يهوذا - ليديا
والبيت الأول هو الذي يُلفت انتباهنا هو بيت يهوذا (أعمال9: 10- 19). وقبل ذلك ولوقت كان بولس الذي هو شاول، من طرسوس، وكان مقداماً للذين يقاومون المسيحية، وباجتهاد وذكاء كان يرسم الخطط للإمساك بأولئك الذين يتبعون ويحبون الرب يسوع. ويا له من يوم مشهود عندما أشرق عليه نور من السماء فسقط على الأرض وعرف يسوع كالرب. ولقد تغيرت حياته تغييراً كاملاً وبسرعة مدهشة فذلك العملاق المتدين الذكي صار كطفل صغير تُمسكه الأيدي لتقوده.
وأُقتيد إلى بيت يهوذا وهناك استرد بصره. وهذه الحادثة تشير إلى النفس التي تنال البصيرة الروحية. فإذا عرفنا أن الخلاص في مجمله هو عمل الله المُطلق، ولكنه يستخدمنا نحن لقيادة النفوس إلى المسيح وإلى معرفته معرفة أعمق. وهذا ما يمثله لنا بيت يهوذا. كما نجد ملامح أخرى نستقيها من هذا البيت يمكن تطبيقها على أنفسنا خاصة في مجال مساعدة الآخرين- وهي أربعة نقط 1-المكان (ع11)، 2-الصلاة (ع11)، 3-الطعام (ع19)، 4-الشركة (ع19).
كان يهوذا يسكن في شارع يُدعى المستقيم. أنحن كذلك؟ أم أن تعاملاتنا تتصف بالالتواء والخداع؟ ولا ننسى قول الرسول: "معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس" (رومية12: 17 قارن أيضاً 2كورنثوس8: 21 مع1 تسالونيكي 5: 22). ليتنا نحرص دائماً ليكون سيرنا أمام عيني الله وأن تصبح أعمالنا مرضية أمامه. وإن كان الآخرون لا يعرفون دوافع قلوبنا، فإننا نحتاج أيضاً أن نعتني بسلوكنا الظاهري لكي نتجنب كل ما يثير الشُبهات أو الشكوك فتعكس تأثيراً سيئاً على الرب وعلى الشهادة التي نحملها، هذا بالإضافة إلى وجوب نقاوة دوافعنا
وأريد أن أكون أكثر صراحة معك يا قارئي: أندفع ديوننا عندما نُطالب بها (رومية13: 8). أنُسدد الضرائب التي هي من حق الحكومة (مت22: 21). أنحن صادقون فيما نتكلم (أمثال 16- 19)، وهل أقوالنا وتصرفاتنا فوق أي شبهة (مزمور19: 14، 1تيموثاوس4: 12)؟ هذا ما يعنيه عملياً قولنا (رمزياً) إننا نسكن في زقاق يُدعى المستقيم. أما إن كنا نسكن في زقاق غامض أو مشبوه فلنتحرك نحو زقاق المستقيم.
وعندما وصل حنانيا إلى بيت يهوذا، وجد شاول يصلي. أهذه هي الروح التي تسود بيوتنا؟ أم ينفجر منها بركان الغضب، والنقد اللاذع، والكلمات القاسية، وعدم التسليم، والغيرة، والاغتياب، والتسليات الجسدية؟ وإن كنا كذلك، فليتنا نتضع أمام الله ونحكم على هذه الخطايا. إننا لا نتوقع أن يكون لنا بيوت سعيدة ومُسرة إن كنا نسمح للجسد أن يجد مجاله "لأنه حيث الغيرة والتحزب فهناك التشويش وكل أمر رديء" (يعقوب3: 16).
وعندما أبصر شاول تناول طعاماً فتقوى. ربما تمتلئ دواليب المطبخ من أنواع الأطعمة لأجسادنا، ولكن هل نحن قادرون على تجهيز الطعام الروحي؟ قد تكون لنا رفوف مليئة من كتب التفاسير وقواميس الكتاب ومع ذلك تكون نفوسنا جائعة. إنه يلزمنا أن نتغذى على الكلمة لأنفسنا لكي نُقدمها مناسبة ونافعة لهم. وأحياناً فإن شهيتنا الروحية للطعام الجيد تقل بالوجبات الخفيفة قليلة الفائدة، ثم ألا نجد أن شهيتنا لأمور الله قد تتعوق عندما نأكل وجبات خفيفة وسريعة أو بالحري عندما نلتهم الكثير من الآداب وثقافات هذا العالم؟ فإن كنا ما نقرأه يُضعف رغبتنا لكلمة الله ويُقلل من تقديرنا لكنوز الكلمة، ومتى تحققنا من ضررها علينا فلنسعى بالنعمة أن نطرح جانباً في العقائد الدينية.
لقد دُعي شاول ليتناول طعاماً ويكون في شركة مع بقية القديسين. ويا لها من أهمية تلك الشركة مع إخوتنا. لقد قيل عن هؤلاء الإخوة أنهم "التلاميذ" الذين اتبعوا الرب. ونحتاج إلى رفقة أولئك الذين يقدمون عوناُ روحياً لنا (مزمور119: 63، ملاخي3: 16). وبالتأكيد فلا بد أن تتوفر لنا الرغبة الجادة لتقديم العون والرعاية لكل الإخوة، ولكن من خلال كلمة الله تبرر أهمية حفظ شركتنا مع الذين يسيرون في الحق، ولا يعني هذا بأي حال أن ندّعي أننا أفضل من غيرنا، بل نُعبّر عن شديد احتياجنا للذين يسلكون في الحق لئلا ننحرف إلى طريق آخر.
