الفصل الأول: المسيح آتٍ ثانيةً
القراءة من الكتاب المقدس
"هذه أكتبها الآن إليكم رسالة ثانية أيها الأحباء فيهما أنهض بالتذكرة ذهنكم النقي, لتذكروا الأقوال التي قالها سابقاً الأنبياء القديسون ووصيتنا نحن الرسل وصية الرب والمخلّص. عالمين هذا أولاً أنه سيأتي في آخر الأيام قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات أنفسهم, وقائلين أين هو موعد مجيئه لأنه من حين رقد الآباء كل شيء باقٍ هكذا من بدء الخليقة. لأن هذا يخفى عليهم بإرادتهم أن السماوات كانت منذ القديم والأرض بكلمة الله قائمة من الماء وبالماء, اللواتي بهن العالم الكائن حينئذ فاض عليه الماء فهلك. وأما السماوات والأرض الكائنة الآن فهي مخزونة بتلك الكلمة عينها محفوظة للنار إلى يوم الدين وهلاك الناس الفجّار. ولكن لا يخفَ عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء أن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة, وألف سنة كيوم واحد. لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ, لكنه يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يَهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. ولكن سيأتي كلّص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحلّ العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها.
فبما أن هذه كلّها تنحل أيّ أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب, الذي به تنحلُّ السماوات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب. ولكننا بحسب وعده ننتظر سماواتٍ جديدةً وأرضاً جديدة يسكن فيها البرّ.
لذلك أيها الأحباء إذ أنتم منتظرون هذه اجتهدوا لتوجدوا عنده بلا دنس ولا عيب في سلام. واحسبوا أناة ربنا خلاصاً. كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس أيضاً بحسب الحكمة المعطاة له, كما في الرسائل كلّها أيضاً متكلماً فيها عن هذه الأمور. التي فيها أشياء عسرة الفهم يحرّفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب أيضاً لهلاك أنفسهم.
فأنتم أيها الأحباء إذ قد سبقتم فعرفتم احترسوا من أن تنقادوا بضلال الأردياء فتسقطوا من ثباتكم. ولكن انموا في النعمة وفي النعمة ربنا ومخلصاً يسوع المسيح, له المجد الآن وإلى يوم الدهر,آمين" (2بطرس3: 1-18).
في هذا الفصل يخاطب الرسول بطرس جماعة المؤمنين الحقيقيين, واصفاً إياهم بذوي "الذهن النقي" ليذكّرهم بما أنبأ به الأنبياء القديسون, وتكلّم عنه الرسل, ووعد به الرب نفسه- وهو أن المسيح سيرجع ثانية في آخر الأيام, أي في الأيام الأخيرة. يقول بطرس إن الرب الذي وعد لن يتأخر عن تنفيذ وعده, لأنه صادق وأمين. فإن كان بعض المشككين يظنّون أنه تأخر وأبطأ في الوفاء بوعده, فما ذلك إلا لأن ساعة الله تختلف عن ساعاتنا من جهة, ولأن الله يتأنّى ويصبر على الناس لعلهم يتوبون عن شرورهم, من جهة أخرى.
ولكي لا يتأثروا بالتفاسير المغلوطة والتعاليم المضللة المحيطة بهم, يشجعهم الرسول على الانتباه إلى الحياة المقدسة والنمو في النعمة والمعرفة لكي يكونوا مستعدين ليوم الرب الذي سيفاجئ الكثيرين كلّص في الليل.
وقد لفت نظرهم- كما يلفت نظرنا- إلى ثلاث حقائق هامة بشأن هذا المجيء.
أولاً- مجيء الرب ومؤشراته: استهزاء, غباء, قلّة حياء, ضلال الأردياء.
ثانياً- مجيء الرب ومتطلباته: اذكروا, انتظروا, احذروا, اكبروا.
ثالثاً- مجيء الرب وغاياته.
أبدأ الآن بمؤشرات رجوع الرب.
