يوم الرب وهل تكرسه له؟
في البداية يجب أن يعلم القارئ أن "يوم الرب" يختلف عن "السبت" اختلافاً تاماً، كما أن لكل منهما طابعاً خاصاً يتميز به.
فالسبت هو اليوم السابع في الأيام، أما يوم الرب فهو اليوم الأول.
والسبت هو تذكار راحة الله من عمله في الخلق، وهو أيضاً صورة للراحة الأبدية التي ستبقى له مع شعبه لكي يتمتع بها، عندما يكف عن العمل- إنها راحة مبنية على الفداء، وستتحقق عندما تُنـزع الخطية تماماً من كل ميراث الله. وهذا سيتم في السماء الجديدة والأرض الجديدة. انظر (عبرانيين4: 1-11)، (رؤيا21: 1- 7).
والسبت كذلك علامة العهد الذي أقامه يهوه مع إسرائيل، لذلك يندرج في الوصايا العشر من الناموس، ويتعرض لعقاب الموت من يكسر هذه الوصايا (خروج31: 12- 18)، (حزقيال20: 12) ويلاحظ أن وصية السبت لم تُعط لغير اليهود، وليس هناك أي دليل كتابي يُدلل أنها أعطيت للمسيحي، بل إنها تقع في دائرة الظلال اليهودية.
إن "يوم الرب" هو يوم قيامة ربنا المبارك من بين الأموات، وهو غير معروف خارج المسيحية. صحيح أنه ليست هناك وصية محددة في الكتاب لنحفظه كيوم راحة لنا، أو نحفظه بأي شكل آخر. ولكن لا يستتبع هذا أن نفهم أننا لسنا تحت أي التزام، لكون المسيحية ليست وصايا ناموسية وعقوبات تتبعها، ولكنها أي المسيحية، إعلان حق الله الذي يضعنا تحت التـزام الطاعة القلبية لكل ما جاء فيها- إنها "طاعة الإيمان"- (انظر رومية1: 5، 16: 26).
فلنتأمل الآن في خصائص هذا اليوم في الكتاب:
1-كما قلنا أن هذا اليوم هو يوم قيامة ربنا من بين الأموات- وهو اليوم الذي أُعلن أمام العالم كله نُصرة المسيح على الموت والقبر وعلى كل قوة إبليس. وبالتأكيد فإن هذا اليوم يحمل أعمق الحقائق وأهمها لنفوسنا.
إن قضية الخير والشر قد أُثيرت برمتها في الصليب، وكانت قيامة ربنا يسوع إعلاناً لانتصار الخير. فقد برزت الحياة من الموت، واستُعلنت الخليقة الجديدة بعدما أُدينت القديمة بدينونة الله. كانت هذه نصرة الرب يسوع وقيامته في اليوم الأول من الأسبوع مُعلنة اكتمال النصرة. واستحضار ما هو جديد، لتُقدّم للإيمان حقائق عميقة ومشورات الله في الأزل وكل بركات المسيحية المؤسسة على الفداء، وكل ما هو نافع لنا بموت وقيامة المسيح.
2-إنه اليوم الذي نـزل فيه الروح القدس من السماء مُعلناً فيه اكتمال الخصائص المسيحية. فهناك حقان عظيمان في المسيحية وهما الفداء وحضور الروح القدس على الأرض، بينما استقر جلوس المسيح عن يمين الله. فاليوم الأول من الأسبوع هو شهادة على وجود هذين الحقين المباركين. والدليل على هذا الحق الثاني- (انظر لاويين23: 15و 16) "ثم تحسبون لكم من غد السبت من يوم إتيانكم بحزمة الترديد سبعة أسابيع تكون كاملة إلى غد السبت السابع تحسبون خمسين يوماً. ثم تقرّبون تقدمة جديدة للرب". هذا هو عيد الخمسين، والذي يبدأ في "غد السبت". إنه اليوم الأول من الأسبوع. وفي أعمال 2 نرى أنه اليوم الذي نـزل فيه الروح القدس.
