Skip to main content

القول بصلب واحد من تلاميذ المسيح

عندما طاش السهم ولم يحقق غرضه، أطلق غيرهم سهماً طائشاً آخر فقالوا: "إن اليهود لم يكونوا يعرفون المسيح، ويهوذا أعطاهم علامة، فهم عولوا في تعيينه لهم على يهوذا، فإذا ثبت ذلك فيحتمل أن يكون يهوذا إنما أشار إلى غيره لأنه ندم على بيعه. والدليل على توبة يهوذا وندمه:

1-قول المسيح له: يا صاحب لماذا جئت؟

2-أنه رمى بالدراهم، واعترف بالخطية وقتل نفسه، وهذا يدل على غاية الصدق في الندم.

ولما ندم يهوذا على ما فرط منه، فيحتمل أن يكون دل على غيره من أصحابه، وأن ذلك الغير رضي بأن يقتل مكان المسيح، فتعرض بنفسه لليهود، فأخذوه ورفع عيسى إلى السماء".[1]

وقد ساق أحد الكتاب عدة أدلة على أنه لا يمكن ليهوذا أن يسلم أو يخون المسيح وقال "أما الدليل على أن يهوذا لا يمكن أن يسلم المسيح أو يخونه، هو كون يهوذا أحد حواريي المسيح وأحبائه، بل لقد كان يهوذا هو أحد الاثني عشر تلميذاً الذين مدحهم المسيح أعظم مدح ووعدهم بالجلوس على كراسي العظمة والمجد. فقد ذكر متى قول يسوع: "الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" مت 19: 28 ويهوذا كذلك هو أحد الاثني عشر الذين دعاهم المسيح" ثم دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطاناً على أرواح نجسة يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف "أما أسماء الاثني عشر رسولاً فهي هذه.. ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه" مت 10: 1- 4.

إن يهوذا الذي أعطاه المسيح كل هذه السلطات يدعون أنه مات مرتداً وكافراً، وأنه خان المسيح وسلمه، وذلك على الرغم من شهادة المسيح له أنه سيكون معه هو والحواريون في الجنة في الآخرة. رغم أن يهوذا غسل المسيح رجليه مع باقي التلاميذ وقال له: الذي اغتسل ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه بل هو طاهر كله".[2]

التعليق:

لقد سبق وناقشنا في الصفحات السابقة ما هي الدوافع التي دفعت يهوذا أن يخون سيده وقلنا سواء كان الدافع سياسياً أو أخلاقياً فلقد خان يهوذا المسيح وتآمر مع أعدائه وقلنا إن المسيح كان عارفاً بهذا وقال لتلاميذه "أليس إني أنا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان. قال هذا عن يهوذا سمعان الإسخريوطي لأن هذا كان مزمعاً أن يسلمه" يو 6: 7- 71.

  • أما الادعاء بأن يهوذا لا يمكن أن يخون المسيح لأنه:

أ-واحد من تلاميذه.

ب-لأن المسيح وعده بأنه سيجلس على كرسي لدينونة أسباط إسرائيل.

ج- لأن المسيح قد شهد عن طهارته.

فقد سبق الرد على هذه الأقوال بالتفصيل في الصفحات السابقة.

  • أما دعوى أن يهوذا قد تاب توبة صادقة ولذلك لم يسلم المسيح بل أشار إلى غيره فهذه أيضاً دعوى كاذبة لما يلي:

في مت 27: 3- 5 "لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم ورد التلاميذ الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ قائلاً: قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً. فقالوا: ماذا علينا. أنت أبصر. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف. ثم مضى وخنق نفسه".

أ-فعندما رأى يهوذا أن المسيح قد دين، ندم. وكلمة ندم هنا "ليست نفس الكلمة التي ترجمت بهذا المعنى في العهد الجديد والتي تتضمن الغفران المبني على التوبة، بل تعني أنه تأسف أو غير رأيه، واستعمالاتها الأخرى الوحيدة نجدها في مت 21: 29، 32، 2 كو 7: 8، عب 7: 21"[3] فهي تعطي فكرة الأسف لكنها لا تعبر عن توبة صادقة تؤدي إلى الخلاص أي أن توبة يهوذا هي توبة اليأس القاتل، لأنه رغم أسفه لم يستطع التخلص من الشعور بالذنب. الذي أدى به إلى الانتحار شنقاً

ب-إن ندم يهوذا هذا قد حدث عقب المحاكمة الدينية التي أدانت المسيح، وقررت أنه "مستوجب الموت" مت 26: 26. والنص الكتابي واضح أنه "لما رأى يهوذا أنه قد دين ندم" مت 27: 3 إذن فالقول بأنه ندم فأشار إلى واحد غيره غير صحيح بالمرة.

