Skip to main content

ماذا يقول الله في موضوع الجنس والسلوك الجنسي

نتناول في هذا الفصل ما يقوله الكتاب المقدس عن الجنس والسلوك الجنسي عند الإنسان. فالله لم يترك الإنسان في ظلام بل يريد له أن يكون في النور، لأن "الله نور وليس فيه ظلمة البتة". وهو يريد أن نسير في ضوء كلمته، كلمة الحق، فهيّا بنا يا أخي القارئ إلى نبع الحياة الذي لا ينضب بل يروي الإنسان ويشبعه وينعشه.

هل يحتاج الإنسان لأن يعرف ما يقوله الله في كتابه المقدس؟ ألا نقدر أن نسيّر أمورنا كما نريد؟ كثيرون يحاولون العمل من هذا المنطلق مستغنين عن الله، ولكن هل يستغني الطير عن الهواء والسمك عن الماء؟ فكم بالحري الإنسان الذي خلقه الله للعيش معه وله، لا يستطيع البتة أن يستغني عنه تعالى.

يصف الكتاب المقدس كلمة الله بأنها:

1- نقية:- "كُلُّ كَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ نَقِيَّةٌ" (أمثال 30: 5) أي خالية من الجراثيم التي تُلحق ضرراً بتفكير الإنسان وسلوكه.

2- ثابتة- "إِلَى الأَبَدِ يَا رَبُّ كَلِمَتُكَ مُثَبَّتَةٌ فِي السَّمَاوَاتِ" (مزمور 119: 89) أي أنها لا تتأقلم ولا تتغير ولا تترجح في أحضان النظريات.

3- ثمينة- "شريعة فمك خير لي من ألوف ذهب وفضة" (مزمور 119: 105).

4- منيرة- "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" (مزمور 119: 105).

5- عجيبة- "عجيبة هي شهاداتك، لذلك حفظتها نفسي" (مزمور 119: 129).

6- مستقيمة- "بار أنت يا رب وأحكامك مستقيمة" (مزمور 119: 137).

7- عادلة- "عَادِلَةٌ شَهَادَاتُكَ إِلَى الدَّهْرِ. فَهِّمْنِي فَأَحْيَا" (مزمور 119: 144).

8- كاملة- "نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ يَرُدُّ النَّفْسَ" (مزمور 19: 7).

9- صادقة- "شَهَادَاتُ الرَّبِّ صَادِقَةٌ تُصَيِّرُ الْجَاهِلَ حَكِيماً" (مزمور 19: 7).

10- طاهرة- "أَمْرُ الرَّبِّ طَاهِرٌ يُنِيرُ الْعَيْنَيْنِ" (مزمور 19: 8).

11- حقٌّ- "أَحْكَامُ الرَّبِّ حَقٌّ عَادِلَةٌ كُلُّهَا" (مزمور 19: 9).

12- مُلذة- "أَشْهَى مِنَ الذَّهَبِ وَالإِبْرِيزِ الْكَثِيرِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقَطْرِ الشِّهَادِ" (مزمور 19: 10).

ولا عجب، فإن صفات كلام الله تعكس لنا طبيعة الله. فهو نقي وثابت وثمين وعجيب ومستقيم وعادل وكامل وصادق وطاهر وحق وملذ. ولكن حذار يا أخي القارئ، فكلمة الله هي أيضاً سيف. يقول الكتاب المقدس إن كلمة الله هي "حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ". وهذا معناه أن كلمة تُعد الإنسان للسلوك الصحيح وتحذّره من السلوك المؤذي له وللآخرين.

بعض الأشخاص يظنون أنهم إذا قاموا بعمل غير مرض لكنهم أقدموا عليه لوحدهم وبالسر فهذا مقبول وليس لأحد دخل فيه. ولكن الكتاب المقدس يعلّمنا أنه "كما يشعر الإنسان في نفسه، هكذا هو" (أمثال 23: 7)، بمعنى أن النفسية ستظهر في الشخصية، والشخصية تتحول جلية في الحياة العملية اليومية، ولا مفر. فالإنسان الحكيم يسلّم قلبه لله، إذ إن القلب هو النبع. ومن القلب، كما يقول الكتاب، "مخارج الحياة" (أمثال 4: 23). والله بذاته يدعو الإنسان أياً كان وأينما كان قائلاً: "يا ابني أعطني قلبك" (أمثال 23: 26).

يعلّمنا الكتاب المقدس عشر حقائق إنسانية نلخّصها كما يلي:

الحقيقة الأولى: الله خلق جميع الكائنات الحية.

"في البدء خلق الله السموات والأرض" (تكوين 1: 1).

الحقيقة الثانية: الله خلق الإنسان على صورته.

"فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ" (تكوين 1: 27).

الحقيقة الثالثة: الله أعطى الإنسان مقدرة التناسل.

"وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ" (تكوين 1: 28).

الحقيقة الرابعة: الله خلق الإنسان للشركة وليس للوحدة.

"وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ»" (تكوين 2: 18).

الحقيقة الخامسة: الله خلق لآدم امرأة لتشاركه في الحياة، وليس رجلاً آخر.

"لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا" (تكوين 2: 24).

الحقيقة السادسة: الله رتب أن يكون كل شيء مكشوفاً بين الرجل والمرأة ضمن نطاق الزواج.

"وَكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ، آدَمُ وَامْرَأَتُهُ، وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَنِ" (تكوين 2: 25).

الحقيقة السابعة: الله يريد أن تكون الحياة والشركة بين الرجل وزوجته (أو بين الأب والأم) وخصوصاً في ما يتعلق بالأمور الجنسية بينهما حياة إلفة ودفء وشركة عميقة وحميمة.

"لِتَكُنْ لَكَ وَحْدَكَ وَلَيْسَ لأَجَانِبَ مَعَكَ. لِيَكُنْ يَنْبُوعُكَ مُبَارَكاً وَافْرَحْ بِامْرَأَةِ شَبَابِكَ الظَّبْيَةِ الْمَحْبُوبَةِ وَالْوَعْلَةِ الزَّهِيَّةِ. لِيُرْوِكَ ثَدْيَاهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَبِمَحَبَّتِهَا اسْكَرْ دَائِماً" (أمثال 5: 17- 19).

الحقيقة الثامنة: العلاقة الجنسية خارج نطاق الزواج هي علاقة زنى، ولهذا أوجد الله الزواج لتكون العلاقة ضمنه محلّلة للرجل وللمرأة.

"فَحَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً. وَلكِنْ لِسَبَبِ الزِّنَا، لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتُهُ، وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا. لِيُوفِ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ، وَكَذلِكَ الْمَرْأَةُ أَيْضًا الرَّجُلَ" (1 كورنثوس 7: 1- 3).

الحقيقة التاسعة: إن الطاقة الجنسية موجودة في الإنسان والمنفذ الوحيد لاستهلاكها الصحيح هو الزواج.

"التزوج أصلح من التحرّق" (1 كورنثوس 7: 9).

ويصف الكتاب المقدس السلوك الجنسي عند الشاب الذي لا يعرف السيطرة؛ وذلك بأسلوب القصة فيقول:

"مِنْ كُوَّةِ بَيْتِي مِنْ وَرَاءِ شُبَّاكِي تَطَلَّعْتُ فَرَأَيْتُ بَيْنَ الْجُهَّالِ لاَحَظْتُ بَيْنَ الْبَنِينَ غُلاَماً عَدِيمَ الْفَهْمِ عَابِراً فِي الشَّارِعِ عِنْدَ زَاوِيَتِهَا وَصَاعِداً فِي طَرِيقِ بَيْتِهَا. فِي الْعِشَاءِ فِي مَسَاءِ الْيَوْمِ فِي حَدَقَةِ اللَّيْلِ وَالظَّلاَمِ. وَإِذَا بِامْرَأَةٍ اسْتَقْبَلَتْهُ فِي زِيِّ زَانِيَةٍ وَخَبِيثَةُ الْقَلْبِ. صَخَّابَةٌ هِيَ وَجَامِحَةٌ. فِي بَيْتِهَا لاَ تَسْتَقِرُّ قَدَمَاهَا. تَارَةً فِي الْخَارِجِ وَأُخْرَى فِي الشَّوَارِعِ. وَعِنْدَ كُلِّ زَاوِيَةٍ تَكْمُنُ. فَأَمْسَكَتْهُ وَقَبَّلَتْهُ. أَوْقَحَتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ لَهُ: «عَلَيَّ ذَبَائِحُ السَّلاَمَةِ. الْيَوْمَ أَوْفَيْتُ نُذُورِي. فَلِذَلِكَ خَرَجْتُ لِلِقَائِكَ لأَطْلُبَ وَجْهَكَ حَتَّى أَجِدَكَ. بِالدِّيبَاجِ فَرَشْتُ سَرِيرِي بِمُوَشَّى كَتَّانٍ مِنْ مِصْرَ. عَطَّرْتُ فِرَاشِي بِمُرٍّ وَعُودٍ وَقِرْفَةٍ. هَلُمَّ نَرْتَوِ وُدّاً إِلَى الصَّبَاحِ. نَتَلَذَّذُ بِالْحُبِّ. لأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ فِي الْبَيْتِ. ذَهَبَ فِي طَرِيقٍ بَعِيدَةٍ. أَخَذَ صُرَّةَ الْفِضَّةِ بِيَدِهِ. يَوْمَ الْهِلاَلِ يَأْتِي إِلَى بَيْتِهِ». أَغْوَتْهُ بِكَثْرَةِ فُنُونِهَا بِمَلْثِ شَفَتَيْهَا طَوَّحَتْهُ. ذَهَبَ وَرَاءَهَا لِوَقْتِهِ كَثَوْرٍ يَذْهَبُ إِلَى الذَّبْحِ أَوْ كَالْغَبِيِّ إِلَى قَيْدِ الْقِصَاصِ حَتَّى يَشُقَّ سَهْمٌ كَبِدَهُ. كَطَيْرٍ يُسْرِعُ إِلَى الْفَخِّ وَلاَ يَدْرِي أَنَّهُ لِنَفْسِهِ. وَالآنَ أَيُّهَا الأَبْنَاءُ اسْمَعُوا لِي وَأَصْغُوا لِكَلِمَاتِ فَمِي. لاَ يَمِلْ قَلْبُكَ إِلَى طُرُقِهَا وَلاَ تَشْرُدْ فِي مَسَالِكِهَا. لأَنَّهَا طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ" (أمثال 7: 6- 27).