(1) المؤشر الأول "الاستهزاء" أي الاستخفاف والسخرية. يقول الرسول بطرس: "عالمين هذا أولاً أنه سيأتي في آخر الأيام قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات أنفسهم وقائلين أين هو موعد مجيئه؟ لأنه من حين رقد الآباء كل شيء باقٍ هكذا منذ بدء الخليقة." وقد أيّد هذه الأقوال يهوذا في رسالته, إذ قال: "وأما أنتم أيها الأحباء فاذكروا الأقوال التي قالها سابقاً رسل ربنا يسوع المسيح. فإنهم قالوا لكم إنه في الزمان الأخير سيكون قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات فجورهم. هؤلاء هم المعتزلون بأنفسهم نفسانيون لا روح لهم."
لا شك أنك لاحظت يا أخي من هم هؤلاء المستهزئون. إنهم جماعة الأشرار الذين يسلكون "حسب شهوات فجورهم" وفي الوقت نفسه هم المعتزلون بأنفسهم والأنانيون الذين لا روح لهم. هؤلاء يسخرون بالأمور الروحية ويستخفّون بالحقّ بطريقتين: أولاً بمسلكهم المنحرف, وثانياً بأقوالهم التي لا تمتّ إلى الحق والمنطق السليم بصلة. ولماذا يقرنون أقوالهم العقيمة بأفعالهم السقيمة؟ لكي يستروا أعمالهم ويموّهوها وأحياناً لكي يبرّروها.
بكلام آخر: هؤلاء عندهم مشكلة أخلاقية روحية, ولكنهم يصورونها للناس أنها فلسفية بحتة تتعلق بالفكر والمنطق, ولهذا فإنهم يقولون: "أين هو موعد مجيئه؟", أي إن كان الرب قد وعد بالرجوع فلماذا لم يرجع حتى الآن؟ وكأنهم يقولون للناس: ما هذا الموعد إلاّ كلام بكلام وقد سمعنا مثله الكثير. فإن كلّ شيء لم يزل كما هو منذ بداية العالم.
كم يذكّرني هؤلاء بأصهار لوط في العهد القديم قبيل إحراق سدوم وعمورة. يقول الكتاب المقدس أنه لما أطلعهم لوط على خطة الله لتدمير سدوم لم يحملوا كلامه على محمل الجد, بل استخفّوا بالخبر. ولهذا نقرأ أن لوط "كان كمازح في أعين أصهاره". وماذا كانت النتيجة؟ أتت نيران الله عليهم كما أتت على سائر سكان المدينة فهلكوا مع الهالكين. آه ما أكثر المستهزئين الوقحين في هذه الأيام الذين لينطبق عليهم هذا الكلام.
(2) المؤشر الثاني هو "الغباء", أي الجهل الروحي وعدم المعرفة: "لم تعرفي زمان افتقادك." وقد قال الله قديماً: "هلك شعبي لعدم المعرفة." وهنا يطلق بطرس على هؤلاء وأمثالهم لقب "غير العلماء" وأيضاً "غير الثابتين" الذين يفعلون ما يفعلون "لهلاك أنفسهم" . وفي الآية الخامسة من هذا الذي يُخفى عليهم ويجهلونه؟ يجهلون كلمة الله وما جاء فيها. والمحزن في الأمر أنهم يجهلون الحق الإلهي لا لسبب آخر إلاّ لأنهم لا يريدون أن يعرفوه. ولهذا نقرأ ما يلي: "لأن هذا يخفى عليهم بإرادتهم أن السماوات كانت منذ القديم والأرض بكلمة الله قائمة من الماء وبالماء اللواتي بهن العالم الكائن حينئذٍ فاضَ عليه الماء فهلك." أي أن الله أهلك العالم القديم بالطوفان في أيام نوح بعد وقت طويل جداً من خلقه للسماوات والأرض. ولذا يتابع قائلاً: "وأما السماوات والأرض الكائنة الآن فهي مخزونة... ومحفوظة للنار إلى يوم الدين وهلاك الناس الفجار." هذا يعني أنه كما صدق الله في وعده بإرسال الطوفان في الماضي, هكذا سيفعل في الحاضر إذ سيأتي في الوقت المحدد, ليدين الأشرار وليحرق الأرض بالنار.
