Skip to main content

المصلوب لم يستطع أن يخلص نفسه

"إذا كان هو المسيح فلماذا لم يخلص نفسه، حين كان الشعب واقفين ينظرون والرؤساء يسخرون منه معهم قائلين: قد خلص آخرين فليخلص نفسه إن كان هو مسيح الله المختار حقاً. فلماذا لم يخلص نفسه إذا كان إلهاً أو على الأقل إذا كان عيسى"[1]   

التعليق:

"إن صلب المسيح لم يكن مجرد غلطة رهيبة، أو إساءة للعدل شنيعة، أو مهزلة قضائية مروعة، فليس الرومان من قتلوا المسيح، ولا اليهود بل أن المسيح هو من "وضع حياته" وقد أكد أن له سلطاناً أن يفعل ذلك وأن يسترد حياته أيضاً (يو 10: 17-18).

فلم يكن صلب المسيح حادثاً عرضياً، بل إنه الحدث المركزي في التاريخ كله، إنه المفتاح الذي لا بد منه لفهم المسيحية على حقيقتها، كما أنه المفتاح للأجوبة على الأسئلة الأساسية "من أنا؟ من أين جئت؟ إلى أين أنا ذاهب؟ ولماذا؟"[2]

"كان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم قائلين: يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام خلص نفسك، إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب. وكذلك رؤساء الكهنة أيضاً وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا: خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها. إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به. قد اتكل على الله فلينقذه الآن إن أراده، لأنه قال أنا ابن الله" مت 27: 39-43. واقرأ أيضاً مر 15: 29-33. لو 23: 35-40.

إن هذا الادعاء ليس بجديد فقد قاله المجدفون والمستهزئون للمسيح نفسه، وقد قاله الشيطان للمسيح وقت التجربة (مت 4: 3، 6)

إن المدعين هنا "علقوا تصديقهم أن المسيح ابن الله على نزوله عن الصليب، ولكن إن كانت كل المعجزات التي أتاها لم تبرهن لهم على صحة تلك القضية، فكيف تثبتها هذه المعجزة الوحيدة. نعم إن المسيح لم يفعل لهم هذه المعجزة التي طلبوها، ولكن أتاهم بأعظم منها، وهي قيامته من القبر، لأن الانتصار على الموت بعد حدوثه هو أعظم من الهرب منه بنزوله عن الصليب، وأكثر الناس كهؤلاء المجدفين يرغبون في مخلص لا صليب له ... ظنوا عدم تخليصه نفسه هو نتيجة عجزه واستنتجوا من هذا العجز أن كل ما أظهره من المعجزات هو خداع وسحر لم ينتفع بها في أشد الحاجة إليهما فما أبعد ظنهم عن الحقيقة، لأن علة عدم تخليص نفسه هو إرادته أن يخلص الآخرين"[3]

والتساؤل هنا: هل لو خلص المسيح نفسه ونزل من على الصليب يؤمن اليهود؟

أقول بكل تأكيد: لا. فلقد سبق المسيح وأوضح ذلك في مثل الغني ولعازر (لو 16: 19-31) فعندما طلب الغني من إبراهيم أن يرسل لعازر إلى إخوته الخمسة، حتى لا يأتوا إلى موضع العذاب، قال له: عندهم موسى والأنبياء ليسمعوا منهم. وعندما قال له: إذا مضى إليهم واحد من الأموات يتوبون. قال له: إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء ولا إن قام واحد من الأموات يصدقون.

بل إن قيامة لعازر من الموت، كانت سبباً في تآمر الفريسيين على المسيح لا سبباً في إيمانهم  به، وعند موت المسيح "القبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين. مت27: 52-53.

ليس في الكتاب ما يفيد أن شخصاً واحداً آمن نتيجة لقيامتهم، إن الأعمى لا ينفعه تغيير الألوان ما دام لا يقدر أن يرى، والذين يحكمون على أنفسهم بالعمى الروحي لا ينفعهم المزيد من الشهود ما داموا لا يريدون أن يؤمنوا[4]

لقد قالوا أو ربما وعدوا أنهم سوف يؤمنون به لو نزل من على الصليب، ولكننا نقول بكل إيمان نحن نؤمن به مسيحاً لأنه لم ينزل من على الصليب.

