الفصل 4: لعنة بني إسرائيل
ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش فحينئذ اعلموا أنه قد اقترب خرابها حينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال والذين في وسطها فليفروا خارجاً والذين في الكورة فلا يدخلوها لأن هذه أيام انتقام ليتم كل ما هو مكتوب وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام لأنه يكون ضيق عظيم على الأرض وسخط على هذا الشعب ويقعون بفم السيف ويسبون إلى جميع الأمم وتكون أورشليم مدوسة من الأمم حتى تكمل أزمنة الأمم (لوقا 21: 20-24).
هذا ما تنبأ به الرب يسوع شخصياً عن خراب أورشليم وعن لعنة اليهود.
هناك حقيقة تقال على ضوء هذه الآية المباركة وهي: أن كل مدة الكرازة بالإنجيل وحتى اكتمال جسد الرب الذي هو كنيسته المحبوبة (بالإنجيل يسمي هذه الفترة أزمنة الأمم, أي أن فرصة الخلاص متاحة لكل أممي غير يهودي) وطوال هذه المدة, الإسرائيلي مرفوض كشعب وليس كفرد في الكنيسة, إلى أن يغلق الرب الباب على الأمم لكي يعود من جديد ويتعامل مع اليهود.
لنستعرض معاً صفحات التاريخ ونر هل تم هذا الأمر حقيقة وسمح الرب بأن يقع اليهود فريسة الأمم طوال عشرين قرناً تقريباً وذلك نتيجة رفضهم لمخلصهم:
اضطهاد اليهود في أوائل سني المسيحية
في سنة (38) ميلادية, لم يكن قد مضى على صعود المسيح إلى السماء غير بضعة أعوام حتى بدأ اضطهاد اليهود بمذبحة مريعة في الإسكندرية أيام الإمبراطور الروماني الشهير كاليغولا.
في سنة (50) ميلادية, أي بعد الصلب بقرابة عشرين سنة ومع وجود أغلبية الرسل أحياء, ينشرون بشارة الخلاص, في ذلك الحين حدثت فتنة جامحة بين اليهود والرومانيين قتل فيها نحو (30000) يهودي في أورشليم وحدها.
يقول المؤرخ اليهودي الشهير يوسيفوس: في سنة (70) ميلادية, ذهب تيطس ابن الإمبراطور فسباسيان خليفة نيرون على رأس جيش مؤلف من (100000)ٍ جندي روماني إلى أورشليم التي كانت محاطة وقتئذ بثلاثة أسوار منيعة, تشرف عليها تسعون قلعة, فأخذ في محاصرتها مضيقاً عليها الخناق مدة أربعة أشهر وكان أشد حصاراً ذكر في التاريخ ضيقاً وقد عمل الجوع عمله الكامل, فكانت الزوجات يخبئن الخبز عن أزواجهن والأولاد يخطفون من والديهم ما يسد لا رمق, فوصلت الحالة إلى أن بعض الأمهات فقدن الحنان الطبيعي, فذبحن أولادهن وطبخنهم وهرب الكثيرون من الضيق داخل المدينة, فكانوا يلاقون أسوأ مصير, إذ أن جنود تيطس, كانوا يأسرونهم ويعدمونهم صلباً خارج أسوار المدينة, فكثرت الإعدامات لدرجة أن الخشب اللازم لإعداد الصلبان استنفذت كلياً.
وأخيراً جاء شهر أغسطس من تلك السنة ودخل الرومانيون أورشليم ودمروها كلياً وقد شدد تيطس على ألا يمسوا الهيكل بضرر, لأنه كان جميلاً جداً ولكن, لكي يتم المكتوب يعلق المؤرخ: أخذ أحد الجنود شعلة نار متقدة وقذف بها من داخل الباب, فامتد لهيبها بسرعة البرق وساعد على امتداد الحريق عاصفة هوجاء, فاشتعلت النار في جميع أرجاء الهيكل وهكذا احترق هيكل هيرودوس الجميل ولم يبق منه إلا حجارة جرداء, فتمت عندها نبوءة المسيح على أكمل وجه وهي القائلة: ... فتقدم تلاميذه لكي يروه أبنية الهيكل فقال لهم يسوع: أما تنظرون جميع هذه الحق أقول لكم أنه لا يترك ههنا حجر على حجر لا ينقض (متى 24: 1-2).