فلو كانوا يعرفون كلمة الله لكانوا قد عرفوا هذه الحقائق وعرفوا "أن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد". أضف إلى هذا أنهم لا يجهلون كلمة الله فقط, بل أيضاً قصد الله. فما يظنّونه تأخيراً أو تباطؤاً من جانب الرب ليس سوى رحمة وطول أناة من الله, لكي يعطي الناس فرصة كافية للتوبة, لأنه يحب البشر ولا يشاء أن يَهلك أحد منهم.
هل يوجد مثل هؤلاء في أيامنا؟ نعم, وبكثرة, وفي كل مكان. وهذا مؤسف جداً, ولكنه خارج عن طاقتنا وإرادتنا. كل ما نستطيعه هو أن نصلّي لأجلهم لكي لا يرجعوا إلى الله قبل فوات الفرصة. ما يهمني الآن ألا تكون أنت يا أخي واحداً منهم. أمّا إذا كنت, فباب الخلاص والنعمة ما زال مفتوحاً أمامك. ادخل منه الآن, بالتوبة والإيمان.
(3) المؤشر الثالث هو "قلّة الحياء" وهذا واضح من الصفة التي يطلقها الكتاب المقدس على الناس في الأيام الأخيرة. والصفة هي "فجّار". يستعمل بطرس عبارة "الناس فجّار" ويستخدم يهوذا عبارة "الخطاة الفجّار". ومن هم الفجّار؟ لو رجعنا إلى القاموس لوجدنا أن الكلمة تعني الكَذَبة والمنحرفين والزناة والسحرة والنقادين إلى المعاصي. أي إن الفاجر هو الذي فقد حياءه وحسّه وضميره, بحيث لم يعد يتورّع عن فعل أيّ خطية. هل هناك أناس من هذا الصنف في العالم اليوم؟ نعم, وبكثرة هائلة تفوق تصوّرنا. وما علينا إلاّ أن نصرخ إلى الله قائلين: اللهم ارحمنا ونجنا إكراماً ليسوع.
(4) المؤشر الرابع هو "ضلال الأبرياء". أي أن الضلالات والبدع ستكثر قبل رجوع المسيح. وقد أشار الرب نفسه والرسل إلى تكاثر الأنبياء الكَذَبة والمعلمين الكَذَبة في آخر الأيام. وقد قال الرب يسوع بالحرف الواحد: "احترزوا من الأنبياء الكَذَبة الذين يأتونكم بثياب الحملان وهم من داخل ذئاب خاطفة." وهنا يخاطب الرسول بطرس المؤمنين بقوله: "فأنتم أيها الأحباء... احترسوا من أن تنقادوا بضلال الأردياء." ومن هم هؤلاء؟ إنهم المستخفّون بالحقائق الكتابية الروحية. إنهم الجهال بمحض إرادتهم لأنهم لا يريدون أن يفهموا. إنهم المنحرفون عن التعاليم الكتابية لهلاك أنفسهم. إنهم غير الثابتين أي المتقلقلون المتزعزعون المحمولون بكل ريح تعليم. ويكفي أن نقول أن الكتاب المقدس يسميهم "الأردياء", والشجرة الردية لا تعطي إلاّ ثماراً ردية.
إني أضع أمامك هذه المؤشرات لأحذرك منها. حذار الاستهزاء والغباء وقلّة الحياء وضلال الأردياء. إني أؤكد لك أن لا شيء يحفظك وينجيك منها إلاّ الرب يسوع المسيح وكلمته المقدسة. فامسك بالرب وبكلمة الرب وعندئذ فقط تستطيع, كما قال بطرس, أن تنموَ في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع المسيح. له المجد الآن وإلى يوم الدهر, آمين.
