Skip to main content

الفصل الثالث: مؤشرات رجوع المسيح

القراءة من الكتاب المقدس

"وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض ووُلد لهم بنات, إن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهنّ حسنات فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا. فقال الرب لا يدين روحي في الإنسان إلى الأبد. لزيغاته هو بشر وتكون أيامه مئة وعشرين سنة. كان في الأرض طغاة في تلك الأيام. وبعد ذلك أيضاً إذ دخل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم أولاداً. هؤلاء هم الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم.

ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض وإن كل تصوّر أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم. فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض. وتأسّف في قلبه. فقال الرب, أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته. الإنسان مع بهائم ودبّابات وطيور السماء, لأني حزنت أني عملتهم. وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب.

هذه مواليد نوح. كان نوح رجلاً باراً كاملاً في أجياله. وسار نوح مع الله. وولد نوح ثلاثة بنين ساماً وحاماً ويافث. وفسدت الأرض أمام الله وامتلأت الأرض ظلماً. ورأى الله الأرض فإذا هي فسدت. إذ كان كل بشر قد أفسد طريقه على الأرض.

فقال الله لنوح, نهاية كل بشر قد أتت أمامي. لأن الأرض امتلأ- ظلماً منهم. فها أنا مهلكهم مع الأرض. اصنع لنفسك فلكاً من خشب جفرٍ. تجعل الفلك مساكن. وتطليه من داخل ومن خارج بالقار. وهكذا تصنعه. ثلاث مئة ذراع يكون طول الفلك وخمسين ذراعاً عرضه وثلاثين ذراعاً ارتفاعه. وتصنع كواً للفلك وتكمله إلى حدّ ذراع من فوق. وتصنع باب الفلك في جانبه. مساكن سفلية ومتوسطة وعلوية تجعله. فها أنا آتٍ بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء. كل ما في الأرض يموت. ولكن أقيم عهدي معك. فتدخل الفلك أنت وبنوك وامرأتك ونساء بنيك معك. ومن كل حيّ من كل ذي جسد اثنين من كلٍ تُدخل إلى الفلك لاستبقائها معك. تكون ذكراً وأنثى. من الطيور كأجناسها ومن البهائم كأجناسها ومن دبابات الأرض كأجناسها. اثنين من كل تُدخل إليك لاستبقائها. وأنت, فخذ لنفسك من كل طعام يؤكل واجمعه عندك. فيكون لك ولها طعاماً. ففعل نوح حسب كل ما أمره به الله. هكذا فعل" (تكوين6).

هذا الفصل هو فاتحة قصة الطوفان, التي لا شك أنكم سمعتم بها, أو ربما قرأتم عنها في الكتاب المقدس, أعني الطوفان الذي غطّى الأرض كلّها في أيام نوح وأهلك كلّ ما فيها: الإنسان والحيوان والطير, باستثناء ثمانية أفراد, هم نوح وعائلته وبعض البهائم والطيور التي أمر الله بإبقائها لحفظ النوع. السؤال الآن هو: لماذا حدث الطوفان؟ لماذا مات كل البشر هذه الميتة الجماعية؟ يقول بعضهم أنه حدث تاريخي أو مجرد كارثة طبيعية, ولكن الكتاب المقدس يقول, كما سمعنا, إن للطوفان أسباباً عدة دفعت الله أن يُنزل قصاصة بالعالم بهذا الشكل الرهيب. فما هي تلك الأسباب يا ترى؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال أود أن أذكّرك بأن هناك طوفاناً آخر آتياً على العالم كلّه, ولكن من نوع آخر. الطوفان الأول كان طوفان ماء, وفي نهايته قال الله لنوح: "أقيم ميثاقي معكم فلا ينقرض كل ذي جسد أيضاً بمياه الطوفان". وكانت العلامة قوس قزح وعدٌ بأنه لن يرسل طوفان ماء ثانياً إلى الأرض كالطوفان الذي أهلك به العالم القديم, ولكن الكتاب المقدس يقول أن ثمة طوفاناً من نوع آخر سيشمل الأرض كلّها, وهذا الطوفان هو طوفان نار لا طوفان ماء. يقول الرسول بطرس بالحرف الواحد في رسالته الثانية الإصحاح الثالث والعدد السابع: "أما السماوات والأرض الكائنة الآن فهي مخزونة بتلك الكلمة عينها محفوظة للنار إلى يوم الدين وهلاك الناس الفجّار". ويقول أيضاً في العدد العاشر: "سيأتي كلّص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحلّ العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها". وفي العدد الثاني عشر يقول: "يوم الرب الذي به تنحلّ السماوات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب". من يدري, فقد يأمر الله فتنفجر كل الطاقة الهدروجينية والذرية فتحترق الأرض بما فيها. هذا هو طوفان النار المزمع أن يأتي على العالم برمّته, ويا له من طوفان مخيف! أعود الآن إلى السؤال الذي طرحته قبل قليل: ما هي أسباب الطوفان؟ طوفان الماء أو طوفان النار لا فرق. ما الذي يجعل غضب الله يحلّ على البشرية؟ هل الله ظالم؟ هل يتصرف بصورة اعتباطية؟ أم إن العلة في الإنسان؟ للإجابة عن هذه الأسئلة نرجع إلى كلمة الله. فهي المرجع الأول والأخير لمعرفة الحق.

