ملاحظات عن يوم الرب ليوحنا داربي
(كتب هذه الملاحظات في موضوع المواسم والأعياد الخاصة بشعب الله في القديم، في تعليقه على سفر اللاويين ص23، وبالتحديد "يوم السبت" كما جاء في كتابه الموجز synopsis (بحسب طبعة هايكوب عام 1970)، وقد وضعها في الحاشية).
أسرد هنا كلمات قليلة في موضوع السبت وأعرضها على فهم إخوتي وإدراكهم الروحي لأنه حسن أن نبقى في نور كلمة الله متعلمين منها بإذعان وخضوع.
فأقول أولاً أن الاشتراك في راحة الله هو الامتياز الخاص لشعبه وبه يتميز عن باقي الشعوب. وقلب المؤمن يتمسك إلى أبعد مدى بهذه العلامة التي أعطاها الله. ونرى في عبرانيين4 أن الله قد أقام اليوم السابع منذ بدء الخليقة، ولكننا نعلم أنه لا توجد إشارة إلى أن الإنسان قد تمتع بها ولا شارك فيها. لم يتدخل الإنسان في عمل الخليقة، ولم يُنشئ جنة عدن أو يتعب في إقامتها، بل كان عليه أن يعملها ويحفظها، وليس له إلا بأن يفرح بعمل الله ويستمر في تمتعه بها (تك2: 15). وصار هذا اليوم مقدساً منذ بدء الخليقة.
وبعد ذلك أعطى الله السبت كتذكار لخلاصهم وعتقهم من مصر "واذكر أنك كنت عبداً في أرض مصر فأخرجك الرب إلهك من هناك بيد شديدة وذراع ممدودة لأجل ذلك أوصاك الرب إلهك أن تحفظ يوم السبت" (تث5: 15). وكان الأنبياء بصفة خاصة يؤكدون على التمسك بحفظ السبت كعلامة للعهد الذي قطعه الله مع شعبه، (انظر حزقيال20، خروج 31: 13) "وأنت تكلم بني إسرائيل قائلاً سبوتي تحفظونها لأنها علامة بيني وبينكم في أجيالكم فتعلموا أني أنا الرب الذي يقدسكم"), ومن الواضح أنه كان عربوناً للكلمة "وجهي (أو حضوري) يسير فأريحك" (خر31: 13، 33: 14، لا19: 30 "سبوتي تحفظون، ومقدسي تهابون، أنا الرب").
فالسبت هو علامة على تكريس الشعب لله "وأعطيتهم أيضاً سبوتي فتكون علامة بيني وبينهم ليعلموا أني أنا الرب مقدسهم" (خر20: 12) "فتمرد عليّ بيت إسرائيل في البرية لم يسلكوا في فرائضي ورفضوا أحكامي التي إن عملها إنسان يحيا بها ونجسوا سبوتي كثيراً... ورفعت أيضاً يدي لهم في البرية بأني لا آتي بهم إلى الأرض التي أعطيتهم إياها تفيض لبناً وعسلاً هي فخر كل الأراضي لأنهم رفضوا أحكامي ولم يسلكوا في فرائضي، بل نجسوا سبوتي لأن قلبهم ذهب وراء أصنامهم" (ع13- 16). "وقدسوا سبوتي فتكون علامة بيني وبينكم" (ع20) "وعرّفتهم سبتك المقدس وأمرتهم بوصايا وفرائض وشرائع عن يد موسى عبدك" (نح9: 14). "طوبى للإنسان الذي يعمل هذا ولابن الإنسان الذي يتمسك به الحافظ السبت لئلا ينجسه والحافظ يده من كل عمل شر... لأنه هكذا قال الرب للخصيان الذين يحفظون سبوتي... إني أعطيهم في بيتي وفي أسواري نُصُباً واسماً.. اسماً أبدياً لا ينقطع.. وأبناء الغريب.. الذين يحفظون السبت" (اش56: 2- 6). وأيضاً "إن رددت عن السبت رجلك، عن عمل مسرتك يوم قدسي، ودعوت السبت لذة، ومقدس الرب مكرماً، وأكرمته عن عمل طرقك، وعن إيجاد مسرتك والتكلم بكلامك" (اش58: 13). وأيضاً "ولا تخرجوا حملاً من بيوتكم يوم السبت كما أمرت آبائكم" (أر 17: 22). "أُنسي الرب في صهيون الموسم والسبت ورذل بسخط غضبه الملك والكاهن" (مرا2: 6) "ازدريت أقداسي ونجست سبوتي" (حز22: 8). "نجستا مقدسي في ذلك اليوم، ودنستا سبوتي" (حز23: 38). "يحفظون شرائعي وفرائضي في كل مواسمي ويقدسون سبوتي" (حز44: 24).