نأتي إلى النقطة الثانية ألا وهي متطلبات رجوع المسيح أي ما يطلبه الله منا في ضوء مجيء الرب ثانية إلى العالم. وثمة أربع كلمات أريد أن ألفت الانتباه إليها.
الكلمة الأولى هي "اذكروا". يقول الرسول بطرس في العدد الأول مخاطباً المؤمنين: "أنهضُ بالتذكرة ذهنكم النقي." وفي العدد الثاني يقول: "لتذكروا الأقوال التي قالها سابقاً الأنبياء القديسون ووصيّتنا نحن الرسل..." وفي العدد الثامن يقول لهم: "لا يُخفَ عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء", أي لا تنسوا هذا الشيء ولا تغفلوا عنه ولا تدعوه يفوتكم بل كونوا دائماً منفتحي الأذهان والعيون.
ما هي هذه الأمور التي يجب أن نذكرها ونكون على علم بها؟ بادئ ذي بدء يجب أن نذكر أقوال الأنبياء في شأن الأيام الأخيرة, أن نذكر أقوال أخنوخ ودانيال وأشعياء وغيرهم, وإن كنا غير ملمين بها فمن الضروري أن ندرسها بإمعان لأنها كالسراج المنير في الموضع المظلم ونحن نفعل حسناً إن انتبهنا إليها. ثم يجب أن نذكر أقوال الرسل في الموضوع ذاته لأنها تتفق مع ما قاله الرب نفسه. ولا يفوتنا أن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد, ممّا يعني أن توقيت الله يختلف عن توقيتنا وساعة الله تختلف عن ساعاتنا. فهو لا يتباطأ ولا يتأخّر عن الوفاء بوعده كما يظن بعضهم, ولكنه يتأنى ويصبر على البشر لعلهم يتوبون وعن شرهم يرتدعون. ولهذا يقول بطرس بالحرف الواحد "واحسبوا أناة ربنا خلاصاً." لماذا؟ لأنه لا يشاء أن يهلك الناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة, لأنه يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون.
فما علينا, إذاً, إلاّ أن نثق بحكمته ومحبته, ونشكره على صبره وطول أناته لأنه يفعل ما يفعل لأجل خيرنا وصالحنا في الدنيا والآخرة. إذاً أيها الناس "اذكروا".
الكلمة الثانية هي "انتظروا". تقول كلمة الله في العدد الثاني عشر "منظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحلّ السماوات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب". وفي العدد الثالث عشر تقول "ولكننا بحسب وعده ننتظر سماوات جديدة وأرضاً جديدة يسكن فيها البر." ومعنى هذا أنه يجب أن ننتظر أمرين (1) مجيء يوم الرب الذي فيه تحترق السماوات والأرض و(2) خلق سماوات جديدة وأرض جديدة للأبرار.
والسؤال الآن هو: كيف يكون الانتظار؟ وللإجابة, نقول بكلمة الرب إنه يجب أن يكون بفرح, كانتظار العروس لعريسها. ثم يجب أن يكون بنشاط لأن الانتظار في هذا المجال لا يعني الكسل والتواني عن العمل, بل يعني الانتظار باجتهاد. وخير عمل نقوم به هو الجهاد على الركب, وأقصد الجهاد بالصلاة والطلب لكي يسرع الرب في مجيئه ويخلّص منتظريه من هذا العالم الحاضر الشرير.
كذلك ينبغي أن ننتظر ونحن نعيش الحياة المقدسة المرضية أمام الرب. هذا هو المقصود بالآية الحادية عشر, التي تقول: "فبما أن هذه كلّها تنحل أي أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى؟" وفي الآية الرابعة عشر نقرأ الكلمات التالية: "إذ أنتم منتظرون هذه اجتهدوا لتوجدوا عنده بلا دنس ولا عيب في سلام."