يقول الكتاب المقدس في سفر التكوين الإصحاح السادس أن هناك أربعة أمور على الأقل أدّت إلى تلك الكارثة التي قضت على الجميع:

أولاً, عبادة الجمال. في العددين الأول والثاني من هذا الفصل نقرأ ما يلي: "وحدث لما... حسنات" أي جميلات ومعنى هذا أن الجمال البشري الجسدي الخارجي طغى على أفكار الناس يوم ذاك, كما يطغي على أفكار العالم اليوم. أليس هذا واقع الحال؟ ألا يركض الناس اليوم الحسن والمظاهر الخارجية في حين يقول الكتاب: "الحسن غشّ..." ولكن, للأسف, ما أكثر ما ينخدع الإنسان بالمظاهر البراقة والجمال الخارجي. لعل أحدكم يسأل: هل الجمال أو حب الجمال خطية؟ والجواب, طبعاً, لا. فالله خلق كلّ شيء جميلاً في البدء, والجمال هو عطية من عطايا الله. نقرأ في الكتاب المقدس أن الله خلق رجالاً ونساءً على جانب من الجمال وحسن المنظر. فالمشكلة إذاً, ليست في الجمال, بل في عبادة الجمال أو التعلّق الزائد بالجمال, إلى حدّ إهمال جمال القلب والروح. أيّ التعلق بالمظهر من دون الجوهر, وبالجسد من دون الروح, وبزينة الوجه من دون زينة القلب الوديع الهادي. ألا توافقون معي أن الناس اليوم يعبدون الجمال؟ فكروا كم من الأوقات والأموال تنفق, وكم من المهرجانات والحفلات تقام في سبيل الجمال. قديماً, في أيام الرومان والإغريق عبد الناس الجمال بواسطة ملكات الجمال وممثلات هوليوود والتلفزيون والمسرح. يعلقون صورهم على جدران غرفهم وفي سياراتهم ومكاتبهم! إذاً, عندما يستحوذ الجمال أفكارنا واهتماماتنا ويسلب منا القلب واللب, عندئذ يصير الجمال خطية بل شراً فظيعاً. أخي, هل أنت من هذه الفئة؟

ثانياً, حب الاستقلال. نقرأ في القسم الثاني من العدد الثاني: "اتخذوا...من كل ما اختاروا". لاحظوا العبارة "من كل ما اختاروا", أي أنهم استقلوا عن الله فاختاروا لأنفسهم ولم يُشركوا الله في الاختيار. وكأنهم يقولون لله: نحن نعرف كيف نختار لأنفسنا فاتركنا وشأننا. نحن معجبون بذوقنا وبقدرتنا على الاختيار, وهكذا "اتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا". وهذا لا يعني فقط أنهم تزوجوا زيجة شرعية بل أيضاً أنهم غرقوا في الجنس إلى ما فوق رؤوسهم كما هو الحال في عالمنا اليوم. سمعت منذ مدة يسيرة تقريراً عن عدد من الأمريكيين الذين يساكنون بعضهم بعضاً من دون زواج. يقول التقرير أن العدد يبلغ المليونين, أي بزيادة ثلاثة وثمانون بالماية عمّا كان عليه سنة1970, فتصوّروا! كم وكم من الناس اليوم يريدون أن يعيشوا مستقلين, على طريقتهم الخاصة ولا يريدون أن يتدخل الله في شؤونهم ومخططاتهم وطرقهم. يريدون أن يبقى الله على الحياد. يريدون أن يختاروا المرأة التي يريدون, والعيشة التي يريدون. أخي القارئ, هل أنت من هذه الفئة؟