وبالإضافة إلى تلك النصوص نرى أن الله يضيف السبت في كل مناسبة يعطي فيها مبدأ ونظاماً جديداً في علاقته مع شعبه. فعلى سبيل النعمة والتسامح يسمح لهم بالالتقاط في اليوم السادس ما يكفيهم مؤنة يومين على خلاف العادة، ويقول لهم "غداً عطلة سبت مقدس للرب اخبزوا ما تخبزون واطبخوا ما تطبخون وكل ما فضل ضعوه عندكم ليُحفظ إلى غد... فوضعوه إلى غد كما أمر موسى فلم ينتن ولا صار فيه دود فقال موسى كلوه اليوم لأن للرب اليوم سبتاً" (خر16: 23- 25). كذلك عند إعطاء الناموس "وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك. لا تصنع عملاً ما أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونـزيلك الذي داخل أبوابك" (خر20: 10). ثم انظر أيضاً (خروج31: 13و 14) "وأنت تكلم بني إسرائيل قائلاً سبوتي تحفظونها لأنه علامة بيني وبينكم في أجيالكم، لتعلموا أني أنا الرب الذي يقدسكم. فتحفظون السبت لأنه مقدس لكم ومن دنّسه يُقتل قتلاً. إن كل من صنع فيه عملاً تُقطع تلك النفس من شعبها". وكذلك في (34: 21) "ستة أيام تعمل وأما اليوم السابع فتستريح فيه في الفلاحة وفي الحصاد تستريح". وعندما يستردهم الله في صبره بهذا الوسيط في (خر35: 2)، وبحسب العهد الجديد كما جاء في اقتباسات التثنية التي وردت سابقاً.
ما أشارت إليه جميع هذه الشواهد الكتابية يعتبر أساساً لازماً ويرينا الأهمية القاطعة والضرورية ليوم السبت، من حيث هي فكر الله وكعلامة للعلاقة بينه وبين شعبه، فهي علامة ولا تدخل ضمن وصايا الله الأدبية. والسبت يشير إلى الاشتراك مع الله في راحته. ويعبّر عن أعلى صورة للحق في ربط القلب واتحاده بالله. ولكن إذا كان الأمر له أهمية عظيمة، فإن ما يساويه بل ما يفوقه في الأهمية أن نتذكر أن العهد بين الله وشعبه اليهودي قد استُبعد تماماً بالنسبة لنا، ونتيجة لذلك فإن علامة هذا العهد وهو حفظ السبت لم يعد لها ارتباطاً بنا، مع أنها ترمز إلى راحة الله التي لها الغلاوة والتقدير عندنا، ولكنها ترتبط بالخليقة القديمة. ما هو أكثر من ذلك أن راحتنا ليست في هذه الخليقة. تلك الراحة التي كان اليوم السابع رمزاً لها. وما يفوق ذلك من الأهمية أن الرب يسوع هو رب السبت، وهي ملاحظة تستوجب كل التقدير والاهتمام من نحو شخصه. وله كل الحق أن يُبطله ويُلغيه. وكحقيقة نقول أنه ألغى كل ذكر للسبت في الموعظة على الجبل، والتي نجد فيها الخلاصة الثمينة للمبادئ الأساسية التي تتناسب مع الملكوت، مع إضافة اسم الآب وحقيقة المسيا المتألم، ويعلن المكافآت السماوية، وبذلك يجمع المبادئ كلها لتلك المملكة. وبذلك يُبطل أفكار اليهود في هذه النقطة. هذا ما اهتم أن يسجله البشيرون بالروح القدس. ولقد قضى يسوع يوم السبت كله في حالة الموت في القبر، وهي علامة مرعبة لمركز اليهود تجاه عهدهم، أما لنا نحن الأمم فقد كانت هذه مولداً لما هو أفضل، للبركات العظيمة الفائقة.
ولقد صُرفت مجهودات كثيرة لاعتبار يوم السبت أو اليوم السابع هو اليوم الأول ولكن نظرة واحدة إلى المكتوب تهدم جميع هذه المجهودات من أساسها. إن كلمة الله تُعلمنا أن اليوم الأول هو بخلاف اليوم السابع. فما الذي يعنيه اليوم الأول هذا؟ إنه لنا أول كل الأيام أو سيد الأيام أو يوم الأيام days of the days فهو يومنا نحن المسيحيين المؤمنين. إنه يوم قيامة يسوع التي بها ولدنا ثانية لرجاء حيّ، الذي هو منبع كل أفراحنا وخلاصنا المميز لحياتنا الجديدة. ولذلك نجد راحة الله في القيامة. إننا نبدأ حياتنا الروحية أدبياً، في هذا العالم، بالراحة بدلاً من أن نصل إليها في نهاية أعمالنا. إن راحتنا في الخليقة الجديدة، ونحن بداية التدبير الجديد بعدما صار المسيح رأساً لهذه الخليقة الجديدة.