بعد هذا يقول بطرس أنه يجب أن ننتظر برجاء. وما هو رجاؤنا؟ رجاؤنا هو في الدرجة الأولى عودة يسوع ثانية, وبعد ذلك نتوقع انتهاء العالم الحاضر الذي سيحرقه الله بنار, وابتداء النظام الأبدي.
أما الغاية من الانتظار فهي واضحة في العدد العاشر الذي يقول: "ولكن سيأتي كلّص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحلّ العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها." أي إن الغاية هي أن نكون مستعدين لئلا يفاجئنا يوم الرب ويأخذنا على حين غرة. يتحدث الرسول بولس عن هذه النقطة عينها في الإصحاح الخامس من رسالته الأولى إلى كنيسة تسالونيكي فيقول: "لأنكم أنتم تعلمون بالتحقيق أن يوم الرب كلّص في الليل هكذا يجيء. لأنه حينما يقولون سلام وأمان حينئذٍ يفاجئهم هلاك بغتة كالمخاض للحبلى فلا ينجون." ثم يستأنف قائلاً: "أما أنتم أيها الأخوة فلستم في ظلمة حتى يدرككم ذلك اليوم كلّص."
هل أنت مستعد؟ هل تنتظر عودة يسوع المسيح؟
نأتي الآن إلى الكلمة الثالثة وهي "احذروا". قال الرب يسوع في الإصحاح السابع من إنجيل متّى "احترزوا من الأنبياء الكَذَبة." وهنا يقول بطرس في العدد السابع عشر "احترسوا من أن تنقادوا بضلال الأردياء فتسقطوا من ثباتكم." من هم هؤلاء المضِلّون الذين يجب الاحتراس منهم؟ إنهم المستخفون بكلمة الله, بحيث أنهم يتجاهلونها عمداً أو يضيفون إليها- وهذا شرّ فظيع حذّرنا منه الكتاب المقدس في كلا العهدين. إنهم السالكون بالمنطق لا بالإيمان. إنهم الحكماء في أعين أنفسهم. إنهم غير العلماء وغير الثابتين. إنهم المنحرفون المحرّفون للتعاليم الموحى بها من الله. إنهم الماديّون الساعون إلى الربح, الذين يخدمون بطونهم لا ربنا يسوع المسيح. إنهم الجاهلون لحالهم ومآلهم. إنهم المعنيّون في كلام الرسول بطرس عندما تحدث عن "أشياء عسرة الفهم يحرفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب أيضاً لهلاك أنفسهم".
أمثال هؤلاء كثيرون جداً في أيامنا وغالباً ما يخدعون الناس بالبسمة المصطنعة التي يفترّ ثغرهم عنها, وبالكلام الطيب والكتب والمطبوعات التي يوزعونها فضلاً عن الأزهار والحلويات التي يبيعونها في سبيل قضيتهم الزائفة ومعتقداتهم التافهة التي يروّجون لها. أجل, نحن نعيش في الساعات الأخيرة من الأيام الأخيرة وما علينا إلاّ الحذر والانتباه لئلا نُساق بتلك التعاليم. لذلك حذار من قبول أي كتاب يناقض الكتاب المقدس. حذار الاستماع إلى أي تعليم لا يوافق كلمات ربنا يسوع الصحيحة. حذار أن نفتح بيوتنا لأمثال شهود يهوه والمورمون وجماعة مون. حذار أن نشتري كتبهم أو أن نحضر اجتماعاتهم أو أن نتبرّع لهم من أموالنا. ثم حذار أن نفتح لهم بيوتنا وأن نسلّم عليهم, لأن كلمة الله تقول "إن من يسلّم عليهم يشترك في أعمالهم الشريرة."