وهنا نقدم بعض الملاحظات حول هذا المقطع الذي اقتبسناه من سفر الأمثال.

أولاً، على الأهل أن يدركوا تماماً أن العلم اليوم- ويا للأسف- مليء بأشخاص يريدون منفعتهم الخاصة على حساب الآخرين. ولذلك وجب على الأب والأم تدريب أولادهما التدريب الصحيح منذ صغرهم، وبنوع خاص في سن المراهقة، على السلوك الجنسي السليم والتحدث معهم بصراحة ممزوجة بالمحبة.

ثانياً، ميّزت القصة بين البنين والغلمان. فالبنون هم الذي تربوا التربية الصحيحة. والغلام هو الفتى المراهق الذي لم يتعلم الحياة من أهله بل الرفقة في الشارع. ولهذا تجده وحده في حدقة الليل في الشارع وقد أصبح فريسة وهو لا يعلم. ولذا وصفه الكاتب بأنه "عديم الفهم". وعديم الفهم لا يجلب لأهله إلا الغم والهم.

ثالثاً، المرأة الغاوية المغوية قامت ببعض الأفعال التي هي بحد ذاتها مقبولة وواجبة ضمن نطاق الزواج وليس خارجه، أي ضمن المخطط الذي رسمه الله للإنسان. فالتقبيل والارتواء بالود والتلذذ بالحب هي أمور طبيعية بين الزوج وزوجته. والحكيم نفسه الذي روى هذه القصة قال أيضاً: "افرح بامرأة شبابك وبمحبتها اسكر دائماً". لم يقل: "افرح بنساء شبابك واحدة لذهابك وواحدة لإيابك". فالمقصود هنا هو أنه في فترة شبابك أيها الشاب سيكون لك زوجة ولك الحق لتتلذذ أنت بها وهي بك، إذ كل جسدها لك وكل جسدك لها. ولذلك بمقدور الزوجين كليهما أن يجعلا بيتهما الزوجي سماءً على الأرض إذ يكون مليئاً بكل دفء وعطف وحنان، ممزوجاً بالمشاركة كل آن في الأفراح والأحزان، في التعب والراحة.

وفي ضوء هذه القصة والتعليقات عليها نقدم الحقيقة العاشرة والأخيرة.

الحقيقة العاشرة: هدف الشيطان منذ القديم هو تخريب ما عمله الله وتحريف ما قاله في الكتاب المقدس.

فهو المفسِد الذي يأتي لينهب ويسرق ويقتل. يأخذ الحقيقة ويمزجها بالباطل فتصبح فاسدة. يأخذ كلام الله ويحوّره مضيفاً القليل من الشك لتصير الكلمة غامضة. فهو يجعل من السلام خصاماً، ومن الطاعة عصياناً، ومن الحب شهوة، ومن السماء جحيماً، يحوّل العطية إلى دين والحقيقة إلى زور والثقة إلى خوف والوعد إلى شك. لهذا يصفه الكتاب المقدس بأنه "كذاب وأبو كل كذّاب"؛ وأيضاً، هو أتى "ليسرق ويذبح ويهلك". هو "أسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه". هو "شرير" ومغوٍ ومشتكٍ على أبناء الله. هذه طبيعته، وما أبعدها من طبيعة الله التي وصفناها بإيجاز في بداية هذا الفصل. فالله يتصرف حسب طبيعته. وكذلك الشيطان.

لهذا يأخذ الشيطان بين يديه مثلاً هبة الجنس التي أعطاها الله للإنسان فتصبح أداة تخريب- لا أداة تقريب- بين الرجل وزوجته، وتصير وسيلة إفساد لفكر الشاب والشابة اللذين ما يزالان في بداية رحلة الحياة.

  • عدد الزيارات: 5071