Skip to main content

أكيلا وبريسكيلا - يوستس

تحرك بولس إلى بيريه، ثم أثينا، ووصل إلى كورنثوس وأقام في بيت مع أكيلا وبرسكيلا (أع18: 1- 3) كانت كورنثوس مدينة مليئة بالشر والرذيلة. ولقد تأثر القديسون هناك بطرق الكورنثيين كما نرى في الرسالة الأولى التي أرسلها بولس لهذه الكنيسة. وعلى أية حال فإننا نجد هناك نقطاً مضيئة مثل بيت استفانوس، إذ رتبوا أنفسهم لخدمة الرب وشعبه (1كو16: 15). ومن الأمور المشجعة أن نرى ليس فقط الأفراد بل البيوت تعمل لأجل الرب وسط شر العالم وتشويش الكنيسة المحلية. لقد تحرّك أكيلا وبرسكيلا من روما إلى كورنثوس. وأخيراً اتجها إلى أفسس. وتحركهما هذا يشرح بطريقة رمزية، الترتيب الصحيح لنمو النفس: فالرسالة إلى رومية تضع أسس حقائق الإنجيل ومركز المؤمن في هذا العالم. والرسالة الأولى إلى كورنثوس تعطينا تعاليم تخص الكنيسة المحلية، والخطوة الواضحة التالية لنفس قد قبلت الإنجيل مرة. ثم يجب أن تكتسب فهماً وتمتعاً لأسمى الحقائق الواردة في رسالة أفسس. ولا يمكننا أن نُحرز تقدماً لنفوسنا بعيداً عن اختبارات النفس والتدقيق في السلوك.

ثم نلاحظ أن أكيلا وبرسكيلا اتصفا بمسلك السائح الغريب، فقد كانا صانعا خيام. ومن الصعب علينا أن نبقى في بساطة العيش مع أنه يمكننا أن نكون أغنياء، أما أكيلا وبرسكيلا فقد عاشا في بساطة لأنهما استمرا مع الرسول بولس في خدمته. قد نواجه ظروف ومواقف نشعر فيها بعدم الرضى. فربما نمتلك مسكناً فخماً ولكننا نعاني من الضغوط والصراعات. وعلى الرغم من مظهر الغنى غير أنه يحيطنا الفراغ والقلوب الجريحة. إنه من امتيازنا ومسئوليتنا كذلك أن ننصرف عن مسراتنا الذاتية لنعطي أنفسنا وبيوتنا أيضاً لخدمة الرب. إنه بذلك نعطي مكاناً لبولس أن يقيم، المكان الذي يتوافق أدبياً مع تعليمه. والكتاب يُعلّمنا صراحة أن الغنى لا يهب السعادة. ونجد في سليمان مثلاً قوياً للشخص الذي كانت له كل الموارد الأرضية بوفرة هائلة ومعها كآبة النفس (قارن أيضاً أمثال15: 16- 17، 16: 8و19، 17: 1). ليت اختيارنا يقع على ما يسميه الله في الأعداد السابقة "خير" أو "أفضل".

هل حياتنا تتصف بالاعتدال؟ أنُسدّد ما علينا من فواتير وكمبيالات أم نتصرف بوسائل غير أمينة؟ "المقترض عبد للمقرض" (أمثال22: 7). وليس لنا أن نُعطي الرب مالاً، إن كان هذا المال قد اقترضناه من آخرين ولم نُسدده. فإن كنا نسلك كغرباء وسائحين هنا فلنا أن نساعد الآخرين بما يمنحه لنا الرب. ليت قلوبنا تتسع لأعواز الآخرين، لكي نعطي وكأنه ذبيحة منا، لا ذبيحة من غيرنا (ممن نقترض منهم ولا نسدد لهم).

بعد ذلك ينتقل بولس إلى بيت يوستس (أعمال18: 7- 11). واسم يوستس justus معناه رجل بار ومستقيم. وكان بيته ملاصقاً للمجمع- مكان الاجتماع. وإن كنا في المسيحية اليوم لا نُعلّق أهمية كبرى على مباني الكنائس، غير أنه من وجهة عملية لا بد من توفر القاعة للاجتماع المحلي. ويلزم أن تتوفر الرغبة الحارة لنجتمع للصلاة معاً ولقراءة الكلمة وبصفة خاصة أيضاً لنذكر الرب في موته (عبرانيين10: 25). وفي تخطيطنا اليومي يجب أن تأخذ الاجتماعات الأولوية المطلقة، وعلينا أن نرتب ساعات عملنا اليومي إذ نضع في اعتبارنا ألا ننشغل بالعمل في ساعة الاجتماع.

ومن غير المحبذ أن يسكن الإخوة بعيداً عن مكان الاجتماع المحلي، فيصرفون جهداً شاقاً وطاقات كثيرة حتى يصلوا إلى الاجتماع[1]. ومن الشِباك المنصوبة لنا أن نترك مكان الاجتماع لنرحل إلى أماكن بعيدة لأجل الربح والمكسب. ليت الرب يعيننا فنطلب أولاً ملكوت الله وبره وكل هذه الأشياء (أي الحاجات الضرورية) تُزاد لنا (لوقا12: 31). ومن المفضل أن نقطن بجوار مكان الاجتماع، فلن تصبح لأمور الله أهمية ونحن غائبين عن الاجتماعات، فذلك يُظهرنا بأننا لا نريد أن نُعطي وقتاً قليلاً للرب، مع أنه أعطانا كل شيء، لقد كانت نتيجة مباركة من بقاء بولس مع يوستس.


[1]- يتحدث الكاتب عن بيئتهم الأمريكية أو الكندية التي يقطعون فيها أميالاً طويلة ليتمكنوا من الوصول إلى الاجتماع.

  • عدد الزيارات: 4621