لغاية الآن تأملنا في ثلاث كلمات. الأولى "اذكروا" والثانية "انتظروا" والثالثة "احذروا". وهذا يأتي بنا إلى الكلمة الرابعة ألا وهي "اكبروا". هذا هو المقصود بلفظة "انموا". فالنمو يساعدنا على الثبات في الرب وكلمة الرب. النمو يساعدنا على النضج والسلوك بحكمة. النمو يصيّرنا رجالاً أشداء قادرين على الوقوف في وجه التعاليم الغريبة التي هي مزيج من الحق والباطل, ولا غرض لها سوى خداع قلوب السلماء والبسطاء.
يقول الرسول بطرس في هذا الفصل أنه يجب أن ننمو في مجالين: (1) يجب أن ننمو في النعمة و(2) يجب أن ننمو في المعرفة. فالمؤمن كالسيارة التي تحتاج إلى زيت يمنع الاحتكاك وإلى وقود يزوّدها بالطاقة الدافعة. فالمعرفة من دون نعمة تنفخ المرء وتجعله متكبّراً مغروراً. والنعمة من دون معرفة تجعل الإنسان عرضة للانخداع والانسياق بكل ريح تعليم. ولكن متى اقترنت النعمة بالمعرفة زال الخطر وسار كل شيء على ما يرام.
أريد لك قارئي الحبيب, أن تلاحظ أن نصيحة الرسول هي: انموا في النعمة. لا يقول انموا في نعمة, بل في النعمة أي في النعمة كلها أو في كل النعمة. ومعنى ذلك أنه يجب أن ننمو في نعمة الإيمان, وفي نعمة المحبة, وفي نعمة القداسة, وفي نعمة الطاعة, وفي نعمة الشكر, وفي نعمة البذل والعطاء, وفي نعمة التواضع ونكران الذات.
أما النمو في المعرفة فيجب أن يكون محصوراً في المسيح بصفته مخلّصاً وربّاً, لأن يسوع هو مخلّص وربّ. هل تذكر قول الملاك للرعاة عند ولادة المسيح في بيت لحم؟ قال لهم "وُلد لكم اليوم مخلّص هو المسيح الرب." وهنا يقول بطرس: "انموا في النعمة وفي معرفة ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح."
ثمة بعض ممّن يشددون على أن المسيح هو مخلّص وحسب. وهذا خطأ. لأن يسوع ليس مخلّصاً فقط, بل هو ربٌّ أيضاً. ولا يستطيع المرء أن يكون مؤمناً حقيقياً إلاّ على هذا الأساس. فإمّا أن يكون يسوع مخلّصاً وربّاً وإمّا لا يكون.
هذا هو بعض مل يطلبه الله منا في ضوء رجوع يسوع إلى العالم. فهل أنت تعيش حسب المطلوب؟ إن كان جوابك إيجاباً فأنت مستعد ليوم الرب القريب. وإن كان سلباً فأنت في خطر. ولكني أبشّرك بأنّ الوقت لم يفت بعد, وباستطاعتك أن تختبر خلاص الرب وسيادته عليك بمجرد أن تطرح نفسك بين يديه وتتكل عليه معترفاً بخطاياك ومؤمناً بدم المسيح المسفوك على الصليب لأجلك.
نأتي الآن إلى الناحية الثالثة المختصة بمجيء المسيح ألا وهي: غايات مجيء الرب.
الغاية الأولى من رجوعه إلى العالم هي وضع حد لفرصة التوبة. هذا ما تؤكده لنا الآية التاسعة من الفصل الذي قُرئ عليكم, بالمقارنة مع مقاطع أخرى من الكتاب المقدس. يقول بطرس الرسول, إن الله "يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يَهلِك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة". وفي العدد الخامس عشر يقول: "واحسبوا أناة ربنا خلاصاً". وهذا يتفق مع قول الرسول بولس في رسالته الأولى إلى تيموثاوس, حيث يقول: "الله...يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون." ولهذا يعطي الله الإنسان فرصة كافية لذلك, ولكن هذه الفرصة محدودة وتنتهي إمّا بالموت وإمّا بمجيء المسيح ثانيةً. هذه الفكرة بالذات نراها واضحة في مثل المسيح عن العذارى العشر في الإصحاح الخامس والعشرين من انجيل متى. قال: "جاء العيس (الذي يرمز إلى المسيح الآتي عن قريب) والمستعدات دخلن معه إلى العرس وأغلق الباب. أخيراً جاءت بقية العذارى أيضاً قائلات, يا سيّد افتح لنا. فأجاب وقال: الحق أقول لَكُنَّ إني ما أعرفكن."
