجة إلى صديق وليس حاكم. فلا تخف، ستمر العاصفة! وأمنيتي القلبية هي أن تبقى سفينة عائلتك متماسكة وأنتَ ما تزال ربّانها.
إن الخوف لا يتساكن مع الثقة المتبادلة والعطف والمحبة. فإما هذا وإما تلك. وعليكما- أنتَ أيها الأب وأنتِ أيتها الأم- مسؤولية الاختيار. ومع أن الخيار الأساسي يكون واحداً، فإن نتائجه هي كالأيام المقبلة عليكَ- وعلى المراهق في بيتك- عديدة، مختلفة، بعضها غير مفهوم وبعضها غامض، وبعضها من ألذ أيام الحياة. فلا تخف، بل صمّم أن تستثمر ذاتك في أولادك المراهقين وغيرهم. فإن كَسَبتهم، تكسِب جيلاً كاملاً بل أجيالاً من الحفداء ترفع الرأس بهم وتشكر الرب من أجلهم.
ذكرنا أن الدافع الثاني للتصرف بالأسلوب الخطأ هو الشعور بالذنب. وهذا الشعور يحدث لاشعورياً. فبعض الآباء والأمهات لم يحظوا بعيش هني في طفولتهم، لا بل مرّوا باختبارات مؤلمة طوتها الأيام وظنّوا أن السنين محتها. وبعد مدة تتكون عائلاتهم الخاصة ويبدأون بإنجاب الأولاد وتربيتهم. ويكتشفهم لوهلتهم أنهم يعاملون أولادهم بالطريقة نفسها التي كانوا يُعامَلون بها من قِبل أبيهم أو أمهم أو كليهما. فيقعون في شَرَك الشعور بالذنب ولا يعرفون ما العمل ولا أين المخرج. فكيف يستطيع الأهل إعانة أولادهم، ولا سيما المراهقين منهم، وإفادتهم معنى الشعور بالذنب وكيفية التخلص منه إن لم يدركوا ذلك ويحقّقوه هم أنفسهم؟ كيف يشرح الأهل دور الضمير في حياة الإنسان إن لم يختبروا ذلك هم أنفسهم؟
سُئلت طفلة في السادسة من العمر: "ما هو الضمير؟" فأجابت: "الضمير هو تلك البقعة في الداخل التي تحترق عندما أعمل عملاً سيئاً". وعندما سُئلت مراهقة: "ما هو الضمير المذنب؟" أجابت: "هو الشعور وكأني مريضة في أسفل المعدة عندما أدرك أن ما فعلته كان خطأ بكليته".
فلنبدأ بتعريف الشعور بالذنب. بكل بساطة نقول إن الشعور بالذنب ليس هو إلا صراخ الضمير في الإنسان الباطن؛ إنه اعتراض الإنسان على ذاته. عندما تقول الرغبة: نعم، ويقول الضمير: لا، يحدث اصطدام داخلي أولي نتائجه هي الشعور بالذنب. ويزداد الأمر سوءاً عندما تتراكم هذه المشاعر بالذنب ولا يكون لها حل؛ كجرح صغير لم يُعتنَ به فيلتهب، ويزداد ورَماً. فخلال وقت قصير يتفاقم الوضع بحيث قد يحتاج ذلك الإنسان إلى عملية كبيرة. فم العمل إزاء الشعور بالذنب ما دام لا يمكن أن يتجاهله الإنسان دون عواقب وخيمة؟
قبل فقدان الأمل يا أخي القارئ، أُبشِر! هناك حل لهذه المعضلة وهناك شفاء من هذا المرض العضال. فنحن نجد الجواب في كلمة واحدة هي: الاعتراف- الاعتراف بالخطأ لله مباشرة. يقول الكتاب المقدس: "إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ". فالشرط الوحيد هو الاعتراف غير الشروط. والجواب هو الغفران الأكيد للإثم والتطهير، أي محو آثار الذنب والشعور به. فإن كان الأهل مثالاً لأولادهم من هذه الناحية يتخذ الأولاد منهم لا عبرة فقط بل يكونون قد وجدوا من يتفهمهم ومن يثقون به. فلنعش الحياة بكل حيويتها وفيضها. أما قال الرب يسوع: "أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل"؟
قلنا أن هناك ثلاثة أمور هامة على الأب والأم الانتباه الشديد إليها وها قد بحثنا الأمر الأول وإبعاده، وهو: معاملة الناشئ والمراهق بحسب عمرهما، أو وفاء كل عمر حقه. فلنعُد إذاً إلى متابعة الحديث عن الأمرين الباقيين.
الأمر الثاني هو سد حاجات المراهقين على غير صعيد. فإن كان الأب والأم هما العنصرين الرئيسيين في مجيء طفل إلى العالم، فمن المنطقي أن يستعد الأب والأم لتأمين حاجات الأولاد وخصوصاً في طور المراهقة. ولا أعني حاجات الجسد فقط، بل أيضاً الحاجات النفسية والمشاعرية والاجتماعية والروحية. ونرجو أن توفّر صفحات هذا الكتاب الإرشاد الكافي للعمل على سد القسم الأكبر من الاحتياجات المهمة في عائلة القرن العشرين.
أما الأمر الثالث المهم فهو ضرورة التنبه إلى كل ما يدخل كيان المراهق من الخارج. فمعلوم أن المتخرج في الجامعة لا يتذكر كل دقائق المواضيع التي درسها، لكنه يُعتبر متعلّماً. وكذلك المراهق، فسيتخرج من مرحلة المراهقة وقد اكتسب مهارات هي بالحقيقة لا مهارات، لأن ما يبدو كإمكانيات يكون بالحقيقة نقاط ضعف. ومع أنه لا يتذكر دقائق الاختبار اليومية التي مر بها منذ الحداثة فهي ستؤثر فيه مدى الحياة. ولهذا قال الكاتب الأمريكي المشهور مارك توين: "أنا لم أدَع مدرستي تتدخل في ما تعلمته".
يتأثر الإنسان بما يدخل فكره من خلال حواسه الخمس طيلة أيام حياته. وهناك أشياء يجب أن تدخل دماغ الإنسان بواسطة الحواس. وهناك أشياء أخرى يجب أن لا تدخل دماغ الإنسان إذا أمكن لأنها دائماً وأبداً تخرّب ولا تبن، تؤخّر ولا تقدّم، بل تدمّر وتخلّف آثارها العشوائية في شخصية الإنسان وكيانه. والعلم الطبي الحديث المتعلق بدماغ الإنسان يخبرنا بأن كل شيء دون استثناء مما يدخل الدماغ من طريق العين والأذن واللمس والذوق والشم، يظل مخزوناً في الدماغ مع أننا ننسى معظمه. وعلى أساس ما في الدماغ تتأسس الشخصية وتُبنى ويتكلم الإنسان ويفكّر. ولهذا نبّه سليمان الحكيم محذّراً فقال: "فوق كل تحفظ احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة".
ونود في ختام هذا الفصل أن نذكّر الأهل الكرام بضرورة استعمال الكتيّب "على عتبة المراهقة- للأولاد" (وهو يروي قصة الجنس والنمو) كوسيلة إيضاح بسيطة وفعالة لتنوير المراهقين بشأن موضوع الجنس الحيوي.
- عدد الزيارات: 3088