الفصلُ الثاني الزَّواجُ في نظَرِ اللهِ
هُناكَ مقطَعُ في الأناجيل حيثُ نجدُ يسوع يُقدِّمُ تعليماً واضِحاً حولَ موضُوعِ الزواج والطلاق. لقد سبقَ وأشرتُ إلى هذا المقطَع، ولكن ينبَغي أن أرجِعَ إليهِ الآن، لأنَّهُ يُقدِّمُ لنا إقتِباسَ يسوع من مُوسى، ويُعطينا أجوِبَةَ العهدَين القِديم والجديد "عمَّا هُوَ الزواج في نظَرِ الله؟"
"وجاءَ إليهِ الفَرِّيسيُّون لِيُجرِّبُوهُ قائلين لهُ هل يحِلُّ للرجُل أن يُطلِّقَ امرأتَهُ لكُلِّ سبب. فأجابَ وقالَ لهم أما قرأتُم أن الذي خلقَ من البدءِ خلقَهُما ذكراً وأُنثَى. وقالَ من أجلِ هذا يترُكُ الرجُلُ أباهُ وأُمَّهُ ويلتصِق بامرأتِهِ ويكونُ الإثنان جسداً واحداً. إذاً ليسا بعدُ اثنين بل جسدٌ واحِد. فالذي جَمَعَهُ اللهُ لا يُفرِّقُهُ إنسانٌ."
"قالوا لهُ فلِمَاذا أَوصَى مُوسَى أن يُعطَى كتابُ طَلاق فتُطلَّق. قالَ لهُم إنَّ مُوسَى من أجلِ قساوةِ قُلوبِكُم أذِنَ لكُم أن تُطلِّقُوا نِساءَكُم. ولكن من البدءِ لم يُكنْ هكذا. وأقولُ لكُم إن من طلَّقَ امرأتَهُ إلا بسببِ الزنا وتزوَّجَ بأُخرَى يزني."
قالَ لهُ تلامِيذُهُ إن كانَ هكذا أمرُ الرجُل معَ المرأة فلا يُوافِق أن يتزوَّج. فقالَ لهُم ليسَ الجميعُ يقبَلُونَ هذا الكَلام بلِ الذينَ أُعطِيَ لهُم." (متى 19: 3-11)
الزواجُ هوَ عَلاقَةٌ بِتَدبيرِ العِنايَةِ الإلهيَّة
الرابِطُ الأوَّل من الروابِطِ السبعة من هذه العَلاقَة، كما أشرنا في الفصلِ الأوَّل، هو أنَّ هُناكَ بُعدٌ بِتَدبيرِ العِنايَةِ الإلهيَّة في العلاقَةِ بينَ رجُلٍ وامرأة. في إصحاحِ الخَلقِ في الكتابِ المقدَّس، نرى الخالِقَ يجمَعُ معاً ذَكَراً وأُنثَى في علاقَةِ "وِحدَة". ولقد عرَّفَ يسوعُ الزواجَ في نظرِ الله عندما قالَ، "فالذي جمَعَهُ اللهُ لا يُفرِّقُهُ إنسان." إنَّ الزواجَ هو زواجٌ في نظرِ الله، عندما نستطيعُ أن نقولَ أنَّ الربَّ هو الذي جمَعَ رجُلاً وإمرأة معاً. إنَّ الإرشادَ الإلَهي ينبَغِي أن يكونَ أساسَ إتِّخاذِنا لِقرار الزواج.
إنَّ العلاقَةَ هي بِتدبيرِ العِنايَةِ الإلهيَّة لأنَّ اللهَ هوَ الذي جمعَ هذه العلاقة معاً، عندما أعطى خُطَّةَ هذه العلاقة في كَلِمتِه. فلقد جمعَ اللهُ هذَينِ الشريكَين معاً عندما جعلهُما جسداً واحِداً، ويُخبِرُنا يسوعُ أنَّ اللهَ وحدَهُ يستطيعُ أن يُبقِيَ هذا الرجُل والإمرأة معاً.