نعود الآن إلى رسالة بطرس الثانية, يقول الرسول: صحيح أن الله "يشاء... أن يقبل الجميع إلى التوبة", ولكنْ كثيرون لا يتجاوبون مع إرادة الله ولا يستفيدون من الفرصة المتاحة لهم, ولذلك فهم يعرّضون أنفسهم للخطر والهلاك, لأن رجوع المسيح سيفاجئهم كما فاجأ الطوفان البشر في أيام نوح. أجل, سيأتي يسوع ليضع حداً لفرصة التوبة. فحذار أن تخسر هذه الفرصة لأنك إن خسرتها خسرت نفسك الثمينة. وماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟
الغاية الثانية من رجوع المسيح هي وضع حد للنظام الدنيوي. إنّ آخر الأيام أو الأيام الأخيرة هو ما دعاه المسيح "انقضاء الدهر". ويُفهم من هذا أن الأيام لها آخر, والعالم له نهاية, وهذا النظام الدنيوي له انقضاء, وما نسمّيه "الزمن" سيوضع له حد. ولهذا نقرأ في الإصحاح العبارات التالية: "أما السماوات والأرض الكائنة الآن فهي مخزونة بتلك الكلمة عينها محفوظة للنار...." وفي العدد العاشر يقول: "يوم الرب... فيه تزول السماوات بضجيج وتنحلّ العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها." وفي العدد الثاني عشر يقول: "يوم الرب الذي به تنحلّ السماوات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب". ثم يتابع: "ولكننا بحسب وعده ننتظر سماوات جديدة وأرضاً جديدة يسكن فيها البرّ."
إذاً, مجيء الرب يعني وداعاً للوقت, وداعاً للنظام الشمسي, وداعاً للأرض الكائنة الآن. ومرحباً بالسماوات الجديدة والأرض الجديدة, مرحباً بالأبدية, مرحباً بالنظام الجديد.
كيف ستحرق السماوات والأرض الكائنة الآن؟ لست أعلم. يكفي أن كلمة الله تقول إنها مخزونة ومحفوظة للنار. ولا فرق عندي إن تم ذلك بواسطة الانفجارات النووية أو بواسطة ارتطام النجوم المتساقطة على الأرض أو بأية واسطة أخرى. فالله قادر على كل شيء, ومتى قال فعل.
لماذا سيحرق الله عالمنا؟ لماذا سيضع حداً للأرض والأرضيات؟ بسبب شر الإنسان والخطية المتفشية في كل مكان. تصور قلب الإنسان إنما هو شرير في كل يوم ولهذا ستأتي النهاية.ففي القديم طهر الله بماء الطوفان أما هذه المرة فسيطهرها بالنار. طبعاً كلامي هذا يختلف عما يقوله بعضهم.
يقولون أن التاريخ يسير بشكل حلقات دائرية, ولذلك فهو يعيد نفسه بشكل أو بآخر. ويقصدون بهذا, أن التاريخ لا نهاية له ولا غاية. يقول بولس الرسول: "ليكن الله صادقاً وكل إنسان كاذب." فالله يعرف الماضي والحاضر وأيضاً المستقبل. أمّا البشر فمحدودون. فالنهاية قريبة جداً وآخر الأيام على الأبواب. فهل أنت مستعد؟
الغاية الثالثة من رجوع الرب هي وضع حد للشر والأشرار. وهذا واضح من قول الرسول بطرس في العدد السابع حيث يتحدث عن "يوم الدين وهلاك الناس الفجّار". فعندما يأتي المسيح ثانيةً سيكون مجيئه للدينونة أيضاً. قال الرب يسوع في الإصحاح الخامس والعشرين من إنجيل متى ما يلي: "ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميّز بعضهم من بعض كما يميّز الراعي الخراف من الجداء. فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه, تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعدّ لكم منذ تأسيس العالم... ثم يقول أيضاً للذين عن اليسار اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدّة لإبليس وملائكته..."