3-إنه اليوم الذي اعتاد أن يجتمع فيه القديسون ليكسروا خبزاً فيذكروا الرب يسوع. ومن (أعمال20: 7) نجد دليلاً على هذا. وعند قراءة هذا الجزء وما قبله يتبين لنا أن بولس ورفقاءه وصلوا إلى ترواس في يوم الاثنين وصرفوا هناك سبعة أيام، لكي يجتمعوا مع القديسين هناك في يوم الرب. ونقرأ: "وفي أول الأسبوع إذ كان التلاميذ مجتمعين ليكسروا خبزاً خاطبهم بولس...". إنهم لم يأتوا مجتمعين ليسمعوا بولس وهو يكرز. ولكن الإخوة كانوا مجتمعين كعادتهم، في ذلك الوقت، ليكسروا خبزاً، وإذا بالرسول ينتهز تلك الفرصة ليخاطبهم بأمور الله. والنص الكتابي هذا يرينا أنها عادة مستقرة لدى القديسين أن يكسروا خبزاً في ذلك اليوم، الذي تميّز بصفة خاصة عن بقية الأيام. وهناك حقيقة أخرى أن الرب يسوع ظهر لرسله في اليوم الأول من الأسبوع، في اليوم الأول لقيامته وفي اليوم الأول من الأسبوع التالي أيضاً، عندما كانوا مجتمعين معاً، وأظهر نفسه لهم في الوسط. وهذا له معنى أيضاً ويؤكد ذات الاتجاه. كذلك فإن الرسول يُعلّم القديسين في كورنثوس أن يضع كل منهم خازناً ما تيسّر في اليوم الأول من الأسبوع ليجمعوا لأجل القديسين. وهذه الشواهد كلها ترينا أن اليوم الأول من الأسبوع هو يوم اجتماع القديسين معاً.
4-والنص الأخير الذي نرجع إليه في (رؤيا1: 10) حيث كان يوحنا "في الروح"، وهو يدعو ذلك اليوم "يوم الرب"، الذي فيه قبل إعلانات خاصة من الرب لأجل قديسي آسيا الصغرى. فلننتبه خاصة إلى هذا التعبير. في (1كورنثوس11: 20) نجد تعبير "عشاء الرب" هل لدى أي واحد منا صعوبة في فهم هذا التعبير؟ أليس واضحاً أن "عشاء الرب" هذا بالمقارنة مع كل واحد منهم عندما كان يأكل عشاء نفسه في عدد 21؟ والآن عندما يكون الحديث عن اليوم، ويستخدم تعبير "يوم الرب" و "عشاء الرب". إنه بصفة خاصة يومه وعشاؤه- إنه اليوم والعشاء الذي يُطالب به الرب باعتباره مِلكه. إننا نأكل عشاءه في يومه.
والسؤال الآن ترى لو أن واحداً تعامل مع عشاء الرب وكأنه عشاؤه الخاص فماذا يكون حكمه؟ أليس هذا ما حدث مع القديسين في كورنثوس والذي بسببه قام الرب بإيقاع القضاء والتأديب عليهم- فكان نصيبهم الضعف والمرض والموت وهو نتيجة سيرهم في هذا الأمر. إن كل قلب ساعٍ إلى مجده لابد أن يهتز بشدة كلما رأى أناساً يتعاملون مع عشاء الرب وكأنه عشاؤهم الخاص.
وكما ننظر إلى عشائه كذلك إلى يومه. فإذا لم تكن لدينا الحرية أن نتعامل مع عشائه وكأنه ملكنا، فهل يمكننا أن نتعامل مع "يومه" بحرية وكأنه يومنا؟ إنني أستحث ضمائر القراء لما يجب أن نسير عليه بحسب نور المكتوب وحقه. إنني أتساءل أيكون صحيحاً ومناسباً أننا نتصرف في "يوم الرب" لنستخدمه لمسراتنا الخاصة وللفوائد الوقتية الزمنية؟
فإذا كان عشاء الرب نُكرّس له قلوبنا تماماً فنذكره بكل قداسة وفرح ذاك الذي تألم لأجلنا ومات أيضاً، فالذكرى ليست لإرضاء رغباتنا أو لإشباع جوعنا. أفلا تكون مراعاة يومه بكل حرص مكرسة له ولأموره؟.