وبما أنَّ كُلَّ شَريكٍ يأتي بمشاكِلِهِ إلى العلاقَةِ الزوجيَّة، فإنَّ التحدِّي الموضُوع أمامَنا هو أن نرى ذواتِنا في زيجاتِنا – أي الأدوار، المُهمَّات، والمسؤوليَّات المُلقاة على عاتِقِنا. نحتاجُ أن نرى المُساهَمة التي يُفتَرَضُ بنا أن نقومَ بها تجاهَ الزواج، وأن نتأكَّدَ من كونِنا نقومُ بها. وبالعَكس، نحتاجُ أن نتحمَّلَ مسؤوليَّةَ المشاكِل التي نأتي بها إلى الزواج.
الزواجُ هوَ علاقَةٌ دائمَة
إستناداً إلى تعليمِ يسوع في متى 19، نرى أن الزواجَ هو بالضرورةِ رابِطٌ دائمٌ مُستَمِر. لماذا ينبَغِي أن يكونَ الزواجُ رابِطاً دائماً ؟ الجوابُ هو بكلمتين: حُقُوقُ الأولاد.
أتذكُرونَ الإيضاح البليغ عن الزواج الذي يُعطينا إيَّاهُ سُليمان في مزمور 127؟ فالأهلُ بالنسبةِ للأولاد هُم مثل القوس بالنسبةِ للسهم. ومقدارُ الزخمِ والإتِّجاه اللذَين ينطَلِقُ بهما الأولادُ إلى الحياة يعتَمِدُ على السهم الذي أُطلِقُوا منهُ. الآن، لو كنُتَ أنتَ مكانَ الشيطان، وأردتَ أن تُدمِّرَ العائِلة، فماذ كُنتَ ستَفعَل؟ أما كُنتَ ستُسارِعُ لِتَقطَعَ وترَ هذا القوس؟ هذا تماماً ما يفعلُهُ الشيطان. فهو مُنشَغِلٌ بمُحاوَلَةِ تدميرِ العائِلات، وذلكَ بِقطعِ وترِ هذا القوس.
إن قانونَ الحياةِ كما وضعَهُ اللهُ للزواج والعائلة هو واحدٌ من أعظمِ نوامِيسِ اللهِ في الكِتابِ المقدَّس، لأنَّهُ يخلُقُ ذلكَ المنـزل وتلكَ العائلة التي تُنجِبُ تِلقائيَّاً أولاداً وتُربِّيهم عشرينَ سنةً قبلَ أن يخرُجُوا إلى العالم ويُواجِهوا الحياة. والأولاد بحاجة لفترة التنشِئة هذه. ولكن عندما تقطَعُ وترَ القوس، وعندَما ينتَهي زواجٌ ما، فأنتَ تحرِمُ الأولاد من فترة التربِيَة والأمان والإتِّجاه، التي قصدَها اللهُ عندما وضعَ قانُونَ الزواج والعائِلة في الإصحاحاتِ الأُولى في الكِتابِ المقدَّس. هذه إحدى أكبر المشاكِل التي يُعانِي منها الأطفالُ اليوم. قالَ مُرشِدٌ عجوز، في الثامنة والسبعين من عُمرِه، بعدَ أن قضَى حياتَهُ في تقديمِ الإرشادِ للمُراهِقِين، "هذه أول مرَّة في تجرِبَتي في الإرشاد، أمرُّ بهذه المرحلة حيثُ يكونُ أصعبُ سُؤالٍ أُواجِهُهُ هو سؤالُ الأولاد: كيفَ نستطيعُ أن نُبقِيَ أهلنا مُتَّحِدِينَ معاً؟
لهذا قالَ يسوعُ أن الزواج ينبَغِي أن يكونَ علاقَةً مُستمِرَّةً. فأمانُ أولادِكُم هو من أمانِ زواجكُم. وهم يعرِفُون هذا بِحَدسِهِم. فإن كُنتَ تُريدُ أن ترى نظرةَ رُعبٍ وهلَع على وُجوهِ أولادِكَ، تطلَّع إلى وُجُوهِ أطفالِكَ عندما تتجادلُ بعُنفٍ مع زوجتِك. فعندَما يُشاهِدانَ أباهُم وأُمَّهُم يتعاركان، يزولُ شعُورُهم بالأمان. من جهةٍ أُخرَى، إذا أردتَ أن ترى السعادَة ترتَسِمُ على وُجُوهِهِم، قبِّلْ زوجَتَكَ بِمحبَّةٍ وحنان أمامَ أولادِك. قد يُعلِّقونَ مازِحِين معكَ، ولكن لا يُزعِجُكَ هذا الأمر، لأنَّ رُؤيتَهُم للحُبٍّ والحَنان يُعجِبُ أولادَكَ كثيراً، يجعَلَهُم يعرِفُونَ أن زواجَكُما يسيرُ على ما يُرام. وهذا يعزِّزُ شُعورَهم بالأمان.