ثالثاً, روح الاستغلال أقصد استغلال نعمة الله ومحبة الله وطول أناته. هكذا كان الإنسان قديماً, وهكذا هو اليوم. الإنسان هو هو وطبيعته البشرية هي هي. والإنسان خاطئ, ولذلك فهو استغلالي انتهازي وكل ذلك لكي يكون له تمتع وقتي بالخطية. في الآية الثالثة من هذا الفصل يقول الرب: "لا يدين روحي في الإنسان إلى الأبد". أي إن الله كان يتعامل مع النفوس بروحه القدوس بقصد اجتذابها إلى معرفته ومعرفة الخلاص والبرّ والقداسة. ولكن الإنسان رفض تلك المعاملة. رفض صبر الله وتبكيت الروح القدس وقرعه على باب قلبه. رفض الفرصة المعطاة له لطلب الرب والرجوع إليه ولذلك تركه الله نهائياً, على غرار ما فعل مع عيسو الذي لم يجد للتوبة مكاناً مع أنه طلبها بدموع. يقول بولس: "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله؟" إن كنت تحاول استغلال نعمة الله فأنت تستهين بها وتزدريها. ولهذا يتابع بولس كلامه: "ولكن من أجل قساوتك..." ومعنى هذا أنك إذا رفضت معاملات الروح القدس فتفوتك الفرصة إلى الأبد وتعرّض نفسك للغضب والدينونة معاً.

رابعاً, سوء الفعال. ما أكثر الكلمات التي يوردها الكتاب في هذا الفصل لوصف الحالة التي وصل إليها الإنسان قديماً وحديثاً. في العدد الثالث يقول: "لزيغانه هو بشر". وفي العدد الخامس يقول: "ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض وإن كلّ تصوّر أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم". وفي العدد الحادي عشر والثاني عشر يقول: "وفسدت الأرض أمام الله وامتلأت الأرض ظلماً. ورأى الله الأرض فإذا هي قد فسدت. إذ كان كل بشر قد أفسد طريقه على الأرض." والعهد الجديد يصف عالم الطوفان بعالم الفجار.

أليس في هذا وصف لعصرنا الذي نعيش فيه؟ هل نرى زيغاناً في أيامنا؟ هل كثر الشر في عصر الذرة والتقدم؟ هل ثمة فساد وظلم وعنف؟ الجواب هو نعم وألف نعم. بل إن هذا ازداد في أيامنا لأن الناس أمسوا أكثر علماً ودراية بفنون الشر والإثم والفجور, مع العلم أن الرب قد وفّر لنا ما لم يكن متوافراً لهم. مثلاً, عندنا كنائس وكتب مقدسة وكتب ترانيم واجتماعات روحية ومؤتمرات ومواعظ على الراديو والتلفزيون. أما هم فلم يكن عندهم شيء من ذلك. فإن كان الله لم يشفق عليهم, فهل يشفق علينا؟ تقول كلمة الله: "لأن غضب الله معلن على جميع فجور الناس وإثمهم الذين يحجزون الحق بالإثم". أجل, هذه هي بعض الأسباب التي جلبت الطوفان قديماً, وهي نفسها ستكون مجلبة لطوفان النار قريباً. ولكن هذا لا يعني أن نيأس ونخاف. فهناك أمل والحمد لله. ففي وسط الظلمة نرى نوراً مشرقاً. في وسط الأجواء القاتمة التي تحدثنا عنها نقرأ عن نوح أنه وجد نعمة في عيني الرب أي نال رضا الرب. لماذا؟ لأنه سار مع الرب بالإيمان وبرهن عن إيمانه بحياة ملؤها البرّ والتقوى ومخافة الرب.

إن كان للأشرار قصاص فالأبرار لهم خلاص. فلماذا لا تكون من الأبرار فتسلّم قلبك وحياتك للرب وتسلك معه بالإيمان- الإيمان الشخصي بالمسيح المخلّص, فتنال رضا الله وبرّ الله وغفران الله بالمسيح يسوع. اهرب من الغضب الآتي قبل فوات الفرصة. حذار الجمال والاستقلال والاستغلال وسوء الفعال. المسيح بانتظارك. تعال إليه الآن. اليوم يوم خلاص. الآن هو الوقت المقبول.

  • عدد الزيارات: 4831