الفصلُ الرابِع رابِطُ الإتِّصال
عندما يأتي زوجان إلى راعي كنيستِهما طالِبَين الإرشادَ الزوجي، أحدُ أوَّل الأمور التي يُركِّزانِ عليها هي مُشكِلة الإتصال. فعادَةً يبدأُ الزوجانِ جلسةَ الإرشاد بالقَول، "ليسَ لدينا إتّصالٌ أو تفاهُم. نحنُ لا نتواصَل."
إنَّ الاتصال هو واحدٌ من الروابط التي تُساعِدُ ديناميكيَّاً الإثنَين لِيُصبِحا جسداً واحِداً، لأنَّهُ أداةٌ تُمكِّنُهُما من العملِ على وِحدَتِهِما. كَمُؤمِنينَ بالمَسيح، لدينا وِحدَة معَ المسيح. والوحدَةُ معَ المُخلِّص لا تهتمُّ فقط بِنفسِها، بل ينبَغي صِيانتُها وتغذيتُها. لهذا عليكَ أن تقضِي وقتاً معَ الربِّ يوميَّاً في الصلاة وقِراءَةِ الكلِمَة. هكذا نُحافِظُ ونُغذِّي علاقتَنا معَ المسيح، بواسطةِ الإتِّصال معَهُ بالصلاة والإستِماع لصَوتِهِ عندما نفتَحُ الكِتابَ المقدَّس.
الأمرُ نفسُهُ يصحُّ على الزواج. فعليكَ العمل على وِحدَتِكَ، وأن تَصُونَها وتُغذِّيها. والإتِّصالُ أو التفاهُم هو الأداةُ التي يستطيعُ الزوجانِ إستخدامَها لتغذِيَةِ وصِيانَةِ وِحدَتِهما. مُعظمُ البكتيريا تتكاثَرُ في الظلام، ولا تستطيعُ العيشَ في النور. إن كانَ شخصانِ لا يتكلَّمان ولا يتفاهمان، فالكثيرُ من البكتيريا سوفَ تتكاثَرُ بينَهُما. لهذا يحُضُّنا بُولُس بأن نطرَحَ عنَّا خفايا الخِزي (2كورنثُوس 4: 2). فعندما لا نكونُ صادِقَينِ مع بعضِنا، ونُخبِّئُ أشياءَ عن بعضِنا، نُبقي على البَكتِيريا في الظلام. الإتصال هو إلقاء الضوء على علاقَتِنا. فعندَما نُلقِي الضوء، تموت الكثيرُ من البكتيريا في علاقَتِنا. وبواسِطَةِ إتِّصالٍ جيِّد، نستطيعُ مُواجهة التي لا تموتُ منها، إذ يتحوَّلُ ضوءُ إتِّصالِنا إلى أداةٍ لتغذِيَةِ وصيانَةِ وحدَتِنا.
تُعرِّفُ القواميسُ الإتصال بأنَّهُ "إعطاءُ وأخذُ المعلومات، الرسائل، والأفكار، بواسطةِ الكلامِ والحركاتِ والوسائل الأُخرَى." يُخبِرُنا هذا التعريف ببِضعَةِ أُمُورٍ عن الإتِّصال. أوَّلاً، ليسَ هُناك ما يُسمَّى "عدم إتِّصال." فعندما يقولُ الناسُ، "نحنُ ليسَ لدينا إتصال،" فهذا غيرُ صحيح. فنحنُ دائماً نتواصَل، ولكنَّ الفرقَ هو بأيَّةِ وسيلةٍ أو طريقةٍ نتواصَل؟ بواسطةِ الكلام؟ بالحركات؟ أم بوسائل أُخرَى؟
يقولُ تعريفُ الإتِّصال أيضاً أن هُناكَ مجالانِ للإتصال هما العطاءُ والأخذ. قالَت إمرأةٌ مرَّةً، "وكأنَّ زَوجي يعيشُ في جَزيرَةِ ألغاز، وأنا أدورُ حولَها منذُ عِشرينَ سنةً دونَ أن أجدَ مرفأً أرسي سفينَتي عليه."
تَصَوَّر أنَّكَ أنتَ وزوجتُكَ على جزيرَتين مُتباعِدَتين، ولا يُمكِنُكُما الإتِّصال إلا بِواسِطَةِ جهاز اللاسِلكِي. فلكي يكونَ هُناكَ إتصالٌ، ينبَغِي أن يقومَ أحدُ الزوجَين بالعطاء أو بإرسالِ الإشارة، وأن يقومَ الزوجُ آخر بأخذِها أو بإستقبالِها. أحياناً ترجِعُ مُشكِلَةُ الإتِّصال إلى كونِ أحدُ الزوجَينِ أو كِلاهُما معاً لا يديرانِ جهازَ الإرسال ولا يُرسِلانِ أيَّةَ إشارَةٍ للآخر. وأحياناً عندما يُرسِلانَ إتصالات، تكونُ الرسالَةُ مُشوَّشَةً. وهُناكَ أوقاتٌ عندما ترجِعُ مشاكِلُ الإتِّصال إلى كونِ واحِدٍ من الزوجَين أو كِلاهُما لا يُديرانِ جِهازَ الإلتِقاط، أو عندما يُديرانِِهِ، لا يكونُ موضُوعاً على مَوجَةِ إرسالِ الآخر.