أحياناً يكونُ الناسُ في زواجِهِم الثانِي أوِ الثالث قبلَ أن يتعرَّفُوا إلى الإيمان بالمسيح. وعندما يأتونَ للإيمان يكونُونَ في زواجٍ آخر، ولديهم أولاد من زيجاتٍ سابِقَة. فكيفَ ينطَبِقُ عليهم تعليمُ يسوع عن الطلاق؟
إنَّ يسوعَ يُمرِّرُ دائماً نامُوسَ الله في عدسةِ محبَّةِ الله، قبلَ أن يُطبِّقَه على حياةِ الناس. الفرقُ بينَهُ وبينَ ديانَةِ عصرِهِ، هو أن يسوعَ لم يفقد أبداً رؤيةَ الحقيقة أن ناموسَ اللهِ خرجَ من قلبِ محبَّةِ الله للإنسان. إنَّ قصدَ نامُوس الله في الكتابِ المقدَّس هو التعبِير عن محبةِ الله للإنسان. فاللهُ يُريدُنا أن نحصلَ على هذا بأفضل طريقة مُمكِنة. لهذا أعطانا كَلِمَتَهُ المُقدَّسَة. فهو لم يكُنْ يُحاوِل أن يجدَ طريقةً يجعلُنا بها غيرَ سُعَدَاء بوضعِ كُلّ هذه النواميس على كاهِلِنا. بل أرادَنا أن نكونَ سُعَدَاء، وهناكَ قصدٌ وراءَ كُلِّ ناموسٍ من الله في كَلِمَتِهِ، ألا وَهوَ خيُر الإنسان لأنَّ اللهَ يُحِبُّه.
أما عن الفريسيين، أي رجال الدِّين، فلقد فقدوا هذه البصيرة أو الرؤية لرُوحِ النامُوس. وكانُوا يتمتَّعونَ بإمساكِ الناس الذين زَلُّوا وكَسَروا حتَّى ولو وصيَّةً واحِدَةً من النامُوس. أمَّا يسوع فلم يفقد رؤيةَ قصدِ أبيهِ السماوي، عندما أعطى النامُوس من خِلالِ مُوسى. بل دائماً كانَ يسوعُ يسألُ أتباعَهُ، "لماذا أعطَى اللهُ هذا النامُوس؟ وبأيِّ معنَى يُفتَرَضُ بهذا النامُوس أن يُعبِّرَ عن محبَّةِ اللهِ للإنسان ولخَيرِ الإنسان؟"
فمثلاً، الهدفُ من قانونِ الزواج والعائلة هو أن يكونَ لدينا بيتٌ مسيحيٌّ سعيد. نقرأُ في سِجِلِّ الخلق أنَّهُ ليسَ حسناً أن يبقَى الإنسانُ وحدَهُ. هذا جعلَ اللهَ يَضَعُ الأشخاص المُستَوحِدِين في عائلات (مزمور 68: 6). فهو لا يُريدُنا أن نكون لِوَحدِنا. (لمَزِيدٍ من المعلومات حولَ هذا الموضُوع أنظُر الفصل السادِس من هذا الكُتَيِّب.)