ومن الواضح أن راحة الله بالنسبة لنا، لا يمكن أن ترتبط بأي حال برمز الخليقة الأرضية وهي السبت. فهل نجد في أسفار العهد الجديد حيث سلطان المكتوب ما يدلل على التمييز بين اليوم الأول من الأسبوع عن غيره؟. أقول من جهتي أنه ليس عندي شك في ذلك. وإن كان من المؤكد ليست لنا وصايا مثل وصايا الناموس للعهد السابق، والتي لا تتفق مع روح إنجيل نعمة الله. ولكن روح الله يوضح لنا بأساليب متنوعة أنه اليوم الأول من الأسبوع، مع أنه لا يضع علينا أي التزام يخالف طبيعة هذا التدبير الجديد. وبعدما أُقيم الرب في ذلك اليوم بحسب وعده، فإنه يظهر في وسط تلاميذه المجتمعين بحسب كلمته، وفي الأسبوع التالي يظهر لهم أيضاً. ويتميز اليوم الأول من الأسبوع في سفر الأعمال بأنه اليوم الذي يجتمعون فيه معاً ليكسروا الخبز.
وفي كورنثوس الأولى 16 يحرضهم الرسول أن يجمعوا في كل أول أسبوع ما يدخرونه. وفي سفر الرؤيا يسميه بالتحديد يوم الرب، وهذا هو الاسم المميز الذي يقوله الروح القدس. إنني مضطلع على ما البعض يسعون إليه لإقناعنا بمعتقدهم الخاطئ، إذ يقولون أن يوحنا الرائي هنا يتكلم وهو في حالة خاصة، حالة وجوده في الروح في الملك الألفي، ولكن عندنا من الردود ما يعجزهم ويعترض على تفسيرهم الخاطئ، أولاً أن اللغة اليونانية تتكلم عن شيء آخر وتستعمل نفس الكلمة "رب" التي تستعمل في عشاء الرب، فيذكر في الحالتين الكلمة اليونانية التي ترجمتها بالإنجليزية Lordly (أي ما يليق بالعظماء والسيادة والربوبية) أو لفظة "Dominical" أي رباني أو مختص بالرب أو يومه "الأحد". وبهذا يصبح معناها الحرفي أحَدي أو اليوم الأحدي ليوم الرب أو العشاء الأحدي لعشاء الرب. ومَن هذا الذي يتجاسر ويشك في معنى هذه الكلمة فينكر بأن يوم أول الأسبوع يمتاز عن باقي الأيام (كما يمتاز العشاء الرباني عن أي عشاء)، والذي ليس مثل يوم السبت الناموسي بل كيوم له امتيازات خاصة؟.
أما الجدال القائل بأنه يشير إلى الملك الألفي فهو جدل قائم على براهين كاذبة وادعاءات خاطئة لا أساس لها من الصحة، لأن الجزء الخاص بالملك الألفي في هذا السفر صغير جداً، فالسفر يتحدث عن الأشياء التي تسبقه. ويرد تعبير يوم الرب في الجزء الخاص بالكنائس الكائنة وقتئذ وما يختص بالنبوات عنها وتشمل تاريخ الكنيسة النبوي. فإذا تمسكنا بكلمة الله لا يسعنا إلا أن نقرر أن اليوم الذي يقول عنه يوحنا أنه يوم الرب هو بذاته ليس إلا أول الأسبوع الذي يتميز عن باقي الأيام.
ويلزمنا القول أنه إذا رغبنا أن ندافع عن سلطان ابن الإنسان، الذي هو أعظم من السبت ومتفوق عليه، إنه "رب السبت"، أما إذا أردنا أن نحافظ على سلطان السبت اليهودي، فمعنى هذا أننا نتعرض لخطر إنكار سلطان وكرامة وحقوق الرب يسوع نفسه، وأننا نعيد التأكيد على وضع أنفسنا تحت سلطان عهد الناموس الذي كانت علامته الظاهرة حفظ السبت، وهو الراحة بعد عناء العمل تحت مبدأ حفظ الناموس.
وكلما شعرنا بالأهمية الحقيقية التي كانت للسبت، أي اليوم السابع، كلما شعرنا بالأكثر بأنه لم يعد الآن اليوم السابع بل اليوم الأول الذي لنا فيه الامتيازات الكثيرة.
فلنتوخى الحذر، من ناحية أخرى، لأننا لم نعد تحت الناموس بل تحت النعمة،ولا يجب أن نُضعف الفكرة بأنها ليست فقط راحة الإنسان بل راحة الله. إن راحتنا النهائية هي راحة من الأعمال الروحية في وسط الشر،وليس مجرد راحة من الخطية، وباعتبارنا شركاء في عمله فإننا نتمتع معه، ذاك الذي قال "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل".
- عدد الزيارات: 4042