يضيف يوسيفوس قائلاً: إن مليون نفس قد هلكت في الحصار وأن ما يقارب الـ (97000) أخذوا أسرى إلى روما تأكيداً لنصرة الفاتح وكان بينهم أشراف اليهود المتنعمون وجميعاً سخروا في بناء ملعب الكولوزيوم الشهير في روما.
نعم, لقد تشتت اليهود ولم يبق لهم موطن ولا هيكل ولا رئيس وأصبحوا مضطهدين, مكروهين, مرتبكين في عيشتهم, لا قرار لأرجلهم, لكن, هل آلت ضيقتهم إلى هذا الحد فحسب..؟
في سنة (118) ميلادية وفي أوائل حكم الإمبراطورية أدريان, نشبت ثورة بين اليهود والإغريق, سالت فيها دماء غزيرة.
وفي سنة (132) ميلادية وفي فترة حكم الإمبراطور نفسه, كان اليهود قد استردوا جزءاً من قوتهم بعد ضربة تيطس لهم, فقاموا بثورة جامحة مستميتين ضد الرومان من جراء إنشاء هؤلاء مستعمرة رومانية على أرض أورشليم التي أصبحت خراباً بلقعاً وقد استمرت هذه الثورة ثلاث سنوات ونصف السنة, قتل فيها من اليهود ما يربوا على نصف مليون نسمة وقد دفعتهم هذه الكارثة الأخيرة إلى اليأس التام.
وكثرت تلك الاضطهادات حتى سنة (1096) حتى بدأت الحروب الصليبية, فزادت كارثتهم أيضاً لهذا السبب وأصبحوا في العالم قوماً منبوذين, محتقرين, محرومين من أية حقوق مدنية أو شرعية, فاقدين كل عطف,متعرضين إلى كل أصناف الإهانة والتعذيب والاضطهاد, وأينما وجد اليهود وجد المضطهدون لهم... في فرنسا وإنكلترا وألمانيا وبولونيا وهولندا إلخ... إننا نجد في تواريخ هذه البلدان عدة شواهد عن الاضطهادات التي حلت عليهم فيها.
الاضطهاد في فرنسا
في فرنسا عومل اليهود أيضاً أسوأ معاملة... ففي سنة (1306) طرت منهم ما لا يقل عن الـ (100000) يهودي وصودرت أموالهم وممتلكاتهم, وبعد ذلك شعرت الدولة بالفراغ الذي تركوه نظراً لمقدرتهم التجارية, فأُرجعوا بعد عشرة سنوات من طردهم, وبعد رجوعهم تجدد الاضطهاد عليهم من قبل رهبان يطلقون على أنفسهم اسم (الرعاة) فدبروا طرقاً عديدة لإفنائهم, لكن ما لبثوا أن دارت الدائرة عليهم من قبل الثورة الفرنسية.
الاضطهاد في إنكلترا
استوعبت إنكلترا صيبها من اليهود إلى أن طردهم الملك كانيوت وذلك سنة (1020) ولم يسمح لهم بالرجوع إليها إلا بعد الفتح النورماني,حيث عاشوا بأمان وسلام إلى أيام الملك ريكاردو قلب الأسد, فأمر بإبعادهم من لندن فوراً. حينئذ ثار الشعب ضدهم بعنف وتاريخ قلعة يورك شاهد حي على أعظم وأفظع كارثة حلت باليهود في هذه المدينة, إذ أنه احتمى في قلعتهم ما يزيد على (5000) يهودي فراراً من مضطهديهم وإذ وجدوا أن لا فائدة من مقاومتهم, انتحروا جميعاً حرقاً وفي اليوم التالي دخل المحاصرون, فوجودا أكواما ً من الرماد وخمسة آلاف هيكل عظمي محترقة مشوهة.