عندما يتحدث بطرس عن يوم الدين وهلاك الناس الفجّار فهو يتفق كل الاتفاق مع الرب يسوع في كلامه عن الموضوع نفسه. وهذا يعني, يا عزيزي, إنك ستقف يوماً ما أمام الله للدينونة, شئت أم أبيت, صدّقت أم لم تصدق. والسؤال الآن هو: أين ستكون في ذلك اليوم, عن يمينه أم عن يساره؟ إن كنت تائباً مؤمناً به وبكفارته التي تمّمها على الصليب, فلا شك أنك ستكون عن يساره. وكلمة الله تقول: "مُخيف هو الوقوع بين يدي الله الحي." بعد الدينونة يأتي الهلاك والنار الأبدية التي لا تُطفأ.
حذار أن تقيس نفسك بالناس. حذار اللعب بالخطية. حذار تصغير الخطية, أو تبرير الخطية. تقول كلمة الله: "أجرة الخطية هي موت..." ولكنها تقول أيضاً: "أما هبة الله فهي حياة أبدية في المسيح ربنا." فماذا تختار: أجرة الخطية أو الهبة المجانية؟
الغاية الرابعة من مجيء الرب ثانيةً, هي وضع حد لأتعاب المؤمنين. يقول الرسول بولس: "هكذا المسيح أيضاً بعدما قدم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين سيظهر ثانيةً بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه." وقال أيضاً في رسالته الثانية إلى تسالونيكي: "عادل عند الله أن الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقاً وإياكم الذين تتضايقون راحةً معنا عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكته قوته."
وهنا في هذا الفصل الثالث من رسالة بطرس الثانية, يقول الرسول للمؤمنين: "منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب". ولماذا ينتظر المؤمن رجوع الرب بفارغ الصبر؟ بل لماذا يصلّي طالباً أن يسرع الرب في مجيئه؟ لأن المؤمن يعرف أنه غريب ونزيل في هذه الدنيا, يعرف, كما قال يسوع, أنه ليس من هذا العالم, يعرف أن موطنه السماء. وفوق ذلك يشعر المؤمن بانزعاج شديد من شر هذا العالم, لأن العالم كله وُضع في الشرير. فما يراه ويسمعه ويختبره يسبب له ضيقاً وألماً وتعباً. ألا يقول الكتاب المقدس عن لوط أنه كان بالنظر والسمع... يعذّب يوماً نفسه البارة بالأفعال الأثيمة؟
أجل, المؤمن لا يشعر براحة في العالم, ولهذا فهو يتوق إلى يوم الرحيل, إلى الانعتاق, إلى الانطلاق إلى مكان الراحة والسعادة والهناء, الذي وعد به الرب للذين يحبونه. قال يسوع: "أنا أمضي لأعدّ لكم مكاناً, وإن أمضيت وأعددت لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم إليّ, حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً." لي اشتياق أن أكون مع المسيح- يا ليتك تقول مع المرنم:
ما أحلى يوم الإرتقاء يوم الهنا يوم اللقاء
هناك يحلو لي البقاء مفارقاً دار الشقاء
هل عندك هذا الرجاء؟ هل أنت مستعد لمجيء يسوع ثانيةً؟ أذكّرك أن الفرصة لم تفت بعد, ولكنها على وشك الانتهاء. وأذكّرك أن يسوع مات لأجلك ليخلّصك من وجود الخطية نهائياً. إن آمنت بمجيئه الأول صرت مستعداً لمجيئه الثاني.
- عدد الزيارات: 5798