لِهذا فإن طريقَةَ إستِقبالِ الإتِّصال هي مُهمَّةٌ بمقدارِ أهمِّيَّةِ إرسالِ الإتِّصال. عندما تخرُجُ السُّلحُفاة من حُجرَتِها العظميَّة لكي تمشي، إذا وَطِئتَ عليها، ترجِعُ لتَختَبِئَ في داخِلِ حُجرَتِها وتبقى هُناكَ لوقتٍ طَويل. وهكذا نحنُ البَشرُ أيضاً. تصوَّر أنَّكَ تُشارِكُ معَ زوجَتِكَ أُموراً شخصيَّة عميقَة عن نفسِكَ. فإن لم يتمَّ إستقبالُ إتِّصالِكَ بشكلٍ جيِّد، فسوفَ ترجِعُ أنت لتختَبِئَ في حُجرَتِكَ السُلحُفاتِيَّة ولن تخرُجَ منها لوقتٍ طَويل.
فإن لم يكُنْ بإمكانِكَ الإتِّصال، لا تكونُ لديكَ الوسائل للمُحافَظَة على وحدَتِكَ وتغذِيتِها. ولن تتمكَّنَ من العَمَلِ على تحسينِ علاقاتِكَ. من المُمكِن أن تُحسِّنَ إتِّصالَكَ بشكلٍ دراماتِيكي، وأن تتمتَّعَ بهذه الأداة التي تُمكِّنُكَ من العملِ على تحسينِ زواجِكَ.
على خِلافِ العلاقة بينَ الوالِدِ أو الوالِدَة والطفل، والتي قُدِّرَ لها منذُ بِدايتِها عندَ الولادَة أن تتفرَّق، فإنَّ علاقَةَ الزواج تجمَعُ الشريكَينِ معاً. إنَّ هذا هو أشبَهُ بِجوانِبِ الهرَم التي تلتَصِقُ ببعضِها البعض. فيَنبَغي أن يقتَرِبَ الشريكانِ إلى بعضِهما أكثَرَ. فالاتِّصالُ يُوفِّرُ الأدوات التي تَجعَلُ من العلاقَةِ الزوجيَّة علاقَةً وثيقَةً. فإن لم يكُنْ لدى الزوجَينِ إتِّصال، لا تكونُ لديهما الأداةُ التي أعدَّها اللهُ لتأهِيلهما للعملِ على تحسينِ علاقتِهما.
تظهرُ مشاكِلُ الاتِّصال على الأقل في شكلَين. أحدُهما هو الجِدال. فبَعضُ الأزواج لا يُمكِنُهُما أن يتواجدا لخَمسَةِ دقائِق بدونِ المُجادَلَة حولَ موضُوعٍ مُعَيَّن. الشكلُ الثاني لمشاكِلِ الإتِّصال هو العكسُ تماماً – الصمت. ولكنَّ الصمتَ لا يعنِي دائِماً أنَّ لَدَيكَ مُشكِلَة إتِّصال، ولكن غالِباً ما تكونُ هذه هي الحال. والناسُ مُختَلِفُون. أشخاصٌ كثيرونَ لا يشعُرونَ بالراحَةِ أماَم الصمت. بالنسبةِ لهُم، الصمتُ هو أمرٌ غريبٌ مُربِك. وهُناكَ أولئكَ الأشخاص الصامِتُون، الذي لا يشعُروُنَ حتَّى بالحاجةِ للكلام.
أحدُ أصدِقائِي المُقرَّبِين هو الرجُل الأكثر هُدوءاً الذي أعرِفُهُ. ذاتَ يومٍ قالَت لهُ سيِّدَة، "ليسَ لديكَ الكثير لِتَقُولَهُ، أليسَ كذلك؟" فأجاب صديقِي، "دعينِي أقولُ لكِ شيئاً. عندما تكونُ المياهُ عميقةً، تكونُ هادئةً وصامِتًة. ولكِن عندما تكونُ سطحيَّةً ضَحلة، فعندَها تسمَعينَ خَريرَها وضجَّتَها." لم يكُن صَديقي يتصرَّفُ بِفظاظةٍ مع المرأة. ولكنَّهُ كانَ يشرَحُ وجهَةَ نظَرِه.
فإن كُنتَ مُتزوِّجاً من إمرأة من نموذَج المياه العميقة الهادِئة، فهذا لا يعنِي أنَّ لديكَ مُشكِلَة إتِّصال. فأجمل الطُرُق عندما تكونانِ معاً هو أن يكونَ بينكُما صِلَة، التي هي أصلُ كلمة إتِّصال. فيُمكِنُكُما أن تشعُرا بالراحَةِ معاً، وليسَ عليكُما أن تتكلَّما لكَي تشعُرا بالراحَة. فالصمتُ لا يُشيرُ دائماً إلى مُشكِلَة في الإتِّصال.