هناك من القديسين الذين يمارسون أعمالهم الزمنية في يوم الأحد وهم ليسوا مرغمين على ذلك- ونحن نُقدّر الذين ليست لهم الحرية في الكف عن أعمالهم الزمنية في "يوم الرب" لطبيعة أعمالهم أو ظروف معيشتهم[1]. ولكن لا ننسى قول الرب "إني أكرم الذين يكرمونني" (1صموئيل2: 30).
ولكن ما يبعث على الخوف أيضاً أن عدداً ليس بقليل، يذهبون إلى الاجتماع في يوم الرب ويكسرون الخبز. وبعد انتهاء الاجتماع فإنهم يصرفون الباقي من وقتهم[2]في إشباع مسراتهم- يتزاورون بطريقة اجتماعية، ويؤدون أعمالهم ويذهبون إلى النادي ويمارسون هواياتهم ويتسلون بقراءة المجلات والجرايد، الخ... إنني أسأل أهذا تكريس اليوم للرب؟ أهذ إكرام واجب له؟
أنا لا أقول إنه يوم راحة مثل السبت قديماً، فنكفُ عن أشغالنا الزمنية، وببساطة لا نفعل شيئاً. ولكن الرب يطالبنا بيومه. صحيح أننا نكفُ عن أعمالنا اليومية ونُكرّس اليوم له بما يحفظ خصائص هذا اليوم، وذلك بأن نُشغل أنفسنا بالأمور الروحية النافعة لنفوسنا وللآخرين.
ومع ذلك فليست هناك وصية تطالبنا بذلك. أنا أعرف هذا جيداً. ولكن لماذا نطلب وصية؟ ألم يخبرنا بأن هذا اليوم هو يومه؟ فلماذا نختلس ما يخصه. لقد بيّن محبته لنا بوضع حياته لأجلنا. ألم يعبر محيطاً من الأحزان التي لا يُسبر غورها لكي يُحضرنا إلى البركة التي كان دافعها الوحيد هي المحبة اللانهائية، وهو يضع على قلوبنا أن تتجاوب مع محبته، فتُسلم له بطاعة لإرادته بكل محبة وفرح. أفنريد أن نُحبطه عن وعي وقصد ونُحزن قلب من وثق فينا. إنه لم يُلزمنا بربط الناموس قائلاً لنا "اعمل" و "لا تعمل". وللأسف فإن حالتنا هذه تشير إلى قلوبنا المسكينة وأين هي. إنه لا يشغل المكان الأول في حياتنا، ومطالبه صارت غير معروفة، وقد أُهملت بسبب المشغولية بالذات والحياة العالمية.
إنه لم يتركنا في ظلمة تجاه إرضائه. بل إن بركتنا تزداد بالطاعة لإرادته. وإهمال إرادته في هذا الأمر أو في أي شيء آخر لا يخلو من الخسارة لنفوسنا، فنصبح عثرة للآخرين ونجلب المهانة لاسمه.
ليت الرب يعطي القارئ والكاتب حساسية تجاه كل ما يؤثر على مجده، وأن نؤكد على البركة في الأمانة والمحبة الطائعة لإرادته المعلنة لنا.
[1]-يتحدث الكاتب عن المجتمع في كندا الذي كان يعيش فيه في أواخر القرن الماضي (المعرَّب).
2-في المغرب يعقدون اجتماع كسر الخبز صباحاً وليس كما هو متبع غالباً في اجتماعاتنا في مصر مساء (المعرّب).
- عدد الزيارات: 3325