ج-أما قول المسيح له: "يا صاحب لماذا جئت" مت 26: 5 ليس دليلاً على توبة يهوذا، لأن هذا القول تفوه به المسيح قبل القبض عليه مباشرة، والندم – كما سبق وأوضحنا – حدث بعد صدور الحكم اليهودي بأن المسيح مستوجب الموت.

وربما نجد في هذا القول من المسيح تنبيهاً وتحذيراً ليهوذا، فالمسيح لم يكن جاهلاً لسبب مجيئه, ولكنه أراد بقوله هذا أن يحثه ليتأمل الإثم الذي ارتكبه، وليتذكر قول المسيح عن مسلمه أنه "كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد" مت 26: 24. ثم يجب ألا يغيب عن فكرنا كون أن يهوذا خان المسيح، فهذا لا يغير بالمرة موقف المسيح المحب منه، فقول المسيح له: يا صاحب ليس بغريب عن المسيح الذي أوصى بمحبة الأعداء (مت 5: 44). والذي طلب الغفران لصالبيه (لو 23: 34).

د-إن يهوذا لم يستطع أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ليعالج ما أفسده. فهو قد اتفق مع الكهنة على أن يسلم لهم المسيح، وقاد الحملة بنفسه وتم القبض على المسيح وتم الحكم عليه بالموت. وعندما رأى يهوذا أنه قد دين ذهب إلى الكهنة وطرح الدرهم في الهيكل مقراً أن المسيح بريء. فماذا كان رد الكهنة؟ "أنت أبصر" مت 27: 4 أي أن هذه هي مسؤوليتك أنت ولا علاقة لنا نحن بها ولم يغير أسفه من واقع الأمر شيئاً.

ونختم هنا ما كتبه د. وليم إدي حول هذا الموضوع:

1-إن الحصول على أفضل الوسائل لا يضمن الخلاص، فقد كان يهوذا رسولاً مختاراً، ومن الاثني عشر، ورفيقاً للمسيح، وشاهد معجزاته، وسمع تعاليمه، ونال أفضل وسائط النعمة.. ومع ذلك هلك.

2-إنه يمكن أن ينال الإنسان صيتاً حسناً بين الناس وهو بلا تقوى أمام الله، فإن المسيح أرسل يهوذا كسائر الرسل ليعلم ويصنع الآيات، وظهر أنه ترك كل شيء لأجل المسيح كغيره من الرسل، ولم يظن أحد منهم فيه سوءاً، لأنهم عينوه أميناً لصندوقهم وحين قال المسيح للرسل "واحد منكم يسلمني" لم يشك أحد في يهوذا، بل نظر إلى نفسه أولاً، بدليل قول كل واحد منهم: هل أنا يا رب؟

3-إن الندامة على الإثم لا تصلح ما أفسده، ولا تسكت الضمير. فإن يهوذا ندم ورد الدراهم واعترف بإثمه، لكنه لم يقدر أن ينقذ المسيح بذلك، لأنهم لم يجيبوه إلا بقولهم: ماذا علينا. أنت أبصر. ولم يستطع أن يسكت ضميره بدليل أنه "مضى وخنق نفسه" وأما الذي لا تنفعه الندامة فينفعه دم المسيح إذا لجأ إليه ولكن يهوذا لم يفعل كذلك".[4]

مما سبق نرى:

-إن يهوذا لم يتب توبة صادقة.

-إن ندمه كان بعد تسليم المسيح وصدور حكم الإدانة، وليس قبل القبض عليه حتى يمكن أن يقال أنه ندم فأشار إلى غيره.

-إن الادعاء بأن المصلوب هو شخص آخر غير المسيح – واحد من تلاميذه – فهو مردود عليه في كل البراهين التي تثبت عدم صلب يهوذا أو سمعان القيريني أو باراباس، وأيضاً من خلال البراهين التي تثبت صلب المسيح في الفصل الثاني من هذا الكتاب.

 

(13) الإعلام. للقرطبي. تحقيق د.أحمد حجازي السقا. دار التراث العربي. ص 414- 415.

وانظر أيضاً:

أ- المنتخب الجليل من تخجيل من حرف الإنجيل لأبي الفضل المالكي المسعودي. تحقيق د.بكر زكي إبراهيم. ط1. سنة 1993. ص 308.

ب- بين المسيحية والإسلام لأبي عبيدة الخزرجي. تحقيق د.محمد شامة. ط2 سنة 1979. ص 161.

(14) المسيح بن الحقائق والأوهام د.محمد وصفي. تحقيق علي الجوهري. دار الفضيلة. ص 171- 172.

(15) تفسير إنجيل متى: ر.ت.فرانس. تعريب أديبة شكري. دار الثقافة. ط1. سنة 1990. ص 429.

(16) الكنز الجليل. وليم إدي. جـ1. ص 454- 455.

  • عدد الزيارات: 821