ثم نحن بدورنا نتساءل:

1-لماذا لم يخلص المسيح نفسه؟

أ-لأنه لهذا قد جاء، وقد سبق وأخبر بذلك كثيراً (مت 16: 17، 20....إلخ)

ب- لأن في الصليب إعلاناً لمحبة الله المتجسدة (يو 3: 16)

جـ-لأنه مسيح بالصلب، فقد أتى ليبذل نفسه فدية عن الآخرين.

د-لأنه لا يفعل معجزاته إرضاء لرغبات الآخرين، وهو غير خاضع لأوامرهم وشهواتهم الكاذبة، بل يفعلها في الوقت المناسب ولهدف معين.

هـ-إن المسيح قد عرف أنه ينبغي أن يموت، وأن موته سيحدث ليس لكونه ضحية لا حول له، بسبب قوى الشر المحتشدة ضده، أو بسبب مصير محتم كتب عليه، وإنما لكونه قد تبنى بمحض إرادته غرض أبيه الذي هو تخليص الخطاة. كان سيموت لأجل خلاص الخطاة ويبذل حياته فدية عنهم ليعتقهم (مر 10: 45)[5]

2-هل أراد المسيح أن يخلص نفسه ولم يقدر؟

قال المسيح لبطرس عندما أراد الدفاع عنه "رد سيفك إلى مكانه، لأن كل الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون. أتظن أني لا أستطيع أن أطلب من أبي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة. فكيف تكتمل الكتب، إنه هكذا ينبغي أن يكون" مت 26: 52-54.

3-ماذا لو أراد الله إنقاذ المسيح؟

ما هي الوسيلة التي يمكن أن يلجأ إليها في ذلك الوقت، والتي تتناسب مع عدله وعظمته وما هي النتيجة التي تعود على البشرية بعد ذلك؟

لو أراد الله إنقاذه من الصلب والموت، لكان هناك آلاف الوسائل التي كان في إمكانه استخدامها دون اللجوء للطرق التي لا تليق بعظمة الله وجلاله، والتي تؤدي بالبشرية إلى الضلال.

لو أراد الله إنقاذ المسيح من الصلب والموت لكان يليق بجلاله وعظمته وقدرته الكلية أن ينقذه بصورة واضحة جلية وظاهرة بأن يرفعه أمام الجميع، كما فعل مع أخنوخ (تك 5: 24)، وإيليا (2مل 2: 5-11) .... فيتمجد الله أمام الجميع، ولا يقع الشعب في ضلالة كبرى ... ولكن إرادة الله كانت أن يقدم المسيح ذاته فداء للبشرية[6]

في الختام نقول:

صلب أي شخص غير المسيح ماذا يعني؟

إن هذا يعني:

1-إن الله هو خادع البشرية، وحاشا له أن يكون كذلك.

2-عدم صحة الكتاب المقدس.

أ-العهد القديم: في نبواته بموت المسيح.

ب-العهد الجديد: في كل الأحداث التي ذكرها عن موت المسيح.

3-كذب المسيح نفسه في إخباره عن موته وقيامته والمسيح لا يمكن أن يكون كاذباً، وهو وجيه في الدنيا والآخرة.

4-خداع الرسل والتلاميذ في مناداتهم وكتابتهم عن موت المسيح وقيامته ولا يمكن أن يقدم شخص حياته للموت في سبيل أمر غير حقيقي ومؤكد.

5-هدم لكل العقيدة المسيحية، التي بنيت على أساس موت المسيح الفدائي على الصليب.

6-خداع الاختبار المسيحي، في قبول المسيح مخلصاً شخصياً على أساس موت المسيح على الصليب. وغفران الخطايا بسفك دم المسيح.

7-تكذيب للتاريخ وقد شهد لموت المسيح لا أحباؤه بل أعداؤه

وإذا كان هذا. فما هو الدليل على صدق أي شيء. فحقيقة موت المسيح على الصليب حقيقة لا تقبل الشك.

 

(103) المسيح قادم. ص 58.

(104) الجواب الوافي. بيتر كوتيريل. دار منهل الحياة. لبنان. سنة 1992. ص 77-78.

(105) الكنز الجليل. جـ3. ص 514-515.

(106) شرح بشارة لوقا. د.القس إبراهيم سعيد. ص 420.

(107) صليب المسيح. جون ستوت. ص 32-34.

(108) هل صلب المسيح حقاً وقام؟ القس. عبد المسيح بسيط. ط1 سنة 1993. ص 31-34.

  • عدد الزيارات: 1142