وبعد حوالي مئة سنة من تلك الكارثة, رجعت بقية منهم كانت قد تشتت من جراء الاضطهادات وثبتت أقدامها في المملكة إلى أن جاء الملك إدوارد الأول وطردهم ثانية وكانوا نحو (16000) يهودي.
وبقيت إنكلترا مدة (4000) سنة بعد ذلك لا يوجد فيها أثر ليهودي واحد وذلك لغاية أيام كرومويل, الذي منحهم إذناً بالرجوع ولكن تحت شروط ثقيلة. ومن ذلك الوقت, تحسنت حالتهم شيئاً فشيئاً إلى أن أصبحوا بأمان تام وتمتعوا بكامل الامتيازات التي يتمتع بها كل مواطن إنكليزي إلى ما قبل عودتهم الخيرة إلى فلسطين وذلك سنة (1948).
الاضطهاد في أسبانيا
في سنة (1492) صدر أمر بطرد اليهود من المملكة الأسبانية... في ذلك الوقت تقدم ثري يهودي اسمه ابرنابل بهدية قيمتها (30000) جنيه للملك فريناند والملكة إيزابيلا وذلك لإلغاء القرار بطرد اليهود, فما كان من رئيس الوزراء آنذاك توركمادا, إلا أن تدخل بقوة حاملاً صليباً خشبياً وصارخاً في وجه ابرنابل قائلاً له: إن الاسخريوطي باع سيده بثلاثين من الفضة, ها أنت تبيع سيدك بثلاثين ألفاً من الجنيهات, فخذ هذا الصليب واصلبه... وكانت هذه الصرخة ختام الفصل, فتراجع الملك والملكة عن فسخ القرار وأعقب هذا الحادث اضطهاد مرير وظلم مريع على اليهود في أسبانيا وبيعوا عبيداً إلى المغرب العربي والجزائر.
الاضطهاد في ألمانيا
بين سنة (1348و1350), عندما انتشر الطاعون الذي أفنى ما يقارب ربع سكان الدولة, اتهم اليهود بأنهم سمموا الآبار وينابيع المياه, فعم اضطهادهم وقامت الثورات الفظيعة على هذا الشعب...
كلنا يتذكر التاريخ القريب حيث أن اليهود أيام ألمانيا الهلترية, كانوا على درجة كبيرة من الغنى والتقدم في الأمور الفنية والإدارية والمالية والطبية والتجارية والعلمية إلخ...
لكن, فجأة في أحد الأيام, أصدر الفوهرر أوامره المشددة بإقصائهم عن كل هذه المراكز وطردهم من مملكة إلى أخرى وتفريقهم بين الشعوب وبيعهم عبيداً في العالم مع احتمالهم جميع أصناف الآلام والضيق, كان من المفروض بها أن تسبب انقراضهم واضمحلالهم تماماً من الوجود, أو على الأقل تذويبهم بين الشعوب...
بالإضافة إلى كل ذلك, فإنهم ما زالوا يفتخرون بعنصرهم اليهودي, هذا الأمر الذي سبب لهم كل هذه المآسي لكن, الذي وعد في كلمته أنه سيشتتهم وسمح باضطهادهم في العالم أجمع, هو هو نفسه الذي وعد أيضاً بأنه سيفتقدهم من جديد ويرجعهم إلى أرض فلسطين, كإحدى أهم العلامات إطلاقاً قبل مجيء المسيح ثانية وهذا ما سنتكلم عنه لاحقاً...
- عدد الزيارات: 9535