الزواجُ هو علاقَةٌ حَصريَّة
ليسَ الزواجُ فقط علاقَةً بتَدبِيرِ النعمَةِ الإلهيَّة، وعلاقَةً دائمة، ولكن بِحَسَبِ يسوع ومُوسَى، هو بالضرورةِ علاقَةٌ حَصريَّةٌ مُغلَقة. فرابِطُ الزواج بينَ رجُل وامرأة هو حصريٌّ مُغلَقٌ بِمَعنَيين. كتبَ مُوسى يقول، "لهذا يترُكُ الرجُلُ أباهُ وأُمَّهُ..." ولقد وافَقَ يسوعُ معَ مُوسى عندما أعطى تصريحَهُ الحاسِم عن الزواجِ والطلاق (متى 19: 5). فالزواجُ يستقصي أهلَ الزَّوجَين. هذا لا يعني أنَّه لا يعودُ بإمكانِكَ أن تكونَ لكَ علاقةٌ طيِّبة معَ والِدَيك بعدَ أن تتزوَّج. بل يعنِي أنَّكَ لن تبقَى لتعيشَ معهما. وبالنسبةِ لكِ كامرأة، لم يعُدْ أبوكِ رأسكَ الروحيّ، بل زوجُكِ.
إن الزواجَ هو حصريٌّ أيضاً لكَونِهِ حميماً. قالَ يسوع أن الزواجَ هو مثل عقد بينَ رجُلٍ وامرأة. أحدُ شُروطِ هذا العقد هو أنَّهُ مُؤسِّسٌ على الحَصريَّة، أي إستِقصاء الآخرين. عندَما تُنتَهَكُ حُرمَةُ الحصريَّة، يُصبِحُ عقدُ الزواجِ فارغاً من مُحتواه. ليسَ بالضرورة أن يُصبِحَ هكذا، ولكن هذا مُحتَمَل. إنَّ اللهَ لم يُخطِّط لهذه العلاقة بطريقةٍ أن يعيشَ الشريكُ مع الشريكِ الآخر الذي لا يُحافِظُ على مبدأ الحصريَّة. اللهُ لا يطلُب منكَ أن تعملَ ذلك. فإن لم يكُن الشريكُ الآخر مُوافِقاً على العيش بِحَصريَّة معكَ في هذه العلاقة، يُمكِنُكَ أن تعتَبِرَ هذا العقد باطِلاً وفارِغاً من معناه، لأنَّهُ لم يعُدْ حصريَّاً.
ذاتَ يوم، جاءَ شابٌّ لمُقابَلَتي، وكانَ يعملُ في فُندُقٍ قُربَ شاطِئِ المُحِيط، وليسَ بَعيداً عن المكان الذي كُنتُ أخدِمُ فيهِ كقسِّيس. كان قد التَقَى بفتاةٍ خلال الصيف، فأحبَّها كثيراً. وعندما انتَهَى الصيف، رجعت هي إلى الكُلِّيَّة، ولكنَّها كانت تأتي لِزيارَتِهِ كُلَّما سنحتِ الفُرصَة. وذاتَ نهايةِ أُسبُوعٍ مُعَيَّن، لم تأتِ لزيارتِه. ثمَّ اتَّصَلَت بهِ على الهاتِف وقالت لهُ أنَّها لن تعودَ لِزيارتِهِ ثانيةً.
فجلسَ في مكتَبِي وأجهَشَ بالبُكَاء مكسور القلب. وفي النهايةِ قال لي، "أنتَ تعلمُ أنَّهُ في علاقةٍ كهذِه عندما تكونُ المشاعِرُ عميقةً وحَمِيمةً جدَّاً، ينبَغي أن تكونَ هُناكَ حِمايةٌ لهذه العلاقة." فهو لم يُرِدْ أن يضعَ كُلَّ مشاعِرِهِ في علاقَةٍ غيرِ أمينَة يُمكِنُ أن تنتَهِيَ بمُجرَّدِ مُلاحَظة مكتُوبَة على قُصاصَةِ ورقة تُلقى من تحتِ الباب، أو بمُجرَّدِ إتِّصالٍ هاتِفيّ، أو حتَّى الإنقطاع عنِ الإتِّصال. لقد كانَ حاضِراً أن يسمَعَ أن خطَّةَ العلاقَةِ الزَّوجِيَّة كما وضعَها مُوسى ويسوع، تُطالِبُ بهذا الضمانات التي كانَ الشابُّ يُدافِعُ عنها.
اللهُ لا يُريدُكَ أن لا تشعُرَ بالأمان في علاقَةٍ حميمَةٍ كالزواج. لهذا جعلَ كُلٌّ من مُوسى ويسوع الحصريَّةَ شرطاً لعقدِ الزواج.
- عدد الزيارات: 9760