ولكنَّ الاحتقارَ الصامتَ هو شكلٌ من أشكالِ الاتِّصال، وقد يعنِي أن لديكَ مُشكِلة إتِّصال. فإن كانت زوجتُكَ تُعامِلُكَ باحتقارٍ صامِت، فهذا يعنِي أنَّكَ أحزَنتَها، لِهّذا تُعامِلُكَ ببرُودةِ الإحتقارِ الصامِت. قالت سيِّدَةٌ كان زوجُها يُعامِلُها بهذهِ الطريقة، "ينبَغي أن تُصغِيَ إليهِ عن كثب عندما يكِفُّ عنِ الكلام لكي تسمَعَ ماذا يقول."
وهكذا فنحنُ نتَواصَلُ بالكلام، بالحَركات وبطُرُقٍ أُخرى. وقد تظهَرُ هذه الأشكال الأُخرى من الإتِّصال في رَميِ الصُّحون، وإغلاقِ البابِ بِعُنف، وضربِ الحائط بقبضَةِ اليَد. ومن الناحية الإيجابِيَّة، تُعتَبَرُ الإبتسامَةُ، ووَضْعُ اليدِ على الكتِف، وغَمْرُ الحَبيبَ بِحنان، والدُموع، تُعتَبَرُ كُلُّها إشاراتٍ وإتصالات. فكما ترى، ليسَ هُناكَ ما يُسمَّى بعدمِ الإتِّصال. فأحياناً تتَّصِلُ بِواسِطَةِ هذه الحركات والوسائل الأُخرى، ورغمَ ذلكَ يكونُ إتصالُكَ بليغاً جداً. قالَ فرنسيس الأسيزي، "في كُلِّ شيء إِكرِزْ بالمسيح. فقَط عندَما تكونُ الضرورةُ ماسَّةً، إستَخدِمْ الكلام." إنَّ الإتِّصالَ الفعَّال، سواءٌ أكانَ سلبيَّاً أم إيجابِيَّاً، لا يتطلَّبُ دائماً الكَلِمات.
دخلَ أُستاذِي في الخطابةِ مرَّةً إلى غُرفَةِ صفٍّ كانَت تعُمُّهُ فوضَى عارِمَة وضجَّةٌ لا تُطَاق. فتقدَّمَ نحوَ الطاولة التي على منبَرِ الصفّ وضربَ بكَفِّهِ بقوَّة على الطاوِلة. فسُمِعَ الصوتُ وكأنَّهُ طلقةٌ نارِيَّة، وقالَ مُباشَرةً بعدَ أن ضربَ الطاوِلة، "أُريدُ أعلى قدَر من الضجة والفوضَى." ولكن سيطَرَ صمتٌ مُطبَق على القاعة. ثمَّ شرَحَ لنا الأُستاذُ ما سبقَ وفعلَهُ. سبعة بالمائة فقط من الإتِّصال هو بالكلمات. وخمسَةٌ وخمسونَ بالمائة من الإتصال هو المعنَى الذي تقصِدُ وضعَهُ في الكَلِمات التي قيلَت، وثمانية وثلاثُونَ بالمائِة من الإتصال هو لُغةُ الجَسد وحركاتُهُ التي تُرافِقُ الكلمات المَقُولَة. فهوَ قال، "أُريدُ فوضَى عارِمَة." فلو إكتَفَى الأُستاذُ بالعِبارَةِ وحدها لما سيطَرَ على الصف، بل لَزادَ الطينَ بلَّةً لو فَهِمَ الطُلابُ ما قالَهُ. ولكنَّ الذي هدَّأَ من ضجَّةِ الصف هو المعنَى الذي أرادَ وضعَهُ في الكلِمات التي استخدَمَها. فالطريقةُ التي قالَ بها "أُريدُ فوضَى عارِمة،" وكأنَّهُ كانَ يقولُ بكلماتٍ أُخرِى، أُريدُ هُدوءاً كامِلاً في الصف." وممَّا عزَّز هذا هو ضَرْبُهُ بِكَفِّهِ على الطاوِلَة.
بالإختِصار
الإتِّصالُ ليسَ فقط ما يُقال، بل أيضاً ما يُسمَع. الإتِّصالُ ليسَ فقط ما يُقال، بل أيضاً ما يُستَقبَل. الإتصالُ إذاً ليسَ فقط ما يُقال، بل أيضاً ما يُشعَرُ بهِ على أساسِ الحركاتِ وأُمورٍ مُماثِلة. والإتَّصالُ هو ليسَ فقط ما يُقال، بل أيضاً ما يُوحَى بِهِ أَو يُلمَّحُ إليه. والإتِّصالُ ليسَ فقط ما يُقال، بل ما يُريدُ الناسُ أن يسمَعُوه. إنَّ كُلَّ هذهِ الأُمُور تترُكُ معَ الذي يستَقبِلُ الرِّسالَة "إنطِباعاً شامِلاً" عن الرسالة التي وصلتهُ بالكلامِ، بالحَركات، أو بأيَّةِ طَريقَةٍ أُخرى.
- عدد الزيارات: 11256