إن الاستقامة في كل طرقنا، والصلاة، والتغذية الروحية، والشركة مع القديسين جميعها ضرورية لنا إذا ابتغينا تقدم نفوسنا ومساعدة الآخرين في الطريق الصحيح. ولعل تلك الاختبارات إذا توافرت تُزين بيوتنا.
في أعمال 16 دُعي بولس برؤيا أن يذهب إلى مكدونية (أع16: 11- 15).. وقد ألزمت ليديا بولس والذين معه أن يمكثوا في بيتها. وكانت دعوتها مبنية على سؤالها لهم إن كانوا قد حكموا على كونها مؤمنة بالرب. أهذا السؤال نريد أن نطرحه على الأتقياء لكي يجيبوننا عليه؟ ثم ماذا وجدوا في ليديا لكي يعطوها قراراً محدداً؟ في الحقيقة لا بد أنهم رأوا في ليديا ما يستحق الثناء، وهذا ما نريد أن نتأمله فيما قرأناه عرضاً. ومن المفيد أن نلاحظ هذه السمات الإيجابية التي كانت ليديا لتكون في حياتنا نحن. كانت ليديا بائعة أرجوان. وربما كانت أرملة، وإن كان الكتاب لم يشير إلى ذلك، وكانت مسئولة عن إعاشة الذين في بيتها، ولا بد أنها كانت تبيع أثواب الأرجوان لتسدد حاجتها. ومع هذه الالتزامات، فقد وجدت وقتاً لتصلي مع سائر النساء في يوم السبت. وربما كان يوم السبت ضرورياً للعمل، ولكن كان أمامها أولوية أخرى. إنه سؤال يفحصنا نحن، أنضع المكسب الأرضي أولاً قبل الفائدة الروحية؟. وإذا كان يوم السبت راحة لبعض منا فالسؤال هنا كيف نقضي وقتنا الفائض؟ كانت لليديا عادة الذهاب إلى اجتماع الصلاة. أهي عادتنا نحن أن نكون في اجتماع الصلاة؟ لقد حكم بولس على ليديا بأنها مؤمنة بالرب فما هو حُكمه علينا نحن؟
كانت تذهب خارج المدينة بجانب النهر، لا لكي تستجم، بل لكي تصلي. إنها صورة مصغرة لأن نطرح بعيداً العالم وتشويشه (المدينة) لتكون لنا أفكار نقية ومتجددة بكلمة الله التي يقودها لنفوسنا روح الله (النهر). وهناك كان بولس يخدم وليديا تُصغي جيداً للكلمة. كم هو مُسّر لنفوسنا لا أن نُصغي فقط، بل أن نسمع بشغف لخدمة الكلمة. فأحياناً تنشغل أذهان الإخوة كثيراً بما عليهم أن يقولوه من تأملات وتعليقات بعدما ينتهي المتكلم في اجتماع قراءة الكتاب، وغالباً ما يجهلون ما قاله الأخ في كلامه لأنهم كانوا منصرفين عنه. فهذا يتطلب منا مجهوداً فعلياً لنصغي جيداً، وتدريباً شخصياً لنُصغي باهتمام للكلمة.
ولقد فتح الرب قلب ليديا لتُصغي إلى الكلمة وتتجاوب في العبادة والسجود. فإن كانت قلوبنا صحيحة فسيكون لنا كلاهما من الإصغاء والتجاوب ومن المهم أن نتجاوب في الشكر والسجود لله كيفما كان قياس معرفتنا. لقد اعتمدت هي وأهل بيتها وصاروا في رباط خارجي بالمسيح وانفصال عن العالم الوثني.
ومن الملذ لنا أيضاً أن نعرف أن ليديا كانت تعيش في منطقة مكدونية مع أن مدينتها ثياتيرا وهي على الجانب الآخر من بحر إيجة في آسيا. وكان الروح قد منع بولس أن يتكلم بالكلمة في آسيا، وكانت ليديا قد أتت من آسيا إلى مكدونية لتسمع الكلمة. وكم يعزي نفوسنا أن نرى الله يهيمن على كل شيء قاصداً البركة. وفي رؤيا يوحنا، نجده يخاطب الكنيسة في ثياتيرا (رؤيا2: 18- 29) ويحذرها من جهة "المرأة إيزابل" مشيراً إلى حالتهم الروحية. ومع أن "ليديا" كانت من ثياتيرا ولكنها لم تكن هناك. لتدلل على انفصالها من روح إيزابل. كان خضوع ليديا وتقواها من الأمور الحلوة إذا قورنت بالمباينة مع إيزابل في طرقها المتعالية والبارعة الحيل.
بقيت لنا نقطة هامة نذكرها من جهة بقاء بولس ورفاقه في بيت ليديا. فلم تكن ليديا وحدها في ذلك البيت، بل كانت مسئولة عن بيتها، ولذلك لا نجد شُبهة شر لرجال يبقون في البيت. ونحن نذكر هذه الزاوية لما نراه من ازدياد النشاط المشترك للشبان والشابات غير المتزوجين وما يصاحبه من انحلال أدبي وتداخل عاطفي. إنها خطوات محددة تقود إلى السقوط في الزنا. ولكن متى توفرت الحساسية لقيادة الرب وتوجيهه في أي علاقة كانت، فإنه سيحفظ من السقوط في هذه الخطية بالذات. ربما يسخر البعض من حكمة الله هذه ويقول إنها نصائح قديمة، ولكن يوماً ما سيعترف هؤلاء قائلين "هوذا قد حمقتُ وضللتُ كثيراً جداً" (1صم26: 21). كم نحتاج أن نتذكر أن "المتكل على قلبه هو جاهل" (أم28: 26)، ومن يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط" (1كو10: 12).
- عدد الزيارات: 3507